تتواصل للشهر الرابع على التوالي الاشتباكات العنيفة  بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عدة مناطق بالسودان. ويبدو أن الوضع يزداد تعقيدا دون التوصل إلى الحل السلمي مع فشل كل مفاوضات السلام التي ترعاها كل من السعودية والولايات المتحدة. فبعد أربعة أشهر من الحرب الدامية،لسائل أن يسأل، إلى أين تتجه الأوضاع في السودان؟

في غضون الأربعة أشهر منذ اندلاع الحرب في السودان، قتل 3900 شخص على الأقل ونزح أكثر من 4 ملايين آخرين، ولاتزال الحرب متواصلة وسط طموح كلا طرفي النزاع في الفوز بها.

في هذا السياق يرى الخبراء ان الأمور في السودان تتجه إلى مزيد من التعقيد والتصعيد. كما أن الانقلاب العسكري في النيجر طغى على أخبار السودان.

في تصريح خص به موقع مونت كارلو الدولية، قال الدكتور نورالدين المازني المتحدث باسم الاتحاد الأفريقي سابقا والأمم المتحدة في دارفور إن أفريقيا منشغلة الآن بملف الانقلاب العسكري في النيجر، ويبدو أن السودان لم يعد يحتل الطليعة في اهتمامات الرأي العام الإقليمي و الدولي، والواقع أن تداعيات ما يحدث في هذا البلد ستكون كبيرة جدا على أكثر من صعيد. فالإصرار على الحسم العسكري لن يخرج منه منتصر و لامغلوب، بل سيكون السودان بأكمله هو الخاسر الأكبر من حيث أعداد القتلى المهجرين والنازحين، ودمار شبه كامل للبنية التحتية التي شيدها أبناء هذا الشعب بسواعده وتضحياته الجسيمة طوال عقود.

عندما تضع هذه الحرب أوزراها، ستتكشف للجميع  فظاعة ما حدث و هول الكارثة التي حلت بالبلاد وتسبب فيها أبناؤها.

وأشار الدكتور المازني إلى أنه من المرجح جدا أن ينجح الجيش السوداني في إخراج قوات الدعم السريع من العاصمة ومحيطها، لكنه يخشى من أن تنتقل هذه الحرب بكل ثقلها إلى مناطق أخرى في البلاد وخاصة إلى دارفور، التي نالت نصيبها من المعارك الضارية والفظاعات خلال هذه الأشهر الأخيرة. فقوات الدعم السريع تعتبر أنه بمقدورها كسب الجولة الثانية من الحرب. وهذا سيزيد من معاناة الإقليم الذي مازالت أوضاعه هشة على كافة المستويات إلى اليوم، و لن يغفر المجتمع الدولي أيضا عمليات الإبادة  الجماعية السابقة واللاحقة التي يتم توثيقها وجمع الأدلة الكافية لإدانة مقترفيها. بحسب المتحدث السابق للأمم المتحدة في دارفور.

وبما أن التداعيات ستكون وخيمة يرى محدّثنا أن الحل هو في الخيار السلمي و التفاوض عبر “مبادرة موحدة” لا تترك مجالا للمناورة من جانب اي  طرف ، لا بد ان تجتمع كل القوى الاقليمية و الدولية المعنية بالوساطة وتنسق في ما بينها، مع ضرورة  إعطاء دور اكبر للمكون المدني الذي خفت صوته في الاونة الاخيرة واضعفت الانقسامات الحاصلة في صفوفه من قوته و من  دوره الريادي  خلال الثورة التي اطاحت بنظام البشير.

و قال الدكتور المازني إنه لابد لطرفي النزاع في السودان من أن يستخلصا العبرة من حالات مماثلة و مؤلمة ومكلفة جدا حصلت لدى دول الجوار و منها  الحرب الأهلية في جنوب السودان بعيد الاستقلال بسبب خلاف شخصي  بين الرئيس سلفاكير و نائبه رياك مشار وهي حرب استمرت قرابة الخمس سنوات نتج عنها سقوط  ما يقارب نصف مليون من الضحايا و تشريد مئات الآلاف خارج البلاد إلى جانب نازحي الداخل و لكنها انتهت بالمصالحة بين الرجلين وعاد رياك مشار لمنصبه الذي أطرده منه الرئيس سلفا كير.  كما استشهد المازني بمحاولة انفصال إقليم تيغراي عن الحكومة الفيدرالية في إثيوبيا قبل قرابة العامين، ما تسبب في حرب ضروس بين الجيش الفيدرالي الإثيوبي و قوات جبهة  تحرير شعب تيغراي التي كانت مهيمنة على الحكم في أديس أبابا، وبعد قتال استمر سنة كاملة سقط خلاله آلاف القتلى والجرحي وتسبب في الكثير من الدمار،  قبل الطرفان التفاوض وتم التوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين في جنوب أفريقيا.

