على الرغم من أنّ غياب رئيسي حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وحزب "الكتائب اللبنانية" سامي الجميل، شكّل في مكانٍ ما، "نقطة ضعف" اللقاء الذي عقد في بكركي لمناسبة حضور أمين سرّ دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، الأمر الذي منع أيّ "ترجمة سياسية" له، وأفشله في مكانٍ ما، إلا أنّ غياب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الشيخ علي الخطيب، استقطب الاهتمام الأوسع، لأكثر من سبب واعتبار.


 
فبعدما أظهر غياب الخطيب وجود "مقاطعة شيعية"، إن جاز التعبير، للقاء العائلي في بكركي، أثيرت "بلبلة" في الأوساط السياسية حول الموضوع، غذّتها مواقف بعض القوى السياسية، بما فيها تلك التي غاب رؤساؤها عن اللقاء، وصلت لحدّ وضع الأمر في خانة "إهانة" مرجعية بكركي، أو حتى التقليل من احترام ممثّل الفاتيكان، وهو ما دفع المعنيّين إلى المسارعة للتوضيح بأنّ الموقف ليس موجّهًا ضدّ الفاتيكان، الذي يحظى بكامل الاحترام.
 
لكنّ توضيح المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لم ينفِ وجود "إطار احتجاجي" خلف الأمر، وذلك بسبب المواقف الأخيرة للبطريرك الماروني بشارة الراعي من الأحداث الجارية في الجنوب، ولو أنّه أكّد أنّ ذلك لا يعني وجود "مقاطعة شيعية لبكركي"، فكيف يمكن أن يُفهَم الموقف "الاحتجاجي" إذاً وفي أيّ خانة يمكن وضعه؟ وأيّ تبعات له على العلاقة بين المكوّنين الشيعي والمسيحي، سياسيًا ودينيًا، وقبل ذلك وطنيًا؟
 
خلفيّات الموقف
 
يقول المعنيّون إنّ الهدف من مقاطعة لقاء بكركي، لم يكن إثارة أيّ لغط أو جدل، وإنما توجيه رسالة إلى "صاحب الدعوة"، أي البطريرك الماروني بشارة الراعي، وبالتالي تسجيل "موقف احتجاجي" ضدّ المواقف التي يطلقها في الآونة الأخيرة، والتي يبدو أنّها "أزعجت" في مكانٍ ما ممثّلي المكوّن الشيعي، خصوصًا على مستوى التعاطي مع الحرب الدائرة في الجنوب، والإيحاء في أكثر من مناسبة بتحميل "حزب الله" مسؤولية تفاقم الأوضاع.
 
بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ مواقف الراعي لم تكن "مريحة" للثنائي الشيعي منذ اليوم الأول من فتح الجبهة اللبنانية إسنادًا للشعب الفلسطيني في غزة، لكنّ أيّ موقف اعتراضي أو احتجاجي عليها لم يصدر عن ممثّلي "الثنائي" طيلة الأشهر السابقة، إلا أنّ ما أدلى به البطريرك الراعي الأسبوع الماضي نقل الأمور إلى مكان آخر، وتحديدًا قوله إنّ "رئيس الجمهورية المنشود هو الذي يُعنى بألّا يعود لبنان منطلقًا لأعمال إرهابيّة تزعزع أمن المنطقة واستقرارها".
 
وقد فُهِم من هذا الكلام أنّ البطريرك الراعي يصنّف العمليات التي تقوم بها المقاومة بما في ذلك "حزب الله" ضدّ إسرائيل على أنّها "إرهابية" بشكل أو بآخر، ولو أنّ مصادر محسوبة على بكركي نفت الأمر، وأكّدت أنّ البطريرك الراعي لم يصف يومًا "حزب الله" بـ"الإرهابي"، وبالتالي فهو لم يقصد وصف عملياته بـ"الإرهابية"، وهو ما أدّى إلى "التحفّظ" على ما أدلى به، خصوصًا أنّ أيّ توضيح رسميّ لم يصدر عن البطريركية المارونية.
 
"لا مقاطعة"
 
انطلاقًا من ذلك، يقول المحسوبون على "الثنائي" إنّ مقاطعة اللقاء الأخير في بكركي جاءت لتعبّر عن الاحتجاج على هذا الموقف بالتحديد، ولتوجّه رسالة بوجود مكوّن لبناني يرفض مثل هذه المقاربات، وهو الذي يعتبر عمليات المقاومة ضدّ إسرائيل واجبًا للدفاع عن الحرية والسيادة ومواجهة الظلم، خصوصًا في مرحلة يفترض أن يتمّ فيها رصّ الصفوف بين مختلف المكوّنات، لمواجهة أسوأ السيناريوهات، بما في ذلك الحرب الشاملة.
 
يرفض هؤلاء وضع هذا الموقف الاحتجاجيّ "المحدود والمضبوط" في خانة إهانة مرجعية بكركي التاريخية، أو حتى في خانة التقليل من شأن البطريرك الماروني، الذي يحظى بكامل الأطراف لدى المكوّن الشيعي، حيث يقولون إنّه يصبّ في خانة "انتقاد رأي سياسي" أدلى به الأخير، لا أكثر ولا أقلّ، وهو حقّ مشروع، علمًا أنّ الأوْلى بالسؤال عن المقاطعة هم أولئك الذين غابوا، وهم يعرفون أنّ غيابهم من شأنه أن يفرغ اللقاء من مضمونه.
 
