الثورة نت:
2025-07-30@18:05:50 GMT

غزة ونشيج القوافل

تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT

 

على جادةِ الطرقات تمتدُ قوافل من النزوح بخطٍ أعرج لا يكادُ ينتهي، يمشون على قلوبهم المحطمة حاملين غربتهم معهم، والقليل من الحقائب الفارغة من الحياة الممتلئة بالخيبة، كل الاتجاهات تؤدي بهم إلى الموت، لا سبيل للنجاة، يلوذون شمالًا وجنوبًا، فيلاقون حتفهم بأبشع الطرق دموية على الإطلاق، يفترشون الطرقات مأوى لهم فيقصفون، يتخذون من بقايا منازلهم شبه أسقفٌ تُقيهم من هجير الشمس وجور النيران وتعسف العدو، ولكن سُرعان ما توأدُ الحكاية ويلاقون مصرعهم.


في غزة تُبنى البيوت للهدم ليس إلا، وتُعمر المنشآت للسحق والدمار الشامل، يُنجبُ الأطفال للمقابر لا للحياة، تُزف البنات ليصبحن أرامل، الناجي من غزة يرجو الموت، كونه أهون من الاستيقاظ على عتمة الجوع والنوم على أزيز القذائف والصواريخ وحشرجات الأنين، في غزة يجثو الفقد على أرائك القطاع، فلا يغادره منذُ الفلق وحتى الغسق، ويحوم شبح الموت حول المخيمات على مدار الساعة، في غزة يتسكعُ الضيم في الأزقة والشوارع والممرات ومن يُجابهه يُسفك دمه، وتنتهي قصته، في غزة يصرخُ الركن المنسي مناديا للنازحين قسريًا: عودوا فلازلتُ أحتضن الكثير من رفات فلذات أكبادكم.
كم نحتاجُ عمرًا من التجلد لنترجم وقع اللحظة الأليمة ليدٍ بعمر الخمسين تنزفُ وجعًا تُشير نحو عدسة الكاميرا “السبعة مع أمهم” سبعة لم يكن رقمًا مجردًا، بل حدث دامٍ سيظل في ذاكرة غزة للأبد، “هاي روح الروح” قالها بأنفاس مضطربة بلا روح وهو يلملمُ أطراف جسدها المغلفُ بالدم، لم يُسعفه الوقت ليبكي حينها، ولربما لم يُذعن للحقيقة المبرحة بعد، وسيكمل عمرهُ حاملا لها من مكان إلى مكان ليعيد لها الروح، وعن الطفلة هند التي ظلت لساعات طويلة ترزح تحت وطأة الحصار داخل السيارة بجانب خمسة جثث هامدة، كم استهلكت من العمر وهي تنتظر بخوف وجزع سيارة الإسعاف التي استقبلتها رشاقات الاحتلال قبل أن تصل، ماذا عن يوسف وحذيفة وكمال؟ وحمزة وتطول قائمة المُصاب وتطول، كم نحتاج لأيادٍ نمسح بها يتامى غزة، ونربتُ على الثكالى والمعطوبة أحلامهم؟.
وعلى الضفة المجهولة ثمة مشاهد فيها الحياة قاب قوسين أو أدنى، أحداث تحكي عن الموت المؤجل والاحتضار ببطء غابت عنها شمس الإعلام ولم يتسن للعدسة توثيقها، لحظات الوداع الأخير والنهاية المُرة والتلويحة المخضبة بالدم، إنها تلك الآلام العظيمة التي تكبدها أهالي غزة الأعزة في خضم خذلان عربي مقيت، وستبقى هناك حقارة خلدت نفسها بأحرف الدناءة على مرِّ العصور، لتكون تلك الجرائم هي من أحلك الصور والأكثر دموية ووحشية في تاريخ البشرية على الإطلاق. فليس هناك شعب قد رزح تحت وطأة المعاناة، وعاش تحت ظلال الضيم والإجحاف طيلة القرن العشرين على يد المشروع الصهيوني كما الشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من هذا فإنه قاوم، وجاهد، وقاتل، وثبُتَ، ولازال واقع اليوم كفيلًا بأن يتحدث.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

افتتاحية: عن الفلسفة الضائعة من سياق حياتنا

إن أكثر ما نحتاجه اليوم ونحن نرى حجم المأزق الأخلاقي الذي يعيشه العالم، والهوة الكبيرة من ثورته التكنولوجية وتراجع قيمه ومبادئه هو العودة إلى الفلسفة التي تمت تنحيتها من حياتنا ومن آليات تفكيرنا ووعينا الفردي والجماعي لأسباب كثيرة جدا تراكمت عبر التاريخ، وبلغت ذروتها في عالمنا العربي، حيث اختلط سوء الفهم بالتخويف المتعمد من التفكير الحر.

