لجريدة عمان:
2025-05-28@10:25:38 GMT

وعد ترامب.. «الأرض» في العقل السياسي الإسرائيلي

تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT

الرباط مقدس جدا بين اليمين المسيحي والرؤية الدينية اليهودية، إذ يؤمن هذا اليمين بأن «العودة» إلى أرض إسرائيل هي المقدمة الموضوعية لمجيء المسيح، لكن هذا الأمر لا يعبر عن كل اليهود، فثمة مجموعات يهودية لا تعترف أصلا بشرعية الدولة، والحقيقة أن المسألة الدينية في إسرائيل من أعقد المسائل إذ تشكل مصدرا للتوترات الاجتماعية ما يصل حد الانقسام، وعلينا ألا ننسى أن هناك إسرائيليين لا يؤمنون بالفكر الصهيوني، ويتبدى ذلك في سلوكهم الاجتماعي وقناعاتهم السياسية، والحقيقة أن الحالة الدينية مُعَقَّدة وهي المسؤولة عن تعميق الخلافات الأيديولوجية بين اليهود بمختلف تكويناتهم.

فالدين كان محفزا بالغ التأثير في هجرات اليهود الأولى بسبب الحمولة الأسطورية الكبيرة والتي استطاعت الصهيونية أن تجسدها في تسويق عظيم للـ«الهولوكوست»، إذ بنى هرتزل مشروعه السياسي على توظيف حمولة الكراهية ضد اليهود في أوروبا مركّباً مظلومية بني جلدته على معنى واحد وهو أن المخرج أن تكون لليهود دولتهم الخاصة، وفي ذلك ربطٌ بين المعنى الديني للـ«العودة» والظروف الاجتماعية التي عاشها اليهود ونالوا ما نالوه من تضييق، وهذا يكشف عن توظيف الدين بشكل انتهازي لدى زعماء الصهيونية، بل لو نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى، فإننا نجد أن اضطهاد اليهود سمح بادخار الكراهية ذاتها لصالح اقتلاع شعب من أرضه طالما أن النظرية مدعومة بمعارف مؤسطرة مصدرها نبوءة العودة، وهذا ما جعل من مقولة «الأرض» مقولة ثقافية ودينية في الوقت ذاته، ثقافية كونها تستند على تجارب الإذلال الأوروبي لليهود، ما حفَّز فيهم مشاعر الظلم المرتبط بالعقيدة، وتشهد على ذلك عمليات النَّبذ الاجتماعي التي مورست عليهم والتي استندت في كثير على فتاوى كنسية، أما وهي ثقافية فإن عمليات التركيب المستمر للمظلومية ودعمها بحجج مصنوعة بعناية بالغة وصلت أقصى حدود تمثيلها فيما يسمى بـ«معاداة السامية» وهي أكبر كذبة اجتماعية في القرن العشرين وبها استطاع العقل الصهيوني أن يحوز على أساس اجتماعي مصنوع بعناية التدليس يبني عليه ترسانة من الأحداث والمواقف والأحكام تسمح له بتأسيس مقولة «العداء» كأنها مقولة منطقية وليست مجرد تركيب بلاغي لا يتعدى حدود المجاز.

