سودانايل:
2025-05-15@09:06:53 GMT

واقعيون يطلبون المستحيل

تاريخ النشر: 11th, May 2024 GMT

بقلم عمر العمر

على قدر ما فتنني شعار (كونوا واقعيين واطلبوا المستحيل) أجدني أعيد قراءة الشأن السوداني في ضوء شعار ثورة طلاب الجامعات الأميركية والأوربية في ستينيات القرن الفائت. الأستاذ حسن مدن- غني عن التعريف- حرّضني على ذلك -دون استهداف- في سياق تعليقات متبادلة على مقالات في شأن تلك الثورة. ففي الشعار زخم سياسي فوق ما فيه من جمالية شاعرية.

فهو سكٌ ثوري في ديباجة حالمة. الأحلام حبكة الشعراء بينما الشعارات صنعة الساسة. الشعار يجدل هذه العلاقة المبهمة المحببة بين السياسة والشعر. كذلك يصهر الحداء الطلابي بروح ثورية حواجز الأنظمة الحاكمة الفاصلة بين الحريات والحقوق. على نقيض الشعار الطلابي الثوري ينادي كهنة الأنظمة الظالمة على شعوبها دوما(كونوا واقعيين ولا تطلبوا المستحيل).فالتغيير هو المستحيل في قناعات الاستبداديين.
*****

شعار الستينيات يُجسّد طموح شباب يرغب في كسر أُطر المتاح ، عدم الاكتفاء بمساكنة الممكن واختراق المألوف بغية بلوغ المشتهى. ذلك جيل ألهمته روحه الثورية المشبّعة بثقافةٍ ليست تقليدية وطهرٍ أخلاقي عدم الإكتفاء بتطوير المتاح أو استرداد المضاع ، بل الذهاب لجهة نيل المستحيل. هذا ما ينبغي مطابقة الحال السودانية عليه. فليس أفضل الخيارات استرداد ما كان أو تحقيق ما هو ممكن . لابد من رفع سقف الطموح الوطني لجهة المستحيل.إزاحة كل الكائن على خشبة المسرح السياسي. الرهان على أحد طرفي الحرب بغية استرداد المتاح أو صناعة الممكن معادلة عرجاء تضع مصير الشعب بين فكي الخراب. تكريس الواقع طموح الاستبداديين.
*****

طبيعة الأنظمة المستبدة ضد نداءات التغيير ،لذلك ترفض التصالح مع دعاة طموحات الشعب وأمانيه في التحديث. باسم شعارات من طراز المسؤولية الوطنية، المصلحة العليا والحفاظ على قيم الشعب وهويته تذهب تلك الأنظمةإلى زج المطالبين بالتغيير في السجون وغرف التعذيب. سدنتها يهابون الجديد لانه بالضرورة يطيح بهم .أكثر من ذلك يعرضهم للمساءلة. لذلك أقصى مافي وسعهم السماح لفئة منتقاة من قبلهم بممارسة لعبة المتاح . حينما أعلن المفكر الفرنسي جان بول سارتر مساندته لثورة الطلاب رفض الزعيم شارل ديغول التجاوب مع المنادين باعتقال سارتر قائلا(سارتر هو فرنسا).ذلك طراز نادر من القادة يزاوج بين الوعي ، الحريات والدولة.
*****

على قدر ما في شعار (كونوا واقعيين واطلبوا المستحيل) من شاعرية على قدر ما فيه من سمو يكاد يشارف الوجد الصوفي . ألا ينطوي ضمن معانيه ما جاء في الحديث الشريف (لو تعلّقت همة المرء بما وراء العرش لناله)؟أليس فيه من التجريد الأخلاقي ما في قول كبير المتصوفين الفيلسوف محي الدين بن عربي(ما خُفي الحق إلا لشدة ظهوره). فالمستحيل المُطالَب به شعبيا ليس سوى حق مهدر أو حقيقة تُغيّبها الأنظمة المستبدة. ذلك الوجد الجامع بين الحقوق الوطنية والرؤى الجمالية دفعت العديد من المفكرين وأمواجا من المثقفين والفنانين للحاق ببحر ثورة الشباب الأوروبي تلك.ذلك ما حدا بنجمة الغناء اللبنانية فيروز لتغرّد ( باريس يازهرة الحرية......يادهب التاريخ....نتلاقى عالشعر والصداقة والحق والكرامة)
*****

