هَلْ تَصْمُد حُكُومَتا بُورتْسُودَان ونِيرُوبِي أمَامَ قَحْط اللاشَرْعِيَّة؟
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
Can Port Sudan and Nairobi Governments
Withstand the Illegitimacy Impasse?
بروفيسور/ مكي مدني الشبلي
المدير التنفيذي – مركز مأمون بحيري، الخرطوم
???? تعاني حكومة "بورتسودان" وحكومة "نيروبي" المزمعتين من غياب الشرعية الدستورية لكليهما، مما يجعلهما عرضة للتبعات القانونية والسياسية الوخيمة داخلياً وخارجياً.
???? حكومة بورتسودان المزمعة التي يقف خلفها الفريق أول البرهان وحلفاؤه تستند على التعديل غير المشروع للوثيقة الدستورية لعام 2019 التي تستمد شرعيتها من شرعية ثورة ديسمبر الشعبية بعد أطاحتها لحكم الإنقاذ الاستبدادي الفاسد.
???? تظل الوثيقة الدستورية المُوَقَّعَة بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي في أغسطس 2019 الشرعية الحصرية والمرجعية الدستورية الوحيدة في السودان لانبثاقها عن شرعية ثورة ديسمبر 2018. ولا يجُبَّها إلا دستور ينبثق عن مرجعية انتخابية، بعد استيفاء كامل المهام المسندة للفترة الانتقالية التي حددتها الوثيقة الدستورية (المادة 8).
????لا يجوز إلغاء أو تعديل الوثيقة الدستورية إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي (المادة 78).
???? لا يجوز تكوين المجلس التشريعي إلا بقوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي وفق ما ورد في الوثيقة الدستورية (المادة 24).
????وعليه فإن كل ما يصدر عن حكومة بورتسودان المزمعة خاضع للطعن وعدم الاعتراف الشعبي والدولي لافتقاره للأساس الدستوري والقانوني ذي المصداقية نظراً لصدوره من مجرد سلطة أمر واقع.
????وفي المقابل فإن حكومة نيروبي (تأسيس) المزمعة تعاني من عدم القدرة على اكتساب الشرعية وفرض القانون داخل حدود جغرافية آمنة، إذ اضطر داعموها لإعلانها من الخارج وليس عبر عملية دستورية من داخل السودان، الأمر الذي جعلها أقرب إلى حكومة منفى.
???? رغم سعي التحالف الداعم لهذه الحكومة المزمعة لضم قوى ثورية ومدنية لتعزيزها، إلا أن ذلك التحالف لم يتَّبِع إجراءات قانونية موثوقة ليضع لها مرجعيَّة دُستوريَّة يرتكز على شرعية ثورية، أو استفتاء شعبي، أو تفويض انتخابي.
???? وعليه يحق لأي طرف اعتبار حكومة نيروبي مجرد كيان رمزي وواجهة دبلوماسية لتحالف سياسي لا يملك صلاحيات تنفيذية ولا تأثير فعلي.
???? ويؤكد ذلك أن الطرح لتكوين حكومة تأسيس من نيروبي قد واجه رفضاً إقليمياً ودولياً مما يشكل عقبة كأداء تقضي على أي طموح في حصول الحكومة المزمعة على أي اعتراف شعبي داخلي، مما يحيلها لمجرد كيان رمزي يفتقر للمصداقية والموثوقية.
???? وبناء على ذلك فإن كلتا حكومتي بورتسودان ونيروبي المزمعتين تعانيان من مأزق الشرعية الدستورية حتى لو سيطر أي منهما على الأرض عن طريق الحرب المستعرة، أو حاز على بعض الدعم الإقليمي المُغْرِض.
???? ومُحَصَّلَة ذلك أن كلتا الحكومتين هشّّتان سياسيَّاً وقانونيَّاً، مما يجعل السودان في حالة فراغ دستوري عميق ويزيد من احتمالات اندلاع الفوضى الضَرُوس، أو البحث عن حكومة ثالثة بديلة عبر توافق داخلي بين قوى ثورة ديسمبر المدنية والمؤسسة العسكرية بدعم إقليمي ودولي.
melshibly@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الوثیقة الدستوریة
إقرأ أيضاً:
تصريحات الإسلاميين ضد واشنطن تعيد إنتاج العزلة الدولية
تصريحات الإسلاميين ضد واشنطن تعيد إنتاج العزلة الدولية
صلاح شعيب
جاء رد رئيس الوزراء الجديد لحكومة بورتسودان حول العقوبات الأميركية مدرعاً بالتحدي المتسرع، ومغالطاً لادعاء الولايات المتحدة. ومع ذلك يُفهم هذا الرد في سياق تأكيد د. كامل إظهار الولاء المطلق لمرؤوسيه الجدد. فبيانه من جهة أخرى عزز حديث كثير من المحللين بأنه لن يكون إلا “تمامة عدد”، وأنه لن يخالف نهج التفكير السياسي الحالي لدى المؤيدين لسلطة الجيش. ذلك في وقت كان يتوقع الآخرون أن كاملاً سيستخدم لهجة تصالحية مع المجتمع الدولي، ومن خلالها يستطيع دفع الاتهامات ضد بورتسودان بمزيد من التروي، والتعقل الدبلوماسي.
د. كامل ما أهمته مخاطبة الرأي العام السوداني منذ تعيينه ليطلع الناس على خطته، والتي كان من المتوقع أن قد يتوفر ضمنها الرد الهادئ على الاتهامات الأميركية بشيء من الحذر. ذلك حتى يستطيع الحفاظ عللى طريق سالكة مع إدارة ترمب تمهد لحوارات أعمق ليس فقط حول التهم الأميريكية، وإنما تتناول دور واشنطن المؤثر في إيقاف الحرب، وإعادة بناء السودان، هذا إذا كان الدكتور حريصاً على وضع حد لمعاناة شعبه جراء الحرب، أكثر من حرصه على مناوءة الرغبة الاميركية في الضغط على قيادة البرهان، وقاعدته المذهبية.