إن دولة الكيان لا تملك دستورا بالمعنى القانوني الراسخ في فكرة الدولة الحديثة، وهذا أمر كاشف أيضاً عن متاعب فكرة الدولة ذاتها في إسرائيل، إذ أن أساس تكوينها يقوم على فَرضيَّة مُعَذَّبة، ففكرة الدولة بالمعنى الحداثي تشكل حرجا كبيرا لشعب مهاجر ويعيش في خطر هو من صميم وعيه الاجتماعي، ولذا فإنه وللتغلب على قاعدية الدولة وأُسس عملها صنعت إسرائيل منظومة قيم احتمالية، فاليهودية أرثوذكسية الطابع تتعايش مع قومية مُعلَمَنة، وهذا ما يسمح ببناء جُدُر شفافة بين التيارات التقليدية التي تتخذ من الأصول اليهودية مصدرا لحياتها، وكذلك تستند في رؤاها على مجمل ما تقوله الأسطورة، وهذه الأقليات المتدينة في أرض الكيان تشارك في المجال السياسي بشكل فعَّال ولا تتوانى أبدا عن معارضة عنيفة لسياسات الحكومة أيا كانت توجهاتها استنادا على ركيزة أساسية وهي أنه لا وجود لإسرائيل خارج الأسطورة الدينية التي رعتها الصهيونية، وأنه لا شرعية لهذه الدولة «المصنوعة» ولا بقاء محتمل لها إلا أن يظل الرباط مقدسا بين فكرة «الشعب اليهودي» و«أرض الميعاد»، وأيضاً بين اليسار بمختلف تنويعاته والذي يهتدي في سيره السياسي على معنى لا ديني يحارب به نظرية «الشتات» ويسعى لبناء قومية عِبرية منفصلة عن التقاليد التوراتية، تقاليد هي بضاعة النقيض الآخر المتدين في دولة لا تؤمن بمشروعية الدولة الحديثة، وكل هذا يؤسس مجمل الحراك السياسي في دولة الكيان الغاصب.

وللتأكيد على الحضور الأسطوري السياسي في دولة الكيان فقد دلَّت الأحداث التاريخية على صدق الفرضية القائلة بالرباط المقدس بين السياسي والديني، فحرب 1967م والتي انتهت بتمدد الصهيونية لتستولي على القدس الشرقية فإن الأمر عُدَّ حينها انتصارا لاهوتيا أكثر منه حدثاً يتصل بالسياسة، إذ نُظِرَ إليه كوعد تاريخي يمهد الطريق إلى تجسير الصلة بين فكرة «الشعب المختار» و«الأرض الموعودة»، وهذا ما عَزَّز بقاء الثيمات الأسطورية في العقل السياسي الإسرائيلي، إذ تواجه الدعوات إلى الانسحاب إلى حدود ما قبل (67) بموجات من معارضة متطرفة ومصدر غضبها هذه البنية الخفية في الوعي السياسي/الشعبي لدى اليهود، إذ يرتبط الأمر هنا بمعامل آخر هو معامل يعود إلى تاريخ الاضطهاد والشتات، التاريخ الذي عُمِدَ باعتباره عدواناً عرقياً على قومية مقدسة، والحقيقة التاريخية أن فكرة «العودة» ليست من بنات خيال الحركة الصهيونية التي تأسست في القرن التاسع عشر بأوروبا، بل للأمر صلة بحركة «محْبُو صَهْيُون» وهي تجمعات يهودية نشأت في روسيا (1881م) وطرحت فكرة «العودة» باعتبارها الحل الأوحد لشتات «شعب الله المختار» وكان ذلك على يد الحاخامين ألكالي وكاليشر، اللذين دفعا رجال المال اليهود أمثال مونتيفيوري وروتشيلد لجمع الأموال اللازمة لإنشاء المستعمرات الزراعية اليهودية في أرض إسرائيل، وكان هناك ليون بينسكر الطبيب المولود في بولندا (1821م) والذي دعا في مؤتمر كاتوفيتش (1884م) إلى العمل على دعم بناء المستوطنات في أرض فلسطين، واستنفار كل اليهود لتوفير الدعم اللازم لذلك، أما من الناحية السياسية فجاءت التوصية بتنسيق العلاقات السياسية مع السلطات العثمانية في فلسطين، وهذا يكشف أن الدعوات بالهجرة إلى «أرض الميعاد» لم تبدأ مع ثيودور هرتزل (توفي 1904م) بل هي لبنة مركزية في قلب العقل الإسرائيلي ما قبل نشأة فكرة العودة بمعناها السياسي، كان هذا في تاريخ دولة الكيان. لكننا اليوم نجد أن مجمل هذه الأساطير تعيش حالات إنكار من الجيل الجديد، أو على الأقل بسبب من الأزمات الاقتصادية لدولة تعيش اقتصاد الحرب، ويتكسب ساستها من تعميق فكرة «المجتمع في خطر»، لكن تظل فكرة «الأرض» هي المحرك الجوهري لسياسة دولة الكيان.