الأكيد وفق ما يقول المحسوبون على "الثنائي" أنّ الموقف الاحتجاجي "محصور في الزمان والمكان"، وهو لا يعدو كونه تسجيل موقف، لن يصل لحدّ "القطيعة" مع الكنيسة المارونية، وهو ما أكده المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في موقفه التوضيحي أساسًا، علمًا أنّ العلاقات غير مقطوعة بين "حزب الله" نفسه وبكركي، وإن كانت "مجمّدة" بفعل الأحداث الضاغطة، وآخرها الحرب الإسرائيلية وما تفرّع عنها.
 
بمعزل عن "تقييم" غياب المكوّن الشيعي عن لقاء بكركي، بين من يعتبر "خطأ" ما كان يجب أن يحصل، مهما وصلت الاختلافات في الرؤى ووجهات النظر بين الطرفين، ومن يضعه في خانة "الرسالة" التي كان يجب أن تصل، فإنّ الأكيد أن الوضع العام لا يتيح التلهّي بخلافات طائفية مذهبية لا أساس لها، في مرحلة يفترض أن يتمّ فيها "تحصين" الوحدة الوطنية، لمواجهة "الجنون" الإسرائيلي الذي يبدو بلا أفق!
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

لسبب غير متوقع.. لماذا لم يحضر نتنياهو قمة شرم الشيخ للسلام؟

قال الدكتور اسماعيل تركي، أستاذ العلوم السياسية، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته كان لديهم رغبة شديد في حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قمة شرم الشيخ للسلام، وهو ما أكدته المكالمة الهاتفية التي دارت بين "ترامب" والرئيس السيسي أثناء تواجد الأول في تل أبيب قبيل زيارته لمصر.

وأضاف تركي في تصريحه لـ"الوفد"، أن مصر رأت أن هذا الموقف قد يكون فيه مزايده وإثارة للجدل، خاصة وأن "نتنياهو" مطلوبًا للمحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي من الممكن أن يستخدم ذلك لتشويه الدور المصري، في حال تم استقباله على الأراضي المصرية، مؤكدًا ان القيادة المصرية تعاملت مع الموقف بعقلانية وحكمة بالغة، واضعة في الاعتبار أن المكاسب السياسية المترتبة على المضي قدمًا في مسار حل الدولتين والضغط للاعتراف بالدولة الفلسطينية، تفوق أي حسابات جانبية.

وتابع: وعلى هذا الأساس، تم توجيه الدعوة رسميًا إلى نتنياهو، الذي أبدى موافقة مبدئية على الحضور، وأعلنت الرئاسة المصرية ذلك في بيان رسمي، خاصة وأنه كان هناك إصرار مصري على مشاركة الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين في القمة، رغم بعض التحفظات الأمريكية، في تأكيد على التمثيل الدبلوماسي المتوازن لكافة الأطراف المعنية، إلا أن نتنياهو تراجع في اللحظات الأخيرة تحت ضغوط من اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي اعتبر مشاركته تنازلًا سياسيًا، لتتذرع إسرائيل في النهاية بـ"عطلة دينية يهودية" حالت دون سفره، ورغم ذلك، فقد أسهم هذا الموقف في تخفيف الضغط عن مصر، وأبطل أي محاولات للمزايدة على موقفها الوطني أو اتهامها بالتقاعس عن تنفيذ مذكرة التوقيف الدولية بحقه.

وأكد أستاذ العلوم السياسية، أن مصر أدارت هذا الملف بذكاء دبلوماسي رفيع، فاستجابت للرغبات الأمريكية بحساب دقيق للمكاسب، وتعاملت بمرونة مع الموقف الإسرائيلي، دون التفريط في ثوابتها أو سيادتها، والنتيجة أن مصر نجحت في تحويل لحظة كانت مرشحة لمواجهة إقليمية كبرى إلى فرصة حقيقية لبناء سلام عادل وشامل في المنطقة، ودعوة المجتمع الدولي لتبني الرؤية المصرية للحل.

واختتم: ما تحقق في قمة شرم الشيخ للسلام يمثل انتصارًا دبلوماسيًا جديدًا للقيادة المصرية، يضاف إلى سجل طويل من الجهود التي بذلتها مصر منذ قمة القاهرة للسلام وحتى اليوم، لترسيخ الأمن والاستقرار وإنهاء الحرب، في موقف تاريخي يؤكد أن مصر كانت ولا تزال ركيزة السلام في الشرق الأوسط.

مقالات مشابهة

  • الراعي بحث وزواره في الأوضاع
  • لسبب غير متوقع.. لماذا لم يحضر نتنياهو قمة شرم الشيخ للسلام؟
  • ( معركة طمس الموقف اليمني من ذاكرة الشعوب )
  • لماذا اختارت إيران مقاطعة قمة شرم الشيخ؟
  • الراعي استقبل المرشح لمركز نقيب المحامين في بيروت عماد مرتينوس
  • الراعي يطلّع على نشاط المجلس الطبي الأعلى
  • برلمانيان إسرائيليان على الأقل يعلنان مقاطعة خطاب ترامب في الكنيست
  • بري مصرّ على اعادة الاعمار: الرسالة الإسرائيلية وصلت وأين صدقية الراعي الأميركي؟
  • البنك الأردني الكويتي الراعي الرسمي لجائزة التراث للعام 2025
  • الراعي: لبنان يحتاج اليوم إلى أمناء حقيقيين