(جغم جغم) - (بل بل)
حياة الإنسان بالسودان وفي دارفور خاصة صارت بلا قيمة معتبرة ، من أرخص الأشياء روح الإنسان ومن السهل قتل الإنسان دون الإحساس بالذنب أو الاكتراث للعواقب حتى صار القتل الجزافي ظاهرة ممارسة بصورة اعتيادية، القناصة بأحياء نيالا يصطادون المشاة في الشوارع بلا أي أسباب كما الدانات والقذائف تتساقط بل وتنهمر على المنازل والمرافق كالأمطار وتقتل النساء والأطفال والرجال بلا تمييز ،إمراة تحتضن طفليها بحي السكة حديد خشية عليهما من مقذوفات الحرب العشوائية وهي لا تعرف لماذا هذه الحرب ومن هم أطرافها، وماذا يريد البرهان أم ماذا يريد حميدتي أم ماذا تريد قوى الحرية والتغيير ، إمراة بسيطة في حالها شغلها الشاغل ان تكسب من عرق جبينها لتربية أطفالها، فتسقط دانة على منزلها تقضي على طفليها الصغيرين في الحال أمام عينيها الجاحظتين وتقطع ساقيها ،لتتعاظم حزنها وقد صارت مفجوعة بفقد طفليها وتحتاج لمن يعينها على علاجها وقضاء حوائجها وهي تئن من الأوجاع الشديدة والمتاعب وعدم القدرة حتى على تحريك جسدها الدامي من اطرافها على السرير .

أسرة الشهيد بشير فقدت عائلها الشهيد بشير الذي قتل بمنزله الشهر الماضي وأمس الأول تسقط دانة على أرملته وبنتيه وابنه وتستشهد إحدى بنتيه في الحال لتلحق بها أمها وشقيقها . وأسرة أخرى فقدت الأم والإبن وفي سرداق العزاء تسقط دانة على المعزين ويسقط اكثر من قتيل وعدد من الجرحى . مشاهد القتل المروعة صارت مألوفة في الأحياء بمدينة نيالا من جراء سقوط الدانات على المنازل والشوارع والأسوق ومداخل المدينة ومخارجها محاطة بالعناصر المسلحة تم إختطاف المدافع الحقوقي أحمد محمد عبد الله اللورد وجاره المدافع الحقوقي آدم عمر وعثر على جثتيهما في مدخل المدينة وكان الخاطفون قد طالبوا بفدية مالية قدرها (ثلاثون مليون جنيه) ولم ينتظروا حتى ليوم واحد وقتلوهما وقذفوا بجثتيهما في العراء. لا توجد بوارق أمل سوى رحمة الله العلي العظيم التي تسع كل شئ. رجال الدين لم تعد كلمتهم مسموعة فالقتل الجزافي يتم تحت هتافات التكبير والتهليل، وقيادات الإدارات الأهلية انقسمت على نفسها، منها من انزوت واغلقت الأبواب ، ومنها من اعلنت إنحيازها لأحد طرفي الحرب وقد فقدت حكمة وبصيرة قيادات الإدارات الأهلية، ومنها من سعت وحاولت بقدر سعة قدرتها ولكن ضاعت أصواتها مع هدير البنادق والقذائف والدانات . العديد من الضحايا ممن قضوا نحبهم منذ نشوب المعارك منذ منتصف ابريل الماضي بمدينة نيالا وغيرها صاروا عبارة عن أرقام في الوسائط ، وآلاف الجرحى والمفقودين ، غالبية أحياء نيالا وسط تم اخلائها وهجرها سكانها جنوبا ولا تزال المعارك تدور في بعضها . ليست بنيالا سلطة متنازع عليها أو قصر جمهوري أو ثروة يتم تقسيمها كما ولو سقطت نيالا ستكون مثلما سقطت الجنينة ، ولو سقطت دارفور كلها فإن ذلك لا يعني ان الخرطوم ستسقط بل مزيدا من الإنقسامات المجتمعية التي تعطل دارفور ولا تفيد في شئ إلا لأصحاب المصلحة في الفوضى .
(جغم جغم)- (بل بل)
* نيالا تحولت من مدينة جميلة تذخر بكافة انواع الفنون والثقافة والابداع والتعايش السلمي بين مكوناتها إلى مدينة الموت وقد تطبع سكانها مع ظاهرة التقتيل والترويع والدمار اليومي، ضحاياها يوميا في الوسائط مجرد أرقام لطرفي الحرب العبثية وانصارهما في انشغال (جغم جغم)- (بل بل).
حتى في خطاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان في ذكرى الإحتفال بعيد الجيش لم يرد ذكر إسم مدينة نيالا ومآسي نيالا ضمن المناطق المنكوبة بالحرب، وفي خلال الخمسة أيام السابقة لخطابه تجاوز عدد الشهداء المدنيين بمدينة نيالا من جراء سقوط الدانات والقذائف على المنازل ورصاصات القناصة والطائشة (٥٠ قتيلا مدنيا) وهي المدينة الثانية بعد الخرطوم التي تشهد يوميا القتل الجزافي والخراب والدمار وقد حلت مدينة نيالا في الترتيب محل مدينة الجنينة التي تم تهجير غالبية سكانها بفعل القتل الجزافي والخراب والدمار .
اللهم هذا قدرك ، نسألك السلامة واللطف بأهالي نيالا وكل مناطق البلاد الأخرى المنكوبة بالعمليات الحربية .  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: مدینة نیالا

