كيف تناول مسلسل قلبي ومفتاحه "زواج المحلل" بشكل حقيقي دون تسفيه؟ الإفتاء: حرام شرعا باتفاق الأئمة.. الإحصان ركن أساسي لاعتبار عقد القران صحيحًا
تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في قضية اجتماعية ودينية جديدة يأخذنا المخرج والمؤلف "تامر محسن"، بعد تناوله لقضية “لطلاق الشفهي" في مسلسل “لعبة نيوتين” في 2021 وتلك المرة يتناول مسلسله “قلبي ومفتاحه” عن "المحلل الشرعي" بعد الطلاق للمرة الثالثة.
"المحلل" هو من تزوج المرأة المطلقة طلاقا مكملا للثلاث قاصدا تحليلها للزوج الأول باتفاق بين الزوجين.
قلبي ومفتاحه
تدور أحداث مسلسل قلبي ومفتاحه حول فكرة "المحلل" القانوني بعد تطليق الزوجة 3 مرات، من خلال شخصية "محمد عزت" الذى يعمل سائق ويبلغ من العمر 40 عاما، ولم يتزوج بسبب والدته التي ترفض جميع المرشحات، وحينما يلتقي ميار يشعر بانجذاب شديد نحوها، أما "ميار" فهي مطلقة ثلاث مرات من" أسعد" ، تاجر الأدوات المنزلية، وترغب في عدم العودة إليه، لكنها تخشى حرمانها من ابنها، وتبحث عن محلل" بشرط أن تختاره بنفسها.
المحلل في الكوميديا
دائما ما يتناول الفن "المحلل" بشكل كوميدي، أو كخيط عابر دون مناقشته بشكل معمق، وهل هو جائز شرعا أم محرما.
ناقشت تلك القضية اعمال كوميدية بحتة مثل فيلم "زوج تحت الطلب" الذي أُنتج عام 1985 لنجم الكوميديا عادل إمام وليلى علوي، كما تناوله "إمام" في مسرحيته الشهيرة في التسعينات "الواد سيد الشغال" لزواج المحلل بشكل كوميدي.
واقعة شهيرة
في عام 2021 ظهرت واقعة لرجل مصري يدعى " محمد الملاح" يعمل كمحلل وتزوج "33" مرة، وكان يصف الأمر بأنه من أفعال الخير لأنه يصلح البيوت ويعيد الأزواج لبعضهم، بالطبع أثارت تلك الواقعة مواقع التواصل الاجتماعي خاصة بعد استضافته في أحد برامج "التوك شو" الشهيرة، وظهوره بشكل صريح من خلال أكونت على "الفيسبوك".
وأوضح الملاح، خلال ظهور الإعلامي، أنه ينفذ هذا الفعل مجانًا وبدون مقابل: «بدون مقابل لو عملت كده بمقابل يبقى بعمل حاجة غلط، ولما أعمل كده الأسرة دي بترجع لبعضها.
وأشار «الملاح» إلى أنه يتزوج زواج شرعي كامل بأركانه كافة، ويرفض الحصول على أموال لعدم الدخول على الزوجة الجديدة ليكون الزواج شرعيًا: «كان بتعرض عليا فلوس عشان أشيل بند إني ادخل بيها لو عملت كده يبقى ضد الدين أساسا».
وأشار إلى أنه بدأ يعمل كمحلل للزوجات منذ عامين، تزوج خلالها وطلق 33 مرة، موضحًا أنه يعمل كمحاسب في أحد الشركات.
ما رأي الإفتاء؟
وفى أول رد فعل على تلك الواقعة أكدت دار الإفتاء أن الزواج بشَرْط التحليل حرام شرعاً، موضحة أن زواج المرأة المبتوتة –أي: المطلقة ثلاثًا- لكي تحل للزوج الأَوَّل، -وهو ما يُعْرَف بـ(الزواج بشَرْط التحليل)- حرامٌ شرعًا باتفاق الفقهاء.
روي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنَّه لَعَن المُحَلِّل والمُحَلَّل له» (أخرجه الترمذي)، واللعن إنما يكون على ذنبٍ كبيرٍ.
