جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-18@02:09:19 GMT

صفو الوداد

تاريخ النشر: 10th, June 2024 GMT

صفو الوداد

 

سعيد بن حميد الهطالي

saidalhatali75@gmail.com

 

يقول الإمام الشافعي رحمه الله:

"إذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً

فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا"

 

في عالم مُتغير تطغى عليه الماديات، وتُسيطر فيه المصالح على العلاقات الشخصية، تبدو قيم الوداد الصافي في مدى ندرتها وأهميتها في حياتنا اليومية كالبذرة التي يُمكن أن تنمو في كل علاقة إنسانية إذا ما أعطيت البيئة المُناسبة للنمو، هي كنجم هادٍ في سماء مُلبدة بالغيوم، أو كشمعة مُضيئة في ليلٍ دامس، أو كشعلة منيرة في دروب مظلمة، أو كملاذ للقيم الإنسانية الأصيلة، أو كملجأ آمن للفضائل، أو كواحة خضراء منفردة في صحراء العلاقات الإنسانية، أو كزهرة متفتحة في حقل من الأشواك، أو كوردة عطرية في بستان جاف، أو بين أرواق خريفية.

إنَّ البيت الشعري للإمام الشافعي- رحمه الله- يعكس تأملًا عميقًا، وتجربة حياتية غنية في طبيعة بناء العلاقات الإنسانية الحقيقية الصافية التي ينبغي أن تتجرد من الغايات الكدرة، والعواطف المُزيفة، والمصالح المادية المُجردة، وتكون مبنية على طبيعة عواطف صافية نقية تلقائية غير مُتكلفة ولا مصطنعة، ولا مُزيفة، نابعة من أحاسيس صادقة ندية تتدفق بسلاسة وشفافية، كالماء الزلال، تروي النفس، وتُغذي القلب، وترتبط بذلك الشعور العميق المُتصل بالروح.

إنَّ الوداد الصادق لا يحتاج إلى قناع فهو يظهر في العيون قبل الكلمات، ويُعّبر عن نفسه في الأفعال البسيطة واليومية، يقول أحد الشعراء:

 " بالفعل لا بالقول تعرف ودهم // والفعل يكشف مضمر الأعماق".

الودُّ الصادق هو ذلك الرابط الذي يتشكل دون جهد، ويبني جسورًا من التفاهم والمودة دون الحاجة إلى تصريحات وتبريرات، ينمو ببطء لكنه أكثر صلابة، ومتانة، واستدامة، فعندما يكون الوداد نابعًا من أعماق القلب فإنِّه يحمل أعباء الحياة، ويخلق مناخًا من الثقة والأمان، يصمد أمام تقلبات الزمان، لأنه قائم على أساس من الصدق والإخلاص الذي لا يتأثر بعواصف الأيام، أما الوداد المتكلف فهو هش وزائل، لا يلبث أن ينهار عند أول اختبار حقيقي، لأنَّ جذوره غير متأصلة في أعماق النفس.

لذا، فإنَّ البحث عن الصفاء الطبيعي في العلاقات الإنسانية هو السبيل إلى السعادة الحقيقية والطمأنينة الدائمة، هذه العلاقات التي تزدهر بعيدًا عن التصنع والتكلف تكون ملاذًا آمنًا للأرواح، حيث يمكَن للأشخاص أن يكونوا على طبيعتهم وسجيتهم، يتشاركون الأفراح والأحزان بصدق وعفوية، في بيئة تنمو فيها الثقة وتزدهر المحبة، ويصبح كل لقاء بين القلوب الصافية والنوايا الطيبة فرصة لتبادل النقاء الداخلي دون خشية من غدر أو خداع أو خيانة.

إنَّ صفو الوداد في العلاقات الطبيعية يتيح لنا أن نعيش حياة أكثر إتزانًا وسلامًا مع الآخر، لأنها تعفينا من التصدي لضغوط التظاهر والتصنع الذي نلمسه من بعض النفوس المريضة التي لا تستطيع أن تعيش إلا في البيئة الملوثة المليئة بالسموم العاطفية والسلبية التي لا تتغذى إلا على الخلافات والعداوات والفتن، ولا تتعايش إلا مع الكذب والزيف والغدر كأنهن جزء من وجودها، تعيش في دوامة من السلبية والتوتر، ولا تجد سعادتها إلا في التشويش على السلام والهدوء في البيئات الإيجابية والمنعشة.

كثير ما ننخدع في علاقاتنا بالأشخاص الذين يخيبون توقعاتنا وأمانينا،هذا الخداع الذي ينجم عن رغبتنا في رؤية الأفضل فيهم، نتمنى أن يكون الآخرون كما نريدهم أن يكونوا، مما يجعلنا نتجاهل الإشارات التحذيرية والسلوكيات المريبة بحكم ما يملكه الشخص المُخادع من مهارات عالية في التمثيل والتصنع، وتغيير الأقنعة ويظهر ما ليس فيه مما يجعل من الصعب علينا التمييز بين الصدق والزيف.. لكن بمرور الوقت ومع التجارب المتعددة يصبح لدينا حس داخلي أقوى وقدرة أكبر على التمييز الحقيقي والمزيف، نتعلم أن ننظر إلى أبعد من المظاهر، ونفهم أنَّ الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات، ويبقى الإنسان الحكيم هو من يستفيد من هذه التجارب ليصبح أكثر حذرًا في علاقاته، وأقل عرضة للخداع.

