- المرأة احتلت مكانة مرموقة في عالم الفقه والقانون الإسلامي
 - رموز نسائية حملت راية العلم والإسلام

لم يقتصر علم الفقة والدين على الرجال فقط بل هناك الكثير من النساء الذين برعوا في علم الفقه وأصول الدين الإسلامي وتتلمذ على أيديهن كبار العلماء والفقهاء من الرجال والنساء فهناك العديد من الفقيهات الذين يعدوا جزءًا أساسيًا ومهمًا فى تاريخ الدين الإسلامي.


فعندما نتحدث عن دور المرأة في الإسلام، يبرز دور الفقيهات بشكل خاص، حيث تمتلك هؤلاء النساء مكانة مرموقة في عالم الفقه والقانون الإسلامي، وتتجلى أهمية الفقيهات في فهمهن العميق للتشريعات الإسلامية وتطبيقها على واقع الحياة اليومية، كما ساهم وجود فقيهات فى تعزيز دور المرأة والمطالبة بحقوقها والدفاع عنها وفقا للشريعة الإسلامية.

 
وتستعرض «البوابة نيوز» أبرز الفقيهات فى تاريخ الدين الإسلامي..

1- كريمة المروزية (أم الكرام)


هى اول امرأة درَّست البخاري،التي لُقِّبت بأم الكرام،كانت فقيهة ومحدثة،اشتهرت برواية صحيح البخاري وإسماعه، وكان لها دورا بارزا في خدمة الإسلام وعلومه، ولدت في "مرو الشاهجان" عام 363 ه، وتتلمذ على يديها كبار العلماء،وإليها ينتهى أعلى سند لصحيح الإمام البخاري، وقد بلغت درجة عالية من العلم والمعرفة، ووصفت بأنها كانت محدثة فاضلة ذات فهم ونباهة وبلاغة.

 
كما أنها قضت حياتها تحفظ وتتعلم وتُعلم حتى تركت بصمة فى علوم الدين الإسلامى،وارتبط اسمها باسم صحيح البخاري، وظلت مجاورة لبيت الله الحرام، ووهبت حياتها لتعليم أصول الدين فظلت عذراء لم تتزوج حتى توفيت بعد أن بلغت المائة من عمرها عام 463.


2- الشيخة عائشة الباعونية

هى فقيهة وعالمة صوفية، من أصول أردنية وهى من مواليد عام 922هـ وتعد المرأة الصوفية الوحيدة من القرون الوسطى التي سجلت آرائها الخاصة في الكتابة، وكانت عالمة متعددة المواهب، حيث نالت من العلوم حظا وافرًا، وأُجيزت بالإفتاء والتدريس، وألّفت عدّة مؤلفات، وقامت بشروحها، ولخّصت المصنفات واختصرت الكتب، وكتبت الأراجيز،وكانت ايضا مرشدة وشاعرة صوفية بارزة، كما انها قامت بتقديم مؤلفات باللغة العربية أكثر من أي امرأة أخرى وتعددت مواهبها الشخصية بين المواهب الأدبية والميل الصوفي.
 

عائشة عبد الرحمن 


3- عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)

تعد هى أول امرأة تحاضر في الأزهر وتصبح رمزًا للتعليم والثقافة، وُلِدت في دمياط عام 1913، ورغم منعها من الدراسة في سن السابعة، نجحت في التعلم بالمنزل وتفوقت في دراستها، حتى أصبحت محاضرة بارزة في الأزهر،وكانت مسيرتها المهنية مليئة بالإنجازات، حيث حصلت على العديد من الجوائز،فقد كانت أول امرأة عربية تنال جائزة الملك فيصل في الآداب والدراسات الإسلامية، كما حصلت على شهادة الكفاءة للمعلمات سنة 1929 وقد كان ترتيبها الأول على القطر المصري.


وشغلت العديد من المناصب فى أغلب جامعات الدول العربية، مما جعلها مثالًا للمرأة المسلمة المبدعة والمؤثرة.


كما أنها قد نشرت أكثر من أربعين كتابًا في الدراسات الفقهية والإسلامية والأدبية والتاريخية من أهمها (التفسير البياني للقرآن الكريم، والقرآن وقضايا الإنسان، وتراجم سيدات بيت النبوة).


