جريدة الوطن:
2025-05-09@21:07:30 GMT

أجمل العلاقات!

تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT

أجمل العلاقات!

عاش ذلك القرد، كشقيق من ستَّة أشقَّاء ـ ثلاثة بنين، وثلاث فتيات ـ وأدرك حينها وهو في خضمِّ مَرَضه معنى الأُسرة الكبيرة، وأنَّ الجميع مِنْهم قَدْ لاحظ شخصيَّاتهم المختلفة. على الرغم من أنَّه لَمْ يَرَ عائلته بعد انتقاله بعيدًا عن مسقط رأسه، إلَّا أنَّ الذهاب إلى العلاج كشخص بالغ ساعده على فهم مقدار الملجأ الذي لا يزال من المُمكن أن يظلَّ فيه الأشقَّاء، ربَّما بسبب سياقهم العميق والتاريخ المشترك كإخوة.


وفي هذا السِّياق، نعي جميعًا أنَّه يتمُّ تضمين اتِّصال الأطفال في نظام الأُسرة ويتشكَّل من قِبل والديهم. ثم يبدأون في أن يصبحوا مستقلِّين، وفي النهاية يبدأ هؤلاء الإخوة ببناء حياتهم الخاصَّة. وحقيقة عِندما ننظر بعُمق في هذا الترابط وفي عصرنا هذا، نراه في تلكم السنوات اللاحقة لهذه العلاقة، خصوصًا كيف كان رباط الأخوَّة مزيجًا مثيرًا للفضول من غير الطوعي، فلا أحد يختار أشقَّاءه، بل ـ إن استطعت القول أيضًا ـ والطوعي، حيث إنَّ الابتعاد عن الأشقَّاء يُعدُّ عمومًا أقلَّ أهمِّية من الطلاق أو القطيعة مع أحد الوالدين.
ولعلَّه هنا ـ وبنظرة نفسيَّة ـ يتمُّ إجبار الأشقَّاء معًا، وفجأة لا يفعلون ذلك. فاستقلال مرحلة البلوغ عِندما لا يكُونُ القرب مطلوبًا وتقلُّ الالتزامات المرتبطة ـ كما يعتقد ـ بالأُسرة الكبيرة. ثمَّ يخلق فرصًا للأشقَّاء لبناء علاقات الشَّباب ومراحل الحياة المختلفة، وهناك يظلُّون للبقاء عالقين في الأدوار التي أدَّوها كأطفال أو التحرُّر مِنْها. بلا شك معظم الذكريات الأساسيَّة التي نمتلكها هي عِندما كنَّا صغارًا، حيث نلعب في الخارج، نذهب إلى الشاطئ، ونذهب للتخييم، ولا نتحمَّل مسؤوليَّات الكبار هذه. ومهما يكُنْ أيضًا من ظروف الحياة، لا يزال بإمكان أولئك الأشقَّاء إنشاء ذكريات أساسيَّة على الرغم من أنَّ بعض الأشخاص الذين يحبُّونهم ليسوا هنا. فعلى الأقلِّ لدَيْهم بعضهم البعض، وهي ـ بلا أدنى شك ـ تجلب حياة جديدة إلى عالَمهم.
وهناك حقيقة أرى نَفْسي مع تساؤل، غالبًا ما أراه حاضرًا، عِندما أنظر لتلك العلاقة، ألَا وهي عمليَّة اجتماع الأشقَّاء معًا في وقت لاحق من الحياة لإعادة تقييم الرابطة وإعادة كتابتها ـ إن صحَّ القول ـ. فخلال مرحلة الطفولة، يرى الأطفال والدَيْهم على أنَّهما محور الأُسرة، لذا فإنَّ إعادة التمركز، تشير حتمًا إلى تمركز رابطة الأخوَّة بدلًا من ذلك. وهنا يأتي العامل المُهمُّ لبناء تلك العلاقة ـ ومن وجهة نظر متواضعة ـ لعلَّ الدفء هو أساسها؛ فمهما تشاحن الأطفال أمام والدَيْهم، وكثر الصراع فهو ليس بالضرورة مُشْكِلة إذا كان هنالك أيضًا دفء مرتفع! ناهيك وأنَّ أحداث وتحوُّلات الحياة الكبرى، مِثل الزواج والإنجاب والموت، يُمكِن أن تهزَّ الأُسرة أحيانًا، وربَّما الضغوط المرتبطة بها يُمكِن أن تفرِّقَ النَّاس أيضًا، ولذلك استمرار ذلك الدفء يجعلها قائمة ومستمرَّة.
وحقًّا رسالتي هنا ـ لأولئك الأشقَّاء الذين أرهقهم الشقاق ـ تذكَّروا أنَّ روابط الأشقَّاء هي بالنسبة لكثير من النَّاس أطول العلاقات في حياتنا. نحن نعرف الأشقَّاء قَبل أن نلتقيَ بشركائنا (وقَبل أن ننجبَ أطفالنا)، وسنعرفهم بعد وفاة والدينا. أوَلَيس الأشقَّاء هم جزءًا حيًّا من تاريخ شخص ما وشكلًا من أشكال الذاكرة التي تعيش خارج أنفُسِنا؟
ختامًا، الطبيعة المتغيِّرة للعلاقة تقدِّم للأخوَّة خيارًا: السماح لهذا التاريخ بتعريف الرابطة أو استخدام الماضي كأساس يُمكِن أن تنموَ مِنْه طريقة جديدة للتواصل. لذلك دائمًا ما أُحيي تلك الروابط المستمرَّة والتي تكبر بَيْنَ الأشقَّاء يومًا بعد، مهما عكَّرتها الظروف. فاسْعد عِندما تردِّد تلك الكلمات: أُحبُّكِ أختي.. أُحبُّكَ أخي؛ لأنَّه بالحقيقة هناك شخص واحد فقط كان هناك منذ البداية!
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

