سياسات أمريكا في التعامل مع الدول
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
يوسف الجهضمي
في عالم السياسة الدولية، لا مكان للعاطفة أو الالتزام الدائم. فالتحالفات ليست سوى أدوات تُستخدم ما دامت تُحقق المصلحة، وعندما تنتفي الحاجة إليها، تُرمى جانبًا دون تردد. والسياسة الأمريكية تمثل النموذج الأبرز لهذا المنطق؛ إذ إنها لا تعترف بوجود أصدقاء دائمين أو أعداء دائمين؛ بل تحكمها قاعدة واحدة: "المصلحة أولًا وأخيرًا".
تاريخيًا، لا يوجد حليف واحد للولايات المتحدة استطاع أن يضمن ولاءها إلى الأبد، بغض النظر عن الخدمات التي قدمها أو التضحيات التي بذلها من أجلها. اليوم، قد يكون النظام الحاكم في بلد ما "حليفًا استراتيجيًا"، لكن غدًا قد يصبح "عائقًا" يجب التخلص منه. هذه العقلية لم تتغير منذ نشوء الولايات المتحدة كقوة عظمى؛ بل ترسخت مع مرور الزمن وأصبحت السمة الأبرز لسياستها الخارجية.
والحديث عن هذه المسألة يصبح أكثر إلحاحًا، خاصة في ظل التقلبات السريعة التي يشهدها العالم العربي، حيث تتغير التحالفات وتتبدل الولاءات وفقًا لما تمليه المصلحة الأمريكية.
منطق الغدر الأمريكي: لماذا لا تدوم الصداقات؟
إذا كان هناك شيء واحد ثابت في السياسة الأمريكية، فهو "عدم الثبات"؛ بمعنى أن واشنطن لا تمنح أي ضمانات دائمة لحلفائها، بل تتعامل معهم كأدوات لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. وعندما تنتهي الحاجة إليهم، يتم التخلص منهم أو استبدالهم بآخرين.
الولايات المتحدة لا تعتمد فقط على قوتها العسكرية والاقتصادية؛ بل تستفيد من قدرتها على بناء تحالفات مؤقتة، ثم التخلي عنها عندما يحين الوقت المناسب. هذا النهج قائم على عدة أسس:
البراغماتية المطلقة: لا مجال للعواطف أو الالتزامات الأخلاقية، بل المصلحة هي الحكم الوحيد. التغيرات الجيوسياسية: العالم متغير، والمصالح تتبدل. ما كان مهمًا بالأمس قد يصبح غير ضروري اليوم. القوة الأمريكية المطلقة: واشنطن تضمن أنها تستطيع استبدال أي حليف دون أن تتعرض لخطر كبير، نظرًا لهيمنتها على الاقتصاد والسياسة العالمية. عدم الثقة في الحلفاء: حتى أقرب الحلفاء يُنظر إليهم بعين الشك، لأن الولاءات يمكن أن تتغير.وهناك أمثلة تاريخية على الغدر الأمريكي، منها:
شاه إيران محمد رضا بهلوي (1979)؛ حيث كان الشاه يُعد "حليفًا ذهبيًا" للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. قدم لها النفط، ودعمها سياسيًا وعسكريًا، وحمى مصالحها لعقود. لكن عندما اندلعت الثورة الإسلامية في إيران، أدارت له واشنطن ظهرها ورفضت حتى استقباله للعلاج، مما أدى إلى انهيار نظامه وصعود الجمهورية الإسلامية، التي تحولت إلى عدو لدود لأمريكا نفسها. صدام حسين (2003)؛ ففي الثمانينيات، كان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أداة أمريكية في حربه ضد إيران؛ حيث حصل على دعم عسكري واستخباراتي ضخم. لكن بعد انتهاء الحرب، بدأ يميل إلى الاستقلالية، وبدأ يشكل تهديدًا للمصالح الأمريكية في المنطقة. فجاء الغزو الأمريكي في 2003، بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، وهي كذبة اعترف بها الأمريكيون لاحقًا. حسني مبارك (2011)؛ كان الرئيس المصري الراحل حسني مبارك واحدًا من أقوى الحلفاء مع الولايات المتحدة، خاصة في ملف السلام مع إسرائيل. لكنه اكتشف في لحظة واحدة أن ولاءه لم يشفع له عندما اندلعت ثورة 25 يناير. واشنطن لم تدعمه، بل ضغطت عليه للتنحي، مما عجّل بسقوطه. الأكراد في سوريا (2019)؛ في الحرب ضد تنظيم داعش، اعتمدت أمريكا على القوات الكردية كحليف أساسي. لكن بعد انتهاء المعركة، تخلت عنهم وسمحت لتركيا بشن هجوم واسع عليهم، مما تسبب في كارثة إنسانية.لكن.. كيف يمكن للدول التعامل مع هذا الواقع؟ مع فهم هذا المنطق، على الدول التي تعتمد على الدعم الأمريكي أن تدرك أن تحالفها مع واشنطن ليس مضمونًا، وعليها: تنويع التحالفات؛ إذ لا يجوز الاعتماد على أمريكا وحدها، بل يجب إقامة علاقات متوازنة مع قوى أخرى مثل الصين وروسيا وأوروبا. كما يتعين عليها بناء قوة ذاتية؛ لأن الدول التي تعتمد على نفسها تكون أقل عرضة للابتزاز الأمريكي. وكذلك عدم الانخداع بالشعارات؛ حيث إن أمريكا تتحدث دائمًا عن "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان"، لكنها في النهاية تتحرك وفق مصالحها.
وأخيرًا.. السياسة الأمريكية قائمة على مبدأ "لا صداقات تدوم، ولا وفاء يستمر". من يكون صديقًا لواشنطن اليوم، قد يصبح عدوها غدًا. والتاريخ مليء بالشواهد على ذلك. ولذلك، فإنَّ الدول التي تريد الحفاظ على استقلالها وسيادتها يجب أن تتعامل مع الولايات المتحدة بواقعية، وأن تبني سياستها الخارجية على مبدأ "تحقيق التوازن" بدلًا من "الاعتماد الكامل".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لماذا حظرت أمريكا واتساب وما البدائل التي قدمتها؟ (ترجمة خاصة)
حُظر تطبيق واتساب على الأجهزة المحمولة لأعضاء مجلس النواب، على الرغم من أن منصات مراسلة أخرى، بما في ذلك تطبيق سيجنال - التطبيق الذي يُثير جدلاً عسكرياً كبيراً - لا تزال متاحةً، بحسب التقارير.
ووفقاً لمذكرة أُرسلت إلى جميع أعضاء مجلس النواب يوم الاثنين، وحصلت عليها رويترز، اعتُبر واتساب "عالي الخطورة" نظراً "لمخاطر أمنية محتملة مرتبطة باستخدامه"، من بين أمور أخرى.
يأتي هذا بعد ضجةٍ في مارس/آذار الماضي، بعد إضافة الصحفي جيفري غولدبرغ، رئيس تحرير مجلة "ذا أتلانتيك"، عن طريق الخطأ إلى محادثة جماعية على سيجنال، ضمت أعضاءً رفيعي المستوى في الإدارة. عُرفت هذه الحادثة لاحقاً باسم "سيجنال جيت".
فُتح تحقيقٌ بعد أن أفاد غولدبرغ بتبادل معلوماتٍ بالغة الحساسية حول العمليات العسكرية الأمريكية في اليمن داخل المجموعة، التي ضمت أعضاءً في مجلس الوزراء، بمن فيهم نائب الرئيس جيه دي فانس، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، ومستشار الأمن القومي السابق مايكل والتز.
ولكن بدلاً من تحديد Signal، قالت مذكرة يوم الاثنين إن "مكتب الأمن السيبراني اعتبر WhatsApp خطرًا كبيرًا على المستخدمين بسبب الافتقار إلى الشفافية في كيفية حماية بيانات المستخدم، وغياب تشفير البيانات المخزنة، والمخاطر الأمنية المحتملة المرتبطة باستخدامه".
صرح متحدث باسم شركة ميتا بأن الشركة ترفض هذه الخطوة "بأشد العبارات"، مشيرًا إلى أن المنصة توفر مستوى أمان أعلى من التطبيقات المعتمدة الأخرى.
ومع ذلك، في يناير/كانون الثاني، صرّح مسؤول في واتساب بأن شركة باراغون سوليوشنز الإسرائيلية المتخصصة في برامج التجسس استهدفت عشرات المستخدمين، بمن فيهم صحفيون وأعضاء من المجتمع المدني.
وبدلًا من واتساب، أوصت رويترز أعضاء مجلس النواب باستخدام تطبيقات مراسلة أخرى، بما في ذلك منصة تيمز من مايكروسوفت، وتطبيق ويكر من أمازون، وتطبيقي آي ميساج وفيس تايم من آبل.
على الرغم من الاختراق الأمني الصادم في مارس/آذار، أُوصي أيضًا باستخدام سيجنال كبديل.
شهد الحادث تحمّل والتز مسؤوليته - وإن لم يكن ذلك قبل أن يُلقي ترامب باللوم على موظف غامض "من مستوى أدنى". كما ألمح الرئيس إلى أن غولدبرغ ربما يكون هو من أضاف اسمه، قائلاً إن التكنولوجيا تسمح لشخص ما "بالوصول إلى هذه الأمور"، ولكن دون الخوض في التفاصيل.
كما أدت فضيحة سيجنال إلى رفع دعوى قضائية فيدرالية ضد خمسة من أعضاء مجلس الوزراء المشاركين في الدردشة الجماعية؛ فانس وهيغسيث، بالإضافة إلى وزير الخارجية ماركو روبيو، ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، ومدير وكالة المخابرات المركزية جون راتكليف.
وطلبت الدعوى القضائية، التي رفعتها منظمة "أميركان أوفيرسايت" غير الربحية، من القاضي أن يأمر عضو مجلس الوزراء بالحفاظ على رسائل سيجنال، مدعية أن استخدام سيجنال ينتهك القانون الفيدرالي.
*يمكن الرجوع للمادة الأصل: هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست