الإمارات.. ريادة دبلوماسية في الأزمة الروسية الأوكرانية
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
عبدالله أبوضيف (القاهرة)
عبر جهود وساطة مكثفة بين روسيا وأوكرانيا، نجحت الإمارات في تبادل 1558 أسيراً بين البلدين خلال عام 2024، عبر 6 عمليات وساطة، كما نجحت في ديسمبر 2022 في تبادل مسجونين اثنين بين أميركا وروسيا، وسط تأكيد إماراتي بمواصلة الجهود لإيجاد حل سلمي للنزاع في أوكرانيا، ودعم جميع المبادرات التي من شأنها التخفيف من التداعيات الإنسانية الناجمة عن الأزمة.
فمنذ فبراير عام 2022، مثلت الأزمة الأوكرانية، أحد أخطر الصراعات الحديثة التي هددت، ولا تزال تهدد الأمن الأوروبي والعالمي، لاسيما في ضوء المخاطر والتهديدات التي تنطوي عليها، وخطر اتساع دائرة الصراع، وما لذلك من تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي والأمن الغذائي.
حالة استقطاب
رغم حالة الاستقطاب الدولي التي تمخضت عنها الأزمة، نجحت الدبلوماسية الإماراتية في التعامل بحنكة مع هذا الملف المُعقد من خلال الإبقاء على علاقات جيدة وقوية مع طرفي الصراع، ما أتاح لدولة الإمارات أن تكون وسيطاً نزيهاً ومقبولاً بين الجانبين. كما يعكس نجاح جهود الوساطة، كفاءة الدبلوماسية الإماراتية وقدرتها على التعامل الهادئ والمتزن مع أعقد الملفات الدولية، إلى جانب الثقة الدولية الواسعة في دولة الإمارات وقيادتها الرشيدة وحرصها على تحقيق السلام والأمن العالميين.
جهود إماراتية
تشدد دولة الإمارات على دعم كافة الجهود والمبادرات التي تهدف إلى الوصول لحل سلمي للنزاع بين البلدين، مؤكدة أن الحوار وخفض التصعيد السبيل الوحيد لحل الأزمة، ما سيسهم في التخفيف من الآثار الإنسانية الناجمة عنها.
وتمثل الجهود الإماراتية نقطة ارتكاز للوساطة بين روسيا وأوكرانيا، الأمر الذي أكد عليه الطرفان إلى جانب المنظمات الأممية والتي تؤكد في كل مرة أن هذه الخطوات تمثل نجاحاً ساحقاً للدبلوماسية الإماراتية القائمة على عدم الانحياز وتحقيق الأمن والسلم العالمي والإقليمي.
وتنطلق هذه الجهود من نهج الدولة الدائم والثابت في دعم فرص إحلال السلام والاستقرار، ودعواتها المتواصلة لتعزيز القنوات الدبلوماسية، بموازاة جهود كبيرة للتخفيف من التداعيات الإنسانية للأزمة، واحتواء آثارها الاقتصادية.
حياة جديدة
ذكر فلاديمير شوماكوف، الدبلوماسي الأوكراني السابق، في تصريحات لـ«الاتحاد» أن دور الإمارات في عقد صفقات تبادل الأسرى مع الجانب الروسي، ضمن حياة جديدة للمئات من الأسرى، مضيفاً أن «الحكومة الأوكرانية تطلب من الإمارات مواصلة هذه الجهود النبيلة».
بدورها، رحبت الدكتورة حنا شيليست مديرة البرنامج الأمني بمجلس السياسة الخارجية الأوكراني بأي جهود دولية للوساطة، خاصة فيما يتعلق بعودة أسرى الحرب. وأكدت شيليست، في تصريحات لـ«الاتحاد»، أن أوكرانيا تقدر مثل هذه الجهود الإنسانية التي تهدف إلى حل هذه القضايا الحساسة، خاصة عندما تأتي من وسيط حقيقي يرغب في إحلال السلام والأمن العالمي، لاسيما في منطقة مثل أوكرانيا التي تعد سلة الغذاء العالمي.
وأشادت بالدور الإماراتي الفعال على مستوى المساعدات الإنسانية الكبيرة والفعالة للشعب الأوكراني منذ بداية الأزمة.
دور بارز
يقول المحلل السياسي المتخصص في الشأن الروسي عمرو الديب، إن الإمارات تلعب دوراً دبلوماسياً بارزاً ومؤثراً على المستوى العالمي، حيث أصبحت الوسيط الأكثر نجاحاً في النزاع بين روسيا وأوكرانيا.