ولهذا على السودان أن لا يعيش مثل هذه التجارب المريرة وعلى طرفي النزاع القبول بالتفاوض من أجل الوصول إلى وقف دائم لاطلاق النار قبل استئناف العملية السياسية التي سيلعب فيها المكون المدني الدور المناط بعهدته كاملا، مع اتخاذ كل المحاذير الممكنة حتى لا يتكرر ما حدث .

في تصريح لموقع مونت كارلو الدولية وصفت الأستاذة أسماء الحسيني الكاتبة الصحفية والخبيرة في الشأن الأفريقي، المجتمع الدولي بالعاجز عن إيجاد مخرج للأزمة السودانية. ولم يكن دوره كافيا في فرض ضغوط على الطرفين من أجل وقف القتال في البلاد. كما أشارت الحسيني إلى أن المبادرات المطروحة لم تتوصل إلى تقدم إيجابي حتى الآن، وهو ما يفتح الباب أمام أطراف جديدة للتدخل في الأزمة تزيدها تعقيدا، وهو ما يزيد من سفك لدماء السودانيين وإلى تصعيد المعارك في البلاد. و رأت محدثتنا إلى أن موسم الأمطار والفياضنات قريب جدا، وعند حدوثها ستغرق مناطق الشمال مما سيفقد العشرات أو المئات منازلهم. وسيزيد الأمر تعقيدا في ظل الأزمة الغذائية وعدم قدرة وصول المساعدات الدولية لبعض المناطق إلى جانب تدهور المستشفيات والقطاع الصحي. لذلك ترى أن الوضع في السودان  نحو مزيد من التدهور.

تدور الحرب اليوم في السودان في 9 مناطق فقط من ضمن ثمانية عشرة منطقة. وطالما تتواتر الأنباء من السودان بالعثور على كميات من الأسلحة في المناطق التي لم تشهد بعد المعارك، لذك تتوقع الأستاذة أسماء الحسيني أن تتوسع الحرب لتشمل مزيدا من المناطق. وبالتالي مزيد من  النازحين في الدول الجوار. كما أن  هناك مخاوف من تمزق وحدة السودان في ظل عجز المجتمع الدولي في وقف الحرب.

مونتي كارلو الدولية

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء

بقلم : سمير السعد ..

في عالمٍ تُثقله الحروب وتغرقه الفواجع، تبرز قصيدة “تهويدة لا تُنيم” للشاعر العراقي غسان حسن محمد كصرخة شعرية تحمل وجع الوطن، وتجسِّد الإنسان العراقي في زمنٍ لم يعد فيه للتهويدات مكان، ولا للطفولة حضنٌ آمن. غسان، ابن العمارة ودجلة والقصب، هو شاعر يكتب بقلبه قبل قلمه، ويغزل قصائده من نسيج الوجع العراقي بأدقّ خيوط الإحساس وأصفى نبرة صدق.
يفتتح الشاعر قصيدته بمشهد يختزل حجم الانهيار الداخلي في صورة جسدية/معمارية رمزية:

“من ربّت على ظهرِ الجسر..،
حتى انفصمت عُراه.”

ليتحوّل الجسر، رمز العبور والحياة، إلى معبر نحو الفقد والانفصال، ولتمتدّ صورة اليُتم على النهر كلحن لا يُفضي إلى الوصول:

“ليمتدَّ اليتمُ على كامل النهرِ،
يعزفُ لحنَ اللاوصول؟!”

هنا لا يتحدث الشاعر عن اليتيم بمعناه الفردي، بل يُحوّله إلى حالة جماعية تسري في جسد المكان، حالة بلد بأكمله يُرَبّى على غياب الآباء، وانقطاع الحكايات.

تدخل الحرب بوصفها شخصية غاشمة، لا تنتظر حتى تهدأ التهويدة، بل تُباغت الزمن وتفتك بالطمأنينة:

“الحرب..،
الحرب..،
(لعلعةٌ..):
كانت أسرعَ من تهويدة الأمِّ لوليدها”

هكذا يضع الشاعر التهويدة، رمز الحنان والرعاية، في مواجهة مباشرة مع صوت الحرب، لنعرف أن النتيجة ستكون فاجعةً لا محالة. ولا عجب حين نسمع عن الوليد الذي لم تمنحه الحياة حتى فرصة البكاء:

“الوليدُ الذي لم يفتر ثغرهُ
عن ابتسام..”

فهو لم يعرف الفجيعة بعد، ولم يلعب، ولم يسمع من أبيه سوى حكاية ناقصة، تُكملها المأساة:

“لم يَعُد أباه باللُعبِ..,
لم يُكمل حكايات وطنٍ..،
على خشبتهِ تزدهرُ المأساة لا غير.!”