4- زينب المقدسية (العذراء)

هي عالمة حديث، وُلِدَت في دمشق عام 646هـ ونشأت فى بيئة علمية، بدأت دراستها الشرعية وهى في سن صغيرة، وسافرت للتعلم في أماكن مختلفة كماردين وبغداد وحلب وحران والإسكندرية والقاهرة،وتُعتبر من بين أبرز العلماء حينها ومسندة الشام، حيث كانت مصدرًا رئيسيًا للعلم، وقدّمت الإجازات والتعليم للعديد من الطلاب.


وكتب عنها تلميذها علم الدين البرزالي كتابًا نقله عنها في أحاديثها العالية الإسناد، اسماه «الأحاديث الموافقات العوالي للحافظة زينب بنت كمال المقدسية»، ولم تتزوج قط حتى وفاتها ولذلك لقبت بـ "العذراء"، اشتهرت بمعرفتها الواسعة وتأثيرها الكبير في تنمية جيل من العلماء والمشاهير. وتوفيت عام 1339 م بدمشق، ودفنت في مقبرة عائلتها،وشُيع جثمانها بمشاركة واسعة من العلماء والمشايخ في جنازة مهيبة

5- خديجة القيروانية 

هى خديجة القيروانية، ابنة الإمام سحنون بن سعيد التنوخي، حامل لواء مذهب مالك بالمغرب،،ووفقًا لما ورد في "ترتيب المدارك" للقاضي عياض كانت خديجة شخصية عاقلة وعالمة، وكان والدها يثق بها ويستشيرها في قضاياه المهمة،،حتى إنه لما عرض عليه القضاء لم يقبله إلا بعد أخذ رأيه، وكذلك فعل أخوها محمد بعد وفاة والدهما، تميزت بعلمها ورجاحة عقلها، وكانت تستشيرها النساء في مسائل الدين والحياة اليومية، رفضت عروض الزواج لاحترام رغبة والدها وأخيها، وتفضلت بالاكتفاء بالعبادة والنصح فى أمور الدين،وتوفيت وهي بكر في عام 270
 

نفيسة عبد الكريم

 


6- نفيسة عبدالكريم زيدان 

تعد من أبرز وأهم الفقيهات في مصر، وُلدت في القاهرة عام 1928م، تنتمي إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وبالرغم من كفّ بصرها منذ الولادة، لكنها كانت تمتلك بصيرة قلبية عميقة تمكنها من التحدث بشكل مباشر وواضح عن الأمور كما لو كانت تراها، بدأت دراستها بحفظ القرآن الكريم عند في السابعة من عمرها، ثم انتقلت لحفظ متن الشاطبية في القراءات السبع
وحصلت على الإجازة في عام 1940م،، واستكملت مسيرتها في تعلم القراءات بإكمال القراءات العشر الصغرى والكبرى، والقراءات الأربع الزائدة على العشرة، تميزت بفهمها العميق للقراءات والفقه الحنفي، وقد أثنى تلاميذها على صبرها وعطائها وعمق بصيرتها القلبية ومعرفتها الشاملة في العلوم الإسلامية

7- أم عبدالله (ست العيش )
هى من مواليد عام 761ه، عالمة وفقيهة، تلقت تعليمها على يد الكثير من العلماء منهم جدها فتح الدين القلانسي والعزّ ابن جماعة، والقاضي موفق الدين الحنبلي وغيرهم، وحصلت على إجازات علمية من مختلف العلماء والمشايخ في الشام ومصر.

تميزت بالدقة والذكاء في فهم الفقه وحفظه، مما جعل طلاب العلم والعلماء يلتفون حولها للاستفادة من علمها، كما كانت تتميز ايضا بخطها الجيد والرصين، وقد تركت بصمتها في التاريخ العلمي والديني،وتوفيت عام 840 ه.


 

سعاد إبراهيم صالح

8- سعاد إبراهيم صالح (مفتية النساء)

هي باحثة وداعية إسلامية، أستاذة ورئيسة قسم الفقه المقارن في كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، من مواليد عام 1945، وكانت عميدة سابقة لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات في جامعة المنصورة.


