الأحزاب التقليدية في السودان، مثل حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي، لم تطور طرحها السياسي بما يتناسب مع التحديات الراهنة لعدة أسباب رئيسية تتعلق بالتاريخ السياسي، الهيكل التنظيمي، والتحديات الداخلية التي واجهتها هذه الأحزاب منذ تأسيسها. إليك بعض النقاط التي توضح هذه المشكلة وكيف يمكن للأحزاب التقليدية تجاوز الفشل السياسي

أسباب عدم تطوير الطرح السياسي
الإرث التاريخي المحافظ الأحزاب التقليدية في السودان ترتبط ببيئات اجتماعية ودينية محددة، وامتدادات تاريخية تعود إلى فترة ما قبل الاستقلال.

هذا الإرث جعلها تتبنى رؤى محافظة ترتكز على الحفاظ على قاعدة دعم تقليدية دون السعي لتحديث خطابها بما يتلاءم مع التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتسارعة في البلاد.
الانقسامات الداخلية معظم الأحزاب التقليدية تعاني من الانقسامات والخلافات الداخلية، والتي تؤدي إلى ضعف الكيان السياسي نفسه وتشتت رؤيته. بدلاً من تقديم رؤية وطنية موحدة، نجد أن القيادات تتصارع على النفوذ والمكاسب الشخصية.
عدم القدرة على مواكبة التحديات الاقتصادية والسياسية الحديثة: الأحزاب التقليدية في السودان غالباً ما كانت بطيئة في استيعاب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، مثل التحديات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية، العدالة الاجتماعية، والتحول الديمقراطي. لم تستطع هذه الأحزاب وضع سياسات تستجيب لاحتياجات الشباب أو الأجيال الجديدة التي تواجه أزمة البطالة وتراجع الخدمات الأساسية.
غياب رؤية شاملة للتحديات القومية: معظم الأحزاب التقليدية لم تقدم رؤية سياسية متكاملة لمواجهة القضايا الوطنية الكبرى مثل الحروب الأهلية، قضية دارفور، نزاع الشرق، قضية مياه النيل، والتحولات الإقليمية والدولية. بدلاً من ذلك، انحصرت في تحالفات قصيرة الأمد أو كانت رهينة لمطالب جماعات محددة.
التأثيرات الخارجية: بعض الأحزاب التقليدية خضعت لتأثيرات خارجية من دول إقليمية أو جماعات ضغط دولية، مما أدى إلى تغييب رؤى محلية نابعة من احتياجات الشعب السوداني

الفشل السياسي
الافتقار إلى تجديد القيادة: القيادة في الأحزاب التقليدية غالبًا ما تظل في أيدي نفس الأشخاص أو عائلات محددة لسنوات طويلة، مما يعوق فرصة صعود قيادات جديدة ذات رؤى متجددة. هذا الجمود يؤدي إلى تكرار نفس الأخطاء وعدم القدرة على التكيف مع التغيرات السياسية.
التركيز على الشخصيات لا السياسات: بدلاً من التركيز على السياسات والاستراتيجيات التي تخدم الوطن، تنخرط الأحزاب التقليدية في تعزيز قيادات معينة أو الحفاظ على مواقع شخصية. يؤدي هذا إلى ضعف الأداء السياسي وعدم تقديم حلول عملية للمشكلات الوطنية.

عدم الانخراط الكافي مع الشباب: الفشل في دمج الشباب السوداني في القيادة السياسية وفي صناعة القرارات هو أحد العوامل الرئيسية التي أضعفت هذه الأحزاب. بينما يشكل الشباب أغلبية السكان، تظل رؤاهم وتطلعاتهم خارج معادلة صنع القرار.

الفشل في بناء تحالفات استراتيجية: بدلاً من بناء تحالفات قائمة على مبادئ وطنية وقومية تخدم المصلحة العامة، تتوجه الأحزاب التقليدية في كثير من الأحيان إلى تحالفات مؤقتة وغير استراتيجية تخدم مصالح آنية فقط.

كيف يمكن لهذه الأحزاب أن تعمل ككيانات سياسية فعالة
تطوير رؤية وطنية شاملة: ينبغي على الأحزاب التقليدية تحديث طروحاتها السياسية لتتضمن سياسات تلبي احتياجات الشعب السوداني بأسره، بما في ذلك العدالة الاجتماعية، التنمية الاقتصادية، وتحقيق الاستقرار السياسي. يجب أن تتضمن هذه الرؤية إجابات واضحة لقضايا النزاعات المسلحة، توزيع الثروات، وتقديم الحلول للتحديات التي تواجه السودان دوليًا وإقليميًا.

