جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-18@10:55:06 GMT

قيادات تعصف بلا مطر

تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT

قيادات تعصف بلا مطر

 

 

د. سعيد الدرمكي

 

القيادة الحقيقية لا تُقاس بالمناصب أو الألقاب؛ بل تتجلى في القدرة على إلهام الآخرين، وترجمة الرؤية إلى واقع ملموس، وخلق تأثير مستدام. في عالم الأعمال، هناك قادة أحدثوا تحولات جذرية، فعززوا الأداء، ونقلوا شركاتهم من "جيد إلى عظيم".

من بين هؤلاء ستيف جوبز في شركة أبل الأمريكية، وجاك ويلش في جنرال إلكتريك الأمريكية أيضًا، اللذان لم يكتفيا بإدارة مؤسساتهما؛ بل أصبحا جزءًا من هويتها، مدفوعين برؤية بلا حدود وإنجازات ذات قيمة حقيقية.

وفي المقابل، هناك من يتوهمون النجاح، لكن أثرهم ليس سوى ضجيج عابر سرعان ما يتلاشى. تبقى شركاتهم عالقة في المتوسط أو تتراجع، تمامًا كعاصفة تهدر دون أن تمطر، أو كما قال الأديب الإنجليزي ويليام شكسبير: "جعجعة بلا طحين".

القائد الذي يفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة، ويتجنب اتخاذ القرارات الحاسمة، ويفشل في التواصل الفاعل أو بناء بيئة عمل إيجابية، كمن يسير بلا بوصلة. هؤلاء القادة ينشغلون بالمظاهر والسلطة على حساب بناء الثقة وتعزيز العلاقات مع فرق العمل. يجيد بعض القادة فن الخطابة وصياغة الشعارات الرنانة حول التغيير، لكن غياب التنفيذ يكشف ضعف قراراتهم، التي تفتقر إلى استراتيجيات محكمة وخطوات عملية ملموسة. وهنا يظهر الفرق جليا بين القائد القادر على التحفيز وتحقيق الأهداف، وبين من يكتفي بالوعود دون إنجاز ملموس.

تُعد الترقية السريعة دون تأهيل كافٍ من أبرز أسباب الفشل القيادي. وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة "جالوب" البحثية، فإن 82% من قرارات تعيين المديرين لا تستند إلى معايير الكفاءة الحقيقية؛ مما يؤدي إلى شغل مناصب قيادية بأشخاص غير مؤهلين، وهو ما ينعكس سلبًا على الأداء المؤسسي. ومن بين العوامل الأخرى المؤدية إلى الفشل: مقاومة التغيير، وضعف القدرة على مواكبة التطورات، وغياب المهارات القيادية والإدارية. علاوة على ذلك، فإن انشغال القادة بالتفاصيل الصغيرة دون تفويض الصلاحيات يحدّ من الابتكار، ويؤثر على كفاءة المؤسسة بأكملها.

القيادة غير الفاعلة تترك بصمة سلبية على المؤسسات؛ حيث يؤدي ضعف القائد أو تسلطه إلى تآكل الحافز وانخفاض الإنتاجية؛ مما يزيد معدلات دوران الموظفين. في بيئة كهذه، يسود التوتر وتختفي روح التعاون، ما يخنق الابتكار ويعرقل النمو. ووفقًا لدراسة نشرتها مجلة "هارفارد بزنيس ريفيو" المرموقة، أفاد 50% من الموظفين بأنهم استقالوا بسبب سوء الإدارة، مما يؤكد أن القيادة الفاعلة ليست مجرد ميزة، بل ركيزة أساسية لاستدامة النجاح المؤسسي.

ويكمُن الفارق الجوهري بين القائد الناجح والقائد غير الفاعل في الرؤية والنهج. فالقائد الناجح يمتلك رؤية واضحة تشكل بوصلة توجيهه، وتلهم فريقه نحو الإنجاز، بينما يتكئ القائد غير الفاعل على سلطته فقط دون إلهام حقيقي. الأول يفتح أبواب الحوار، يستمع بوعي إلى التغذية الراجعة، ويتخذ قرارات قائمة على التفكير الاستراتيجي، في حين أن الآخر يغلق دائرة التواصل ويكتفي بفرض الأوامر. وعند مواجهة الأزمات، يظهر التباين بوضوح؛ فالقائد غير الناجح يتردد أو يندفع نحو قرارات متسرعة، بينما يتعامل القائد الناجح بمرونة وذكاء، محولًا التحديات إلى فرص، مما يعزز استدامة النجاح المؤسسي.

