قطران ينتظر مصير الحرازي.. محاكم الحوثي توزع أحكام الإعدام بصكوك الخيانة
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
"اختطاف وإخفاء وصولاً لمحاكمة صورية وإصدار حكم الإعدام"، سيناريو تنفذه مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، بحق المناهضين لسياستها الإجرامية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها. مشهد يتكرر باستمرار منذ اجتياح المليشيا الحوثية لصنعاء وفرض سيطرتها على مفاصل السلك القضائي الذي بات اليوم أداة حوثية لتصفية الخصوم.
"عدنان الحرازي"، مالك شركة برودجي، تعرض للاختطاف في يناير من العام 2023، عقب مداهمة منزله ومقر شركته في صنعاء بعشرات الآليات العسكرية التي يرافقها المسلحون. وجرى نقله إلى أحد السجون الحوثية في صنعاء ليتم تغييبه لعدة أشهر دون السماح لأسرته بزيارته والاطمئان على صحته.
خلال فترة إخفائه القسري، تم حرمانه من أبسط الحقوق إلى جانب إخضاعه لعمليات التعذيب الوحشية، دون إحالته للجهات القضائية أو حتى توجيه له أي تهمة أو تجهيز ملف للقضية. وتحت ضغوط قبلية واحتجاجات مستمرة شهدتها صنعاء، رضخت المليشيا الحوثية في مطلع يونيو لتحويل ملف قضية "عدنان الحرازي" إلا أن بدء المحاكمة فعلياً تأجل إلى 19 أغسطس 2023، حيث عقدت أول جلسة لرجل الأعمال "عدنان الحرازي" وتوجيه له تهمة "الخيانة" والعمالة والتخابر مع المنظمات الخارجية والعمل لصالح جهات معادية.. اتهامات ملفقة لتبرير احتجاز الرجل.
وعقب نحو 19 جلسة صورية عقدتها المليشيا الحوثية عبر ما تسمى "المحكمة الجزائية المتخصصة" تم إصدار حكم الإعدام بحق "الحرازي" وسط حرمانه من حقوقه في الدفاع عن نفسه وحتى تسليم ملف القضية لمحامي الدفاع للترافع عنه.
وشركة "برودجي سيستمز"، التي يملكها "عدنان الحرازي" تدار من صنعاء، وتعمل بتصريح رسمي من الجهات المعنية، ونشاطها يشمل جميع أنحاء محافظات الجمهورية اليمنية في مجال الرقابة على العمل الإنساني كطرف ثالث، ولها ارتباطات مع منظمات أممية ودولية، في إطار أنشطتها الخدماتية في تقديم البيانات والتحليلات والتقارير التفصيلية.
قطران ضحية جديدة
ما تعرض له رجل الأعمال "عدنان الحرازي" من اختطاف وإخفاء قسري ونهب لممتلكاته وحجز أرصدة الشركة والحسابات الخاصة، مسلسل متكرر يتعرض له كل المناهضين والمعارضين لسياستهم وأفعالهم الإجرامية التي يرتكبونها بحق أبناء الشعب اليمني في مناطق سيطرتهم.
القاضي عبدالوهاب قطران، ضحية جديدة، تعرضت للاختطاف عقب اقتحام منزله في صنعاء في يناير 2024، دون مراعاة للحصانة التي يمتلكها الرجل أو أي مسوغ قانوني. حيث تم نقل القاضي إلى سجن المخابرات الحوثية واحتجازه في زنزانة انفرادية على خلفية منشورات تدافع عن حقوق الإنسان وتطالب بالعيش الكريم للمواطنين في ظل قبضة الحوثيين الإرهابية.
وظلت المليشيا الحوثية تماطل في بداية الاختطاف، في الكشف عن التهم التي توجهها للقاضي، في أولى الاتهامات المعلنة أن ضبط القاضي جاء بسبب "حيازة الخمر في منزله"، إلا أن المليشيا رفضت السماح لأسرته بلقائه أو حتى لقاء محاميه للتأكد من ملف القضية. وبعد مرور نحو 5 أشهر تحديدا أواخر مايو الماضي 2024، أقرت المليشيا إحالة ملف قضية "القاضي عبدالوهاب قطران" إلى المحاكمة وتوجيه له تهمة "إذاعة أخبار وإشاعات كاذبة وتحريضية ضد قيادة الثورة (في إشارة إلى زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي).
وما يجري للقاضي قطران، يشابه ذات السيناريو الذي تعرض له رجل الأعمال "عدنان الحرازي" الذي حكم بالإعدام من قبل المليشيا الحوثية في مطلع يونيو الجاري بعد جلسات صورية أقامتها المليشيا بصورة سرية ودون محامي الدفاع أو حتى السماح له بالدفاع عن نفسه.