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنَّه سُئِل عن تحليل المرأة لزوجها؛ فقال: «ذاك السِّفَاح» (رواه البيهقي). والسِّفَاح؛ أي: الزنا.
القرآن: الأصل في الزواج أن يكون حصن
" فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ" (سورة البقرة آية 230)، الأمر واضح في تلك الآية من آيات الذكر الحكيم ولكن ما شروط ونفاذ تحقيق "الزواج" في تلك الحالة.
سورة النساء آية 24 قال سبحانه وتعالى: " وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ" أي أن الإحصان هو ركن أساسي لاعتبار الزواج صحيحاً حتى لو كان "محلل".
فمن يتزوج وفي نيته الطلاق بعدها لا يمكن أن يوصف زواجه بأنه "حصن" ولذا فهو لا يعد زواجاً حقيقياً أو شرعياً تبعاً للقرآن الكريم وآيات الذكر الحكيم، خاصة أن فيه تحايلا على شرع الله عز وجل.
ما حكم إجبار الزوجة على زواج المحلل؟
تناول المسلسل أيضا إجبار الزوج "المطلق" طليقته على الزواج بمحلل من أجل عودة زواجهما، والمساومة على ذلك من خلال حرمانها من طفلها.
إذا تزوجت بنية التحليل من غير اشتراط في العقد ولم يكن الرجل نوى بزواجه التحليل، فالعقد صحيح، وإذا طلقك بعد أن تم الدخول فلك أن تتزوجي بزوجك الأول، لأنّ المعتبر نية الزوج لا نية الزوجة، قال ابن قدامة رحمه الله: وإن قصدت المرأة التحليل أو وليها دون الزوج، لم يؤثر ذلك في العقد، أما المرأة: فلا تملك رفع العقد، فوجود نيتها وعدمها سواء.
لجنة الفتوى: باطل
حسمت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، حكم المحلل الشرعي مؤكدة أنه باطل، قائلة: «إذا طلق الزوج زوجته ثلاث تطليقات، فقد بانت منه بينونة كبرى؛ فلا يملك مراجعتها لا فى عدتها ولا بعد انتهائها؛ إلا إذا انقضت عدتها، فتزوجت زوجا آخر، ودخل بها، ثم طلقها، ثم انتهت عدتها منه، فيحل للزوج الأول نكاحها بعقد ومهر جديدين، وتعود إليه بثلاث طلقات جديدة؛ لقوله – تعالى: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".
وأضافت اللجنة في حكم المحلل الشرعي: قال سبحانه: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون".
وأوضحت أنه يشترط فى النكاح الذى يحصل به التحليل للزوج الأول، أن يكون نكاحا صحيحا مستوفيا أركان انعقاد عقد الزواج وشروط صحته، فلو كان العقد فاسدا - كالنكاح دون شهود أو نكاح المتعة- لم يحصل به التحليل وإن دخل بها؛ لأن النكاح الفاسد ليس بنكاح حقيقة، ومطلق النكاح ينصرف إلى ما هو نكاح حقيقة على الراجح من أقوال الفقهاء .
انخفاض نسبة الطلاق في عام 2023
وتشير بيانات نشرة الإحصاءات السنوية للزواج والطلاق فى مصر للجهاز المركزي للإحصاء في عام 2023 إلى أن معدل الطلاق بلغ 2.5 فى الألف عام 2023 مقابل 2.6 فى الألف عام 2022، وأن معدل الطلاق بالحضر بلغ 3.3 فى الألف مقابل 1.9 فى الألف بالريف عام 2023.
وبلغ أعلى معدل طلاق 5.0 فى الألف بمحافظة بورسعيد، بينما بلغ أقل معدل طلاق 1.2فى الألف بمحافظة أسيوط.
واجمالا بلغ عدد عقود الزواج 961220 عقدا عام 2023 مقـابل، 929428 عقدًا عـام 2022 بنسبة زيادة قدرها 3.4%، بينما بلغت عدد حالات الطلاق 265606 حالة عام 2023 مقابل 269834 حالة عام 2022 بنسبة انخفاض قدرها 1.6%.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: قائمة مسلسلات رمضان 2025 مسلسل قلبي ومفتاحه المحلل الشرعي دار الإفتاء فى الألف عام 2023
إقرأ أيضاً:
مختصون لـ"الرؤية": أدوات العصر الحديث تُفاقم حالات الانفصال الزوجي
◄ الأسباب النفسية والعاطفية تتفوق على العنف والخيانة!
