لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، مستخدمين إياها لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوّقة.
والنجم الذي نتحدث عنه اليوم هو نجم «فم الحوت» وهو ألم نجم فـي الكوكبة التي أطلق عليها العرب كوكبة «الحوت الجنوبي» وهذه الكوكبة أطلق عليها العرب هذا الاسم لأن نجومها تتوزع على شكل سمكة، ويقع هذا النجم فـي فمها، وقد استخدمه العرب فـي تحديد الاتجاهات ليلا خاصة فـي المناطق الجنوبية.
يظهر فم الحوت فـي السماء خلال فصل الخريف فـي النصف الشمالي من الكرة الأرضية، أما فـي الوطن العربي، فـيمكن رؤيته بشكل واضح من شهر سبتمبر إلى ديسمبر، ولونه يميل إلى الزرقة، ويأتي فـي المرتبة 18 من حيث أشد النجوم سطوعا فـي السماء، ويبعد هذا النجم عن الأرض حوالي 25 سنة ضوئية ولذلك يعتبر واحدًا من النجوم القريبة نسبيًا من نظامنا الشمسي.
وإن أتينا إلى حجمه نجد أن قطره أكبر عن قطر شمسنا بالضعف، وكذلك كتلته، وهو أشد حرارة من شمسنا كونه من النجوم الشابة فهو نجم حديث مقارنة بعمر الشمس، ولذلك فهو أكثر سخونة، فدرجة حرارة سطح فم الحوت تبلغ حوالي 8,590 كلفن، بينما تبلغ درجة حرارة سطح الشمس حوالي 5,778 كلفن، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن عمر نجم فم الحوت حوالي 440 مليون سنة، مما يجعله نجمًا شابًا مقارنة بالشمس التي يبلغ عمرها حوالي 4.6 مليار سنة.
ولم يكن هذا النجم بمعزل عن أشعار العرب فنجده فـي قصائدهم ومنظوماتهم الفلكية، فهذا الشاعر الفلكي الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني الذي عاش فـي العصر العباسي قد نظم قصيدة مزج فـيها الفخر مع علم الفلك وصل عدد أبياتها 603 أبيات، وقد نسجها على وزن وقافـية معلقة عمرو بن كلثوم، وذكر فـيها هذا النجم، وبين موقعها فقال فـي نجم الحوت:
من الغفرين حتى الحوت طولاً
وعرضاً فـي الجنوب بما ولينا
وملقحة السحاب لنا ومنا
مخارجها ومنا تمطرونا
وأما الشاعر أبو محمد الفقعسي الذي عاش فـي العصر الإسلامي وعاصر حروب الردة فـي عصر أبو بكر الصديق، فقد ذكر هذا النجم فـي أحد مقطوعاته الشعرية فقال:
ليس أخو الغلاة بالهبيت
ولا الذي يخضع بالسبروت
منقذف بالقوم كالكليت
يراقب النجم رقاب الحوت
وإذا أتينا إلى الشاعر العباسي أبو الحسين الصوفـي الذي كان يعمل منجما عند عضد الدولة فقد نظم منظومة فلكية، بلغ عدد أبياتها 494 بيتا، وشرح فـيها النجوم فـي السماء وأسمائها ومواقعها، وقد عرج على ذكر هذه الكوكبة التي ينتمي لها نجم فم الحوت فقال:
هن بعيدات عن المجرّة
وهي التي تدعى نجوم الجرّة
يتبعها الحوت ويدعى السمكة
كواكب ملتفّة مشتبكة
وفـي العصر المملوكي نجد الشاعر ابن نباتة المصري يمدح ابن اليزدي وفـيها يذكر نجم الحوت فـيقول:
يا جواداً أنشى المدائح معنًى
بنوالٍ يريك معنًى ثاني
ربَّ ليلٍ قد خضته لك بحرا
متعب الحوت واقف السرطان
وكذلك نجد الشاعر ابن مليك الحموي فـي العصر المملوكي يكتب قصيدة يذكر فـيها هلاك الأمم والأقوام فـيقول فـي وصفهم ذاكرا طالع الحوت فقال:
وايقنوا بنزول الراس أنهم
غرقى وطالعهم فـي الحوت قد نزلا
كأنهم لم يكونوا قبلها ركبوا
بحرا ولا قطعوا سهلا ولا جبلا
