التحول من البتكوين للذكاء الاصطناعي والبحث عن الإيرادات والطاقة المتجددة
تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT
أبيلين، البلدة الصغيرة في ولاية تكساس التي ارتبط تاريخها بالغرب الأميركي القديم، تشهد حاليًا تحولًا تقنيًّا جذريًّا. فقد أعلنت شركتان رائدتان في المجال، وهما شركة "لانسيوم" وشركة "كروسو إنرجي سيستمز"، عن اتفاقية بمليارات الدولارات لإنشاء مركز بيانات بقدرة 200 ميغاوات في ضواحي البلدة.
تلك المُنشأة الجديدة، المُصممة لخدمة احتياجات شركات الذكاء الاصطناعي، تمثل نقلة نوعية في عمل الشركتين بمجال تعدين عملات البتكوين المتراجع إلى الدخول لمجال الذكاء الاصطناعي الذي ينمو بوتيرة متسارعة، حسبما أشار تقرير في "سي إن بي سي".
أفادت آلي فين، رئيسة شركة "لانسيوم"، لشبكة "سي إن بي سي" بأن مركز البيانات الجديد عند الانتهاء منه سيكون من "أكبر مجمعات مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في العالم".
كما أضاف تشيس لوكميلر، الرئيس التنفيذي لشركة "كروسو إنرجي"، أن "مراكز البيانات تتطور بوتيرة متسارعة لتلبية الاحتياجات الحديثة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، مما يتطلب مستويات جديدة من كثافة المساحة والتبريد السائل المباشر لرقائق المعالجة ومتطلبات الطاقة الهائلة".
يشير التقرير إلى أن الشركات التي تعمل في تعدين عملة البتكوين، بما تمتلكه من مراكز بيانات ضخمة وإمدادات طاقة واسعة، تتمتع بمكانة فريدة للتحول إلى البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، إذ جاء هذا التحول استجابةً للضغوط المالية الناتجة عن الانخفاض الأخير لقيمة البتكوين في حدث "التنصيف" (Halving).
وهو حدث يتكرر كل 4 أعوام ويتسبب في تقليص الإيرادات من تعدين العملة المشفرة إلى النصف، مما دفع تلك الشركات أو الأشخاص للبحث عن مصادر جديدة للدخل.
ليست "لانسيوم" و"كروسو" الوحيدتين اللتين تتبنيان هذا التحول الإستراتيجي حاليا، فقد وصلت القيمة السوقية لأكبر 14 شركة تعدين لعملة بتكوين في الولايات المتحدة إلى 22.8 مليار دولار في منتصف يونيو/حزيران وفقا لتقرير من بنك "جي بي مورغان"، مما يعكس الاهتمام المتزايد بمجال الذكاء الاصطناعي.
شركات مثل "بيت ديجيتال" و"هوت8″ تحقق بالفعل إيرادات كبيرة من الذكاء الاصطناعي؛ تحصد "بيت ديجيتال" الآن 27% من إيراداتها بفضل عملها في مجال الذكاء الاصطناعي، بعد إبرام صفقة مربحة لتوريد وحدات معالجة الرسوميات من شركة إنفيديا، وهي صفقة تتوقع منها تحقيق إيرادات 92 مليون دولار سنويا.
وتدفع الشركة ثمن وحدات المعالجة العامة -جزئيا- من خلال تصفية بعض ممتلكاتها في مجال العملات المشفرة. وفي نفس السياق، جمعت "هوت8" مبلغ 150 مليون دولار لتوسيع مراكز بياناتها الموجهة للذكاء الاصطناعي، كما أشار التقرير.
كذلك شركة "كور ساينتيفيك"، التي خرجت من حالة الإفلاس في يناير/كانون الثاني هذا العام، شهدت تحولًا كبيرًا بفضل مشاريعها في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد تمت ترقية أسهم الشركة مؤخرًا، وارتفعت قيمتها إلى نحو ملياري دولار بعد عقد صفقات كبيرة مع شركة "كور ويف" وهي شركة ناشئة مدعومة من إنفيديا.
تقنيات شركة "كروسو إنرجي"، التي تحول الطاقة المهدرة إلى مورد ذي قيمة، ارتبطت طويلا بتعدين عملة البتكوين، ولكن كانت رؤية الشركة دائما تتضمن بنية تحتية للذكاء الاصطناعي منذ تأسيسها قبل 6 أعوام، كما يذكر التقرير.
ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل المنشأة الجديدة في مدينة أبيلين بحلول عام 2025، بالاعتماد في الأساس على مصادر الطاقة المتجددة، إذ تضمن تقنيات تنظيم الطاقة الخاصة بشركة لانسيوم أن مراكز البيانات للذكاء الاصطناعي ستدعم شبكة الطاقة عبر موازنة مصادر الطاقة المتغيرة مثل طاقة الرياح والشمس.
إستراتيجية لانسيوم تطورت من تعدين البتكوين إلى الذكاء الاصطناعي، مدفوعة بالحاجة إلى حلول طاقة قابلة للتوسع ومستدامة وفعالة من حيث التكلفة. تتيح تقنيتهم -الحاصلة على براءة اختراع- تعديلات سريعة في الطلب على الطاقة، وهو أمر مهم لموازنة شبكات الطاقة المتجددة، حسبما ذكر التقرير.
التحول من تعدين البتكوين إلى الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تحول تقني، بل هو أيضًا تحدي للطاقة، إذ يُقدّر معهد بحوث الطاقة الكهربائية أن مراكز البيانات قد تستهلك حتى 9% من إجمالي الكهرباء في الولايات المتحدة بحلول عام 2030، بزيادة نحو 4% عن عام 2023.
هذه الزيادة تدفع الشركات لاستكشاف إمكانية الاستفادة من الطاقة النووية كمصدر طاقة مستدام لأحمال تشغيل الذكاء الاصطناعي. تستخدم شركة "تيرا ولف" الطاقة النووية لتشغيل مواقعها وتخطط للتوسع في مجال الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة.
كان الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي"، سام ألتمان، قد أعرب عن دعمه القوي للطاقة النووية العام الماضي، قائلًا لشبكة "سي إن بي سي": "لا أرى طريقة للوصول إلى هناك دون الطاقة النووية"، إذ كانت تعليقاته تسلط الضوء على الدور المحوري للطاقة المستدامة في تلبية الاحتياجات المتزايدة للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
التأثير الاقتصاديمن المتوقع أن يكون للتأثير الاقتصادي على أبيلين ومنطقة غرب تكساس الأوسع تأثير ملحوظ. وستخلق عمليات البناء والتشغيل لمركز البيانات الجديد العديد من الوظائف، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ومن المحتمل أن تشهد الشركات المحلية ارتفاعًا في أنشطتها في السوق، كما ستعزز الاستثمارات في البنية التحتية، لدعم احتياجات الطاقة لهذا المركز، الاقتصاد المحلي بصورة أكبر.
رغم ما يوفره التحول إلى الذكاء الاصطناعي من فرص كبيرة، فإنه يأتي أيضًا بتحدياته؛ تتطلب احتياجات الطاقة العالية لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي إمدادًا ثابتًا ووفيرًا من الطاقة، بالإضافة إلى تحسينات في تقنيات التبريد للتحكم في الحرارة الناتجة عن المعدات التي تعمل بكثافة. وتحاول شركات مثل لانسيوم وكروسو تطوير مثل هذه التقنيات، لكنها ستحتاج إلى الابتكار المستمر لمواكبة النمو السريع لمجال الذكاء الاصطناعي، كما أشار التقرير.
يمثل التحول من تعدين البتكوين إلى الذكاء الاصطناعي تحولاً تقنيًّا واقتصاديًّا كبيرًا لشركات مثل لانسيوم وكروسو. ومع بناء مركز البيانات الجديد للذكاء الاصطناعي في أبيلين، تستعد تكساس لتصبح لاعبًا أساسيًّا في ثورة الذكاء الاصطناعي، مستغلة مصادرها الوفيرة للطاقة المتجددة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مجال الذکاء الاصطناعی إلى الذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی الطاقة المتجددة مراکز البیانات مراکز بیانات من تعدین فی مجال تحول ا
إقرأ أيضاً:
جوجل تعيد ابتكار البحث بالصور عبر الذكاء الاصطناعي
أعلنت جوجل عن تحديث كبير لوضع الذكاء الاصطناعي (AI Mode) داخل محرك البحث، يهدف إلى تحسين الطريقة التي يتفاعل بها المستخدمون مع الصور والفيديوهات أثناء البحث.
التحديث الجديد، الذي بدأ طرحه تدريجيًا هذا الأسبوع، يُحوّل تجربة البحث إلى رحلة مرئية تفاعلية تعتمد على فهم السياق البصري بشكل أعمق، وليس مجرد نصوص تقليدية.
منذ إطلاق وضع الذكاء الاصطناعي في مارس الماضي، تعمل جوجل باستمرار على تطوير ميزاته لتوسيع قدراته من مجرد الإجابة النصية إلى تجربة أكثر شمولًا.