وأشار الديب، في سياق حديثه لـ «الاتحاد»، إلى أن الإمارات نجحت مؤخراً في إبرام صفقة تبادل أسرى جديدة رغم التصعيد الكبير بين الدولتين مما يعكس نجاحاً دبلوماسياً هائلاً في دفع الطرفين للتوصل إلى تفاهمات إنسانية.
وأضاف أن هذا النجاح يعزز من مكانة الإمارات كوسيط نزيه ومستقل في النزاعات الدولية، ما يجعلها طرفاً مقبولاً من الجميع، موضحاً أن الإمارات نموذج للدفع نحو السلام في المنطقة والعالم نظراً لعدم تورطها في أي نزاعات مسلحة أو دعمها لطرف على حساب الآخر. كما أشار إلى أن نجاح الوساطة الدبلوماسية الإماراتية يمنح أملاً كبيراً في إمكانية حل الأزمة على المستوى السياسي في ظل تعثر المفاوضات الثنائية بين البلدين. وأضاف أن الإمارات أثبتت قدرتها على الدفع باتجاه الحلول الدبلوماسية، وتقديم المساعدات الإنسانية للأطراف المتضررة، مما أسهم في تحقيق نتائج إيجابية ملموسة.
وأوضح الديب أن الجانبين الأوكراني والروسي يحترمان الجهود الدبلوماسية الإماراتية، التي تسعى دائماً إلى الحلول السلمية وتقديم المساعدات الإنسانية للأطراف المتضررة.
وأشاد بدور الدولة في فض النزاعات الإقليمية والدولية، لافتاً إلى أن الإمارات لم تتورط في أي نزاعات مسلحة، وتُظهر دائماً التزاماً راسخاً بتعزيز السلام والاستقرار، مما يجعلها وسيطاً موثوقاً قادراً على تحقيق تقدم ملموس في النزاعات الدولية.
الدعم الإنساني
على المستوى الإنساني، أرسلت دولة الإمارات في فبراير الماضي طائرة تحمل 55 طناً من المساعدات الإغاثية والطبية، تشمل أكثر من 360 من المولدات الكهربائية وعدد 5000 كمبيوتر تعليمي محمول وملابس شتوية وبطانيات ودفايات ومستلزمات طبية، لمساعدة المتضررين في أوكرانيا، وذلك ضمن الدعم الإغاثي المستمر من دولة الإمارات للمساهمة في التخفيف من حدة التداعيات الإنسانية التي تواجه الأوكرانيين نتيجة الأزمة الحالية.
يذكر أنه منذ بداية الأزمة قدمت الإمارات إمدادات إغاثية عاجلة للمتضررين في أوكرانيا، منها 100 مليون دولار إلى المدنيين الأوكرانيين، كما تم تدشين جسر جوي من المساعدات الإغاثية والمواد الغذائية الأساسية والطبية والمولدات الكهربائية وسيارات الإسعاف، وغيرها من المستلزمات الطبية والتعليمية، فضلاً عن تسييرها طائرات تحمل إمدادات إغاثية للاجئين الأوكرانيين في دول الجوار مثل بولندا ومولدوفا وبلغاريا.
كما أرسلت الإمارات في مارس الماضي طائرة محملة بـ50 طناً من المواد الغذائية إلى أوكرانيا، كجزء من التزامها الإنساني. كما خصصت الإمارات 105 ملايين دولار كمساعدات إنسانية تشمل الغذاء، والمستلزمات الطبية، وسيارات الإسعاف، والمولدات الكهربائية، والحواسيب المحمولة، ومستلزمات التعليم، لتقديم الدعم للمدنيين، وخصوصاً الأطفال.
وعلى المستوى الرسمي، أعربت الحكومة الأوكرانية مرات عدة عن عظيم الامتنان والتقدير للقيادة الإماراتية ولوزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية على استجابتهم الفورية للتحديات الإنسانية في أوكرانيا.
ويقول فلاديمير شوماكوف، الدبلوماسي الأوكراني السابق، في تصريحات لـ«الاتحاد»، إن دولة الإمارات قدمت دعماً إنسانياً كبيراً لأوكرانيا خلال السنوات الأخيرة، لافتاً إلى شكر أوكرانيا لقيادة وشعب الإمارات عن مساعداتها الإنسانية للأوكرانيين خلال الحرب. وذكر فلاديمير أنه في فبراير، تلقت أوكرانيا مولدات كهربائية وديزل من الإمارات بوزن يصل إلى نحو 100 طن، مشيراً إلى أن هذه المساعدات حيوية لأوكرانيا في ظل الأزمة الدائرة وتدمير البنية التحتية للطاقة.