◄ غياب وضوح الأدوار المالية لكل طرف يؤزِّم العلاقة
◄ السيابي: ضعف الوعي والمسؤولية وراء ارتفاع الطلاق
◄ النظيرية: الجفاف العاطفي وضعف مهارات التواصل يرفعان معدلات الطلاق
◄ أسماء سويد: غياب الحوار الفعّال وتدخل العائلة.. أبرز أسباب انهيار الحياة الزوجية
◄ الكلبانية: وسائل التواصل الاجتماعي غيّرت نظرة النساء للانفصال
الرؤية- سارة العبرية
رغم أنَّ الطلاق إجراء لا حُرمة فيه في الشريعة الإسلامية، إلّا أنَّ تفشّي حالات الطلاق في المجتمع، يدُق ناقوس الخطر من المُهددات التي تجابه الاستقرار الاجتماعي، وتُنذر بعواقب قد لا يُمكن تحملها، وسط تحديات اجتماعية أخرى لا يغفل عنها أحد.
ويُؤكد عدد من المختصين أن ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع العُماني بات ظاهرة مُقلقة تستدعي وقفة جادة، مشيرين إلى أنَّ أسبابها لم تعد تقتصر على العوامل التقليدية؛ بل امتدت لتشمل جوانب نفسية وعاطفية واقتصادية واجتماعية، إلى جانب تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي وتراجع مهارات التواصل بين الأزواج.
وبينّوا- في حديثهم لـ"الرؤية"- أن الحلول تكمن في رفع الوعي الأسري، وتفعيل دور الإرشاد الزواجي، وتطوير التشريعات بما يُواكب المتغيرات الاجتماعية، مؤكدين أن التدخل المبكر يمكن أن ينقذ العديد من العلاقات من الانهيار.
أسباب قانونية
وقال المحامي عبدالعزيز بن محمد السيابي "إن قانون الأحوال الشخصية العُماني يحدد عدة أسباب يمكن لأحد الزوجين الاستناد إليها لطلب الطلاق، منها عدم النفقة؛ إذ نصت المادة (109) على أنَّه يجوز للزوجة طلب التطليق إذا امتنع الزوج عن الإنفاق عليها ولم يثبت إعساره، إضافة إلى الضرر والشقاق؛ حيث أكدت المادة (101) أنَّ لكل من الزوجين طلب التطليق إذا تعذر دوام العشرة بينهما لغياب المودة وحسن المعاشرة، وكذلك العلة، وفق المادة (98) التي تتيح لأحد الزوجين طلب التطليق إذا كان في الطرف الآخر علة عقلية أو عضوية يتعذر معها استمرار الحياة الزوجية سواء أصيب بها قبل العقد أو بعده.
وأوضح السيابي أنَّ القضايا المرتبطة بالطلاق تشهد ارتفاعًا ملحوظًا تؤكده الإحصاءات؛ حيث سجلت محافظة مسقط وحدها 1161 حالة طلاق للمواطنين في عام 2024 مقارنة بـ 859 حالة في 2023، مشيرًا إلى أنَّ أبرز العوامل وراء ذلك تتمثل في قلة الوعي بالحقوق والواجبات الزوجية، وانعدام المسؤولية، وانعدام الثقة بين الطرفين.
وبيّن أنَّ قانون الأحوال الشخصية يشترط توفر شروط معينة في الحاضن، وأن فقدان أحدها يسقط الحضانة حتى تعود تلك الشروط، مؤكدًا أن النفقة على الأبناء تمثل تحديًا ماليًا كبيرًا على المنفق سواء في تحديدها أو في طرق صرفها، لافتًا إلى أنَّ التطورات الاجتماعية المتسارعة تتطلب مرونة تشريعية لمواكبتها، إذ إنَّ جمود النصوص يحول دون تحقيق الغرض الذي وضعت من أجله.
