الغالي: السياسة و رهانات المستقبل
تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT
زين العابدين صالح الرحمن
أن الاستماع للأستاذ عبد الرحمن الغالي السياسي في حزب الأمة القومي؛ في رؤيته التي يستعرض فيها تطورات و مشادات العمل السياسي في السودان منذ الصراع على الوثيقة الدستورية، و انقلاب 25 أكتوبر 2021م، و الاتفاق الإطاري، و الخلاف داخل المكون العسكري، و عملية التجهيزات و الحشد التي كانت تقوم بها الميليشيا إلي الوصل للحرب، تبين في الحقيقة طريقة جديدة في التفكير، لا تبني مشروعها على شعارات رخوة سرعان ما تنهار، و أنما يشيد الغالي بناءه الفكري و تحليله على معطيات الواقع في نسق يقنع الذي ليس في قلبه مرض، فالسياسة تؤسس صروحها على معطيات الواقع و الحقائق، و البحث عن المعلومات الصحيحة، و ليس أفتراضات تصنعها العاطفتين السلبية و الإيجابية و شعارات ليس لها علاقة بأحداث الواقع.
القضية ليس أن تدين جانب لكي تدعم جانب أخر؛ و لكن المهم أن تحترم عقل الذي تخاطبه، و تحاول أن تخرجه من دائرة العاطفة التي تتحكم في طريقة تفكيره، حتى لا يسرع دائما بإخراج النتائج مسبقا قبل أن يبحث عن الحقائق، و كما قال الغالي أن موقف العاطفة الشعبية السالبة ضد الكيزان مؤثرة في طريقة التفكير عند قطاع عريض من الناس، و هؤلاء لا يرغبون في نتائج تتجاوز هؤلاء و لا تدينهم أولا.. و هي طريقة سهلة و تجد لها انصار، لكنها لا تعالج المشكلة، و لا توصل إلي نتائج تحدس تغييرا من أجل الخروج من الأزمة، بل هي تعمق الأزمة أكثر.. و رغم أن أغلبية السياسيين يعلمون إنها تعقد المشكلة و لا تحلها، إلا أنها مطلوبة، لأنها تشكل قاعدة اساسية للمنهج التبريري للأخطاء التي يرتكبها السياسيون، هم يريدونه شماعة يعلقون عليها أخطائهم..
واحدة من تبصر الحكمة في حديث الغالي أن المبادرات التي تقدم داخل الأحزاب، أو في منصة التحالفات، أو حتى تقديمها عبر الفضاء العام الواسع، إذا كان ذلك من خلال وسائل الإعلام أو الصحافة، هي مبادرات تكون مربوطة بزمن أن لا تحدث فيه أحداث تؤثر على قواعد أساسية استندت عليها المبادرة.. و إذا حدث تغيير على المسرح السياسي سوف يحتاج الواقع الجديد لمبادرة جديدة تتجاوز الماضية.. و كما ذكر الغالي أنه قدم مبادرة زمن الصراع السياسي الذي كان دائرا فترة " الإتفاق الإطاري" لحزب الأمة القومي و لقوى الحرية و التغيير المركزي، و لكنهم رفضوها، فجاءت الحرب ففقدت المبادرة الأولى قيمتها و الأحداث أضطرته أن يقدم مبادرة جديدة عندما بدأ التأسيس لتحالف " تقدم" أيضا رفضت، و الأحداث المتوالدة يوميا تحدث شروخا سالبة في المبادرات القديمة.. هذا الجهد لا تقدره القوى السياسية و تتعامل معه بأفق واسع و تخضعه للحوار، لآن لها مسارا واحدا كيف تستطيع أن تغتنم السلطة قبل الآخرين، هي ذات الرؤية التي كانت سائدة زمن الآتفاق الإطاري..