تشجيع التغيير في القيادة: يجب أن تسمح الأحزاب التقليدية بوجود دور أكبر للشباب والنساء في القيادة وصنع القرار. تمكين جيل جديد من القادة يمكن أن يساعد في إدخال طاقة جديدة وأفكار مبتكرة إلى الحياة السياسية السودانية.

تعزيز الديمقراطية الداخلية: من أجل تقديم بدائل ديمقراطية فعالة، ينبغي على الأحزاب التقليدية أن تلتزم بالممارسات الديمقراطية داخل تنظيماتها، مثل الانتخابات الداخلية المنتظمة، والمساءلة الشفافة للقادة.

التوجه نحو السياسات لا الأشخاص: يجب على الأحزاب التحول من تركيزها على الشخصيات القائدة إلى تقديم سياسات واضحة ومحددة للتعامل مع القضايا الرئيسية التي تهم المواطنين.

التواصل الفعال مع الشباب والمجتمع المدني: يجب أن تسعى الأحزاب التقليدية إلى دمج الشباب في أجندتها، وذلك من خلال التواصل الفعّال مع الحركات الشبابية والمجتمع المدني، وتبني قضاياهم في أجندتها السياسية.

مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة: على الأحزاب أن تتبنى سياسات وسطية قائمة على الاعتدال والتوافق الوطني، والعمل على مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة سواء كانت دينية أو سياسية التي تسهم في تقسيم المجتمع السوداني.

تحقيق الاستقلالية في صنع القرار: من المهم أن تتحرر الأحزاب التقليدية من الاعتماد على الدعم الخارجي، سواء كان ماليًا أو سياسيًا، وأن تتبنى سياسات مستقلة تلبي احتياجات السودان وشعبه بدلًا من الانصياع لأجندات خارجية.

الأحزاب التقليدية في السودان تواجه تحديات كبيرة تحتاج إلى مواجهة جادة وتغييرات عميقة في بنيتها وفكرها السياسي. إذا استطاعت هذه الأحزاب تطوير رؤية قومية شاملة، وتحديث قيادتها، والانخراط بشكل فعال مع الشباب والمجتمع المدني، يمكن أن تسهم في إيجاد حلول للتحديات الراهنة في السودان وتحقيق استقرار سياسي واقتصادي.

ومن أجل تقديم تحليل أكثر إنصافًا للأحزاب التقليدية في السودان، ينبغي أن نسلط الضوء على بعض المواقف والإنجازات التي تُظهر محاولاتهم للتعامل مع الشأن الوطني. رغم الانتقادات التي وُجهت إلى هذه الأحزاب، فإنها لعبت أدوارًا مهمة في مراحل متعددة من تاريخ السودان، وقدمت رؤى وأحيانًا مواقف وطنية حاسمة. إليك بعض النماذج التي توضح دور الأحزاب التقليدية في الشأن الوطني:

حزب الأمة القومي
مواقف إيجابية:
دور الصادق المهدي في توقيع اتفاقية جيبوتي (1999): حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي لعب دورًا محوريًا في توقيع اتفاقية جيبوتي مع حكومة الرئيس عمر البشير. هذه الاتفاقية كانت تهدف إلى تحقيق مصالحة وطنية وإنهاء الصراع بين المعارضة المسلحة وحكومة السودان، ما يدل على محاولات الحزب لإيجاد حلول سلمية للصراعات الداخلية.
موقف حزب الأمة من الانتقال الديمقراطي بعد ثورة ديسمبر 2018: بعد الإطاحة بنظام البشير في 2019، لعب حزب الأمة دورًا بارزًا في المفاوضات مع قوى الحرية والتغيير للمساهمة في تشكيل الحكومة الانتقالية، والتأكيد على ضرورة إقامة نظام ديمقراطي يعتمد على المؤسسات المدنية.
رفض حزب الأمة للعنف: لطالما ناهض حزب الأمة الحلول العسكرية للصراعات السودانية، متمسكًا بالحوار كوسيلة لحل النزاعات، وهو موقف ثابت يعكس التزامه بتحقيق السلام من خلال الحوار السياسي.
مواقف مثيرة للجدل:
التراجع عن مواقف ثورية: اتُهم الحزب بالتردد في بعض المواقف الثورية، مثل تحالفه مع القوى المعارضة ثم المشاركة في الحكومة تحت ضغوط سياسية، وهو ما أثار انتقادات حول افتقار الحزب إلى الحزم في الدفاع عن مواقفه.
الحزب الاتحادي الديمقراطي
مواقف إيجابية
اتفاقية القاهرة للسلام (2005): الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة محمد عثمان الميرغني كان له دور فعّال في توقيع اتفاقية القاهرة مع الحكومة السودانية، وهي اتفاقية كانت تهدف إلى إنهاء النزاع في شرق السودان وتقديم حلول سياسية للأزمات الإقليمية. وقد شكل هذا الاتفاق خطوة مهمة نحو تحقيق السلام الداخلي.
الميرغني ودوره في المعارضة السلمية: رغم ضغوطات النظام السابق، استمر الحزب الاتحادي الديمقراطي في تبني سياسات معارضة سلمية ولم يلجأ إلى العمل العسكري، متمسكًا بمبدأ الحوار السياسي لحل المشكلات الوطنية.