ومقررة اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة في الفقه بجامعة الأزهر،لقّبت بـ«مفتية النساء» كما لقبها الإعلام بـ«فقيهة المرأة» نظرًا لمواقفها الداعمة لحقوق المرأة وفقًا للشريعة الإسلامية،تشتهر بصرامتها وجدية آرائها، وإثارة الجدل بسبب فتاويها، مثل فتوى حول سفر الرجل بدون إذن زوجته، كما أعربت عن رأيها بشأن النقاب، مؤكدة أنه ليس فريضة أو سنة، وأنها تؤيد تولية المرأة القضاء والإفتاء، وأن تعدد الزوجات بدون سبب مشروع يمثل ظلمًا للمرأة، وأن ختان الإناث حرام شرعًا،وكما أشارت إلى ضرورة تنقية الأحاديث لمنع تزييفها وتضليل الناس.

9- دهماء المرتضى (صاحبة العلوم الواسعة)

تُعد دهماء من أهم الشخصيات النسائية البارزة التي تألقت في مختلف ميادين العلم والأدب الإسلامي، فقد برعت في الفقه، وعلم الكلام، والتفسير، وحتى في الشعر، ما جعلها تحظى بمكانة مرموقة في التاريخ الإسلامي، وهى من مواليد مدينة "ثلا" في اليمن، وقد اشتهرت بتدريس العلوم الشرعية فيها، حيث استفاد العديد من الطلاب من علمها واكتسبت سمعة طيبة، وكانت تعرف بالزهد والعفة والتقوى، كما أنها كانت شاعرة مجيدة إلى جانب علمها العميق،وقد ارتقت في علوم النحو والأصول والمنطق، وكتبت العديد من المؤلفات والمصنفات التي أثرت التراث الإسلامي، منها كتاب "الأنوار" و"شرح منظومة الكوفي في الفقه والفرائض"، بالإضافة إلى كتب أخرى في علوم الكلام والفقه،كما عُرفت بشعرها الجميل وقدرتها على التعبير، مما جعلها تحظى بشعبية واسعة 

10- فاطمة بنت محمد بن عبد الوهاب" صاحبة الهجرتين"

هي داعية وعالمة دين، اشتهرت بدورها البارز في نشر العلم والعقيدة السلفية في شبه الجزيرة العربية، وهى من مواليد القرن الثالث عشر الهجري،وقد أخذت العلم عن والدها" الشيخ محمد بن عبد الوهاب" الذي كان له تأثير كبير في توجيهها نحو طلب العلم.،وتابعت فاطمة نهج والدها في تعليم الرجال والنساء،،وكانت تُدرسهم بواسطة سترة تحول بينها وبينهم، كما أنها قد عاشت فترة كبيره من حياتها في ظل الاضطرابات السياسية، حيث شهدت سقوط الدولة السعودية الأولى بحصار الدرعية، وخرجت منها بصحبة أبن أخيها علي بن حسين إلى رأس الخيمة ومن ثم إلى عمان، حيث عملت على نشر العقيدة السلفية بين العمانيين، وعادت إلى الرياض مرة اخرى بعد تأسيس الدولة السعودية الثانية، واستقرار الأوضاع في نجد، ومضت في نشر العلم والدعوة،تُعرف بلقب "صاحبة الهجرتين" نظرًا لرحلتيها الثقافية والسياسية من الدرعية إلى رأس الخيمة ثم إلى عمان وعودتها إلى الرياض.

 

عبلة الكحلاوي 

11- عبلة الكحلاوي (ماما عبلة )
هى فقيهة وداعية إسلامية مصرية تعتبر من أهم رواد العمل الخيري في مصر، وُلدت فى حى الزمالك بالقاهرة عام 1948، حلمت بأن تصبح سفيرة، لكنها اختارت الانضمام إلى كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر تلبية منها لرغبة والدها وتخصصت في الشريعة الإسلامية وحصلت على الماجستير والدكتوراه في موضوع «الشورى قاعدة الحكم الإسلامي».


ولقبت بعدة ألقاب من بينها "ماما عبلة" و"أيقونة الداعيات السيدات"، وشغلت منصب أستاذة للفقه المُقارن بكلية الدراسات العربية والإسلامية للبنات بجامعة الأزهر، ولعبت بارزا في الدعوة النسائية، وتميزت بأسلوبها اللين والبسيط في توجيه النصائح فقد جعلها ذلك محبوبة ومؤثرة بشكل كبير.


