أمطار شديدة تغرق مراكز النازحين ومخاوف من فيضانات واسع.. ماذا يحدث في السودان؟
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
شهدت مدينة كسلا السودانية أمطارًا غزيرة غير مسبوقة أدت إلى إغراق مراكز إيواء النازحين وغمر الشوارع في كافة أحياء المدينة. هذه الأمطار تجاوزت الطاقة الاستيعابية لشبكة تصريف المياه، مما تسبب في دخول المياه إلى المنازل.
الأوضاع في السودانوفقًا لصحيفة "تريبون سودان"، يعيش النازحون في مراكز الإيواء والخيام أوضاعًا مأساوية نتيجة لمحاصرة المياه لخيامهم.
إدارة الدفاع المدني السودانية حذرت المواطنين القاطنين على ضفاف النهر من ضرورة أخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن مجاري المياه. في مدينة الفاشر، دمرت الأمطار الغزيرة عددًا من منازل سكان مخيم زمزم المكتظ بالنازحين، حسب ما أعلنت حركة تحرير السودان، موضحة أن النازحين يواجهون كارثة إنسانية حقيقية في ظل انعدام الغذاء والدواء والإيواء واستمرار المعارك.
حركة تحرير السودان ناشدت الضمير الإنساني الوطني والعالمي للتحرك العاجل لإنقاذ الضحايا المشردين منذ عام 2003. كما دعت أطراف الصراع إلى مراعاة الظروف الإنسانية الحرجة التي يعيشها الأبرياء وإعلان وقف إطلاق النار وفتح الممرات الإنسانية لعبور الإغاثة عبر المنظمات الدولية.
ميدانيًا، تستمر المعارك بين طرفي النزاع في السودان. فقد شن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني غارات عنيفة على عدة مواقع في مدن الخرطوم، في حين استهدفت مدفعية الدعم السريع محيط قيادة الفرقة السادسة مشاة بولاية شمال دارفور.
أفاد شهود عيان بأن الطيران الحربي شن غارات على مواقع يعتقد بتمركز قوات الدعم السريع فيها في مناطق الخرطوم وبحري وشرق النيل وغرب أمدرمان. يُعد السوق في أمدرمان منطقة رئيسية لتجمع مقاتلي الدعم السريع القادمين من غرب السودان.
وفي الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، استمرت قوات الدعم السريع في استهداف مواقع مختلفة بالمدفعية الثقيلة. الشهود ذكروا أن القصف طال مواقع قريبة من قيادة الفرقة السادسة مشاة والأحياء الجنوبية والشمالية ووسط المدينة، مما أدى إلى سقوط ضحايا بين المدنيين.
وفي مدينة سنار، أشار ناشطون إلى أن قوات الدعم السريع استباحت نحو ست قرى في الريف الجنوبي الشرقي للمدينة، وارتكبت انتهاكات واسعة ضد آلاف المدنيين، مما أجبرهم على الفرار. ووفقًا لبيان صادر عن تجمع شباب سنار، تمددت قوات الدعم السريع في قرى جنوب شرق سنار، مرتكبةً عمليات نهب وتنكيل بالمواطنين العزل.
تضمن البيان أسماء القرى التي استباحتها قوات الدعم السريع، ومنها: التريرات، الكوفة، إبراهيم جانقوه، كوع النحل، تريرة مدني، الخليج، وقلاديمة، حيث نفذت عمليات نهب واسعة وأجبرت سكانها على الفرار.
في نهاية يونيو، سيطرت قوات الدعم السريع على معظم ولاية سنار بعد استيلائها على منطقة جبل موية الاستراتيجية ودخولها عاصمة الولاية سنجة، مما أتاح لها التمدد نحو محليات الدندر، الدالي والمزموم، أبو حجار، والسوكي، بينما لم يتبقَ للجيش سوى مدينة سنار.
من المتوقع أن تشهد سنار في الأيام المقبلة معارك ضارية بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث تستمر الأخيرة في حشد المقاتلين بأربع محاور هي جبل موية من الغرب، النورانية من الجنوب، السوكي من الشرق، ومصنع السكر من الشمال.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: أحياء المدينة الاوضاع في السودان الخرطوم الدفاع المدنى الطاقة الاستيعابية الطيران الحربي النزاع فى السودان النازحون تحرير السودان جيش السودان حركة تحرير السودان طرفي النزاع في السودان غارات عنيفة قوات الدعم غرب السودان مراكز الإيواء
إقرأ أيضاً:
زوبعة الحكومة الموازية في السودان
يمكن لأي جماعةٍ أن تعلن تشكيل حكومة على الورق أو في الفضاء الرقمي، لكن هذا لا يعطيها شرعيةً أو وجوداً حقيقياً. فأي حكومة لا تملك السيطرة على أرضٍ ذات سيادة، ولا تمثل إرادة شعبية واسعة، ولا تحظى باعتراف دولي، تعد حكومة وهمية، أو في حالات أخرى محاولة لكسب نقاط تفاوضية، أو لمنازعة السلطة القائمة والمعترف بها في المحافل الدولية.
الحكومة «الموازية» التي أعلنتها «قوات الدعم السريع» وحلفاؤها في منصة «تأسيس» هي مزيج من كل ذلك، وهي محاولة لفرض واقع جديد بعدما فشل مشروع السيطرة على الدولة السودانية بالكامل بعد اندلاع حرب 15 أبريل (نيسان) 2023، والهزائم التي أخرجت «الدعم السريع» من الأراضي التي تمددت فيها، وحصرت سيطرتها في أجزاء من إقليم كردفان ومساحات من دارفور. لكن هذه المحاولة ليست مرشحةً للفشل فحسب، بل قد تنقلب وبالاً على «الدعم السريع» وحلفائها.