ودعا السيابي الأزواج إلى تقوى الله في أنفسهم وأبنائهم، وصون ما وصفه الله بالميثاق الغليظ، وألا يجعلوا الطلاق إلا آخر الحلول، مؤكدًا إمكانية تجنب الانفصال عبر وسائل متعددة منها دور القاضي في إصلاح ذات البين وتقريب وجهات النظر، وهو ما ساهم في كثير من الحالات في عدول أحد الزوجين عن قرار التطليق وحماية الأسرة من التمزق.
المشاكل الزوجية
من جهتها، أكدت عائشة بنت عامر النظيرية أخصائية نفسية واستشارية علاقات أسرية أنَّ السنوات الأخيرة شهدت تحوّلًا واضحًا في طبيعة المشاكل الزوجية؛ حيث تراجعت الشكاوى التقليدية مثل العنف والخيانة والمشكلات المالية، وبرزت بقوة الأسباب النفسية والعاطفية، وفي مقدمتها الحرمان العاطفي وغياب الاحتواء والتقدير، ما يؤدي إلى فقدان الرابط العاطفي وظهور حالات "الانفصال العاطفي" رغم استمرار الحياة المشتركة.
وأوضحت أنَّ الشعور بالوحدة داخل العلاقة بات ظاهرة متكررة، إلى جانب تأثير القلق والاكتئاب غير المعالج على استقرار الزواج. كما أشارت إلى أنَّ ضعف الصبر والتفهم أصبح أكثر وضوحًا، مستشهدة بحالات تنتهي بالانفصال رغم غياب الإساءة المباشرة، وإنما بسبب الجفاف العاطفي.
وترى النظيرية أن ضعف مهارات التواصل يمثل جذرًا عميقًا للمشكلات؛ إذ يخلط كثير من الأزواج بين التعبير والاتهام، أو بين الإنصات والدفاع، ما يُغلق باب الحوار ويحوّل الخلافات البسيطة إلى أزمات كبرى.
وأضافت أنَّ الضغوط الاقتصادية، مثل البطالة وغلاء المعيشة والديون، تُفاقم التوتر الأسري، خاصة مع غياب وضوح الأدوار المالية، كما حذّرت من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي تُغذي المقارنات غير الواقعية وتفتح الباب أمام الخيانات الافتراضية، وصولًا إلى الانهيار الكامل للثقة.
ولفتت إلى وجود فجوة في وعي الشباب المُقبلين على الزواج؛ إذ يُختزل الارتباط في الرومانسية أو التوافق المادي، بينما تُهمل الجوانب النفسية مثل الصبر والمرونة وإدارة الخلاف. وأكدت أن تقليص هذه الفجوة يتطلب مقررات تعليمية حول الذكاء العاطفي، ومبادرات وطنية للتأهيل الزواجي، وخطابًا واقعيًا عبر المؤثرين الاجتماعيين.
التدخل المُبكر
وأشارت النظيرية إلى أنَّ التدخل المبكر في المشكلات الزوجية يحد بشكل ملحوظ من حالات الطلاق، إذ تُظهر الإحصاءات أن النسبة الأكبر في السلطنة تحدث خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج.
ووجهت بتوصيات للأسر منها عدم التسرع في الحكم على أحد الطرفين، واحتضان الأبناء المتزوجين، وتعزيز ثقافة الحوار والمصالحة، وأيضا ربط عقد الزواج بدورة إلزامية للتأهيل، وتفعيل مراكز الاستشارات الأسرية قبل الوصول للمحاكم، وتأهيل أخصائيين نفسيين واجتماعيين للعمل داخل المحاكم الأسرية من جانبها، أكدت أسماء سويد مرشدة أسرية وأخصائية تعديل سلوك في المجال التربوي والزواجي، أن التواصل الصحيح بين الزوجين يمثل الأساس المتين لاستمرار العلاقة الزوجية، موضحة أن وجود لغة مشتركة، وتقبل كل طرف للآخر، والمرونة في التعامل مع تحديات الحياة الجديدة، كلها عناصر ضرورية للتكيف مع متغيرات الزواج.
وقالت "إن غياب الحوار الفعّال يؤدي إلى انفصال عاطفي، وشعور أحد الطرفين أو كليهما بالوحدة، كما أن ضعف القدرة على إدارة الانفعالات وتكرار الجدالات وفتح الملفات القديمة، إلى جانب غياب النضج النفسي والعاطفي، كلها عوامل نفسية تُسرع من انهيار العلاقة".
وأضافت أن المشكلات الاقتصادية تمثل سببًا رئيسيًا آخر؛ إذ يعاني بعض الأزواج من غياب الوعي المالي وعدم القدرة على وضع ميزانية للأسرة، فضلًا عن الأعباء الناتجة عن تكاليف الزواج الباهظة والديون التي تبدأ بها حياتهم المشتركة، مؤكدة "ضرورة الترشيد في طلب المهور".
أنماط الحياة
وعن العوامل الاجتماعية، أوضحت أنَّ السماح بتدخل العائلة من الطرفين في تفاصيل الحياة الزوجية، والفوارق التعليمية أو الثقافية بين الزوجين، من شأنها خلق فجوات في القيم والأهداف، كما حذرت من تأثير أنماط الحياة المبالغ في عرضها على وسائل التواصل الاجتماعي، مُعتبرة أنها تكشف خصوصيات الحياة الزوجية وتخلق صورة وهمية بعيدة عن الواقع المليء بالصراعات.
وأشارت إلى أن نسب الطلاق ارتفعت بين السنة الأولى والثالثة من الزواج، بسبب غياب القناعة بأنَّ "الزواج" يتطلب بذل الجهد للحفاظ عليه، لافتة إلى أن بعض التوجهات النسوية التي تدعو إلى مساواة غير متوازنة ساهمت في تعقيد العلاقة، خاصة حين ترفض الزوجة المساهمة في الأعباء المعيشية رغم عملها، أو تؤجل الإنجاب بدافع الاستقلالية المُطلقة.
وشددت على أنَّ المرأة مهما بلغت من مكانة أو مال أو تعليم، تبقى بحاجة إلى الرجل الذي يمنحها الدعم النفسي والعاطفي والجسدي، مؤكدة في الوقت نفسه أنَّ الإرشاد الأسري لم يعد رفاهية بل ضرورة، خاصة مع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الأفكار، وارتفاع معدلات الطلاق.
وفي ما يخص الحلول، دعت إلى تأسيس العلاقة الزوجية على قاعدة إيمانية أساسها مخافة الله، ومعرفة الحقوق والواجبات، إلى جانب امتلاك المهارات اللازمة لبناء زواج واعٍ وواضح الأهداف، كما شددت على أهمية إشاعة ثقافة "الاستمرارية" بدل النظر إلى الطلاق كحل أول، وذلك عبر تطوير العلاقة، وإشباع الاحتياجات، وممارسة التغافل والحكمة للحفاظ على المودة والرحمة بين الطرفين.
السوشال ميديا!
وترى منى بنت خلفان الكلبانية ممثلة وناشطة اجتماعية، تزايد حالات الطلاق في السلطنة مؤخرًا -خلال متابعتها المستمرة لما يُنشر في وسائل الإعلام والملاحظات المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي-، مضيفة الواقع اليومي الذي نعيشه يمكن تحديد عدة أسباب تسهم في ارتفاع معدلات الطلاق في سلطنة عُمان، من أبرزها ضعف التفاهم بين الزوجين منذ البدايات الأولى وافتقاد مهارات التواصل والحوار البنّاء، والتسرع في اتخاذ قرار الزواج دون التعرف الكافي على الطرف الآخر أو دون التأكد من وجود توافق حقيقي في القيم والتطلعات، وتدخلات الأهل التي تكون أحيانًا غير موضوعية مما يزيد من تعقيد الخلافات بدلاً من المساهمة في حلها، والشك والغيرة المفرطة وغياب الثقة والاحترام المتبادل مما يؤدي إلى زعزعة استقرار العلاقة، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية المتزايدة مثل البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة التي تولد بيئة مشحونة بالتوتر داخل البيت، وانتشار الخيانات سواء الواقعية أو عبر العلاقات الإلكترونية في ظل الانفتاح الرقمي وغياب الوعي أو الرقابة الذاتية، وكذلك الزواج التقليدي المفروض دون قناعة أو رضا كامل من الطرفين ما يجعله هشًا وقابلًا للانهيار مع أول اختبار.