وقبل وفاتها بعدة سنوات قامت بتأسيس جمعية الباقيات الصالحات إحدى أكبر الجمعيات الخيرية الموجودة في مصر والتي تُقدم العديد من الخدمات الاجتماعية بكافة المُحافظات لرعاية الأطفال الأيتام ومرضى السرطان وكبار السن من مرضى ألزهايمر وتُعتبر مؤلفاتها مساهمة قيمة في الفقه والقضايا الاجتماعية، حيث تناولت مواضيع متنوعة مثل الحج والعمرة وحقوق الأبوة والبنوة، وقضايا أخرى تتعلق بالمرأة والأسرة.
 

نادية عمارة

12- نادية عمارة 

هي داعية إسلامية مصرية، وخبيرة في فقه النساء، حاصلة على درجتي الماجستير والدكتوراه فى الدراسات الإسلامية وتتلمذت على يد الشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ ياسين رشدي، وقامت بتقديم العديد من البرامج الدينية ومن أشهر هذه البرامج قلوب عامرة وأنوار رمضان، وفقه النساء، وتعد من أبرز الشخصيات التي حرصت على الاستمرار في طلب العلم والتعلم فى أصول الدين،وقد بدأت رحلتها الدينية وهى فى سن صغيرة، حيث حصلت على إجازة في تحفيظ القرآن الكريم وهي في الحادية عشرة من عمرها، وأكملت تحفيظها عندما بلغت السادسة عشرة.

ومن بين مؤلفاتها كتاب "تفسير سورة الأنبياء"، "القصص القرآنية في تفسير الشيخ الشعراوي"، و"قضايا المرأة المسلمة بين التقليد والتجديد".
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: البوابة نيوز الدراسات الإسلامیة العدید من من العلم کما أنها فی الفقه

إقرأ أيضاً:

الإمام محمد عبده باحثا عن النهضة

(1)

من المعلوم أن في كل أمة من الأمم وفي كل ثقافة من الثقافات أعلاما مفكرين مجدّدين مصلحين، وأئمة مخلصين يهدون الأمة ويرشدونها، وينهضون بالإصلاح والتجديد فيها، وهم -في العادة- لا يظهرون إلا في فترات من الزمن متباعدة..

ولم يكن الإمام المصلح المجدد الشيخ الجليل محمد عبده (1849-1905) مجرد رجل دين تعلم في الأزهر ودرس فيه وأصبح في زمنه أكبر علمائه وأشهر شيوخه (على الرغم من الممانعة التي واجهته بسبب جرأته وعقلانيته وملكاته الفكرية والنقدية والثقافية)، بل كان رأس الحربة في تيار الإصلاح والتجديد والنهضة التي استلم رايتها من رائد الفكر العربي الحديث رفاعة الطهطاوي (1801-1873).

قرن وربع القرن مرت على رحيله (توفي الإمام الجليل في 11 يوليو 1905) وما زال حضوره وما زالت آراؤه وما زال مشروعه الإصلاحي التجديدي النهضوي محل اهتمام ونظر وتأمل من المفكرين والمثقفين المعنيين بأزمات الفكر والنهضة والثقافة والتقدم والمستقبل.

يتفق الدارسون والمتخصصون في فكر الإمام محمد عبده على وصف خطابه بالإصلاحي التجديد الشامل، وعلى قدرته العالية على محاورة الآخر، ولو من باب السجال.

من جهة أخرى، خطاب حضاري إنساني يسعى لتأكيد قيم الحرية، والمساواة، والعدل، ويريد استنهاض الشعوب لاسترداد مجدها والسيطرة على مصيرها.

ولم يكن الخطاب الإصلاحي للشيخ محمد عبده مختلفًا في منطلقاته العامة عن خطاب أستاذه "الأفغاني"، وإن اختلف معه في التفاصيل الدقيقة، ونحن نعلم عمق تأثير الأفغاني في الشيخ محمد عبده، وهو تأثير أكثر من تأثيره في كل من أثر فيهم خلال سنوات إقامته في مصر.

لقد استطاع عبده أن يحول أطروحات الأفغاني العامة إلى خطة عمل فكري ثقافي شاملة؛ ومن خلال نهجه "الإصلاحي" تتلمذ على يد الأستاذ الإمام العشرات من رجال الفكر والثقافة والدين؛ ومن عباءته الفضفاضة خرج السلفي المغرق في سلفيته "رشيد رضا"، والليبرالي الموغل في ليبراليته "منصور فهمي" و"قاسم أمين"، والوسطي المعتدل في وسطيته "الشيخ مصطفى عبد الرازق"، والاشتراكي والاجتماعي، والتنويري، والسياسي، والناقد، والمفكر، والمفسر، والفقيه، وأستاذ الجامعة... كان من تلاميذه كلٌّ من: العقاد، وطه حسين، وأحمد أمين، وسعد زغلول، والأخوان مصطفى وعلي عبد الرازق، ومصطفى صادق الرافعي، ومحمد فريد وجدي، ورشيد رضا، وعبد العزيز جاويش، وغيرهم..