إن الحل في إعادة النظر بأُسس المواجهة مع الغاصب والانتقال بها من مجازها العاطفي إلى حقيقتها المعرفية، وبدون ذلك سيظل الصراع يتغذى على الوجدان المرهق لا العقل المستند على تفكيك المقولات المزيفة التي تشكل بنية هذا العقل الإسرائيلي، وبها يمرر ما يريده وبمساهمة غير واعية منا جميعا.

غسان علي عثمان كاتب سوداني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: دولة الکیان

إقرأ أيضاً:

الاستقلال؛ كيف يكون مكتملاً بعد 79 عاماً..؟؟

صراحة نيوز ـ نضال المجالي

في الذكرى التاسعة والسبعين لإعلان استقلال الدولة الأردنية، وبعد ما تحمله المناسبة من رمزية عز وفخار في النفوس، تجعلنا جميعا نعزز راية الوطن ونعلو في أركانه شأنا، يجب أن يقال وبخاصة للأجيال الجديدة إنّ الأمّة تتذكّر ولا تنسى. فلا وجود لأمّة تنسى ولا وجود لأمّة لا تتذكّر. وبقدر ما كبر الاردن في عمره الاستقلالي سنوات وسنوات، بقدر ما يحتاج ان يكون يوم ذكرى استقلاله يوم تأمّل في معنى الاستقلال عن العالم، وفي معنى العلاقات مع المحيط حوله، ومع أحداث العالم كلّها التي تؤثّر فيه سلباً وإيجاباً، وفي معنى البناء الداخلي منعة من كل المخاطر والشرور.

نستطيع القول من دون أدنى شك وبعد مرور ما يزيد عن مئة عام من عمر الدولة تأسيسا، إنّ الاردن اليوم لا يزال يحمل مشروعاً يحتاج قراءة في اكثر من معلم من معالم وأركان التأسيس والاستقلال. الاحتفال فكرة جميلة وضرورة هامة تحتاج ان تتجسّد في قضايا هامة في الارتقاء بالدولة، كما نتمنّى وكما يدعو كل من رفع راية الاستقلال منذ اول أيامه وحتى ما نسمعه ونراه في كل خطاب وتوجيه ملكي هذه الايام، وسأسرد في مقالي بعضا منها لعل من يقرأ يكن يوما في مركز قرار، فيتذكر ان مهما امتدّت سنوات الاستقلال يجب ان يوافقها امتداد معاني ورمزية ومستقبل الاستقلال في اركان الدولة من مؤسسات وقوانين وانظمة وخطط ورؤى اصلاحية وليس فقد استذكار يوم محدد.

الاستقلال لا يكتمل إلا ببناء المشروع الوطني الواحد والمستدام للدولة، دون شوائب او تراخ في ان تكون الأردن دولة مانعة في مواجهة اي خطر او تهديد او اي عنصر يؤثر على البقاء حتى في أقصى الظروف، وسأبدأ بضرورة بناء جيل يعي الرمزية في ثوابت الوطن كالعَلمْ والأرض والقيادة، مقابل ما يحمله للأسف اغلب الجيل من رمزية في لاعب كرة قدم او ممثل او مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي، ثانيها بناء وصون واستدامة موارد الدولة لتكون محل ارتكاز اقتصاد المستقبل، بدل ان تملك شركات اجنبية امتيازها وتعيين ممثلين لها من ابناء الوطن حملوا هم الامتياز للأجنبي تكسبا، وثالثها الإصلاح الزراعي والمائي والغذائي كونها اركان العيش الاساس، فلا نسمع يوما عن صيف صعب لقلة المياه ونسمع عن قضايا لشخوص تسرق الماء منذ سنوات، او نسمع انقطاع مواد غذائيه اساسية مقابل سطوة «هوامير» الاستيراد والتصدير لزراعات نوعية او انتاج مواشي، ورابعها بناء منظومة تعليمية وصحية فاعلة نموذجية في شكل الخدمة لا شكل البناء كان عدد منها ما تم بدعم خارجي، وخامسها تدريب وتوظيف اردني في بلد يزيد عدد العمالة الاجنبية فيه عن مليون ونصف مليون عامل معلن رسميا من نحو ٢٥ جنسية مقابل تسجيل ثلث هذا الرقم فقط بطالة أردنية، وقائمتي تطول ولا تنتهي من اسس هامة ملزمون حكومة ومؤسسات وأفراد ان تحاكي الاستقلال للاردن الذي يعلم جميعنا ان «هوشة» في اي دولة محيطة به يعلنها رسميون عقبة ومعطل في مؤشرات النمو السياحي والاقتصادي!.