في هذا البيت تحديدًا، يكشف غسان عن قدرة شعرية مدهشة على تحويل النعش إلى خشبة مسرح، حيث لا تزدهر إلا المأساة، في تورية درامية تفتك بالقلب.

ثم يأتي المشهد الفاصل، المشهد الذي يُكثّف حضور الغياب:

“عادَ الأبُّ بنعشٍ.. يكّفنهُ (زهرٌ)
لم يكُن على موعدٍ مع الفناء.!”

فالموت لم يكن مُنتظرًا، بل طارئًا، كما هي الحرب دومًا. لقد كان الأب يحلم بزقزقة العصافير، وسنابل تتراقص على وقع الحب:

“كان يمني النفسَ
بأفقٕ من زقزقات.،
وسنابلَ تتهادى على وقع
أغنية حبٍّ..
تعزفها قلوبٌ ولهى!”

بهذا المشهد، يقرّب الشاعر المأساة من القلب، يجعل القارئ يرى الأب لا كمقاتل، بل كعاشق كان يحلم بأغنية، لا بزئير دبابة. حلمُ الأب كُسر، أو بالأدق: أُجهض، على خيط لم يكن فاصلاً، ولا أبيض، بين الليل والنهار:

“حُلم أُجهض على الخيط
الذي لم يكن فاصلاً..،
ولا ابيضَ..
بين ليلٍ ونهار”

لا زمن في الحرب، لا بداية ولا نهاية، ولا فاصل بين حلمٍ وحطام. فالحرب تعيش في الفراغ، وتُشبع نهمها من أجساد الأبناء دون أن ترمش:

“ذلك أن لا مواقيت لحربٍ..
تُشبعُ نهمَ المدافع بالأبناء..”

وفي النهاية، تأتي القفلة العظيمة، القفلة التي تحوّل الحرب من آلة صمّاء إلى كائنٍ لو امتلك عيناً، لبكى، ولابتسم الطفل:

“فلو كانَ للحربِ عينٌ تدمع.،
لأبتسم الوليد!”

ما أوجع هذا البيت! إنه انقلابٌ شعريّ كامل يجعل من التهويدة التي لم تُنِم أيقونةً لفجيعة كاملة، وابتسامة الوليد غاية ما يتمنّاه الشاعر، وكأنّها وحدها قادرة على إنهاء الحرب.

غسان حسن محمد الساعدي ، المولود في بغداد عام 1974، والحاصل على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية، هو عضو فاعل في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق. صدرت له عدة مجموعات شعرية ونقدية منها “بصمة السماء”، و”باي صيف ستلمين المطر”، و”أسفار الوجد”، إضافة إلى كتابه النقدي “الإنصات إلى الجمال”. شاعرٌ واسع الحضور، يكتب بروح مغموسة بجماليات المكان وروح الجنوب العراقي، وينتمي بصدق إلى أرضه وناسها وتاريخها الأدبي والثقافي.

شاعر شفاف، حسن المعشر، لطيف في حضوره، عميق في إحساسه، يدخل القصيدة كمن يدخل الصلاة، ويخرج منها كما يخرج الطفل من حضن أمه، بكاءً وشوقًا وحلمًا. هو ابن العمارة، وابن دجلة، وابن النخيل والبردي، يدخل القلوب دون استئذان، ويترك فيها جُرحاً نديًّا لا يُنسى.

في “تهويدة لا تُنيم”، لا يكتب الساعدي الشعر، بل يعيش فيه. يكتب لا ليواسي، بل ليوقظ. لا ليبكي، بل ليُفكّر. قصيدته هذه، كما حياته الشعرية، تُعلن أن الشعر ما يزال قادراً على فضح الحرب، وردّ الضمير إلى مكانه، لعلّ الوليد يبتسم أخيرًا.

سمير السعد

مقالات مشابهة

  • قطر: مفاوضات الدوحة لم تصل لشيء.. وجهود وقف حرب غزة مستمرة
  • الزمالك يستعرض المبالغ المالية التي دفعت للمحاكم الدولية
  • الاحتلال يتحدث عن جمود في مفاوضات الدوحة بشأن وقف الحرب بغزة
  • شاهد بالفيديو.. “كيكل” يتعهد بإنهاء الأزمة والذهاب للمناطق التي تنطلق منها “مسيرات” المليشيا
  • الاعلام الدولي لا يحتاج الى منصة أخبار إنجليزية أو فرنسية
  • العفو الدولية تدعو إلى التحقيق في الضربات الجوية الأمريكية باليمن التي خلفت عشرات القتلى من المهاجرين
  • مفاوضات غزة.. تفاؤل وحديث عن موافقة حماس على "هدنة 60 يوما"
  • مبعوث ترامب للرهائن: مفاوضات غزة في الدوحة متقلبة
  • مكتب نتنياهو يتحدث عن تطورات مفاوضات الدوحة.. مناقشات لإنهاء الحرب
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء