جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-10@01:46:14 GMT

"لا يلين العزم منَّا أبدًا"

تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT

'لا يلين العزم منَّا أبدًا'

 

د. صالح الفهدي

سطَّرَ خريِّجو الدورة الثالثة والخمسين للجنود المستجدين المنسبين للحرس السلطاني العُماني في يومِ تخرُّجهم على أرضيِّة الميدان، هذه العبارة التي هي شطرٌ من نشيد الحرس السلطاني العُماني الذي يستهلُّ مطلعهُ "منبع الحقِّ ودستور الهدى، يا كتاب الله يا قرآننا"، سطَّروا ذلك القسم "لا يلينُ العزمُ منَّا أبدًا"؛ بأسلحتهم، وفي ذلك دلالةٌ عميقةٌ تربطُ بين شخصيةِ الجندي وعتاده المادي (السِّلاح)، وعتاده المعنوي (العزم)، مقسمًا بأنَّ عزمه لا يلينُ أبدًا في الذود عن حياضِ الوطن، وثراهُ، ومقدِّراته، ومكتسباته.

قسمٌ معنويٌّ عظيمٌ يترسَّخُ في الجنديِّ منذ يومِ تخرُّجه ليصاحبهُ مدى حياته، ناذرًا دمهُ وروحهُ فداءً لوطنه الغالي، ولسلطانه المعظِّم.

ثم إنَّ هذا القسم (العزمُ الذي لا يلينُ) هو قسم كلُّ عماني في تقديره لوطنهِ وسلطانه، فالعزمُ جزءٌ لا يتجزأُ من الشخصية الأصيلة للإنسان العُماني، فكيف به وهو جنديُّ يسهرُ على أمنِ وطنه، ويراقبُ الثغور، ويقدِّم نفسه رخيصةً لوطنه.

بكلِّ فخرٍ واعتزازٍ كانت مشاعري تصاحبُ الحفلَ السنوي ليوم الحرس السلطاني العُماني الذي شُرِّفتُ بحضوره، فروحُ الحماسةِ، والوطنيةِ، والبسالة كانت تسودُ الميدان، وقد استشعرتُ بها منذ أول ظهورٍ لجنديٍّ من جنود الحرس عند بوابات الدخول إلى ميدان العرض العسكري المُهيب، ورأيت تلك الروح ماثلةً في إشراقة الوجوه، وهمَّة النفوس، وقوة حضور الشخصيات العسكرية في مختلفِ رُتبها.

هذا العرضُ العسكري وحده رايةٌ من رايات السموِّ الوطني، وعرقٌ نابضٌ بالمحبةِ والاعتزاز الوطني، كنتُ أستشعرُ خلاله بهيبة الوطن المتجسِّدِ في أبنائهِ الأغرار الذين عركتهم المبادئ السامية قبل أن تؤهلهم التدريبات العسكرية لهذا اليوم المشهودِ في حياتهم، ليكونوا ممن لا يلين عزمهم أبدًا، فهم سلاحُ الأمانِ للوطن، وجنود العزَّةِ لأهله، وحماةَ القيم والمبادئ لهويته الأصيلة.

وهُنا يقفُ الواحد ليتأمَّل بعمق متسائلًا: كيف وصل هؤلاءِ الجنودُ إلى درجةٍ عاليةٍ من الانضباط المتمثِّل ميدانيًا في اصطفافهم الحازم، واستجابتهم الصارمة للأوامر الصادرة من قائد الطابور، ليُكبر في نفسهِ قيمة الجندية، والحياة العسكرية التي يبينُ أثرها في حياة الإنسان ليس على الصعيدِ المهني وحسب، بل وعلى مختلف الصُّعُدُ في حياته، كما لا يظهرُ على مستواه البدني وحسب بل وعلى المستوى المعنوي الذي هو أعمقُ أثرًا، وأبعدُ نظرًا.