(2)

وإذا كان جل أو كل من أرخ لسيرة حياة الشيخ محمد عبده قد توقف عن الأثر الكبير لجمال الدين الأفغاني في نفسه وفي روحه وتكوينه العام، فإن ثمة اتفاقا أيضا على أن الشيخ محمد عبده قد شكل شخصيته المستقلة وجوهر مشروعه الإصلاحي والنهضوي والتجديدي وفق خلاصة تكوينه وشخصيته وإرادته الحرة المستقلة، يقول أحد الدارسين حول هذه الفكرة:

"إن الشيخ محمد عبده، وإن كان متأثرا بمبادئ أستاذه السيد جمال الدين الأفغاني، فإن مذاهبه الإصلاحية لها شخصية مستقلة، إذ كان الشيخ محمد عبده معلما مصلحا يدعو إلى النهضة والرقي في هدوء وتدرج، بينما كان السيد الأفغاني يرى أنّ الثورة هي سبيل الإصلاح الاجتماعي والسياسي".

وجدير بالذكر أنَّ الدعوات الإصلاحية للإمام محمد عبده قد وجدت طريقها إلى قلوب وعقول الناس بفضل بلاغته وقوة حجته، وقدرته على الإفهام والإقناع بما أوتي من فصاحة اللغة، وتأثير البيان.

في كتابه المهم «رائد الفكر المصري، الإمام محمد عبده»، للدكتور عثمان أمين أحد أبرز من تأثروا بمنحى الإمام فكريا ونهضويا يرى أن الأستاذ الإمام محمد عبده يحتل مكانة كبيرة في تاريخ الفكر العربي المعاصر، وفي مقدمته لهذا الكتاب الذي يعد أحد أهم الكتب التي تعرضت لدراسة فكر الشيخ محمد عبده وتحليل آرائه وتصوراته الإصلاحية والتجديدية والنهضوية، يقول أستاذ الفلسفة الإسلامية الراحل الدكتور عاطف العراقي وقد أشاد بأفكار الأستاذ الإمام الذي يعد خالدا بفكره النقدي، واتجاهه التنويري، خاصة في المرحلة المظلمة التي عاصرها، وكانت تحتاج إلى الكثير من الجهود التي تشيع النور والضياء، يقول العراقي: "عاش الأستاذ الإمام في قلب المشكلات الفكرية والاجتماعية الكبرى، وناضل من أجل حلِّها، لذا كانت جهوده الإصلاحية حية نابضة بما يتصل بالهم المصري الخاص، والهم العربي العام" خلال الفترة البسيطة التي عاشها والتي لم تزد على نصف القرن ببضع سنوات فقط.

(3)

يعتبر الدكتور نصر أبو زيد المرحلة الأخيرة من حياة الإمام محمد عبده، بالتحديد بعدما ولي مشيخة الإفتاء في الديار المصرية، هي مرحلة تبلور المشروع الإصلاحي التجديدي للفكر الإسلامي ومن ثم الفكر العربي كله. فبعد تعيينه مفتيًا للديار المصرية عام 1899 عالج الأستاذ الإمام عدة مواضيعَ اجتماعية وثقافية عملية من منظورٍ إسلامي "عقلاني"، وأنشأ برنامجًا لإصلاح التعليم العالي الإسلامي ومناهج التعليم وإعادة النظر في طريقة تدريس العلوم الشرعية.

وكذلك سعى الإمام محمد عبده لتطبيق هذه التغييرات العملية عام 1892 بإصلاحاتٍ مزمعة للتعليم عمومًا والأزهر على وجه الخصوص. وقد اقترح بالإضافة إلى ذلك خططًا كثيرة لإصلاح النظام القضائي. وكانت جهوده لإصلاح الأزهر في بعض النواحي موفقةً إلى حدٍّ ما.