لم يعد اليوم جائزاً للاردن أن يبقى كما كان قبل تسعة وسبعين عاماً قبل الاستقلال، وكما كان قبل مئة عام من التأسيس، مقابل ما سيطرأ على العالم والمحيط حولنا من تطوّرات وتغيّرات لا يستطيع ابناء وطننا أن يواجهها بما واجه به نفسه والعالم منذ تسعة وسبعين عاماً. إنّ كلّ يوم يمرّ، سواء أكان الخامس والعشرين من ايار أم غيره، يحمل إلى الاردن أحداثاً عربية وإقليميّة وعالميّة متحرّكة تلزم لمواجهتها دولة متحرّكة في التصدّي لها، ومتحرّكة في التحكّم بها، ومتحرّكة في الإفادة منها، ومتحرّكة في منع ضررها. ولنعلم ان الدعم والمبادرات الخارجيّة لم تعد هي الملاذ رغم حاجتها واهميتها، فيما لم نؤمن ونعمل محلياً وطنياً لبناء النموذج الاردني المانع، وقد لمسنا مثال واحدا لا اكثر نحو صورة هامة لخطوة من خطوات المنعة على مستوى المنح مثلا كانت مطالبات وتحركات دولة الرئيس وإقناع شركات كبرى محددة في دورهم لمنعة محلية، وان أعجبت البعض فهي لا شيء مقابل ما يستحق الوطن من جميع شركات ومؤسسات الموطن وما استفادوا منه.

ويمكن القول بصراحة وقوة وبكامل الصدق وبصوت مرتفع، ان من حافظ على الصورة البهية للاستقلال من جانب نكرره دائما اننا بلد «الامن والأمان» هما المؤسسة العسكرية والأمنية، فقد حملوا الهم والعبء الداخلي والخارجي لبقاء الاستقلال والاردن مكانة لا يستهان بها في ضبط ميزان المنطقة، كما ورد على لسان كثير من القادة والرؤساء الأجانب بحق الأردن، وكما نعيشه يوميا على تراب الوطن، كما ونصدح ونقول بكامل الوعي والإيمان والقوة ان لا صوت وتمثيل للأردن اقوى في الملف الخارجي من صوت جلالة الملك، الذي نحمد الله انه هو من يحمل هذا الملف لا غيره، فبقينا نقطة اساس وارتكاز وحضور في اي محفل ولقاء وتفاوض وسياسة خارجية، فكان القائد والجيش من حملوا حتى اليوم الاستقلال فمتى يأتي دورنا نحن؟

مقالات مشابهة

  • سيفقد أولاد دقلو كل المدن التي سيطروا عليها وسيتحولون إلى مجرد مجرمين هاربين
  • محادثات مباشرة بين سوريا ودولة الاحتلال الإسرائيلي.. ما محاورها؟
  • عقب قطعها العلاقات مع الكيان الإسرائيلي المحتل.. كولومبيا تُعيّن أول سفير لها في فلسطين
  • الاستقلال؛ كيف يكون مكتملاً بعد 79 عاماً..؟؟
  • ترامب يرفض فكرة أن تكون الحرب خيار بوتين ونتنياهو الوحيد
  • الإمارات تكشف عن «سهيل» أول طائرة بدون طيار في العالم لمكافحة الحرائق
  • تأجيل محاكمة القيادي الإخواني يحيى موسى و114 عنصرًا بـ "الكيان المدمج"
  • سفير قطر لدى ماليزيا: زيارة سمو الأمير تفتح آفاقا جديدة لتعزيز التنسيق السياسي والحوار الإقليمي
  • كاتبة إسرائيلية: الدولة التي تتخلى عن مختطفيها لدى حماس ليست بلدي
  • إزالة 4 حالات تعد على أراضي أملاك الدولة بالزينية شمالي الأقصر