مع خروج د. كامل لأول مرة للعلن بذلك البيان بعد تعيينه رئيساً الوزراء لاحظنا وجود تصريح للمؤتمر الوطني مهره أحمد هارون حول الموضوع، وكذلك تصريحات غاضبة لقادة إسلاميين مؤيدين للحكومة، وبعض من جماعة البراء بن مالك. وعبر لغة التصريحات لمحنا تجاوز رد التهمة إلى استخدام لهجة أيديولوجية أعادتنا إلى أجواء التسعينات. إذ كانت حكومة الترابي من الوهلة الأولى قد أعلنت بأن أميركا، وروسيا، مرة واحدة، سيدنو عذابهما، واستوردت الخرطوم حينذاك كل المتطرفين العرب، والمسلمين، اليمينيين، واليساريين، الذي فجروا في عدائهم نحو واشنطن.
ولاحظنا أيضاً في تصريحات القادة الإسلاميين أنه بدلاً عن تقصير الغضب نحو الولايات المتحدة في الشأن المعني فقد شمل عدداً من الدول الأوروبية بوصفها وراء الحرب، كما قال أحد قيادات المؤتمر الوطني البارزين وسط هذه الحرب.
إذن فمن الواضح أن الاستراتيجية التي ستتبناها بورتسودان في التعامل مع مجمل الغرب الحضاري سوف تستند على موروث الحركة الإسلامية الذي كما نعلم يستند على حيثيات أيديولوجية تُستخدم في لحظات التوتر، وتنخفض في لحظات شبيهة بلحظة تهديد الرئيس بوش: “إما معنا أو ضدنا”. ونذكر أن النظام الإسلاموي المنحل وقتها قد ترك كل أدبياته العدائية الموجهة لأميركا “المستكبرة”، وانخرط طائعاً متذلفاً، في تعاون استخباراتي غير مسبوق مع إدارة بوش الابن.
الآن الوضع مختلف. فحكومة بورتسودان تكافح بالكاد للحصول على الشرعية القارية، والتي كان تعيين كامل يعني محاولة للتسوية مع الأفارقة، والعالم. ويبدو أن ترحيب الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، بتعيين د. أكمل سوف يتبخر أكثر فأكثر كلما ما واصلت بورتسودان، والإسلاميون، من خلفها في دفع العلاقة إلى مرحلة التصادم، والإصرار على مواصلة الحرب في حال فهمنا بأن الاتهام الاميركي موظف كعصا لإيقافها.
د.كامل تذاكى في بيانه حتى يعزز العلاقة بينه وبين دعاة الحرب بعربون موقفه الحكومي الذي يجرى مجرى الموقف الإخوانجي في منازلة الولايات المتحدة بالحدة الدبلوماسية في التصريحات. ولكنه في خاتم المطاف سوف ينتهي فعله في أحضان الحركة الإسلامية التي أعقبت قيادات منها تعيينه بتجريب ابتزازه. فكثير من الإسلاميين رفضوا منحه المنصب، ووصفوه بأنه فحاطي، وجمهوري، وعلماني، كما قال الجهادي الداعشي ناجي مصطفى.
هذا الموقف الدبلوماسي الصدامي المجرب تجاه الغرب أورث البلاد ما انتهت إليه من تدمير في وحدتها بانفصال الجنوب، ووصولها إلى طريق سياسي وعر أنتج الحرب كنتيجة لسياسات مسبقة عمقها نظام البشير.
ما نستطيع أن نقراه من بيان رئيس الوزراء، وتصريحات قادة الحركة الإسلامية إزاء الاتهام الأميركي لحكومة بورتسودان باستخدام السلاح الكيماوي، هو أن نهج الكيزان الدبلوماسي لم يتغير، وأنه ما يزال يحكم مناطق سيطرة الجيش.
فإذا وضعنا في الاعتبار تصريحات ياسر العطا السابقة ضد كينيا، والإمارات، وتشاد، فإن دبلوماسية البرهان ستجد نفسها في طريق مسدود في ظل ما يُلمح بوجود رغبة شعبية سودانية، ودولية، لإيقاف الحرب. ولعل المزيد في التوغل لاستعادة الموروث الدبلوماسي للمؤتمر الوطني سيدعم فرص تحجيم الجيش من الوصول إلى غاياته بإنهاء الحرب ميدانياً. بل إن هذا التصعيد غير المحسوب جيداً من جانب القادة الإسلاميين المؤيدين للحرب ضد الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، سوف يعزز من محاصرة فرص الجيش في التسليح متى ما عمقت بورتسودان رغبتها في معاكسة هذه التطلعات الدولية للتسوية السلمية للنزاع السوداني الذي يغذيه كوادر المؤتمر الوطني المنحل.
واشنطن بثقلها الدولي، وتاثيرها الحتمي على بعض حلفائها الداعمين للجيش، بحاجة إلى التعامل معها برشد دبلوماسي، وتواصل سياسي، لتفنيد اتهامها الجديد للجيش، إذا كانت بورتسودان حريصة على عدم مناكفة إدارة ترمب بلغة حادة. وبغير هذا الرشد الدبلوماسي فإن سلطة البرهان الباحثة عن شرعية قارية، ودولية، ستواجه تحديات جمة. أما مساعي د. كامل خارجياً فستحصد في هذه الحالة السراب، لا محالة.