باريس كانت -ربما لاتزال- مدينة التنوير، النور ،الحب والجمال.فحركة الطلاب كانت ثورة للمطالبة بتوسيع دائرة التفكير والجدل خارج صناديق الماركسية، الوجودية الفوضوية والليبرالية .هي صرخة جماعية ضد السكون وضد الخوف وضد الاستسلام .كل الأنظمة الاستبدادية ترى في مثل هذه النداءات باطلا يراد به باطلا.هذه الصرخات تبدأ عادة في أوساط الطلاب الجامعيين؛ ذلك حدث في أميركا، فرنسا،ايرلندا، تشيكوسلوفاكيا، تركيا،مصر والسودان.فالجامعات حاضنات نخب المستقبل.هي مراكز حرية البحث والتفكير والجدل.بذلك هي بمثابة ضمير نقي للمجتمع. على قدر اليقظة الوطنية داخل الجامعات تكتسب ألأنظمة أنصبتها من الشفافية والطهر، فالمساندة أو المعارضة .
*****

هبات الطلاب السودانيين في وجه نظام الإنقاذ جاءت تجسيدا حياً واعيًا لجيل يطلب المستحيل رافضًا كل أساليب الاحتواء ومناهج القمع. جيل يطالب بأخلاقيات نزيهة في العمل العام . فهو جيل يتمتع بحاسة سياسية بالغة الشفافية تفرز على نحو قاطع بين الخير و الشر وبين الحق والباطل.صحيح لم تحقق تضحياته غاياته، لكنه لا يزال يرفض المساومة دعك عن الاستسلام. كهنة الركون يحاولون تسويق الرضا بالمتاح والممكن خاتمة لحرب رعناء باعثها الصراع على السلطة والثروة. محور حملة الترويج المفاضلة بين طرفي التقتيل والتدمير أو قبولهما معاً٠ تلك حجة بائسة مصدرها اليأس أو الخوف. إنها دعوة ملتبسة للقبول بالواقعية الخرقاء المسقية بالدم والقمع وعدم المطالبة بالتغيير من منطلق أنه المستحيل. هم يرفعون شعار الحجاج(من تكلم قتلناه ومن سكت مات غماً)
*****

المسافة الفارقة بين كهنة الخنوع وجيل الثورة الواقعيين المنادين بالمستحيل هي نفسها البون بين الوالغين في مستنقع الثروة ،فساد السلطة وامتيازاتها وبين المشبعين بثقافة الثورة المبرئين من شهوة المناصب ولذة استباحة المال العام.هم يدركون سداد قولة أحمد شوقي (ما نيل المطالب بالتمني).صحيح ليس لديهم ما يواجهون به أسلحة التدميريين. لكن أمير الشعراء استكمل حكمته بالقول(وما استعصى على قوم منال...إذا الإقدام كان لهم ركابا).صحيح في الإقدام شروط الشجاعة ،الجرأة والجسارة لكن في مضامينه كذلك المبادرة بما ينفع الناس.هذا جيل أثبت أنه لا تنقصه القدرة على تخليق المبادرات.ما يراه المثبطون مستحيلا يراه جيل الثورة حقا مهدرا يمكن استرداده.
*****
حتى إذا ما جثا أحدُ المنهكيْن على ركبتيه وظن المتعبُ الآخر أنه المنتصر سيصطدم لا محالة بجيل قناعته المطلقة ؛كونوا واقعيين واطلبوا المستحيل.عند هؤلاء المستحيل هو الاستسلام.

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: على قدر

إقرأ أيضاً:

تراث الإمارات يتألق في «موسم طانطان» بالمغرب

أبوظبي (وام)
تشارك الإمارات في الدورة الـ 18 لموسم طانطان الثقافي، الذي تنطلق فعالياته اليوم في المملكة المغربية، تحت عنوان «موسم طانطان.. شاهد حي على عالمية ثقافة الرحل»، ويستمر حتى 18 مايو الجاري، برعاية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ملك المملكة المغربية الشقيقة.
ويعد موسم طانطان، الذي أدرجته منظمة اليونسكو في عام 2008 ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، منصة ملهمة للحوار الثقافي بين مختلف المجتمعات، وفرصة للتعبير عن المظاهر التراثية والقواسم الحضارية المشتركة المتجسدة في الثقافة الشعبية الصحراوية.