الخطوة قُوبلت بإدانة واسعة من كثير من الدول، ومن المنظمات الإقليمية، ومن الأمم المتحدة، وكلها اتفقت على عدم مشروعية هذه «الحكومة»، محذرةً من أنها قد تمس بوحدة البلاد ولا تعبر عن إرادة الشعب السوداني. بل إن الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية وجّها دعوة للدول لعدم الاعتراف بها، مع التأكيد على دعم وحدة السودان وسيادته وأمنه، والتشديد على التعامل مع السلطة القائمة والمعترف بها.
داخلياً فجّرت الخطوة نقمة وخلافات في أوساط «قوات الدعم السريع» التي بدأت تشهد في الأشهر الأخيرة تصدعاً خرج إلى العلن بسبب صراعات النفوذ، والتوترات القبلية، والشكاوى من وجود تمييز وعنصرية من مكونات على حساب أخرى، مع انفلات أمني في مناطق سيطرتها أدى إلى مواجهات مسلحة مرات عدة.
ومع إعلان الحكومة أعلن عدد من مستشاري «الدعم السريع» انشقاقهم احتجاجاً، بينما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو لمقاتليها الساخطين على تشكيلة الحكومة والمجلس الرئاسي لـ«تأسيس». في هذه المقاطع هاجم المجندون قياداتهم وأعلنوا رفضهم لما وصفوه بالتهميش لهم ولقبائلهم، وطالبوا بحصتهم في قسمة السلطة على أساس أنهم من حمل السلاح وقاتل وفقد أعداداً كبيرةً من الشباب، ولكن لم يتم تمثيلهم في حين ذهبت المناصب لأصحاب «البدلات» من المدنيين الذين لم يشاركوا في القتال.
وبينما شن المحتجون في «الدعم السريع» هجوماً شديداً على عبد العزيز الحلو، رئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، الذي حصل على منصب نائب رئيس المجلس الرئاسي وحصة 30 في المائة من المناصب الأخرى، فإن الرجل قُوبل أيضاً بموجة من السخرية من ناشطين في مناطق سيطرته في جبال النوبة لقبوله أن يكون نائباً لمحمد حمدان دقلو (حميدتي)، متسائلين ما إذا كانت «الحركة الشعبية» قاتلت من أجل المناصب على حساب شعارات التهميش ورفع المظالم.
الواقع أن تحرك «قوات الدعم السريع» ومجموعة «تأسيس» لإعلان حكومة لا يعكس قوة، بقدر ما يظهر يأسها من قلب الموازين العسكرية مجدداً، ويزيد من تصدعاتها. فهذه الحكومة سيصعب عليها الوجود على الأرض في ظل الهجمات التي يشنها الجيش السوداني في دارفور وكردفان، بعدما انتقلت المعارك غرباً، وسط مؤشرات على أن الجيش يستعد لشن هجمات كبرى منسقة على غرار ما حدث في الجزيرة والخرطوم. وعلى الرغم من الصخب الإعلامي عن أن إعلان الحكومة كان من نيالا، فالحقيقة أن اجتماعات ترتيب خطواتها وتشكيل المجلس الرئاسي كانت في كينيا، وفقاً لبيان الخارجية السودانية.
لا أمل للحكومة الموازية في تغيير الموازين التي لم تعد تسير لصالح الدعم السريع
«قوات الدعم السريع» قد تكون مسيطرة حالياً على أجزاء كبيرة من دارفور وبعض المواقع في كردفان، لكنها لا تمثل بأي حال أغلبية السكان هناك، ولا تحظى بتأييد مكونات ومجموعات مقدرة، لا سيما بعد الانتهاكات الواسعة وجرائم الإبادة التي ارتكبتها. وحتى داخل مكونها القبلي فإنها تواجه عداء شخصيات نافذة مثل الشيخ موسى هلال رئيس «مجلس الصحوة الثوري» الذي انتقد تشكيل الحكومة الموازية، وشن هجوماً عنيفاً على حميدتي وشقيقه عبد الرحيم، وسخر من فكرة أن يحكما السودان.
المفارقة أنه مع إعلان هذه الحكومة أعلنوا أيضاً تعيين ولاة لأقاليم السودان في الوسط والشمال والشرق والنيل الأزرق والخرطوم، وهي المناطق التي كان أهلها يحتفلون بانتصارات الجيش والقوات التي تقاتل في صفوفه، وإخراجه «قوات الدعم السريع» منها. هذه التعيينات تضيف بلا شك إلى عبثية المشهد، لسببين؛ الأول أنه لا أمل لهؤلاء «الولاة» في تسلم سلطة فعلية على هذه المناطق، ولا معطيات حقيقية بإمكانية عودة «الدعم السريع» للسيطرة عليها، والثاني أنه حتى عندما كانت قواتها تسيطر عليها سابقاً فإن الإدارات المدنية التي شكلتها فيها لم تكن سوى مسميات وهمية لا وجود حقيقياً لها، ولا إنجازات.
الحقيقة أنه على الرغم من الفورة الإعلامية التي رافقت إعلانها، فإنه لا أمل للحكومة الموازية في تغيير الموازين التي لم تعد تسير لصالح الدعم السريع ناهيك عن أن تصبح حكومة بديلة تحكم السودان كله.
الشرق الأوسط