الغريب في الأمر أن ثورة ديسمبر هي لم تسقط النظام فقط، أيضا استطاعت أن تخرج كل عيوب القوى السياسية، و تبين عجزها ليس في كادرها السياسي الذي عجز عن إدارة الصراع بحكمة، بل حتى عجزها عن تقديم مشاريع سياسية تبين فيها رؤيتها للوصول لعملية التحول الديمقراطي، هي كانت عاجزة فرادى و حتى تحالفا أن تقدم هذه الرؤى، مما يدل أن القيادات التي تولت عملية إدارة الفترة الانتقالية ليست كانت بالكفاءة السياسية المطلوبة.. حتى تبريرات الفشل التي ساقوها كانت تؤكد ضعف قدراتهم و بصيرتهم، و عدم قراءتهم للواقع قراءة جيدة.. هؤلاء عزو أن الفشل كان سببه المكون العسكري و الكيزان و الفلول.. إذا كان السبب المكون العسكري لماذا خسرتوا الشارع الذي كان حافظا لتوازن القوى، و ظهر جليا في 30 يونيو 2019م بعد فض ساحة الاعتصام.. إذا كان الكيزان و الفلول سببا في الفشل، هل كانت تلك القيادات ليس لها علم أن الكيزان الذين مكثوا في السلطة ثلاثين عاما يمتلكون خبرة سياسية، و أيضا خبرة في إدارة الأزمات أفضل بحكم قبضتهم على السلطة و كسبوا خبرات في إدارة الأزمات، و سوف يشكلون تحديا حقيقيا للسلطة الجديدة؟ إذا كانت قيادات " قحت" على علم تصبح عندهم مشكلة في قدراتهم هي سبب الفشل، و إذا لم يعلموا فالمصيبة أكبر، لآن من جوهر عملية إدارة الأزمة أن تتعرف على مقدرات خصمك و قدرته على المناورة و في كيفية إدارتهم للصراع..
أن عبد الرحمن الغالي هو أحد السياسيين القلائل الذين يحكموا العقل في تصوراتهم، و يلتزموا جانب القضايا الفكرية في التعامل م الأحداث أكثر من استدعاء العاطفة، و هي خصائص قل ما تتواجد في الأحزاب ألان، رغم أعتراف الكثير منه هؤلاء أن التغيير لكي يتم تحكمه الاجتهادات الفكرية المقدمة و المتوقع أن تقدم. و المجتمع يحتاج لرصد دقيق لمعرفة لحركة و ميكانزماته المؤثرة و قدرة فاعليتها. و أيضا المتغيرات التي حدثت في المجتمع و التي سوف تحدث فيه، و الأدوات المطلوبة للتغيير، إلي جانب فحص الادوات السابقة و معرفة أسباب فشلها، إلي جانب معرفة القوى المحافظة فيه، و درجة استجابتها للمتغيرات، أو رفضها و ردة فعلها، و أيضا التراكم الثقافي ما هو المعيق و ما هو الداعم. كلها قضايا لا يمكن التعرف عليها بالشعارات، و لكن تحتاج لعناصر تشتغل بالفكر و هي العناصر المفقودة داخل الأحزاب.
أن عبد الرحمن الغالي من خلال أطروحته التي قدمها في اللقاء الذي كان قد أجراه معه سعد الكابي، يؤكد أن السياسية ليست شعارات فقط، بل هي تحتاج لعناصر تشتغل بالفكر، و هي تحتاج أيضا لقيادات سياسية لها قدرة على إدارة الدولة و الصراع، و لها خبرات.. أن السياسة الآن تعاني من رش كبير يندفع إليها من أجل أن يتخذها عامل للتوظيف و المكاسب و ليس إدارة تصورات و أفكار و يعمل علة تنزيلها للواقع بهدف نهضة المجتمع و تحديثه و تحسين معيشة المواطني و الخدمات فيه. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: إذا کان
إقرأ أيضاً:
الحرب الناعمة على سوريا وتحديات المستقبل
رفيا عبود **
تعد الحرب الناعمة إحدى الاستراتيجيات التي تستخدمها الدول لتحقيق أهدافها السياسية من دون اللجوء إلى القوة العسكرية المباشرة، وقد برزت هذه الظاهرة بشكل خاص في الصراع السوري؛ حيث تعرضت البلاد لمجموعة من الضغوطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما تزال وهي تهدف إلى عدم استقرار البلاد. وما زالت الرؤية ضبابية دون وجود إرادة حقيقية لدى الكثير من اللاعبين على المستوى الاقليمي والدولي.
والحرب الناعمة تتضمن استخدام أدوات مثل الدعاية، والثقافة، والتأثير الاقتصادي، والتلاعب بالمعلومات، بهدف التأثير على الرأي العام وإحداث تغييرات سياسية من دون استخدام القوة العسكرية. في حالة سوريا، تم استخدام هذه الاستراتيجية من قبل عدة دول ومنظمات لتحقيق مصالحها.. والقراءات الأخيرة تعطيك نتائج غير مرضية لكيفية التعامل مع الملف السوري وأن الذي تحقق لا يرضي فئات كثيرة في المجتمع السوري.
وإذا تحدثنا عن الأدوات المستخدمة في الحرب الناعمة على سوريا، يمكن رصدها فيما يلي:
الإعلام والدعاية: إذ أدى الإعلام دورًا مهمًا في تشكيل الرأي العام حول الأحداث في سوريا. تم استخدام وسائل الإعلام الدولية والمحلية لنقل روايات معينة عن الصراع؛ مما أثر على كيفية فهم الناس للأزمة.
العقوبات الاقتصادية: فرضت العديد من الدول عقوبات اقتصادية على سوريا، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد السوري وأدى إلى تدهور مستوى المعيشة. هذه العقوبات كانت تهدف إلى الضغط على الحكومة السورية لتغيير، وحتى التغيير الأخير لم ينفع برغم الحراك الكبير الذي تشهده العواصم الإقليمية والعالمية من دون الوصول إلى النتائج التي تخفف الأعباء عن المواطن السوري.
الدعم السياسي اللوجستي الإقصائي: الذي أثر بشكل كبير على القرار الداخلي السوري وحالة عدم إعطاء القضايا الداخلية الحيز الأكبر لتغيير الواقع فأخرج حالات لا تشبه الجسم السوري ولا عقليته، والتي تعطي مؤشرًا سلبيًا لأي فكرة علاج قادمة.
التدخلات الثقافية والاجتماعية: تم استخدام برامج ثقافية واجتماعية لاستهداف المجتمع السوري بكل مكوناته على امتداد الجغرافية السورية لزرع أفكار بعيدة عن عقلية السوري، وبالأخص بعد ان تصدر المشهد وسائل التواصل الاجتماعي أناسٌ يرتبطون بأجندات تخدم مصالح مُشغِّلِيهم وغايتهم الهجوم على كافة المجتمعات الداخلية المتعايشة فيما بينها منذ مئات السنين، والتي تُشكِّل الحالة الصحية للدولة السورية التي تؤمن بالحقوق والواجبات والقيم المُثلى.
يبدو لي أن مستقبل الأوضاع في سوريا يعتمد على عدة عوامل رئيسية:
الاستقرار السياسي: إذا تمكنت الحكومة السورية المؤقتة من تحقيق استقرار سياسي داخلي، فقد تكون قادرة على مواجهة التحديات الخارجية. ولكن إذا استمرت الانقسامات الداخلية، فقد يتعذر تحقيق ذلك.
الدعم الدولي: ستؤثر السياسات الدولية تجاه سوريا بشكل كبير على مستقبل البلاد. وإذا استمرت الضغوطات الخارجية، فإن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع.
الوضع الاقتصادي: يحتاج الاقتصاد السوري إلى إعادة بناء بعد سنوات من الحرب. ولا شك أن الدعم الدولي والإصلاحات الاقتصادية ستكون ضرورية لتحقيق النمو والاستقرار.
الوحدة الوطنية: تعزيز الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع السوري سيكون ضروريًا، لبناء مستقبل مستقر وآمن بعد أن يتم محاسبة كل من تلطخت يداه بالدماء وأن يتم التعامل بصدق وشفافية من دون تلميع الصورة لطرف دون الآخر وحتى لابدّ من إعادة تعريف كافة الثوابت والمصطلحات حتى تناسب المرحلة الراهنة لأجل بناء بلد عنوانه الأساس الثقة المتبادلة بين كل الناس وبين المواطن والقيادة.
وأخيرًا.. إنَّ الحرب الناعمة على سوريا تُمثل تحديًا معقدًا يتطلب استجابة شاملة من جميع الأطراف المعنية؛ فالمستقبل في سوريا يعتمد على قدرة الشعب السوري وحكومته المؤقتة على تجاوز الانقسامات الداخلية واستعادة الأمن والاستقرار، إضافة إلى كيفية تعامل المجتمع الدولي مع الوضع السوري.
إن التحديات كبيرة.. غير أن الأمل المشوب بالحذر في بناء وطن مستقر ومزدهر لا يزال قائمًا!
** صحفية سورية