ولو أتينا إلى العصر الأيوبي نجد الشاعر الجزار السرقسطي يذكر هذا النجم فـي أحد قصائده فـيقول:
كَأَن سُها النُجوم بِها عَليل
يُنازع ما يَبينُ مِن السقام
كَأَن الحوت حينَ بَدا غَريقٌ
بِآذيٍّ مِن الأَمواج طام
ولا يزال هذا النجم يلهم الشعراء فـي العصر الحديث ويترك أثره فـي قصائدهم فهذا الشاعر الفلسطيني محمود درويش ذكر هذا النجم فـي أكثر من قصيدة ففـي ديوانه الرائع « كزهر اللوز أو أبعد» كتب قصيدة تفعيلة أسماها «هي لا تحبك أنت» وقال فـي آخر مقطع منها:
صارت تحبُّكَ أَنتَ مُذْ أَدخلتها
فـي اللازورد، وصرتَ أنتَ سواك
فـي أَعلى أعاليها هناك
هناك صار الأمر ملتبسا
على الأبراج
بين الحوت والعذراء
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا النجم فـی فـی العصر نجم فـی
إقرأ أيضاً:
شاعر القطار.. محمد ناصف يُعيد العامية لنبض الشارع بديوان “قطر ستة وتلت”
مايو 18, 2025آخر تحديث: مايو 18, 2025
المستقلة/-في زمن تسوده الكلمات المعلّبة والمشاعر الجاهزة، يخرج ديوان “قطر ستة وتلت” للشاعر محمد ناصف كصوت مختلف، قادم من قلب الزحام، محمّلًا بالحنين، نابضًا بالأمل ومُفعمًا بتفاصيل الناس البسيطة وكأننا أمام شاعر لا يكتب الشعر بقدر ما يبوح بالوجع ويخط الحنين على صفحات قطار يمر بمحطات العمر.
دار منازل للنشر والتوزيع، احتفلت مؤخرًا بإصدار الديوان الثاني للشاعر المصري محمد ناصف، الذي حمل عنوان “قطر ستة وتلت” وهو عمل شعري يستلهم من الحياة اليومية صورًا نابضة بالحياة، مجسدًا رحلة قطار يشبه رحلاتنا جميعًا: من العمل، من الشوق، من الغربة، ومن العودة إلى البيت.
“قطر ستة وتلت” ليس مجرد ديوان شعري، بل أقرب ما يكون إلى موال طويل، يروي فيه ناصف حكايات الكادحين، من موظفين وطلاب وعمال، ممن يستقلون هذا القطار اليومي المتجه إلى القاهرة صباحًا ويعود مساءً إلى الصعيد أو الدلتا، حاملًا على متنه وجوهًا مألوفة وقلوبًا مثقلة.
ما يميز أعمال محمد ناصف هو قدرته على تحويل القصيدة إلى أغنية، والمشهد اليومي إلى قصة محكية، مستخدمًا لغة العامية القريبة من القلب، والنابعة من بيئته وتجربته.
من هو الشاعر محمد ناصف؟
محمد ناصف شاعر مصري يكتب بالعامية تخرج من كلية الآداب بجامعة المنصورة وعضو بنادي أدب المنصورة وشارك بفعالية في أنشطة نادي أدب جامعة المنصورة لمدة أربع سنوات متتالية، حاصل على عدة جوائز في مجال الشعر العامي على مستوى جامعة المنصورة، من بينها: جائزة مسابقة إبداع التابعة لوزارة الشباب والرياضة لثلاث سنوات متتالية (2017، 2018، 2019) والمركز الثالث في نفس المسابقة على مستوى جامعات مصر في عامي 2018 و2019.
مثّل الشاعر محمد ناصف، مصر في منتدى “رحلة المشاعر” الذي نظمته المملكة العربية السعودية عام 2019 وصدر له أول ديوان شعري عام 2016 بعنوان “خطوتنا الجاية”، بدعم من نادي أدب المنصورة وصدر ديوانه الثاني “قطر ستة وتلت” عام 2025 عن دار منازل للنشر والتوزيع.
بـديوان “قطر ستة وتلت” يعيد الشاعر محمد ناصف تعريف الشعر كوسيلة للبوح والقصيدة كوسيلة للمواساة والمواويل كخرائط للوجوه والأماكن إنه صوت يحملنا من محطة القلق إلى محطة الفرح ومن زحمة الأيام إلى فسحة الشعراء.