انتقام سياسي
وما تشهده صنعاء وباقي المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، من إصدار أحكام الإعدام بالجملة، أكد حقيقة أن هذه المليشيا المدعومة من إيران تستخدم السلك القضائي من أجل الانتقام ضد خصومها والمناهضين لسياستها.
وأكدت الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، في بيان صادر عنها مؤخراً، أن جماعة الحوثي المصنفة في قوائم الإرهاب العالمي استخدمت القضاء بشكل غير قانوني بغرض الانتقام السياسي، مشيرة إلى أن المليشيا تقوم باعتقال المختطفين، بشكل تعسفي من منازلهم وأماكن أعمالهم ومن الطرقات، كما قامت بإخفائهم قسرياً لفترات متفاوتة.
وأشار البيان إلى أن المختطفين تعرضوا للتعذيب النفسي والبدني وغيره من ضروب المعاملة اللا إنسانية أو المهينة، لافتاً أنه تم "احتجازهم في أماكن احتجاز تفتقد لأبسط الخدمات الأساسية، في انتهاك واضح لحقوق السجناء وانعكس ذلك على ذويهم في كافة الجوانب النفسية والمعيشية والتعليمية والاجتماعية".
وقالت الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، إنه "بعد سنوات من الاحتجاز قامت جماعة الحوثي بمحاكمتهم أمام المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة"، مشيرة إلى أن تلك المحكمة تعتبر منعدمة الولاية والاختصاص بموجب قرار مجلس القضاء الأعلى الصادر بتاريخ 20 أبريل 2018م. وذكرت أن قرار مجلس القضاء الأعلى قضى بإنهاء مهام الجزائية في صنعاء، واختصاصها ونقل ذلك إلى المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة بمأرب، كما صدر قرار مجلس القضاء الأعلى رقم (38) لسنة 2019م بعدم التعامل مع جميع الأحكام الصادرة عن المحاكم التي تقع تحت سيطرة جماعة الحوثيين.
وأشار البيان إلى أن جرائم الاختطاف والتعذيب والإخفاء القسري والقتل العمد تعد جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، مبيناً أن عبدالملك الحوثي يتحمل المسؤولية القانونية الكاملة أمام القضاء المحلي والدولي.
قمع وتقويض
من جانبه أكد وزير الإعلام، أن أوامر الإعدام التي تصدرها مليشيا الحوثي بحق مناهضيها، وآخرها قبل أيام، وطالت 45 مدنياً بينهم نشطاء سياسيون، تندرج ضمن التصعيد المستمر، وضمن سياستها القمعية وتقويض جهود التهدئة وإحلال السلام.
وأشار إلى أن الحوثيين اختطفوا المحكوم عليهم "على خلفية مواقفهم وآرائهم السياسية، وتم إخفاؤهم قسريًا لسنوات، في ظروف اعتقال قاسية، تعرضوا خلالها لأبشع صنوف التعذيب النفسي والجسدي، وحرمانهم من الزيارة والاتصال بأسرهم وانعدام الرعاية الصحية".
من جانبه أشار "المركز الأميركي للعدالة"، إلى أن الجماعة الحوثية لا تزال ماضية في استخدام القضاء أداةً لملاحقة الأفراد وخصومها السياسيين. وقال المركز في بيان: "إن مواقف المجتمع الدولي ساهمت في تنامي الانتهاكات الخطيرة التي يرتكبها الحوثيون"، معبراً عن صدمته بأوامر الإعدام بحق عدنان الحرازي مدير ومالك شركة "برودجي" بذريعة التعاون مع دول معادية.
ودعا المركز المجتمع الدولي وأجهزته المتخصصة إلى سرعة التحرك والضغط على جماعة الحوثي لوقف انتهاكاتها بحق الأفراد ووقف أحكام الإعدام الجائرة.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: الملیشیا الحوثیة عدنان الحرازی جماعة الحوثی فی صنعاء إلى أن
إقرأ أيضاً:
جرائم في وضح النهار.. بين تآمر السلطة وصمت الخيانة
جرائم في وضح النهار.. بين تآمر السلطة وصمت الخيانة
حسن عبد الرضي الشيخ
لم تعد مأساة الثورة في كرري، شمال مدينة أم درمان، مجرد إشاعة يتداولها الناس عبر وسائط التواصل الاجتماعي. إنها الجريمة وقد لبست ثوب الحقيقة، والخراب وقد اتخذ له عنوانًا دائمًا: الثورة – الحارة ١٥. مأساة ليست فقط في ما يُروى من أحداث، بل في ما يشي به الصمت الرسمي من خذلان، وما تكشفه الوقائع من تواطؤ مخزٍ، و”خداع طوعي” صار شركًا للمواطن الأعزل.
فأي خراب هذا الذي تسكنه الجريمة، وتغيب عنه الدولة؟
أي بلد هذا الذي صارت فيه المدارس أوكارًا للمسلحين، والمقابر الجماعية تُحفر بين جدران الفصول، وتُدفن فيها الجثث كما تُطمر الحقيقة؟
هل نعيش في ظل حكومة أم في كابوس دائم؟!
في الحارة ١٥ “زقلونا”، لا يُؤتمن الليل ولا النهار. عصابات مدججة بالسلاح، ترتدي زيًا نظاميًا وتصول وتجول، لا تخشى رقيبًا ولا حسيبًا، تمارس القتل والنهب، وتدفن الضحايا داخل المدرسة وحول المسجد، بل وفي قلب ميدان الحي.
هؤلاء ليسوا “مجرمين عاديين”، بل تشكيلات منظمة، لها قرون استشعار واستخبارات، تسابق الحملات الأمنية بخطوات، وتختفي قبل أن تلمحها عين الرقابة. أين الدولة؟ بل: هل ما زالت هناك دولة؟
المأساة أكبر من مجرد عصابات. إنها صورة لانهيار السلطة في أحد أهم أحياء العاصمة، وأخطرها دلالة على انهيار الثقة بين المواطن وأجهزته الرسمية.
الوالي لا يسمع. الشرطة عاجزة — أو أسوأ من ذلك: متواطئة.
يتشدقون بمحاربة “النشطاء” من شباب الثورة وقوى التغيير، يتجسسون على المعارضين ويختطفونهم، بينما تُترك الحارات في يد الميليشيات والمتفلتين!
أليس من المعيب أن تتحول مدرسة حكومية إلى سوق سلاح ومخدرات وخمور؟
أليس من العار أن يُدفن الناس في فناء مدرسة حكومية دون علم النيابة، ولا سؤال من شرطة، ولا اعتراض من مسؤول؟
لقد بلغ بهم السوء ما يفوق “سوء الظن العريض”. صاروا “يتشطرون” فقط على من يحلمون بالتغيير، بينما يعجزون عن مواجهة من يهدد حياة المواطنين كل يوم.
أين السلطة حين يُحاصر المصلون وهم في طريقهم إلى المسجد؟
أين الشرطة حين يُطلق الرصاص على البيوت؟
أين الوالي حين تُحرق القلوب على ضياع الحي والحيّز والحق؟
ألم يسمعوا صوت امرأة كتبت “وجه النهار” – الصحفية هاجر سليمان – التي وضعت بين أيدينا واحدة من أخطر الشهادات؟
أم أن السلطة لا تقرأ إلا تقارير الأجهزة الأمنية، تلك التي لا ترى إلا “الناشطين” خصومًا، وتغضّ الطرف عن “المليشيات” لأن بعضها في اتفاق السلام؟!
ليس من العقل ولا من القانون أن يُترك حيّ بأكمله — بتاريخه وسكانه وأحلامه — رهينة لميليشيات وأجانب ومتسللين، يرفضون حتى الخروج من منازل الناس بعد أن سكنوها قهرًا أثناء الحرب.
والسؤال الجوهري: لماذا تُترك هذه العصابات تعبث بمصير حي بأكمله؟ من أين يأتيهم السلاح؟ من يحميهم؟ ولماذا لم نسمع عن حملة واحدة ناجحة لتطهير الحارة؟
إن لم يكن هذا تآمرًا، فهو عجز مفضوح يرقى إلى الخيانة!
يا والي الخرطوم، ويا قادة الأجهزة النظامية، ويا كل من يملك سلطة القرار:
هل تنتظرون أن تشتعل العاصمة من قلب الثورة من جديد؟
انكم تريدون من المواطن أن يحمل سلاحه ويدافع عن عرضه وبيته بنفسه، ألم يصرح الوالي للإعلام بذلك؟ أنكم مشغولون فقط بـ”المعارضين لإنقلاب ٢٥ اكتوبر” و”الرافضين لحرب ١٥ ابريل” بينما المجرمون الحقيقيون يسكنون بيننا، ويقتلوننا، ويبيعون الخراب جملةً وتفصيلاً.
إن ما يحدث اليوم في الثورة هو اختبار لما تبقى من الدولة.
فإما أن تعود الدولة بكل أجهزتها وتفرض هيبتها، أو أن تعلن عجزها وتخرج من المشهد.
أما أن يُخدع المواطن باسم “العودة الطوعية” ليُقتل داخل بيته، فهذا خزي لا تمحوه البيانات، ولا تعالجه لجان!
ختامًا، أقولها بمرارة:
لقد “غَلَبها راجلها فأدبت حماها”، خدعت المواطنين وخذلتهم فأدّبتها العصابات. والمواطن المسكين بين كماشة الخداع الرسمي وسكاكين القتل المجاني.
اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.