موقع النيلين:
2025-05-09@08:26:29 GMT

العد التنازلي لأعمارنا!

تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT


كـانـت الرسوم والأطلال غرة قصائد الشعراء في العصر الجاهلي، وكذلك في العصر الإسلامي الأول، والواقع أنها ديباجة رائعة واستهلال أروع يرفع من قيمة القصيدة ويجعلها ذات وقع جميل على من يتلقاها.

ولا شك أن الوقوف على الرسوم والأطـلال يثير الشجن، ويذكرك بأنـاس كانوا أعزة عليك، فارقوك ولم يبق إلا ذكراهم، تراودك بين الفينة والأخرى فربما بعثت في نفسك الأمل في غد أفضل، أما الرسوم فهي بقايا تكون على الأرض وتظهر لاصقة بها، مثل الرماد والدمن، والمتناثر من الفرش، والرسوم جمع ومفردها رسم، أما الـطلل وجمعها أطلال فتلك بقايا ما يظهر فوق الأرض من الأوتاد والأثافي وقطع الخيام، وغير ذلك من آثار الديار التي كانت مأهولة ثم خلت من أهلها، وصارت بلاقع، وفـي ذلك يقول الشاعر الجاهلي الحكيم ذو الاصبع العدواني حرثان بـن محرث، وهو من المعمرين:هل تعرف الرسم والأطلال والدمنا

زدن الفؤاد على ما عنده حزنا

دار لصفراء إذ كانت تحل به

وإذ ترى الوصل فيما بيننا حسنا

ونحن وإن تقدمت بنا السن، وبـــدأنا العد التنازلي لأعمارنا، فمازلنا نتذكر منازلنا القديمة «وسكيكنا وفرجاننا وبرايحنا وعوايرنا» التي لعبنا فيها وقضينا بها أجمل أيامنا، وشهدت مرتع صبانا بين مدارسنا وملاعبنا ودكاكيننا ومزارعنا، كل ذلك عالق في الذاكرة لا يزول ولا يتزحزح، مثل المداد الذي لا يمحى ولا يمسح، فنقف على تلك الآثار ونتنفس الصعداء ولسان حالنا يردد قول طرفة بن العبد:لخولة أطلال ببرقة ثمهد

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

وقوفاً بها صحبي عليّ مطيهم

يقولون لا تهلك أسًى وتجلّد

لقد كنا نشعر بالأمن والراحة والاطمئنان الذي افتقدناه في زماننا هذا، ذكريات جميلة تعاودنا كلما شغلتنا أمور الحياة عنها، ولقد دعاني إلى كتابة هذا العمود قصيدة حزينة لشمس الدين الكوفي محمد بن أحمد الهاشمي عاودت قراءتها عشرات المرات لأنها تثير في الشجن وتذكرني بأهل وأحبة لي رحلوا عن هذه الدنيا الفانية، تقول بعض أبياتها وهي كثيرة:عندي لأجل فراقكم آلام

فإلامَ أعذل فيكم وآلام

إن كنت مثلي للأحبة فاقدا

أو في فؤادك لوعة وغرام

قف في ديار الظاعنين ونادها

يا دار ما فعلت بك الأيام

طلال السعيد – الأنباء الكويتية

.

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

الهدوء الذي يسبق العاصفة

 

 

علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com

يعيشُ الوطن العربي حالة تاريخية غير مسبوقة من الترقب، تتراوح فيها نسبة انتصار الأمة ومصيرها بين معدليْ ممتاز جدًا وسيئ جدًا، ولكل حالة من الحالتين أسباب وشروط وضوابط. وإذا كان الكثير من عرب زماننا يعيشون في حالة سيئة جدًا الى درجة الثمالة، ويعتقدون بأن حالة الممتاز جدًا أضغاث أحلام وإفراط في التفكير، فإن الواقع اليوم يساوي بين الحالتين في احتمالية التحقيق.
شكَّل "طوفان الأقصى" حالة تاريخية صادمة ومُفاجأة لعرب زماننا قبل العدو، وخاصة النُخب العربية بفئتيها الرسمية والعامة؛ بسبب تراكم غبار الفكر التاريخي وتشكيله ضبابية كثيفة على الوعي وربيبه الفكر؛ حيث تلبسوا بتلابيب الهزيمة وأنتجوا ثقافة البؤس والفجيعة، وعلقوا شماعة بؤسهم على العرب بتاريخهم وثقافتهم وموروثهم وأدوات حضارتهم، وانتقوا من تاريخ الأمة وموروثها ما يعزز ويدعم سردياتهم ويبرر حالتهم في الخنوع والاستسلام والتسليم بضعفهم وقوة خصومهم وبراعتهم وقوة حيلهم وتدبيرهم. وأصبحوا يترقبون المعجزات لتغيير حالهم وموائد من السماء وهم عاكفون في تقاعسهم ومتواكلون على تدبيرهم.
أتى الطوفان، فزلزل تلك القناعات والسرديات، وكشف عوار فكرهم، وبرهن لهم أنَّ الصراع صراع إرادات أولًا ثم قوة سلاح واقتصاد وعدد وعُدة، وفي المقابل رأوا حجم العدو الحقيقي حين واجه الإرادة؛ حيث تآكلت سرديات أدواته وقلاعه التي تستر خلفها لعقود ليدخل الرعب في قلوب أبناء الأمة، ويُعجزهم حتى عن مجرد التفكير في مواجهته.
قليلٌ من عرب زماننا من أدركوا وظيفة كيان العدو ومهمته وحقيقة قوته، وأدواته للسيطرة على وعي الأمة وعقلها أولًا ليتمكن من مقدراتها وثرواتها وجغرافيتها لاحقًا، لهذا اختصروا التفكير وحملوا السلاح وواجهوا العدو، فالسلاح هو اللغة الوحيدة التي يخشاها العدو ويفهم أثرها البالغ عليه.
ما زال الطوفان يعتمل في وجدان الجميع بين مُصدق ومُكذب لما حدث، وخاصة انكشاف العدو وظهوره على حقيقته؛ الأمر الذي سيجعل عرب زماننا يقلبون الرأي في موروثهم العقلي والنقلي المكتسب من ثقافات وعد بلفور وسايكس بيكو وحلف بغداد وكامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو.
ومن لم يُقلب الرأي سيتجاوزه الزمن ويصبح رأيه شبيهاً بالخرافات والأساطير التي ظهرت قبل الحقائق العلمية الدامغة والناسخة لما قبلها.
وسيدفع الطوفان وثقافته بمعاصريه إلى نسخ الثقافات الانهزامية الموروثة والمتناسلة من تاريخ الخلافات النفعية البالية والاحتلالات السالبة لكل شيء. من يتأمل حالة مواجهة اليمن اليوم لقوة كبرى، يعلم بأنَّ وراء تلك المواجهة ارادة انتصار صلبة قبل كل شيء، ومن يرى حالة كيان العدو وتشظيه يعلم بأنَّ ما بُني على باطل فهو باطل، حتى وإن سلَّمنا جدلًا أو يقينًا بأنَّ المقاومة ومحورها هُزمت والعدو ومحوره انتصر، فأعراض الطوفان وصدمته كفيلان بإحداث ارتدادات قوية وعميقة ومراجعات تُشبه محاكاة الفناء بداخل كيان العدو ورعاته، لأنهم وبكل بساطة وصلوا المرحلة النهائية للطُغاة وهي الغلو في البطش والقتل والدمار.
الطوفان ليس حالة عابرة؛ بل ثقافة عابرة للحدود والأجيال معًا. والله غالب على أمره.
قبل اللقاء.. من يعتقدون بأنَّ التاريخ أصبح مادة مستقرة في بطون كتب المناهج التعليمية فهم واهمون؛ فما زال التاريخ يُصنع كل يوم، وعلى كل أن يختار موقعه من الإعراب والتاريخ معًا. 
وبالشكر تدوم النعم.
 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الفاتيكان يختار أول بابا أمريكي عبر التاريخ.. وهذ اللقب الذي سيحمله
  • ماذا يعني اسم سيندور الذي أطلقته الهند على عمليتها ضد باكستان؟
  • كان منزلنا في قلب الحصار الذي فرضته مليشيا الجنجويد، المدججة بالأسلحة والمركبات
  • معاريف تعلق على اغتصاب ميا شيم.. كانت أكثر أمانا لدى حماس
  • معاريف: أسيرة إسرائيلية سابقة كانت أكثر أمانا لدى حماس
  • نتيجة حرب ترامب على اليمن كانت عكسية
  • كانت الأرخص.. أول سيارة يرتفع سعرها بفضل الرسوم الجمركية
  • الهدوء الذي يسبق العاصفة
  • اتفّاق صينيّ أوروبيّ لرفع القيود على التبادل التجاري.. هل كانت سياسة ترامب السبب؟
  • شاهد..الـ “SCLCO” يشل نشاط شبكة إجرامية كانت تنشط تحت غطاء شركات وهمية