عدن في قبضة الظلام و أزمة كهرباء تخنق الحياة

عدن- في حي شعبي مكتظ بمدينة عدن، يقف منصور سفيان (45 عاما) أمام منزله الغارق في الظلام، محاطا بأطفاله الثلاثة، باحثا بيأس عن نسمة هواء تخفف لهيب صيف قائظ في المدينة التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا عاصمة مؤقتة للبلاد.

هذا المشهد لا يشكّل استثناءً، بل يعكس معاناة يومية يعيشها سكان عدن، الذين يرزحون تحت وطأة أزمة كهرباء خانقة، حوّلت حياتهم إلى جحيم لا يُطاق، ودَفعت بالمدينة المنهكة نحو كارثة إنسانية تلوح في الأفق.

يعيش منصور في منطقة الشيخ عثمان مع أسرته المكوّنة من 5 أفراد، يتناوبون في ليالٍ خانقة بين جدران المنزل وسطح يعجّ بالبعوض، كحال آلاف السكان الذين يُجبرون على قضاء لياليهم في العراء أو فوق الأسطح، هربا من غرفٍ تحوّلت بفعل الحر وانقطاع الكهرباء إلى أفران تخنق الأنفاس وتسلب النوم.

محتجون يغلقون الطريق تنديدا بانقطاع الكهرباء (مواقع التواصل) فصول المعاناة

تعاني عدن من انهيار شبه تام في منظومة الكهرباء، مع انقطاع يتجاوز 22 ساعة يوميا، في أزمة تُعدّ الأسوأ في تاريخ المدينة التي كانت أول من عرفت خدمة الكهرباء في شبه الجزيرة العربية خلال عشرينيات القرن الماضي.