نجاح دبلوماسي
يقول المحلل السياسي الروسي أندري أونتكوف، في تصريحات لـ«الاتحاد»، إن الدور الدبلوماسي البارز الذي تلعبه الإمارات تاريخي، مشدداً على أن الإمارات أصبحت الوسيط الأكثر نجاحاً بين روسيا وأوكرانيا على المستوى العالمي. وقال أونتكوف: «النجاح الذي حققته الوساطة الإماراتية يعطي أملاً كبيراً في حل الأزمة على المستوى السياسي، في ظل تعثر المفاوضات الثنائية بين البلدين». وأضاف: «لقد أثبتت الإمارات أنها طرف رئيس في الدفع نحو عملية السلام؛ بفضل سياستها المتبعة في عدم الانحياز، مما جعلها وسيطاً مقبولاً من جميع الأطراف»، مشيداً بدورها كنموذج للسلام. واعتبر أونتكوف الإمارات أكبر دافع للسلام في المنطقة والعالم، وطرفاً فاعلاً في فض النزاعات الإقليمية والدولية.
مبادئ الخمسين
تعكس جهود الإمارات وقيادتها في حل الأزمة الأوكرانية انسجاماً واضحاً مع مبادئ الخمسين التي تحدد المسار الاقتصادي والسياسي والتنموي للدولة في الخمسين سنة المقبلة، ويؤكد المبدأ العاشر من هذه المبادئ أن «الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هو الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات»، بالإضافة إلى السعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي كأحد المحركات الرئيسة للسياسة الخارجية الإماراتية.
طرف مستقل
تؤكد دولة الإمارات باستمرار نهجها الثابت في دعم الحلول السياسية للنزاعات والصراعات، بما في ذلك الأزمة الأوكرانية.
وسجلت الإمارات، عبر عضويتها في مجلس الأمن الدولي خلال عامي 2022 و2023، مواقف عدة تدعم الحل السلمي للأزمة الأوكرانية.
وقال الخبير السياسي الأوكراني فديم ألكسندر، في تصريحات لـ«الاتحاد»: «إن الإمارات أثبتت أنها طرف مستقل لدعم المفاوضات الإنسانية، لاسيما فيما يتعلق بتبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، ما يمثل نجاحاً حقيقياً للدبلوماسية الإماراتية».
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الإمارات روسيا أوكرانيا الأمن الغذائي
إقرأ أيضاً:
ريادة إماراتية في توظيف الذكاء الاصطناعي بمجال الأمن السيبراني
يوسف العربي (أبوظبي)
ترسي دولة الإمارات معياراً عالمياً في مجال توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال الأمن السيبراني بفضل لوائحها الواضحة وتبنيها السريع للتكنولوجيا الرقمية والتعاون القوي بين الحكومة والصناعة، حسب خبراء ومسؤولين تقنيين مشاركين في «جيتكس جلوبال 2025».
وقال هؤلاء لـ (الاتحاد): إن الإمارات تضمن بقاء البيانات محلية مع تمكين الابتكار في مجال الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، وذلك بفضل مبادراتها الاستباقية وشراكاتها العالمية مع كبرى الفاعلين بالقطاع عالمياً.
وأوضحوا أن الذكاء الاصطناعي يحول الأمن السيبراني من عملية تفاعلية إلى عملية استباقية فيُساعد المؤسسات ومحلليها على التحقيق في كميات هائلة من البيانات بشكل آني، واكتشاف التهديدات الخفية، والتصرف بشكل أسرع.
معيار عالمي
وأكد ألكسندر ديبريت بيكسيو، نائب الرئيس الأول في شركة «أنومالي»، أن الإمارات ترسي معياراً عالمياً في مجال الأمن السيبراني بفضل لوائحها الواضحة وتبنيها السريع للتكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي والتعاون القوي بين الحكومة والصناعة.
وقال: إن الامتثال هنا لم يعد يقتصر على الالتزام بالقواعد فحسب، بل أصبح أساسا للمرونة الحقيقية حيث تضمن الدولة بقاء البيانات محلية، مع تمكين الابتكار في مجال الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، وذلك بفضل مبادرات مثل منصة الإطلاق السيادية لدولة الإمارات بالتعاون مع أمازون ويب سيرفيسز (AWS) ومجلس الأمن السيبراني.
