سواليف:
2025-12-09@23:53:39 GMT

تأملات قرآنية

تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 101 من سورة المائدة:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ”.
تتلمذ الصحابة على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذبهم بما أوحى إليه الله أرفع تهذيب، فتعلموا أن لا يسألوه أمرا حتى يحدث لهم منه ذكرا، ولا يطلبوا منه تفسيرا لآية أنزلها الله أو فعلاً فعله أو حديثاً تحدث به، إن لم يفعل، لم يكن ذلك من أدبهم معه فحسب، بل من فهم لمعنى هذه الآية وغيرها التي بينت أحوال الأمم التي نزلت عليها الرسالات السابقة وكانوا يسألون نبيهم أمورا لم يبينها لهم ويجادلونه في ما شرع لهم.


جاءت بعد الصحابة أجيال متعاقبة، وتطورت ظروف الحياة وتوسعت مدارك الناس، مما لزمه التوسع في الفقه والإجتهاد، ومع أن أصول العقيدة والعبادات ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم مسبقا الى هذا الأمر وحذر من الزيادة او الإنقاص فيهما (البدع)، إلا أن كثيرين توسعوا في التفسير والتأويل، وأسسوا مدارس وفرق متباينة في اجتهاداتها، ولما كان قد صاحب هذه الفترة خلافات على السلطة فقد استغل الفرقاء السياسيون هذه الإختلافات لتعزيز مواقفهم، فتحول الإختلاف الإجتهادي الى تخندق سياسي.
لم يتوقف الأمر عند افتراق بعض المذاهب عن المنهج القويم المستند الى الكتاب والسنة، بل تعداه الى الخلاف الذي جرى داخل المنهج ذاته، بسبب التشدد والمغالاة الذي برره متبعوه بالخوف على الثوابت من الضياع، فأكثروا من المحظورات وتوسعوا في المحرمات، ظنا منهم أن ذلك زيادة في التدين، متخذين شعارهم : “إن السلف الصالح كانوا يتركون تسعة أعشار الحلال خوفا من الحرام”.
طبعا هذا يناقض مراد الشرع، فإتيان ما أحل الله لا يقل أهمية ولا التزاما بطاعته عن اجتناب ما حرّمه: “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ”.
المبدأ الشرعي: “إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ”، فاتقاء الشبهات يأتي من باب الحرص والحذر من الإقتراب من الحرام، ولا يمكن أن يكون بتحريم ما أحل الله، لأن ذلك مزاودة على الشارع الحكيم.
إن الله تعالى قد حرّم أمورا حددها بالإسم، لا يحق لأحد من البشر الزيادة عليها ولا إنقاصها، وكل ماعداها مباح أو حلال، كما سكت عن أمور كثيرة، ليس نسيانا أو غفلة عنها، وحاشاه ذلك، فهو جل وعلا لا يضل ولا ينسى، وإنما عن رحمة بالناس وحتى لا يُحمّلهم ما لا يطيقون.
مما سكت الله عنه، وتركه للناس حسب ظروفهم لكن ضمن الضوابط الشرعية العامة، اختيار النظام السياسي ونمط المعيشة واللباس والعمل.
وكان التطبيق الأول للحكم في الدولة الراشدية ليس وحيا إلهيا، بل ترك الله اختياره لحكمة رسوله الكريم التي حباه تعالى، ليكون ذلك قدوة للمسلمين في قادم الزمان من فهم ضرورات ذلك الزمان ومتطلباته، لذلك لم ينزله الله تشريعا ولا قالبا ملزما للمستقبل، فمصالح الناس ستتطور وتتعدد، وإدارة شؤون الدولة توسعت، لذلك لا يعقل أن يستنسخ ذلك لكل الأزمان القادمة، فلكل عصر فقهه وتطبيقاته.
وتنطبق هذه القاعدة على كل ما سكت الله عنه أيضا، فلم ينزل به قرآنا، مثل هيئة الناس ونمط المعيشة واللباس واتخاذ وسائل الكسب بالعمل المشروع..الخ.
هكذا يتضح لنا أن الفهم الصحيح لكتاب الله والإلتزام الدقيق بما جاء به بلا تفريط ولا إفراط، هو الذي يبعد عنا تفرقة الفرق والمذاهب، ويجنبنا شرور المتطرفين والمفرطين، وبذلك نرتقي الى ما أراده لنا الدين.
لعل ما سبق يجيب على معارضي قيام دولة إسلامية، المتسائلين: أي إسلام تريدونا أن نطبق.
فالإسلام ليس نماذج متعددة، بل هو كيان واحد، سياسي اقتصادي اجتماعي متكامل، جميعه مدون في كتاب الله، ولاستيعابه يستنار بالتطبيق الإداري النبوي في الدولة الإسلامية الأولى التي أنشأها النبي صلى الله عليه وسلم، وفق حكمته، لتكون نموذجا يحتذى به، وليست قالبا جامدا يستنسخ، بل متروكا لاجتهادات الأزمنة القادمة.

مقالات ذات صلة فضيلة التسامح 2025/02/26

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تأملات قرآنية هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

كيف تتحكم في نفسك عند الغضب؟ .. عالم أزهري يوضح

قال الدكتور أسامة قابيل، من علماء الأزهر الشريف، إن الغضب شعور إنساني فطري، لكن السؤال الذي يشغل كثيرين هو: إزاي نتحكم في غضبنا؟ وإزاي أصلاً ما نغضبش؟، موضحًا أن الغضب نوعان: غضب محمود وآخر مذموم.

 فالغضب المحمود هو استنكار الخطأ وعدم قبوله، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم، مستشهدًا بقصة السيدة صفية رضي الله عنها حين عُيّرت بقِصرها، فقال النبي كلمة لو مُزجت بماء البحر لغيّرت طعمه، في إشارة إلى أثر الكلمة والغضب غير المنضبط.

أوضح الدكتور قابيل، خلال لقاء تلفزيوني ، اليوم الاثنين، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يغضب إلا غضبة للحق، بلا ظلم ولا شحناء، مستدلًا بقول الشاعر: "وإذا غضبت فإنما هي غضبة للحق لا ظلم ولا شحناء"، أما الغضب المذموم فهو ما يصاحبه عصبية وصوت مرتفع وقرارات خاطئة قد تقود إلى الندم، لافتًا إلى أن القرآن الكريم دلّ على اللين كوسيلة لتهدئة الغضب: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾.

أذكار المساء.. عبادة تحفظك حتى الفجر وتمنح قلبك طمأنينةدعاء المطر كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم .. احرص عليه الآن

وبيّن أن مركز الغضب في المخ يقع في الجزء الأمامي، لذلك يجب عند اشتعال الغضب بالوضوء وترك المجلس والاستعاذة بالله، لأن الغضب أشبه بالنار التي يطفئها الماء. وأكد وجود ما أسماه "غضب النور"، وهو غضب المسؤول أو الأم والأب الذي ينبه المخطئ ويضيء له طريق الصواب دون عنف أو تجاوز.

وأضاف أن الغضب قد يدفع الإنسان إلى قرارات لا عودة فيها، مثل الطلاق أو الاستقالة أو قطع العلاقات، وهو ما يسميه علم النفس "اللاعودة"، لذلك شدد على ضرورة التريث من 20 إلى 30 دقيقة قبل اتخاذ أي قرار في لحظة انفعال، لأن معظم القرارات الخاطئة تُتخذ في لحظة غضب.

وأكد على قيمة زكاة المعاملات وحسن التصرف، موضحًا أن المطلوب ليس أن يكون الإنسان باردًا يرى الخطأ ويسكت، وإنما أن يغضب ثم يتصرف بحكمة، ويغفر بعد الغضب، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾.


 

طباعة شارك أسامة قابيل الغضب مركز الغضب الطلاق

مقالات مشابهة

  • سنن اشتداد المطر عن النبي
  • دعاء طلب الرحمة والمغفرة والعتق من الله سبحانه وتعالى
  • ما ذا نفعل عند نزول المطر؟.. الأزهر يجيب
  • ماذا قال رسول الله عن ركعتي الفجر
  • كيف تتحكم في نفسك عند الغضب؟ .. عالم أزهري يوضح
  • دعاء البرد والثلج .. كلمات لا ترد في هذا الطقس القارس
  • أجمل الأحاديث عن فضل الصدق
  • ماذا تعرف عن علامات المنافقين؟
  • خلوا بيني وبين الناس
  • هل يجوز الجهر بالأذكار التي نرددها بعد التسليم من الصلاة ؟.. أزهري يجيب