يقول منصور للجزيرة نت واصفا معاناته: "النوم صار حلما بعيد المنال.. الليل جحيم من الحر، والنهار أشد وطأة"، ويضيف بنبرة يائسة: "نعيش في جحيم لا يُطاق، لا أحد يسمعنا.. وكأننا خارج حسابات الدولة تماما".

ولا تقتصر المعاناة على الحر والأرق، بل تحوّلت الأزمة إلى كابوس يهدد حياة السكان، بعدما ألقت بظلالها على مختلف مناحي الحياة، وأدّت إلى تعطيل الخدمات الحيوية، كالمياه والصرف الصحي والرعاية الصحية، لتُصبح من أشد فصول المعاناة التي مرت بها المدينة.

إعلان

 

وأدى استمرار الانقطاعات خلال الأيام الماضية إلى تصاعد موجة من الغضب الشعبي، حيث خرج السكان في احتجاجات غاضبة شملت إشعال إطارات السيارات وإغلاق الشوارع، تنديدا بتدهور الخدمات العامة، وفي مقدمتها الكهرباء.

والاثنين الماضي، شهدت عدن حادثة مأساوية، حيث تُوفي مواطن وزوجته اختناقًا بغاز أول أكسيد الكربون داخل سيارتهما، بعد لجوئهما إليها للنوم هربًا من الحر الشديد.

ورغم أن أزمة الكهرباء المزمنة تتكرر كل عام في عدن، خاصة خلال فصل الصيف، فإن المدينة لم تشهد من قبل انقطاعا شاملا وطويل الأمد كما يحدث اليوم، ما يهدد حياة السكان ويشلّ المرافق الحيوية.

يصف وكيل محافظة عدن لقطاع المشاريع، المهندس غسان الزامكي، الوضع الراهن بـ"الكارثي والمأساوي"، في ظل ارتفاع درجات الحرارة والانهيار شبه الكامل لمنظومة الطاقة، مؤكدا في حديثه لـ"الجزيرة نت" أن الأزمة تؤثر بشكل مباشر على خدمات المياه والصرف الصحي، ما يستدعي تحركا عاجلا من الجهات المعنية لمنع تفاقم الوضع.

أزمة كهرباء خانقة تغرق عدن في ظلام دامس (الجزيرة) جذور الأزمة

يُرجع مسؤولون السبب الرئيسي لتفاقم الأزمة إلى تهالك البنية التحتية، وتراجع الطاقة الإنتاجية مقارنة بالاحتياج الفعلي، إلى جانب العجز المزمن في توفير الوقود وقطع الغيار اللازمة، وتكاليف التشغيل الباهظة.

وتعتمد مدينة عدن على مزيج من المحطات العاملة بالمازوت والديزل والنفط الخام، إلى جانب حقل للطاقة الشمسية.

ومن أصل 17 محطة توليد، تعمل حاليا 5 فقط، بينما توقفت 12 محطة عن الخدمة بسبب نفاد الوقود وغياب الصيانة، وفقا لمسؤولين في القطاع.

وتقول الحكومة اليمنية إن كلفة تشغيل الكهرباء في عدن تبلغ نحو 55 مليون دولار شهريا، بمعدل 1.8 مليون دولار يوميا، بينما لا تغطي الإيرادات الشهرية كلفة تشغيل يوم واحد، ما يزيد من تعقيد الأزمة المالية والخدمية.

محطة لتوليد الكهرباء في عدن متوقفة بسبب نفاد الوقود (الجزيرة)

ويشير المهندس الزامكي إلى أن جذور الأزمة تعود إلى توقف مصافي عدن عقب حرب صيف 2015، والتي كانت المصدر الرئيسي لتكرير وتوزيع المشتقات النفطية لمحطات الكهرباء، ما أجبر الحكومة على استيراد الوقود بأسعار باهظة، لا سيما أن معظم المحطات تعتمد على الديزل، وهو من أكثر أنواع الوقود كلفة.