إقرأ أيضاً:

خطاب الملك أمام البرلمان الأوروبي: مرافعة دولة في وجه انحلال العالم

صراحة نيوز- النائب الكابتن زهير محمد الخشمان

حين يفقد العالم أدوات التمييز بين الجريمة والموقف، ويصبح الحق وجهة نظر، وتُستبدل القيم بالمصالح، لا يعود الحديث عن حياد أو توازن، بل عن عطبٍ عميق في النظام الدولي ذاته. في هذه اللحظة، وفي قلب أوروبا، وقف جلالة الملك عبدالله الثاني، لا ليجامل ولا ليهادن، بل ليواجه. لم يكن خطابه أمام البرلمان الأوروبي مجاملة دبلوماسية، بل مواجهة صريحة مع ما وصفه جلالته بأنه “فقدان للبوصلة الأخلاقية” في نظام عالمي بات يتعايش مع المجازر كما يتعايش مع مؤشرات الأسواق. هذا ليس خطابًا تقليديًا لدولة صغيرة تُطالب بالتضامن، بل مرافعة استثنائية لقائدٍ يُعلن من موقعه أن انهيار القيم ليس أزمة خطاب، بل تهديد مباشر لبقاء العالم الذي نعرفه.

في لحظة انكشاف عجز المجتمع الدولي عن مواجهة آلة القتل في غزة، لم يتردد جلالة الملك في تسمية الأشياء بمسمياتها، وتوصيف حالة الانحطاط الأخلاقي الذي تشهده المنظومة الدولية. استدعى جلالته تسلسل الانهيارات التي عصفت بالعالم خلال السنوات الأخيرة، من جائحة كورونا إلى الحرب في أوكرانيا، ومن فوضى المعلومات المضللة إلى المجازر المفتوحة في غزة، وصولًا إلى التصعيد الإقليمي مع إيران. لكنه لم يتوقف عند حدود السرد، بل قفز إلى قلب المعادلة، ليقول إن هذا التراكم لم يُنتج فقط اضطرابًا سياسيًا، بل أزمة في القيم ذاتها. لقد أصبح العالم، كما قال جلالته، بلا بوصلة، حيث تتبدل الحقيقة كل ساعة، وتتآكل القواعد، ويزدهر التطرف تحت غطاء العجز الدولي.

وفي مشهد غير مسبوق في صدقه ومباشرته، وضع الملك الجميع أمام سؤال أخلاقي مُحرج: كيف أصبح ما كان يُعتبر وحشيًا قبل عشرين شهرًا أمرًا اعتياديًا بالكاد يُذكر؟ كيف أصبحت المجازر في غزة، واستهداف الأطفال، وتجويع السكان، وقصف المستشفيات، تفاصيل هامشية في نشرات الأخبار؟ لم يكن هذا تساؤلًا بل اتهامًا، لا لمجرم واحد، بل لمنظومة دولية كاملة قررت أن تتواطأ بالصمت، أو بالإنكار، أو بالتبرير. لقد قالها الملك بوضوح: ما يجري في غزة ليس مأساة محلية، بل فضيحة أخلاقية عالمية، واختبارٌ فشلت فيه الإنسانية مجتمعة.