التحول من قائد غير ناجح إلى قائد فاعل ليس مجرد خطوات معدودة؛ بل رحلة مستمرة تتطلب وعيًا ذاتيًا والتزامًا حقيقيًا بالتطور؛ فالقائد الحقيقي لا يُولَد قائدًا؛ بل يصقل مهاراته عبر التعلُّم المُستمر، والاستماع الفاعل، وبناء بيئة قائمة على الشفافية والثقة. وإتقان فن التحفيز، وتقدير الجهود، والاستثمار في تطوير الفريق ليس ترفًا، إنما هو جوهر القيادة الفاعلة. الفرق بين القائد الملهم والقائد المتسلط يكمن في نهجه؛ الأول يمكّن فريقه، فيوقظ فيهم روح الإبداع والالتزام، بينما الآخر يفرض سلطته، فيقتل الدافعية ويحدّ من الإنجاز. القيادة ليست مجرد إدارة مهام، بل هي فن بناء العقول، وإطلاق الطاقات، وصناعة مستقبل مستدام يزدهر فيه الجميع.

وفي نهاية المطاف، القيادة ليست مجرد ألقاب براقة أو خطابات تحفيزية عابرة؛ بل هي الأثر العميق الذي يتركه القائد في مؤسسته وعلى من حوله. والقائد الناجح يشبه المطر الذي يغذي الأرض، فينعش العقول، ويزرع الإلهام، ويخلق بيئة تنبض بالحياة والابتكار. أما أولئك الذين لا يتركون سوى العواصف الجافة، فقد يُحدثون ضجيجًا مؤقتًا، لكن أثرهم يتلاشى سريعًا دون أن يتركوا إرثًا مستدامًا. والمؤسسات العظيمة لا تُبنى بالكلمات وحدها؛ بل تحتاج إلى قادة يجمعون بين الرؤية الواضحة والتنفيذ المحكم، لضمان نجاح لا يقتصر على الحاضر؛ بل يمتد ليشكل مستقبلًا أكثر إشراقًا واستدامة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مغادرة ووصول 575 مسافرا عبر مطار صنعاء بعد إعادة تأهيله

وأوضحت الهيئة في بيان أن الغارات أسفرت عن دمار واسع طال مرافق حيوية داخل المطار، شملت الطائرات المدنية، صالات الركاب، منشآت خدمية، ومرافق تشغيلية، إلى جانب المدرجين الرئيسي والفرعي، في انتهاك صارخ لاتفاقية الطيران المدني الدولي (شيكاغو 1944م) وكافة المواثيق والمعاهدات الدولية.

وأشار البيان إلى أن الفرق الفنية والهندسية باشرت، منذ اللحظات الأولى، تنفيذ خطة طوارئ عاجلة لإعادة تأهيل ما تضرر، تحت إشراف مباشر من وزير النقل والأشغال العامة وقيادة الهيئة، ووفقاً للمعايير الدولية الصادرة عن منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو)، وقد نُفذت الأعمال على مدار الساعة، بالتعاون مع الجهات المعنية، لضمان استيفاء كافة اشتراطات السلامة الفنية والأمنية لحركة الطيران المدني.

وأكد أن أنه تم اليوم تسيير أربع رحلات جوية بين مطار صنعاء الدولي ومطار الملكة علياء الدولي في الأردن، بواقع رحلتي مغادرة ورحلتي وصول، نقلت 575 مسافراً، كما سبق ذلك بيومين تسيير عشر رحلات إنسانية تابعة للأمم المتحدة، في مؤشر عملي على اكتمال الجاهزية الفنية والتشغيلية للمطار.

واعتبر البيان استئناف الرحلات أكثر من مجرد إنجاز فني، بل يعبر عن إرادة الصمود الوطني في وجه الاستهداف الممنهج، وأن مطار صنعاء لم يعد مجرد مرفق خدمي، بل أصبح رمزا من رموز الثبات اليمني.

وجددت هيئة الطيران المدني التزامها بأداء دورها الوطني والمهني والإنساني، وضمان استمرارية الرحلات الإنسانية، والتخفيف من معاناة المواطنين في الداخل والخارج، مع التأكيد على ثقتها بكفاءة كوادرها الوطنية وقدرتها على تجاوز آثار الاستهداف ومواصلة العمل بعزم لا يلين.

مقالات مشابهة

  • في ختام زيارته لجمهورية الصين.. رئيس جامعة بنها يلتقي عددا من قيادات الجامعات
  • رئيس جامعة بنها يلتقى عددا من قيادات الجامعات الصينية لتعزيز سبل التعاون
  • في ختام زيارته للصين: رئيس جامعة بنها يلتقى عدداً من قيادات الجامعات الصينية
  • حفل ختام الأنشطة الطلابية بحضور قيادات التعليم ونقابة المعلمين في بني سويف
  • حرية الاختيار: بين بناء الذات ومواجهة الضرورة
  • وزيرة التخطيط: التكامل العربي ضرورة لمواجهة الصدمات التي تعصف بالعالم
  • مغادرة ووصول 575 مسافرا عبر مطار صنعاء بعد إعادة تأهيله
  • "مشِّ حالك".. مجرد كلام!
  • الرقم 86 ليس مجرد رقم.. ترامب يواجه تهديداً "مشفّراً" بالاغتيال
  • النكبة مستمرة والضمير عالمي ميّت.. قراءة في مضامين خطاب السيد القائد