ولكن نظرًا للمقاومة الشديدة من جانب العلماء التقليديين لذلك، فقد بدأ يولي "الإصلاح الفكري" اهتمامًا أكبر. وقد برهنَت كل هذه الأعمال على ثقته في كلٍّ من «العقل» و«الدين» باعتبارهما أفضل أساس للحيلولة دون ضلال العقل.

وقد جعَلَته قضايا الإسلام والمعرفة الحديثة التي شكَّلَت جوهر كتاباته يُعيد دراسة التراث الإسلامي. فقد دفَعَته لفتح «باب الاجتهاد» على مصراعَيه، وفي كل مجالات الحياة الاجتماعية والفكرية. وحيث إنه رأى أن الدين جزءٌ أساسي من الوجود البشري، فقد كان إصلاح الفكر الإسلامي هو السبيل الوحيد لبدء إصلاحٍ حقيقي.

(4)

بعبارة أخرى، يمكن القول: إن الشيخ الإمام محمد عبده قد طرح حزمة مبادئ وأصول "فكرية" وبعض تطبيقات لإصلاحٍ إسلامي فقهي لإنشاء ما يمكن أن نسميه "حداثة إسلامية" معاصرة، لا تفرط في الإسلام، ولا تحتذي الغرب.

وبهذا الموقف المركّب، وفق المؤرخ الدكتور شريف يونس، فقد أقام نقطة تقاطع ما نسميه الآن الإسلام الرسمي والحركي والليبرالي أو التجديدي اختصارًا، إذ كان سلفيا تجديديا، وكذلك مرتبطا بالمؤسسة الدينية التقليدية: (الأزهر الشريف).

وقد تفرعت عن مواقفه، سواء المكتوبة أو الإدارية في إدارة الأزهر، وفي منصب مفتي الديار المصرية تطورات في هذه الاتجاهات الثلاث، منها ما يمتد عبر رشيد رضا إلى حسن البنا، ومنها ما امتد إلى الليبراليين المسلمين بتجديداتهم في الجامعة، قاطرة التقدم والنهضة والفكر الحر، ومنها ما استقر في إصلاح المؤسسات الدينية. وبصفة عامة تجد جميع التيارات في كتاباته أصولًا لها.

كانت الأداة الأساسية التي لجأ إليها الشيخ محمد عبده هي إدانة إغلاق باب الاجتهاد، وفتحه مجددا بالعودة إلى الأصول أو السلف، سواء بإصدار فتاوى جديدة أو الأخذ بحرية من مختلف مذاهب السنة حسب مقتضى الحال، بما يعني فعليا تفتيت المنظومة الفكرية القديمة، وفتح مجال موحد يسمى "الإسلام" (السُنِّي في واقع الأمر)، تجري فيه الصراعات بين المدارس المختلفة.

كما انعكس ذلك مؤسسيا، سواء في تجديد الإسلام الرسمي ومؤسساته (يضاف إليها الإذاعات الدينية)، أو في توجهات التيار الأصولي التي تمثلت في تنظيمات مسلحة أو غير مسلحة، فضلا عن مساحة في المجال العام (كُتب، مجلات، نشرات، فضائيات مؤخرا)، أو الإسلام التجديدي الليبرالي الممثل في مؤسسات الرأي العام المختلفة وفي الجامعات بقدر ما..

مقالات مشابهة

  • البروفيسور كَبَا عمران: التراث الإسلامي العربي الأفريقي في خطر كبير في غرب القارة السمراء
  • صاروخ يلتف 180 درجة في السماء.. هل كسرت الصين حدود العلم؟
  • الإمام محمد عبده باحثا عن النهضة
  • في مهرجان عمّان... منذر رياحنة يرفع راية الفن الملتزم ويظفر بجائزتي الجمهور ولجنة التحكيم عن فيلم إلى أرض مجهولة
  • لبنان يحتفل بافتتاح مهرجان بيت الدين في أجواء تاريخية ساحرة
  • الصرامي: مشاركة الهلال في كأس العالم للأندية كانت فاخرة
  • ربيع بن هادي المدخلي.. ترجل فارس أفنى حياته في خدمة الشرع وتعليم الدين
  • عرس جماعي لـ 38 عريساً وعروساً في مديرية العرش في رداع
  • بلحاج لـ عربي21: النظام الجزائري يكرّم رموز الانقلاب ويرحب بتهنئة مجرم حرب
  • البترا تحتفي باليوبيل الذهبي للعلاقات الأردنية المكسيكية بإضاءة الخزنة بألوان العلم المكسيكي