إعلان

ويضيف أن مشروع "محطة الرئيس"، الذي يعمل بالنفط الخام بطاقة 64 ميغاواتا، ساهم جزئيا في تخفيف الأزمة، إلا أن إمدادات الوقود الخام غير منتظمة بسبب توقف الإنتاج في حقول حضرموت وشبوة ومأرب نتيجة هجمات الحوثيين، ما زاد الوضع تعقيدا.

فجوة كبيرة

وبحسب الزامكي، تحتاج عدن إلى نحو 600 ميغاوات يوميا لتلبية الطلب وتجاوز الأزمة، في حين أن الطاقة التوليدية المتاحة حاليا لا تتجاوز في أفضل الأحوال 138 ميغاواتا، ما يخلق فجوة كبيرة ويزيد من معاناة السكان.

ويُفاقم الأزمة تردّي الخدمات العامة والانهيار الاقتصادي الحاد الذي تعاني منه المدينة، إلى جانب التدهور المستمر في قيمة العملة المحلية، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار واتساع رقعة الفقر، وجعل اللجوء إلى المولدات أو شراء الوقود ترفا لا تقدر عليه غالبية الأسر المنهكة أصلا.

يخشى مراقبون من أن يؤدي استمرار أزمة الكهرباء في عدن إلى مزيد من تدهور الأوضاع (مواقع التواصل)

 

وتتزايد المخاوف من تفشي الأوبئة والأمراض، خاصة بعد إعلان مكتب إدارة الترصد الوبائي منتصف أبريل/نيسان الماضي تسجيل أكثر من 50 ألف حالة اشتباه بالملاريا، وألف حالة مؤكدة بحمى الضنك، بالإضافة إلى 12 حالة وفاة.

ويخشى مراقبون من أن يؤدي استمرار الأزمة من دون تدخل عاجل لتوفير الوقود وإعادة تأهيل البنية التحتية لقطاع الكهرباء إلى مزيد من التدهور الإنساني، ما قد يعقد الأوضاع بشكل أكبر.

تداعيات كارثية

في هذا السياق، يُحذر الصحفي والمحلل الاقتصادي ماجد الداعري من تداعيات كارثية لأزمة الكهرباء، مشيرا إلى أن تأثيرها لا يقتصر على الجوانب المعيشية، بل يمتد ليشكّل أزمة اقتصادية وصحية وإنسانية شاملة.

وقال في حديثه لـ"الجزيرة نت" إن غياب الكهرباء يعطّل مختلف الأنشطة الاقتصادية، بدءا من بائعي البقالة الذين تتلف بضائعهم في الثلاجات، مرورا بأصحاب الورش والمطاعم والبوفيهات الذين تتوقف أعمالهم، وصولا إلى الأسر التي تفتقر إلى أبسط مقومات الراحة.

وأشار إلى أن اللجوء إلى المولدات الخاصة يزيد من الأعباء المالية، إذ تتجاوز تكاليف التشغيل ما يمكن تحقيقه من أرباح، خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي المتواصل وتدهور سعر العملة المحلية.

مقالات مشابهة

  • مسيرات الدعامة لا تستطيع أن توقف الحياة إلى يوم القيامة
  • أجمل صور ذكرى عيد الاستقلال الأردني 79 لعام 2025
  • أجمل ما قيل عن عيد الاستقلال الأردني شعراً وغناءً
  • محمد بن راشد بن محمد: رقمنة الحياة في دبي خيار استراتيجي
  • «التبرُّع بالأعضاء».. أمل جديد نحو الحياة
  • عدن في قبضة الظلام و أزمة كهرباء تخنق الحياة
  • رسائل تهنئة عيد الأضحى للزوج والزوجة
  • الشباب.. بين هواجس الحياة وفرص العمل
  • إسرائيل تؤكد بقاء 24 من الأسرى على قيد الحياة
  • إسرائيل تصحح خطأ ترامب.. هناك 24 أسير على قيد الحياة في غزة