وحول تغيّر نظرة المجتمع وخاصة بين النساء تجاه قرار الطلاق وتأثير المنصات الرقمية، أوضحت الكلبانية أنَّ هناك تحولًا ملحوظًا في نظرة المجتمع نحو الطلاق، لا سيما بين الجيل الجديد من النساء؛ إذ بات يُنظر إليه في كثير من الحالات كخيار مسؤول يلجأ إليه أحد الطرفين حين تصبح الحياة الزوجية مرهقة نفسيًا أو غير آمنة.
وأشارت إلى أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي أدّت دورًا كبيرًا في هذا التحول؛ إذ أتاحت للنساء مساحة للتعبير عن تجاربهن وساعدت في نشر خطاب يدعو للاستقلالية وتمكين الذات، مما عزَّز الثقة بالنفس لدى كثير من النساء وشجعهن على اتخاذ قرارات مصيرية في الوقت المناسب، لكنها حذَّرت من أن بعض المحتوى المتداول بات يُبسط قرار الانفصال ويضخم التوقعات حول العلاقات ويصور الزواج الناجح على أنه خالٍ من المشاكل، وهو تصور غير واقعي يُضعف من قدرة البعض على التحمل أو إدارة الخلافات.
وتابعت قولها: "رغم وجود عدد من المبادرات والبرامج التوعوية التي تُقدَّر جهود القائمين عليها، سواء من جهات حكومية أو أهلية، إلا أنَّ حجم التحديات الراهنة يتطلب مستوى أعلى من العمل والاستجابة، مُشددة على أهمية التركيز على الجانب الوقائي من خلال إعداد الشباب نفسيًا وفكريًا للحياة الزوجية قبل الإقدام عليها، وتطوير المحتوى التوعوي بحيث يُقدم بلغة واقعية وجذابة تتماشى مع أسلوب تفكير الشباب مع استخدام المنصات الرقمية التي يتفاعلون معها يوميًا، وإدماج مفاهيم الحياة الأسرية والمهارات الاجتماعية في المناهج التعليمية، إضافة إلى توفير مراكز دعم واستشارات زوجية تقدم خدمات نفسية وقانونية بأسعار مقبولة لتكون خيارًا حقيقيًا بديلًا عن الطلاق".
وأضافت الكلبانية في رسالتها للزوجين قبل اتخاذ قرار الطلاق على أي زوجين وصلا إلى مفترق طرق أن يتمهلا قبل اتخاذ القرار؛ فالطلاق ليس خطأً دائمًا لكنه قرار مصيري لا ينبغي التسرع فيه، لأنه لا يمس طرفين فقط؛ بل يطال الأسرة والمجتمع بشكل أوسع، خاصة عندما يكون هناك أطفال، مشيرة إلى أهمية طرح السؤال بصدق: هل يمكن إصلاح الخلاف؟ وهل الطلاق هو فعلاً الحل أم مجرد هروب مؤقت من الواقع؟ وفي حال كان الخيار النهائي هو الانفصال، كيف يُمكن أن يتم بأقل ضرر نفسي واجتماعي ممكن لكل الأطراف؟ مؤكدة أنَّ الزواج لا يعني غياب المشاكل؛ بل يعني وجود شريكين قادرين على مواجهتها معًا بنضج ورحمة، وهذه القدرة هي التي تصنع العلاقة المتينة لا مجرد خلوها من الخلافات.
وبيّنت أنَّ الطلاق في سلطنة عُمان، كما هو الحال في مختلف المجتمعات، ليس مجرد حالة فردية؛ بل مرآة لتحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية يعيشها المجتمع، ورغم أنَّه قد يكون في بعض الأحيان ضرورة لا مفر منها، إلا أنَّ الأساس في بناء أسر قوية يبقى في التوعية المبكرة والتأهيل الجاد وتوفير منظومة دعم قادرة على احتواء الأزمات قبل أن تتفاقم.