لهذه المعاني الجليلة جاءت فكرة الانضباط العسكري لنخبة من طلاب المدارس، لما لذلك من نتائجَ عميقة الآثار في ميادين الحياة، حيثُ لا تكون شخصية الطالبِ هي نفسها كما ستكون بعد الانضباط العسكري الذي نشهده في حياة الإنسان العسكري حتى بعد تقاعده من تقديرٍ للوقتِ، وحسمٍ في قضاءِ المصالح، وحبٍّ للعمل، فروح العسكرية كامنةً فيه لا يتنصل عنها، وهي ملتصقةٌ به لا تفارقه، وهُنا يصدقُ القسم "لا يلينُ العزمُ منَّا أبدًا" فالعسكري روحهُ متَّقدة، وثَّابةً، يشعُّ من عينيه البريق، ويكرهُ الخمول، والدعة، ويحبُّ العطاء المستمر، والعملَ الدؤوب.

 

بحماسةٍ عاليةٍ ردَّد الجنود المستجدون نشيد الحرس السلطاني العُماني وهو نشيدٌ يحملُ في طياتهِ المعاني العظيمة، والقيم الجليلة، ليكون بمثابةِ بيانٍ عطاءٍ وطنيِّ يحمله كل واحدٍ منهم قسمًا في روحه، فتحيَّة صادقةً لهم، وتحيَّةً عالية التقدير والعرفان لجنود عمان البواسل الذين سطَّروا ملاحم الفخر والاعتزاز، والبذل والعطاء لعُمان وسلطانها، فهم بحق مصدرٌ من مصادر الوطنية، ومجدٌ من أمجادِ الوطن.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

على هامش فرضية "الأوقيانوس العُماني"

 

 

 

حمد الناصري

 

نشر الكاتب الكويتي عبدالله خالد الغانم على منصّة "X" مقالًا عن "هندسة المركز النجدي والأوقيانوس العُماني" وتحدث بإسهاب مفصّل حول التكاملية الخليجية، وبما أسماها بالنظرية التأسيسية أو الكونفدرالية الخليجية أو منطق "جيوـ بنيوي"، وقد حدد توصيفًا لقابلية التحوّل الخليجي من مجلس تنسيقي إلى كتلة "فوق وطنية" عبر تزاوج مركز سيادي وأشار إليه بـ"السعودية" مع ممَرّ سيادي قوي "عُمان"، وكأنه يُشير إلى بحر عُمان الكبير المفتوح على البحار العميقة والتي تلتقي جميعها عند هذا البحر المفتوح "المحيط العُماني".

وتضمّن المقال توصيف الجُغرافيا، رمال الصحراء الذهبية التي أشرنا إليها في أكثر من مقال وقد أثبتنا قوتها ومكانتها وعظمتها في كتاباتنا القصصية والروائية، فالسعودية مركز الثقل في شبه الجزيرة العربية من حيث الأعداد البشرية ومن حيث الثقل الاقتصادي والمالي في منطقتنا، ولا سيما ثقلها العسكري وميزانيتها الكبيرة عسكريًا التي تتجاوز 70 مليار دولار سنويًا، وأنّ سلطنة عُمان تمتلك سيادة بحرية طويلة، على بحر عُمان وبحر العرب، وكذلك مضيق هرمز.

الغانم، اختزل تجارة النفط عبر هذا الممر المائي الحيوي الدائم في نسبة قدرها 21% من تجارة النفط العالمية، بينما هذا المضيق الحيوي هو العُنق الرئيس للعالم أجمع، والشريان الملاحي الأعظم في منطقة الخليج العربي والأهم حيويًا؛ ممّا يجعله عُمقًا استراتيجيًا وبُعدًا تاريخيًا عميقًا في الصراعات الدولية وتوتّرات المصالح؛ فهو جزء من سيادة بحرية عُمانية مفتوحة على بحر عُمان ومُحيطها البحري العميق الذي تلتقي البحار جميعها في مُحيطه، كأنه نقطة تجمّع لمياه البحار الستة في مياهه البحرية الذي نطلق عليه "المحيط العُماني".