مواقف مثيرة للجدل
التحالف مع النظام السابق: رغم مواقفه المعارضة، تورط الحزب الاتحادي في تحالفات مع نظام البشير، وشارك في الحكومة من خلال بعض ممثليه. هذا التحالف أثار انتقادات واسعة، حيث تم اعتباره تراجعًا عن المبادئ الديمقراطية التي كان الحزب يدافع عنها.

موقف الأحزاب التقليدية من قضايا الهامش
حزب الأمة وموقفه من قضية دارفور: حزب الأمة كان من أوائل الأحزاب التي نادت بإيجاد حل للأزمة في دارفور، وعبر الصادق المهدي عن انتقاداته القوية للحكومة بشأن عدم قدرتها على التعامل مع هذه الأزمة بفعالية. موقف الحزب كان داعمًا للعدالة الاجتماعية ورفع المظالم في دارفور.
الحزب الاتحادي وموقفه من قضية الجنوب: الحزب الاتحادي الديمقراطي كان من الأحزاب التي دعمت اتفاقية أديس أبابا 1972 لإنهاء الحرب الأهلية في جنوب السودان. سعى الحزب في فترات مختلفة إلى تعزيز الوحدة الوطنية من خلال البحث عن حلول سلمية للنزاعات الداخلية.

دور الأحزاب التقليدية في قضايا الديمقراطية
مشاركة الأحزاب التقليدية في التجارب الديمقراطية: الأحزاب التقليدية، مثل حزب الأمة والحزب الاتحادي، كانت مكونات أساسية في الحكومات الديمقراطية التي عرفها السودان، مثل حكومات ما بعد الاستقلال وحكومة ما بعد ثورة أكتوبر 1964. هذه الأحزاب نادت بتعزيز الديمقراطية والتعددية الحزبية، وسعت إلى تأسيس نظام ديمقراطي مستقر رغم التحديات.

موقف الأحزاب من الحركات الإسلامية: منذ نشوء الحركات الإسلامية السياسية، كان للأحزاب التقليدية مواقف نقدية تجاه سياسات الإسلاميين في الحكم، خصوصًا خلال فترة حكومة الإنقاذ الوطني التي قادها عمر البشير. حزب الأمة كان من بين الأحزاب التي نادت بفصل الدين عن الدولة، وأكدت على ضرورة إقامة دولة مدنية ديمقراطية.

الأحزاب التقليدية بعد الثورة السودانية (2018-2019)
حزب الأمة والحزب الاتحادي وتشكيل الحكومة الانتقالية: بعد الإطاحة بنظام البشير في 2019، شاركت الأحزاب التقليدية في الحوارات السياسية التي أدت إلى تشكيل الحكومة الانتقالية. حزب الأمة كان جزءًا من هذه الحوارات وساهم في دعم الوثيقة الدستورية التي أُقرت في أغسطس 2019.

دور الأحزاب في تأييد السلام: لعبت الأحزاب التقليدية دورًا داعمًا لعملية السلام بعد الثورة السودانية. من خلال دعم مفاوضات السلام التي جرت في جوبا بين الحكومة الانتقالية والجماعات المسلحة، ساهمت الأحزاب في دعم الجهود الرامية إلى إنهاء الصراعات المسلحة وتحقيق الاستقرار في السودان.

أين يمكن الفشل السياسي؟
رغم هذه الجهود، واجهت الأحزاب التقليدية تحديات كبيرة في مواجهة التحولات السياسية والاجتماعية في السودان. بعض أوجه الفشل تشمل:

عدم القدرة على التكيف مع التحولات الاجتماعية: الأحزاب التقليدية لم تتمكن من استيعاب التغيرات الكبيرة في التركيبة السكانية والاجتماعية في السودان، خصوصًا الأجيال الجديدة والشباب الذين ينادون بسياسات أكثر تقدمية.

فشل في تقديم بدائل اقتصادية واجتماعية واضحة: على الرغم من الانتقادات الواسعة التي وجهتها الأحزاب التقليدية للحكومات السابقة، لم تتمكن هذه الأحزاب من تقديم بدائل اقتصادية أو اجتماعية واضحة تلبي احتياجات المواطنين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

التحالفات المتقلبة لقد انخرطت الأحزاب التقليدية في تحالفات سياسية متناقضة في بعض الأحيان، سواء مع الحكومات الديكتاتورية أو مع الجماعات المسلحة، ما أدى إلى فقدانها الكثير من شعبيتها ومصداقيتها.

رغم الانتقادات الموجهة للأحزاب التقليدية في السودان، لا يمكن إغفال أدوارها في مراحل معينة من تاريخ البلاد. لقد ساهمت هذه الأحزاب في دعم الديمقراطية، وحاولت إيجاد حلول سلمية للصراعات الداخلية. ومع ذلك، فشلت في تطوير خطابها السياسي بما يتلاءم مع التحديات الحديثة، وفشلت في تقديم رؤية متكاملة تستجيب لمطالب الشعب السوداني، خاصة الشباب. ينبغي على هذه الأحزاب أن تعيد التفكير في استراتيجياتها وتتبنى إصلاحات داخلية تُمكنها من الاستمرار كقوى فاعلة في الساحة السياسية.

zuhair.osman@aol.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحزب الاتحادی الدیمقراطی الحکومة الانتقالیة على الأحزاب هذه الأحزاب حزب الأمة من خلال

إقرأ أيضاً:

شرعية مجلس النواب العراقي في ظل هيمنة الأحزاب المسلحة

آخر تحديث: 12 يوليوز 2025 - 7:31 ص بقلم:ادهم ابراهيم

منذ تأسيس النظام السياسي الجديد في العراق عام 2003، استمد شرعيته من مبدأ التمثيل الديمقراطي القائم على الانتخابات النيابية، حيث يُفترض أن يكون مجلس النواب نتاج إرادة شعبية حرة عبر أحزاب سياسية مدنية.غير أن المشهد السياسي العراقي يكشف مفارقة خطيرة ، حيث ان كثير من الأحزاب التي تشكل البرلمان اليوم ليست سوى أذرع لتنظيمات مسلحة، ما يثير تساؤلات جدّية حول شرعية النظام بأكمله، في ضوء مخالفة واضحة للدستور، وتقاعس بعض المؤسسات الرقابية والقضائية عن أداء أدوارها الحاسمة.

والواقع أنه في سياق النظام الحالي، فإن التمييز بين الأحزاب السياسية والميليشيات المسلحة غير واضح، حيث يتم دمج الميليشيات في المؤسسات التشريعية، مما يؤدي إلى طمس مفاهيم التمثيل السياسي ، وهذا يشكك في شرعية النظام.

ان الفشل في إنشاء أحزاب سياسية مدنية كما نعرفها في الديمقراطيات الحديثة ترك فجوة في التمثيل السياسي، الذي غالبا ما ملأته احزاب ذات ميليشيات مسلحة.فالدستور العراقي نص في المادة (9/أ/أولاً) على حظر المشاركة السياسية للتنظيمات المسلحة ، حيث جاء نص المادة المذكوره “تُحظر تشكيل ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة”، وتمنع أي تنظيم مسلح من العمل السياسي أو المشاركة في الانتخابات.
هذا النص يعكس التزام الدولة المفترض بالفصل التام بين العمل السياسي والعمل العسكري، وضمان أن تكون الساحة السياسية مدنية بالكامل.

على أرض الواقع، نرى أحزابًا كبرى تشارك في العملية السياسية ولها تشكيلات مسلحة تمارس نشاطها بوضوح. ورغم أن بعضها يُدرج ضمن هيئة الحشد الشعبي، فإن ارتباطها السياسي والولائي بهذه الأحزاب يجعلها في حالة تضارب مصالح خطير، حيث يُستخدم السلاح في كثير من الأحيان لترهيب الخصوم أو فرض الأمر الواقع .

وفي هذا السياق، تقع مسؤولية مخالفة النصوص الدستورية على عاتق مجلس القضاء الأعلى، بصفته الجهة الرقابية العليا على دستورية العملية السياسية وسلامة تنفيذ القوانين. فغياب الإجراءات القضائية بحق الأحزاب التي تخالف الدستور وتشارك في الانتخابات رغم امتلاكها أذرعًا مسلحة، يشير إلى تقصير واضح، سواء على مستوى الرقابة أو على مستوى المتابعة القانونية. كان يُفترض أن يباشر القضاء بإجراءات قانونية لحظر أو تحجيم دور هذه الأحزاب المخالفة، حماية للدستور ، وصيانة للنظام الديمقراطي .

كما ان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، هي الأخرى تتحمل مسؤولية مباشرة في السماح لأحزاب مرتبطة تنظيمياً أو عملياً بجهات مسلحة بالمشاركة في الانتخابات. فالدستور، إلى جانب قوانين الأحزاب وقانون الانتخابات، يمنح المفوضية صلاحيات واسعة في التدقيق والتحقيق في ملفات الأحزاب والمرشحين، بما في ذلك مدى امتثالهم لشروط العمل السياسي المدني. لكن احجام المفوضية عن فرض هذه المعايير، نتيجة الضغوط السياسية، أسهم في الاستمرار على مخالفة الدستور .
كل ذلك انعكس سلبًا على شرعية النظام السياسي ، حيث إن وجود برلمان تشكله قوى تخرق المبادئ الدستورية يفقد النظام السياسي شرعيته الفعلية، حتى لو توفرت مظاهر شكلية كالانتخابات أو تشكيل الحكومات. فحين تتحكم قوى مسلحة في العملية السياسية، يتحول الاقتراع إلى وسيلة لتثبيت سلطة مفروضة لا خيار حر، وهو ما يُبطل جوهر الديمقراطية ويحوّل النظام البرلماني إلى واجهة لنفوذ غير دستوري .

واذا ما اضفنا عمليات التزوير الممنهجة للانتخابات يتبين لنا عظم الخروقات الدستورية وانتهاك الاعراف الدولية .ان وجود الميليشيات المسلحة في البرلمان يمثل حالة شاذة خطيرة ويشير إلى أزمة سياسية مستمرة ، نتيجة عدم احترام سيادة القانون ويتسبب في انعدام الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي .إذا كانت شرعية أي نظام ديمقراطي تُقاس بمدى التزامه بالدستور واحترامه لحق المواطن في اختيار ممثليه بحرية، فإن النظام العراقي يقف اليوم على مفترق طرق. فإما أن يُعاد ضبط مساره على أسس مدنية دستورية حقيقية، أو يبقى خاضعاً لقوى الأمر الواقع المسلحة، وهو ما يُهدد وجود الدولة ذاتها وليس مؤسساتها فقط ، ويضع مستقبل البلاد على حافة الهاوية .

مقالات مشابهة

  • تحالف «تأسيس»،،، الوجه الآخر للفوضى السياسية
  • إصدار الطبعة الثالثة من كتاب «الأمن القومي للدولة.. المقومات والتحديات»
  • بنسعيد: البام ليس آلية انتخابية فقط بل مشروع فكري وسياسي يسعى لطرح الحلول لحكومة 2030
  • شرعية مجلس النواب العراقي في ظل هيمنة الأحزاب المسلحة
  • محمود فهمي: التنوع السياسي بمجلس الشيوخ ضرورة لممارسة مهامه بكفاءة
  • أنماط طرائق التفكير السوداني «7»
  • الصناعة التقليدية المغربية تلامس سقف 22.4 مليار درهم
  • السعدي: “رؤية 2015” ترفع رقم معاملات الصناعة التقليدية إلى 22.4 مليار درهـم
  • مزيج من الفرص والتحديات.. توقعات برج الدلو لشهر يوليو 2025 | خاص
  • «الائتلاف الليبي للقوى السياسية والمهنية» يُعلن دعمه الكامل لمبادرة فريق الحوار والمصالحة السياسي