ومع هذا التحديث الجديد، تستهدف الشركة جعل الذكاء الاصطناعي المخصص للبحث أكثر دقة في تفسير الصور وفهم نوايا المستخدمين من خلالها.
روبي شتاين، نائب رئيس إدارة المنتجات في بحث جوجل، أشار إلى أن الشركة لاحظت أن الروبوت كان يميل إلى تقديم إجابات نصية طويلة حتى عند التعامل مع استفسارات بصرية بحتة، وهو ما قد يبدو غير عملي في بعض الأحيان.
وأضاف شتاين أن هذا ما دفع جوجل إلى إعادة تصميم النظام ليكون أكثر قدرة على “التفكير بصريًا”، مستفيدًا من تقنية “توزيع الاستعلامات” التي تتيح للذكاء الاصطناعي تنفيذ عمليات بحث متعددة في الخلفية لفهم المقصود الحقيقي من طلب المستخدم.
فعلى سبيل المثال، إذا طلبت من جوجل العثور على صور “لغرف نوم مريحة ولكن فاخرة”، فلن يكتفي النظام بعرض صور عشوائية من الإنترنت. بدلاً من ذلك، سيقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل مفهوم “الراحة” و“الفخامة” وتنفيذ بحث متعدد الجوانب لتوليد مجموعة صور تعكس بدقة نيتك من الطلب، مما يجعل النتائج أكثر انسجامًا مع ما تتخيله بالفعل.
ولأن جوجل تؤمن بأن البحث يجب أن يكون تجربة طبيعية ومتعددة الوسائط، فقد صُمم التحديث الجديد ليتيح للمستخدمين بدء المحادثة بصورة أو فيديو مباشرة. يمكن للمستخدم الآن رفع صورة لمنتج أو مشهد معين وطلب معلومات عنه أو اقتراحات مرتبطة به، ليقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل المحتوى البصري وإعطاء نتائج دقيقة وفورية.
وترى جوجل أن هذا النوع من البحث البصري سيكون له تأثير قوي في مجال التسوق عبر الإنترنت. فبينما كان بإمكان المستخدمين سابقًا استخدام وضع الذكاء الاصطناعي للمقارنة بين المنتجات أو اقتراح خيارات، فإن التحديث الجديد يُضيف بعدًا بصريًا للتجربة، يجعل الروبوت قادرًا على تقديم نتائج أكثر واقعية وملائمة لاحتياجات المستهلك.
على سبيل المثال، يمكنك الآن أن تطلب من جوجل شيئًا معقدًا مثل “أريد بنطال جينز قصيرًا جدًا يناسب الإطلالة الصيفية”، ليقوم الذكاء الاصطناعي بعرض صور لخيارات مختلفة، مع إمكانية طرح أسئلة متابعة لتضييق نطاق البحث أكثر بناءً على الذوق أو السعر أو اللون. هذه الميزة تجعل عملية التسوق عبر محرك البحث أقرب إلى تجربة المحادثة الطبيعية مع مستشار شخصي يعتمد على الذكاء الاصطناعي.
ولا تقتصر أهمية التحديث على التسوق فقط، بل تمتد إلى مجالات مثل التصميم الداخلي، السفر، الأزياء، وحتى التعليم، حيث أصبح بإمكان المستخدمين استخدام الصور والفيديوهات كمحفزات للحوار مع الذكاء الاصطناعي، بدلاً من الاكتفاء بالنصوص.
وكما هو معتاد مع تحديثات جوجل، فإن نشر الميزات الجديدة سيحدث تدريجيًا خلال الأيام المقبلة، لذا قد لا يلاحظ بعض المستخدمين التغييرات فورًا. وتؤكد الشركة أن التجربة البصرية الجديدة لوضع الذكاء الاصطناعي ستصل أولًا للمستخدمين في الولايات المتحدة، على أن تتوسع إلى مناطق أخرى لاحقًا.
بهذه الخطوة، تواصل جوجل تعزيز مكانتها كقائدة لتجربة البحث الذكي، عبر تحويل عملية البحث من مجرد إدخال كلمات مفتاحية إلى حوار بصري غني يعتمد على الفهم المتعدد الوسائط. ومع تسارع تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، يبدو أن البحث في المستقبل لن يكون مجرد عملية استعلام، بل تجربة تفاعلية متكاملة تجمع بين النص والصورة والفيديو لفهم الإنسان بشكل أعمق من أي وقت مضى.