وأكد بيكسيو أن الذكاء الاصطناعي يحول الأمن السيبراني من عملية تفاعلية إلى عملية استباقية، فيساعد المؤسسات ومحلليها على التحقيق في كميات هائلة من البيانات بشكل آني، واكتشاف التهديدات الخفية، والتصرف بشكل أسرع. وأضاف: تجعل تقنية الذكاء الاصطناعي عمليات الأمن أسرع وأكثر كفاءة وفعالية للمحللين من جميع مستويات المهارة، ما يقلل بشكل كبير من تكاليف التشغيل وأوقات الاستجابة.
ويضمن توظيف الذكاء الاصطناعي الاستجابة المستقلة من خلال توفير قدرات التنسيق الأمني والأتمتة والاستجابة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لأتمتة عمليات الاحتواء والمعالجة وسير العمل المتكررة، ما يتيح للفرق الانتقال من الاكتشاف إلى التحييد بسرعة كبيرة تماثل سرعة الآلات.
خطوات واسعة
ومن جانبه قال لورانس إلبانا، مدير المبيعات في الشرق الأوسط، «سايبر أرك»: قطعت دولة الإمارات خطوات واسعة في مجال الأمن السيبراني، وأسست بيئة تنظيمية صارمة وجيدة التنسيق من خلال بعض الوكالات المتخصصة مثل مجلس الأمن السيبراني.
وأضاف: بصفتها مركزاً إقليمياً رائداً في مجالات التكنولوجيا والخدمات المالية، فإن الاستثمارات الاستراتيجية الحكومية والاستراتيجيات الوطنية الشاملة الموضوعة، تتيح للدولة دفع عجلة الابتكار في القطاعات الحيوية المختلفة، وخاصة في مجالات الطاقة والمالية وحماية البنى التحتية.
وأضاف: يؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً حيوياً في الكشف التنبؤي عن التهديدات والاستجابة بسرعة أكبر للحوادث الأمنية من خلال توظيف التحليلات الذكية في جميع أرجاء البيئات المادية والرقمية، وكشف التغيرات السلوكية غير الملحوظة والانحرافات المتعلقة بإمكانية الوصول إلى البيانات، ويتيح الذكاء الاصطناعي من خلال دمج الإشارات التي يتم جمعها من بيئة المؤسسات وعلى مستوى الأنظمة، للمؤسسات إمكانية الحصول على إنذارات مبكرة حول النوايا التخريبية الخبيثة.
التزام عميق
قال كيفن دالاس، الرئيس التنفيذي لشركة «إي دي بي- EDB»: أكدت دولة الإمارات موقعها كرائدة عالمية في مجال الأمن السيبراني وإدراك أهمية تطوير الذكاء الاصطناعي والبيانات جنباً إلى جنب، تحت ظل قاعدة بيانات ذات سيادة.
وأضاف أنه وفقاً لبحث «شؤون السيادة»، الصادر عن «مجلس التنمية الاقتصادية» تتصدر الإمارات والمملكة العربية السعودية دول العالم في الالتزام الكامل بالذكاء الاصطناعي السيادي، ويؤكد ذلك السياسات الحكيمة للإمارات التي تجمع بين الابتكار والحوكمة والمرونة.
وقال: إن الذكاء الاصطناعي يسهم في مساعدة المنظمات، على كشف وتوقع التهديدات السيبرانية بسرعة أكثر حيث يبدأ الأمن الحقيقي، عبر امتلاك بيانات ذات سيادة وبنية تحتية للذكاء الاصطناعي، مع مقدرته على تخزين البيانات منعزلة، أينما وكيفما برزت الحاجة لتشغيلها عبر بيئات هجينة.
ولفت إلى أنه من دون التحكم في مكان تواجد البيانات وكيفية إدارتها، ومن الذي يمكنه الوصول إليها، ليس من الممكن الوثوق بأي دفاع للذكاء الاصطناعي.
وأوضح أن منصة EDB Postgres للذكاء الاصطناعي تقوم بدمج الذكاء الاصطناعي في قاعدة بيانات مستقلة وأتمتة عمليات المراقبة والحوكمة عند طبقة البيانات مضيفاً: تحدثنا مع الرواد في هذه المنطقة وأكدوا لنا أنهم يحققون عائداً استثمارياً أعلى بخمس مرات باستخدام استراتيجية التحكم هذه.