لم تكن الفلسفة في يوم من الأيام من العلوم القديمة التي تجاوزها الزمن، ولا محض «معرفة نظرية» نخجل من استعمالها أمام أدوات العصر الجديد.. الفلسفة هي الوعي بالأدوات ذاتها، وهي من يُسائل لماذا نصنّع التكنولوجيا، قبل أن نتقن تشغيلها؟ وهي التي تضيء الأماكن المعتمة التي تركناها مغلقة في زوايا العقل، وتُعيد إلينا أسئلتنا المؤجلة، والمحرّمة، والمرمية في هوامش الأيديولوجيا أو الدين أو السلطة.

وحتى نستطيع بناء مقاربة حول أهمية الفلسفة في حياتنا يمكن أن ننظر إلى المدارس التي تُدرّس الرياضيات والفيزياء والبرمجة، ولا تُدرّس الفلسفة، باعتبارها تدرس علوما مهمة ولكنها تبقي المتعلمين فيها بعيدا عن ضميرهم ووعيهم بل وتجعلهم بلا مواقف واضحة من قضايا الحياة. ما فائدة أن نُخرّج مبرمجا لا يُميز بين القيمة والمعلومة؟ أو طبيبا لا يرى في مريضه إنسانا؟

إن الفلسفة في هذا السياق هي خط الدفاع الأخير عن الإنسان باعتباره كائنا أخلاقيا.

ولذلك فإن تدريس الفلسفة في المدارس، منذ السنوات الأولى، هو بمثابة تدريب على الشك النبيل، وعلى الفضول الخلاّق، وعلى الاختلاف دون خلاف وعداوة. تعلمنا الفلسفة دائما كيف نفكر؟ وكيف نطرح الأسئلة لنستطيع الفهم الحقيقي؟ وغياب مناهج الفلسفة عن الجامعات باعتبارها مقررات إجبارية يسهم في صناعة جيل تقني متقن، لكنه هش أمام الأفكار المغلقة، وخائف من التساؤل، ومتردّد أمام الاختيارات الكبرى.

وهذا طرح ليس وليد الثقافة العربية التي تعيش لحظات صعبة جدا، ولكنه طرح كل الحضارات العظيمة عبر التاريخ حيث كانت الفلسفة تؤسس لكل مراحل البناء الحضاري.. ولذلك فإن الدعوة لإعادة الفلسفة إلى الحياة هي موقف حضاري نحن في أمس الحاجة له اليوم، وإذا لم نُعلّم أبناءنا أن يسألوا، فإننا نهيئهم ليكونوا مجرد أدوات في آلة أكبر منهم. وإذا لم نفكر، فسيُفكَّر لنا.. وإذا لم تكن الفلسفة جزءًا من وعينا اليومي، فسنخسر المعركة مرتين: مرة حين نُهزم، ومرة حين لا نعرف حتى لماذا؟

مقالات مشابهة

  • المساعدات تتواصل إلى غزة.. وتطور جديد في القوافل.. تفاصيل
  • ساكاليان لـ سانا: اللجنة على استعداد تام لمواصلة العمل للتخفيف من تبعات الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء على المجتمعات المتأثرة، حيث انضم فريق منها الإثنين الفائت إلى القوافل الإنسانية التابعة للهلال الأحمر العربي السوري التي دخلت محافظة السويداء، ضمن ا
  • 1586 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية المستعمرة الشرقية بالدقهلية
  • علي جمعة: الرضا والتسليم والتوكل مفاتيح النجاة في عالم يملكه الله
  • افتتاحية: عن الفلسفة الضائعة من سياق حياتنا
  • الشبلي: الجهود الإغاثية الأردنية لغزة مستمرة منذ بداية الحرب
  • التنوع الثقافي لدى الشباب الرياضي
  • اندلاع حريق داخل مخزن فى مصر الجديدة
  • وزارة الأوقاف تطلق 10 قوافل دعوية بقنا
  • وزير الإعلام الدكتور حمزة المصطفى: نأمل بكل صدق ألا تُعرقل هذه القوافل من الجهة الخارجة عن القانون التي تسعى لتوظيف معاناة أهلنا لأهدافها الانعزالية