" فلا خير في ودٍ يجيء تكلفًا"، فهو ود يعاني من الهشاشة والضعف في علاقته غير المستقرة، التي تحكمها المصالح، وتحركها الأهواء، لا يصمد أمام اختبارات الزمن، لأن علاقته مبنية على التكلف تشبه البناء على الرمال، سرعان ما تنهار عند أول عاصفة أو كجدار هش يتداعى عند أول لمسة، أو كفقاعة صابون تنفجر عند أول تماس، أو كبيتٍ على حافة هاوية يسقط عند أول اهتزاز.

ليختتم الإمام الشافعي- رحمه الله- قصيدته العصماء بالبيت الشعري القائل:

"سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِها

صَديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفًا"

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كاتب أميركي: مؤسسة غزة الإنسانية غطاء لحماية إسرائيل

تواصل إسرائيل بدعم أميركي استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كسلاح سياسي وأمني، في وقت يواجه فيه أكثر من مليوني فلسطيني خطر المجاعة، ولا تضر هذه السياسة بالفلسطينيين فحسب بل تعرض الولايات المتحدة أيضا لمخاطر أمنية وتفاقم عزلتها الدولية.

هذا ما جاء في مقال كتبه محلل السياسة الخارجية والزميل المساهم في مؤسسة أولويات الدفاع الأميركية ألكسندر لانغلوا، أكد فيه أن مؤسسة غزة الإنسانية تعد محاولة أميركية لحماية إسرائيل من التنديد الدولي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لوتان السويسرية: سيناريوهات محتملة لتطور حرب إسرائيل وإيرانlist 2 of 2جدعون ليفي للإسرائيليين: لا يغرنكم النصر الأولي فقد تندمونend of list

وقال الكاتب، في مقال نشرته مجلة ناشونال إنترست، إن المؤسسة الإغاثية تشبه ميناء غزة العائم الذي أطلقته إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، إذ استُخدم كلا المشروعين للتغطية على جرائم إسرائيل وتسهيل عملياتها العسكرية، وتجنّب الملاحقة الدولية.

وشدد المقال على أن الأزمة الإنسانية في غزة ليست نتيجة فشل عشوائي بل "كابوس منظم" هدفه تهجير الفلسطينيين، بدعم من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وأوضح أن إقامة مراكز المساعدات في جنوب القطاع تهدف إلى دفع السكان قسرا نحو مناطق محددة، ليسهل على إسرائيل تنفيذ عمليات "التطهير العرقي والترحيل غير القانوني"، وذلك وفق تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

يشار إلى أن نتنياهو مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

دعم أميركي مستمر

ووفق المقال، سعت الولايات المتحدة تكرارا لحماية إسرائيل من تهمة التجويع المتعمد للمدنيين، لأهميتها وخطورتها في نظام القانون الدولي.

وذكّر الكاتب بأن ميناء بايدن العائم جاء في وقت حرج، إذ كانت محكمة العدل الدولية تنظر حينها في قضية رفعتها جنوب أفريقيا على إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية.

وفي الوقت ذاته أصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، وفق المقال.

إعلان

وفي القضيتين اتهمت إسرائيل باستخدام "التجويع المتعمد" سلاحا في غزة، وهو ما يشكل جريمة حرب بموجب القانون الدولي.

ويرى المقال أن مبادرة مؤسسة غزة الإنسانية تهدف أيضا إلى تقويض القضايا المرفوعة على إسرائيل في المحاكم الدولية، من خلال الادعاء بأن إسرائيل لم "تتعمد" تجويع المدنيين، ووفرت لهم المساعدات.

وحسب الكاتب، تعتبر المبادرة الأميركية الحالية أكثر خبثا من سابقتها، إذ تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى تهميش الأمم المتحدة بالكامل في غزة، والسيطرة على تدفق المساعدات والمعلومات.

ولفت الكاتب إلى أن مواقع توزيع المساعدات تقع ضمن مناطق عسكرية مغلقة، مما يمنع الصحفيين والمراقبين الأمميين من توثيق انتهاكات الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.

وخلص الكاتب إلى أن سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل لا تخدم مصالحها إطلاقا، وتهدد حياة الفلسطينيين وأمن المنطقة بأكملها.

مقالات مشابهة

  • فيديو. جماهير الوداد تجتاح ساحة تايمز سكوير في نيويورك قبل مواجهة الوداد ومانشستر سيتي
  • تشكيل مانشستر سيتي المتوقع ضد الوداد في كأس العالم للأندية
  • موعد مباراة مانشستر سيتي والوداد المغربي في كأس العالم للأندية
  • الأونروا تحذّر منع الوقود عن غزة يهدد بوقف كامل للعمليات الإنسانية
  • الأمم المتحدة تدعو لوقف فوري للمعاناة الإنسانية في غزة وتنتقد الحرب الإسرائيلية
  • كاتب أميركي: مؤسسة غزة الإنسانية غطاء لحماية إسرائيل
  • ألمانيا.. حكم بالسجن المؤبد على طبيب سوري متهم بجرائم ضد الإنسانية
  • جماهير الوداد تشد الرحال إلى الولايات المتحدة لحضور مونديال الأندية
  • الأمم المتحدة تعلن تقليص مساعداتها الإنسانية بسبب نقص التمويل
  • «مؤسسة خالد بن سلطان الإنسانية» تحمي 30 ألف طفل ومجتمعاتهم