وقد تحدث الغانم عن قاعدة التقارب أو بما أسْماه "المحور العُماني السعودي"، منبع قوة الممرّ البحري، والحقيقة أنّ العلاقات السعودية التاريخية تضرب بجذورها إلى أعمق الامتدادات في تاريخ شبه الجزيرة العربية، فتاريخ عُمان امتداد عميق وحضارتها اكتسبت الثقة القوية ولم تزل باقية في أوجّ عُمقها، بحريًا وانسانيًا وتراثًا ماجدًا، وما تحقق من مصالح مشتركة بين الدولتين العظيمتين- عُمان والسعودية- نابع من مفصل التاريخ في عُمق الرمال العربية، وبما أنّ السعودية عميقة البُعد في الرمزية الدينية "الحرمين الشريفين"، فإنّ عُمان جذورها تمتد إلى بداية التكوين أو لحظة الانشطار الكوني.

إنَّ سلطنة عُمان يشكل امتداها البحري إلى أزيد من 3165 كم حاليًا وهو عُمق استراتيجي، كان في الماضي القريب يصل إلى أبعد من ذلك بكثير.. وكان يُمكن أنْ تحصل على مُحيط بحري مستقل بها وفق شرعية ذلك الامتداد العميق.. فهو ملتقى البحار الستة العميقة.

ولو نظرنا إلى الخرائط البحرية القديمة، نجد عُمان حاضرة ببحرها العميق وذات سيادة على مُحيط بحري مفتوح.

وإنني لأشدّ بيدي على هذا التكامل المُهم بين السعودية وأشقائها في جزيرة العرب، وأرى من الأهمية بمكان حضور اليمن السعيد لما يُشكّله اليمن من قوة مفصلية لهذا التكامل اقتصاديًا وسياسيًا واستراتيجيًا واجتماعيًا؛ فاليمن قوة على الأرض وقوة بُعد مكاني عميق.. إننا مع تعزيز التعاون مع أشقائنا في منطقتنا سياسيًا أولًا، واندماج مباشر اقتصاديًا، وتحقيق قوة تواصل اجتماعيًا، وتعزيز قوة بحرية على الساحة الدولية، من منطلق تحقيق البُعد الاستراتيجي البحري (المحيط العُماني)؛ فسلطنة عُمان تمتلك مقومات بحرية عميقة، وتشكل نقطة تجمّع البحار العميقة الستة، ولها حضارة عميقة ذات قوة، وكُلما كانت بوصلة الهدف آمنة، كانت دافعة للاستقرار، وكلّما كانت القوة في مواجهة التحديات، كانت المصالح فاعلة في منطقتنا.

الخلاصة.. إننا نرى أنّ التوسّع في منطقتنا الخليجية عسكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا وعُمقًا استراتيجيًا يُعزز الدافع إلى قوة التكامل؛ فجغرافية المنطقة "جزيرة العرب" واحدة و"الأوقيانوس العُماني" ذو سيادة منذ فجر التاريخ؛ فعُمان امتدت إلى أقصى الشرق الأفريقي وإلى مُحيطها الجغرافي في منطقتنا، ولها تاريخ بحري طويل وعميق في المنطقة، وعليه فإنّ الحق يبدو موجبًا في امتلاك مُحيط بحري يحمل اسْمها؛ نظرًا لموقعها على بحر مفتوح هو بحرها ومُحيطها، ناهيك عن الأهمية الاقتصادية والبُعد الاستراتيجي لموقع السلطنة البحري والامتداد لشبه الجزيرة العربية.

مقالات مشابهة

  • الجيش السلطاني يحتفل بتكريم الفائزين في مسابقات النادي العلمي
  • بنين.. الرئيس «تالون» يعلن السيطرة على البلاد بعد محاولة الانقلاب
  • على هامش فرضية "الأوقيانوس العُماني"
  • الإعلام العُماني بين القالب والفاعلية
  • نائب وزير الحرس الوطني يستقبل مسؤولًا في هيئة تطوير المعدات بجيش التحرير الصيني
  • الحرس الثوري الإيراني: أي عدوان إسرائيلي جديد سيواجه برد أشد قسوة
  • تقارير تكشف كواليس الانسحاب الإيراني المفاجئ من سوريا قبل سقوط نظام الأسد
  • إيدكس… المعرض الذي رفع سقف التوقعات وأثبت تفوق مصر العسكري
  • قيادي في العزم: رئيس البرلماني العراقي سيكون من قيادات الخط الأول للسُنة
  • عماد محمد يعلن تشكيلة المنتخب الأولمبي أمام نظيره العُماني