جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-14@13:54:16 GMT

سياسات أمريكا في التعامل مع الدول

تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT

سياسات أمريكا في التعامل مع الدول

 

يوسف الجهضمي

 

في عالم السياسة الدولية، لا مكان للعاطفة أو الالتزام الدائم. فالتحالفات ليست سوى أدوات تُستخدم ما دامت تُحقق المصلحة، وعندما تنتفي الحاجة إليها، تُرمى جانبًا دون تردد. والسياسة الأمريكية تمثل النموذج الأبرز لهذا المنطق؛ إذ إنها لا تعترف بوجود أصدقاء دائمين أو أعداء دائمين؛ بل تحكمها قاعدة واحدة: "المصلحة أولًا وأخيرًا".

تاريخيًا، لا يوجد حليف واحد للولايات المتحدة استطاع أن يضمن ولاءها إلى الأبد، بغض النظر عن الخدمات التي قدمها أو التضحيات التي بذلها من أجلها. اليوم، قد يكون النظام الحاكم في بلد ما "حليفًا استراتيجيًا"، لكن غدًا قد يصبح "عائقًا" يجب التخلص منه. هذه العقلية لم تتغير منذ نشوء الولايات المتحدة كقوة عظمى؛ بل ترسخت مع مرور الزمن وأصبحت السمة الأبرز لسياستها الخارجية.

والحديث عن هذه المسألة يصبح أكثر إلحاحًا، خاصة في ظل التقلبات السريعة التي يشهدها العالم العربي، حيث تتغير التحالفات وتتبدل الولاءات وفقًا لما تمليه المصلحة الأمريكية.

منطق الغدر الأمريكي: لماذا لا تدوم الصداقات؟

إذا كان هناك شيء واحد ثابت في السياسة الأمريكية، فهو "عدم الثبات"؛ بمعنى أن واشنطن لا تمنح أي ضمانات دائمة لحلفائها، بل تتعامل معهم كأدوات لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. وعندما تنتهي الحاجة إليهم، يتم التخلص منهم أو استبدالهم بآخرين.

الولايات المتحدة لا تعتمد فقط على قوتها العسكرية والاقتصادية؛ بل تستفيد من قدرتها على بناء تحالفات مؤقتة، ثم التخلي عنها عندما يحين الوقت المناسب. هذا النهج قائم على عدة أسس:

البراغماتية المطلقة: لا مجال للعواطف أو الالتزامات الأخلاقية، بل المصلحة هي الحكم الوحيد. التغيرات الجيوسياسية: العالم متغير، والمصالح تتبدل. ما كان مهمًا بالأمس قد يصبح غير ضروري اليوم. القوة الأمريكية المطلقة: واشنطن تضمن أنها تستطيع استبدال أي حليف دون أن تتعرض لخطر كبير، نظرًا لهيمنتها على الاقتصاد والسياسة العالمية. عدم الثقة في الحلفاء: حتى أقرب الحلفاء يُنظر إليهم بعين الشك، لأن الولاءات يمكن أن تتغير.

وهناك أمثلة تاريخية على الغدر الأمريكي، منها:

شاه إيران محمد رضا بهلوي (1979)؛ حيث كان الشاه يُعد "حليفًا ذهبيًا" للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. قدم لها النفط، ودعمها سياسيًا وعسكريًا، وحمى مصالحها لعقود. لكن عندما اندلعت الثورة الإسلامية في إيران، أدارت له واشنطن ظهرها ورفضت حتى استقباله للعلاج، مما أدى إلى انهيار نظامه وصعود الجمهورية الإسلامية، التي تحولت إلى عدو لدود لأمريكا نفسها. صدام حسين (2003)؛ ففي الثمانينيات، كان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أداة أمريكية في حربه ضد إيران؛ حيث حصل على دعم عسكري واستخباراتي ضخم. لكن بعد انتهاء الحرب، بدأ يميل إلى الاستقلالية، وبدأ يشكل تهديدًا للمصالح الأمريكية في المنطقة. فجاء الغزو الأمريكي في 2003، بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، وهي كذبة اعترف بها الأمريكيون لاحقًا. حسني مبارك (2011)؛ كان الرئيس المصري الراحل حسني مبارك واحدًا من أقوى الحلفاء مع الولايات المتحدة، خاصة في ملف السلام مع إسرائيل. لكنه اكتشف في لحظة واحدة أن ولاءه لم يشفع له عندما اندلعت ثورة 25 يناير. واشنطن لم تدعمه، بل ضغطت عليه للتنحي، مما عجّل بسقوطه. الأكراد في سوريا (2019)؛ في الحرب ضد تنظيم داعش، اعتمدت أمريكا على القوات الكردية كحليف أساسي. لكن بعد انتهاء المعركة، تخلت عنهم وسمحت لتركيا بشن هجوم واسع عليهم، مما تسبب في كارثة إنسانية.

لكن.. كيف يمكن للدول التعامل مع هذا الواقع؟ مع فهم هذا المنطق، على الدول التي تعتمد على الدعم الأمريكي أن تدرك أن تحالفها مع واشنطن ليس مضمونًا، وعليها: تنويع التحالفات؛ إذ لا يجوز الاعتماد على أمريكا وحدها، بل يجب إقامة علاقات متوازنة مع قوى أخرى مثل الصين وروسيا وأوروبا. كما يتعين عليها بناء قوة ذاتية؛ لأن الدول التي تعتمد على نفسها تكون أقل عرضة للابتزاز الأمريكي. وكذلك عدم الانخداع بالشعارات؛ حيث إن أمريكا تتحدث دائمًا عن "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان"، لكنها في النهاية تتحرك وفق مصالحها.

وأخيرًا.. السياسة الأمريكية قائمة على مبدأ "لا صداقات تدوم، ولا وفاء يستمر". من يكون صديقًا لواشنطن اليوم، قد يصبح عدوها غدًا. والتاريخ مليء بالشواهد على ذلك. ولذلك، فإنَّ الدول التي تريد الحفاظ على استقلالها وسيادتها يجب أن تتعامل مع الولايات المتحدة بواقعية، وأن تبني سياستها الخارجية على مبدأ "تحقيق التوازن" بدلًا من "الاعتماد الكامل".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزير بحكومة جنوب أفريقيا يقترح مراجعة سياسات التمكين الإيجابي لإرضاء ترامب

قال زعيم ثاني أكبر حزب في الائتلاف الحاكم بجنوب أفريقيا إن الرسوم الجمركية البالغة 30% والتي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على صادرات البلاد إلى الولايات المتحدة ستظل قائمة ما لم تُجرِ الحكومة تعديلات على بعض السياسات الداخلية المتعلقة بالتمييز العنصري، مثل سياسة التمكين الإيجابي.

وتحاول حكومة جنوب أفريقيا (صاحبة أكبر اقتصاد في القارة) منذ أشهر التوصل إلى اتفاق تجاري مع واشنطن، لكنها فشلت في تحقيق ذلك قبل انتهاء المهلة التي حددها ترامب.

وباتت صادرات جنوب أفريقيا إلى الولايات المتحدة تواجه أعلى معدل رسوم جمركية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.

منظر عام لمحطة الحاويات في ميناء ديربان بجنوب أفريقيا (رويترز)

وقال زعيم حزب التحالف الديمقراطي جون ستينهايسن في مقابلة مع رويترز إن "من الواضح أن المفاوضات مع إدارة ترامب تتجاوز المسار التجاري، فهناك قضايا أعمق تتعلق بمصادرة الأراضي دون تعويض، وبعض قوانين العمل، والتشريعات العنصرية".

وأضاف ستينهايسن أن عضوية جنوب أفريقيا في مجموعة بريكس -التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين، والتي تهدف إلى تحدي الهيمنة الأميركية- كانت أيضا محل خلاف مع إدارة ترامب.