التراث الإماراتي
تستعرض هيئة أبوظبي للتراث، من خلال جناح  الإمارات، عدداً من عناصر التراث الإماراتي المعنوي، إلى جانب تنظيم المسابقات التراثية، مثل «سباق الهجن»، و«مزاينة الإبل» و«مسابقة المحالب»، بالتعاون مع اتحاد الإمارات لسباقات الهجن، وترعى جناح الدولة مسابقة التبوريدة التي تعد من المسابقات التراثية المغربية.
ويضم الجناح معرضاً للصور يجسد العلاقات التاريخية المتينة التي تربط البلدين الشقيقين، إلى جانب لوحات من المصنوعات اليدوية التقليدية بالتعاون مع الاتحاد النسائي العام، ومعروضات من البيئة البحرية والأكلات الشعبية الإماراتية والقهوة العربية والملابس الرجالية والنسائية والمجوهرات الشعبية.
ومن المسابقات التي تنظمها «الهيئة»، خلال مشاركتها في موسم طانطان، مسابقة الطبخ الشعبي وإعداد الآتاي المغربي، والألعاب الشعبية، والشعر الحساني، ومسابقة إعداد الخيمة الصحراوية.
كما تنظم «الهيئة» أمسية شعرية، يحييها شعراء من الإمارات والمغرب، إضافة إلى المشاركة في الحفلات الغنائية وغيرها من الفعاليات الثقافية والتراثية المتنوعة التي يحتضنها موسم طانطان.

أخبار ذات صلة الإمارات تشارك في اجتماع «الاقتصادي والاجتماعي العربي» رئيس شركة المستقبل لصناعات الأنابيب لـ«الاتحاد»: «اصنع في الإمارات» تدعم توسع الشركات الوطنية وتعزز الابتكار

مشاركات الإمارات
كانت أول مشاركة للدولة في موسم طانطان عام 2014، ضيف شرف في الدورة العاشرة التي أقيمت تحت شعار «التراث الثقافي غير المادي ودوره في تنمية وتقارب الشعوب».
وفي عام 2015، شاركت الإمارات في الدورة الـ 11، تحت شعار «تراث إنساني ضامن للتماسك الاجتماعي وعامل تنموي»، وذلك في إطار تعزيز تقارب التراث الصحراوي الإماراتي والمغربي، لاسيما في مجال تربية الإبل وما يرتبط بها من مسابقات.
كما شاركت في دورة عام 2016 التي عُقدت تحت شعار «موسم طانطان ملتقى مغرب التنوع»؛ بهدف تعزيز التعاون الثقافي مع دول العالم. وسجلت الدولة مشاركتها الرابعة في موسم طانطان عام 2017، في دورته الـ 13 التي حملت شعار «موسم طانطان.. موروث ثقافي مغربي ببعد إفريقي». أما في عام 2018، فشاركت في الدورة الـ 14 التي أُقيمت تحت شعار «موسم طانطان.. عامل إشعاع الثقافة الحسانية»، لتسليط الضوء على الأدب الشعبي النبطي. وجاءت مشاركتها في دورة عام 2019، التي عُقدت تحت شعار «موسم طانطان.. حاضن لثقافة الرحل العالمية»، متزامنة مع عام التسامح.
وركز جناح دولة الإمارات في دورة عام 2023، التي أقيمت تحت شعار «ترسيخ للهوية ورافعة للتنمية المستدامة»، على إبراز التراث الأصيل والهوية الحضارية للدولة.
كما شاركت الدولة العام الماضي في الدورة الـ 17 لموسم طانطان، التي أقيمت تحت شعار «20 عاما من الصون والتنمية البشرية»، واستقطب جناحها آلاف الزوار، وحظيت فعالياته التراثية والثقافية والفنية بأصداء إعلامية وشعبية واسعة في مختلف أنحاء المملكة المغربية.

برنامج ثري
يتضمن موسم طانطان برنامجاً ثقافياً غنياً ومتميزاً، يجمع بين الماضي والحاضر، ويسلط الضوء على التراث الصحراوي العالمي بشكل عام، والتراث الصحراوي المغربي على وجه الخصوص، ويعد الموسم حدثاً عالمياً مسجلاً في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي المعنوي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو».

مقالات مشابهة

  • بينما الجوع يفتك بغزة.. أنظمة خليجية تغدق المليارات على ترامب وتُدير ظهرها لفلسطين
  • أحمد موسى: الأوضاع الأمنية في ليبيا خطيرة.. ومصريون هناك يطلبون المساعدة|فيديو
  • "الأنظمة الرقابية والتشريعية للأجهزة الطبية".. ورشة عمل متخصصة في جازان
  • تراث الإمارات يتألق في «موسم طانطان» بالمغرب
  • باحث سوري يُسهم ببناء تقنية ليزر فائقة السرعة تجعل المستحيل ممكنًا
  • وزير "البيئة" يبحث آفاق التعاون المثمر في مجالات المياه والزراعة مع الصين
  • وزير البيئة يبحث آفاق التعاون المثمر في مجالات المياه والزراعة مع الصين
  • وزير “البيئة” يبحث آفاق التعاون المثمر في مجالات المياه والزراعة مع الصين
  • وزير “البيئة” يبحث مع نظيريه في الصين آفاق التعاون المثمر في مجالات المياه والزراعة
  • حاملات الإرهاب الأمريكي.. قرون من الهيمنة