لكن الخطاب لم يكتفِ بإدانة الواقع، بل قدم صياغة بديلة للقيادة السياسية الحديثة، حين أعاد جلالته تعريف مفاهيم الأمن والاستقرار والشرعية. قالها صراحة: السلام الحقيقي لا يُبنى على الخوف، والأمن لا يُصنع بالترسانات، بل بالقيم المشتركة. هذه ليست مثالية، بل استراتيجية سياسية تُعيد الاعتبار لمعنى الدولة، ومعنى النظام العالمي، بعد أن كادت تختطفه القوة الغاشمة والمصالح العارية. هذا النوع من الخطاب لا يصدر عن دولة تبحث عن التموضع، بل عن دولة تعرف موقعها، وتدرك وزنها، وتُدافع عن المعنى لا عن الدور فقط.

ومن هذه الرؤية العميقة، كانت عودة الملك إلى قضية القدس، لا من زاوية الانتماء الديني فقط، بل من منظور السيادة والشرعية القانونية والسياسية. حين تحدث جلالته عن الوصاية الهاشمية، لم يُقدّمها بوصفها إرثًا هاشميًا وحسب، بل تعهّدًا قانونيًا وأخلاقيًا مرتبطًا بالعهدة العمرية وباتفاقيات جنيف، وبحماية هوية مدينة تتعرض للطمس الممنهج. لقد كانت هذه الفقرة من الخطاب إعادة تثبيت علني لدور الأردن كحامٍ للقدس، لا بوصفه طرفًا في نزاع، بل بصفته دولة تحمل تكليفًا تاريخيًا لا تُفرّط به مهما تخلّى الآخرون.

ثم عاد الملك ليُواجه العالم، لا فقط بوصف الواقع، بل بتحديه: إن لم يتحرك العالم لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن كل حديث عن القيم والقانون الدولي يصبح محض هراء. وإذا استمرت الجرافات الإسرائيلية بهدم المنازل والبساتين، فإنها لا تهدم الحجر فقط، بل تهدم “الحدود الأخلاقية” ذاتها، وتُعيد تعريف الإنسانية بعبارات لا تشبه العدالة ولا تمتّ لها بصلة.

في الخاتمة، رسم جلالته ملامح الخيار الاستراتيجي المتاح: إمّا أن نُعيد بناء العالم على أساس القانون والتعاون والمبادئ، أو أن نواصل الانحدار نحو نظام دولي بلا مرجعية، وبلا كوابح، وبلا مستقبل. ولم يكن حديثه عن “شراكة الأردن مع أوروبا” عرضًا للمساعدة، بل إعلانًا عن موقع سياسي لأردنٍ لا يزال يرفض أن يكون شاهد زور على سقوط المعنى، ولا يزال يؤمن أن القيادة في هذا العصر تبدأ بامتلاك الشجاعة لقول ما لا يجرؤ الآخرون على قوله.

هكذا، جاء خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في البرلمان الأوروبي مختلفًا عن كل ما قيل في تلك القاعة من قبل. لم يكن خطاب مناسبة، بل موقف دولة. لم يكن دعوة للسلام فقط، بل مواجهة صريحة مع نظام دولي بدأ يتعفن أخلاقيًا. وفي زمن تمتلئ فيه القاعات بالخطب، قلّما تجد قائدًا يملأ الفراغ بمعنى. الملك فعلها. باسم الأردن… وباسم الضمير الإنساني.

مقالات مشابهة

  • من الجزيرة إلى كرب التوم هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟
  • خطاب الملك أمام البرلمان الأوروبي: مرافعة دولة في وجه انحلال العالم
  • "أكثر من مجرد مدينة".. ما أهمية الضربات الإيرانية على هرتسيليا الإسرائيلية؟
  • الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم
  • في نيالا خرج مصابي مليشيا الدعم السريع في تظاهرة احتجاجية طلباً للعلاج
  • البرهان يلتقي السفير الفلسطيني بمناسبة إنتهاء فترة عمله بالسودان
  • «أرقام مميزة».. حيلة عصابة النصب على المواطنين بالقاهرة لاستقطاب الضحايا
  • طارق خطاب يودّع الملاعب ويبدأ مشواره بالتدريب
  • سيمون تحتفل بعيد ميلادها.. زهرة الفن المختلف التي زرعت البهجة وصنعت لنفسها طريقًا لا يُشبه أحدًا
  • عشرات الضحايا بإيران بثاني أيام الحرب وطهران تؤكد إسقاط مقاتلتين ومسيرات