ومنذ فترة طويلة يعارض حزب التحالف الديمقراطي المعروف بتوجهاته المؤيدة لقطاع الأعمال قانون التمكين الاقتصادي الشامل للسود وغيره من التشريعات التي تهدف إلى معالجة التفاوتات العرقية المتوارثة منذ حقبة الفصل العنصري.

ويقترح الحزب الاستعاضة عنها بسياسات غير عنصرية لتحفيز الاقتصاد وخلق فرص العمل، مثل تقليص البيروقراطية وتبسيط إجراءات الترخيص التجاري.

ومع ذلك، وصف ستينهايسن ربط هذه القضايا بالملف التجاري بأنه "أمر غريب"، مضيفا "كما أننا لا نتدخل في السياسة الداخلية للولايات المتحدة نتوقع أن تُحترم سيادتنا في ما يتعلق بشؤوننا الداخلية".

إرث الفصل العنصري

ومن غير المرجح أن يتنازل الرئيس سيريل رامافوزا وحزبه المؤتمر الوطني الأفريقي -الذي وصل إلى السلطة عام 1994 بعد إنهاء حكم الأقلية البيضاء العنصري- عن سياسات، مثل التمكين الاقتصادي للسود، والتي يعتبرها الحزب سياسة محورية لمعالجة إرث الفصل العنصري.

إعلان

ولا يزال البيض في جنوب أفريقيا الفئة الأكثر ثراء، في حين يشكل السود الأغلبية العظمى من الفقراء.

كما يرى حزب المؤتمر الوطني أن المخاوف بشأن قانون المصادرة -الذي أُقر هذا العام، والذي يتيح للحكومة في حالات نادرة الاستيلاء على الأراضي لإعادة توزيعها- مبالغ فيها، مؤكدا أن أي أرض لم تصادر حتى الآن بموجب هذا القانون.

وأشار ستينهايسن إلى أن هذه القوانين لا يمكن تعديلها فورا لإرضاء الولايات المتحدة، لأنها تتطلب نقاشا مطولا داخل البرلمان.

لكنه أضاف أن إرسال "إشارة" من جنوب أفريقيا تفيد بأنها تنوي التحرك في هذا الاتجاه قد يحسّن العلاقات.

وقال الوزير الجنوب أفريقي "ما يقلقني هو أننا سنواصل التفاوض بشأن الرسوم والتجارة، وستظل نسبة الـ30% قائمة".

يشار إلى أن ستينهايسن يشغل منصب وزير الزراعة في حكومة رامافوزا، ويُعد قطاع الزراعة من أكثر القطاعات تضررا من الرسوم الجمركية.

مقالات مشابهة

  • سلطات الاحتلال تواصل سياسات التعنت في التعامل مع قوافل المساعدات المتجهة لقطاع غزة
  • تطالب باعتراف نووي .. كوريا الشمالية تؤكد رفضها التفاوض مع أمريكا
  • الولايات المتحدة تخفف العقوبات المضادة لروسيا حتى 20 أغسطس
  • مستعدّة للتفاوض المباشر مع أمريكا لكن بشروط.. أوروبا تلوّح بالعقوبات وإيران ترد!
  • من الرباعية إلى الحوار المباشر: التحول الأمريكي وتراجع الدور الإماراتي في الملف السوداني
  • وزير الخارجية الأمريكي: الولايات المتحدة بصدد تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية
  • ديون أمريكا تتخطى 37 تريليون دولار .. القنبلة الأكبر في الولايات المتحدة تدق ناقوس الخطر
  • خريطة للدول التي اعترفت بدولة فلسطينية وتلك التي تعتزم القيام بالخطوة
  • وزير بحكومة جنوب أفريقيا يقترح مراجعة سياسات التمكين الإيجابي لإرضاء ترامب
  • السفير ماجد عبد الفتاح: زيادة الاعتراف بدولة فلسطين تزيد من قوة الضغط في مجلس الأمن على الولايات المتحدة