اكتشاف مذهل في أعماق المحيط.. نظام بيئي يعيش على الميثان من دون ضوء الشمس
تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أفاد باحثون في علوم البحار استكشفوا أعماقًا سحيقة أنّهم اكتشفوا نظامًا بيئيًا مذهلاً في أعماق البحار، يضم كائنات حية كيميائية التركيب، تتغذى على الغازات المتسربة من شقوق قاع المحيط.
وفقًا لدراسة جديدة، كشفت البعثة عن ميكروبات مُنتجة للميثان ولافقاريات بحرية تعيش في ظروف قاسية لا تصلها أشعة الشمس.
لم يتبقَّ لعالمة الكيمياء الجيولوجية، منغران دو، سوى 30 دقيقة في مهمتها داخل الغواصة، عندما قررت استكشاف امتداد أخير من الخنادق الواقعة بين روسيا وألاسكا، على عمق يتراوح بين 5،800 و9،500 متر تحت سطح المحيط فيما يُسمى منطقة "هادال" (Hadal Zone).
وذكرت دو أنّها بدأت تلاحظ "مخلوقات مذهلة"، ضمنًا أنواع مختلفة من المحار والديدان الأنبوبية التي لم تُسجَّل قط على هذا العمق تحت السطح.
ما عثرت عليه دو صدفة هو امتداد يبلغ طوله حوالي 2،500 كيلومتر وصفه فريقها بأنه أعمق نظام بيئي معروف للكائنات الحية التي تستخدم مركب الميثان الكيميائي عوض ضوء الشمس للبقاء على قيد الحياة.
ودو هي المؤلفة الرئيسية المشاركة لدراسة نُشرت في 30 يوليو/ تموز في مجلة "Nature".
تتكون منطقة "هادال" بشكلٍ أساسي من خنادق وأحواض محيطية، وهي من أعمق البيئات وأقلها استكشافًا على وجه الأرض.
أوضحت دو، الأستاذة والباحثة في معهد علوم وهندسة أعماق البحار التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، أنّ "الحياة في هذه الأعماق تحتاج إلى حيل للبقاء والازدهار ".
تكمن إحدى تلك الحيل في البكتيريا التي تطورت لتعيش داخل المحار والديدان الأنبوبية، بحسب الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA).
تُحوّل البكتيريا غازَي الميثان وكبريتيد الهيدروجين من مناطق التسربات الباردة، وهي شقوق في قاع البحر تُسرّب هذه المركبات على شكل سوائل، إلى طاقة وغذاء يُمكن للحيوان المُضيف استخدامه، ما يُتيح للكائنات الحية العيش رُغم انعدام ضوء الشمس.
نظام بيئي في الأعماق مدعوم بالميثانبعد تحليل عينات الرواسب التي جُمعت من البعثة، صرّحت دو وفريقها بأنهم اكتشفوا تركيزات عالية من الميثان.
كان الاكتشاف مُفاجئًا، لأن رواسب أعماق البحار عادةً ما تحتوي على تركيزات منخفضة جدًا من هذا المركب.
افترض العلماء أن الميكروبات التي تعيش في هذا النظام البيئي تُحوّل المواد العضوية في الرواسب إلى ثاني أكسيد الكربون، من ثم ثاني أكسيد الكربون إلى ميثان، وهذه قدرة لم يعلم الباحثون أن الميكروبات تمتلكها.
وقالت دو إنّ البكتيريا التي تعيش داخل المحار والديدان الأنبوبية تستخدم هذا الميثان بعد ذلك في عملية التخليق الكيميائي للبقاء على قيد الحياة.
وكان هناك اكتشاف آخر أيضًا.
اعتقد العلماء سابقًا أن المجتمعات الناجمة عن التخليق الكيميائي تعتمد على المواد العضوية، مثل تلك الموجودة في الكائنات الميتة والجسيمات المنجرفة من الكائنات الحية، التي سقطت من سطح المحيط إلى قاعه.
لكن يدلّ هذا الاكتشاف إلى أنّ هذه الميكروبات المنتجة للميثان تُنشئ أيضًا مصدرًا محليًا للجزيئات العضوية التي يمكن للكائنات الحية الأكبر حجمًا، مثل المحار، استخدامها كغذاء وطاقة.
يُعد الميثان جزءًا من دورة الكربون بما أنّه مركب يحتوي على الكربون. لذا، يشير هذا الاكتشاف أيضًا إلى أن خنادق "هادال" تلعب دورًا أكثر أهمية في تلك الدورة ما كان يُعتقد سابقًا، بحسب ما أوضحت دو.
أبحاث إضافية بشأن النظم البيئية لأعماق البحارالمجتمعات الناجمة عن التخليق الكيميائي بحد ذاتها ليست جديدة في المشهد العلمي، فقد أشارت أبحاث سابقة إلى إمكانية ازدهارها في مثل هذه الأعماق السحيقة، بحسب جوانا ويستون، العالمة البيئية المختصة بأعماق المحيطات في معهد "Woods Hole" لعلوم المحيطات فبماساتشوستس، .
ومع أنّها غير مشاركة في الدراسة الجديدة، إلا أنّها أعربت عن إعجابها بشأن نطاق الاكتشاف الأخير، كما صرحت لـCNN.
في عصرٍ يشهد فقدانًا واسع النطاق للتنوع البيولوجي، تُسلّط هذه النتيجة الضوء على أهمية التكنولوجيا الجديدة القادرة على تحمّل الضغط العالي في بيئات أعماق البحار لتوثيق الكائنات الحية غير المكتشفة، وفقًا لما ذكرته ويستون، وهي عضوة في فريقٍ يستكشف أعماق البحار قبالة سواحل الأرجنتين.
وأضافت أنه رُغم أن خنادق "هادال" نائية، إلا أنها ليست معزولة تمامًا.
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: البيئة أعماق البحار ضوء الشمس نظام بیئی أعماق ا
إقرأ أيضاً:
حل لغز الأمطار الشمسية بعد عقود من البحث
نجح فريق بحثي من معهد علم الفلك بجامعة هاواي الأميركية في حل لغز حيّر العلماء لعقود طويلة، وهو ظاهرة “الأمطار الشمسية” التي تتشكل في أثناء الانفجارات الشمسية.
وأوضح الباحثون أن هذا الاكتشاف لا يقتصر على فهم تلك الظاهرة، بل يفتح المجال لتطوير نماذج أكثر دقة لسلوك الشمس في أثناء الانفجارات، ما قد يساعد مستقبلاً في توقع الطقس الفضائي، ونُشرت نتائج الدراسة، الأربعاء، في دورية (Astrophysical Journal).
وعلى عكس المطر المعروف على الأرض، تحدث الأمطار الشمسية في طبقة الهالة الشمسية، وهي الغلاف الخارجي للشمس المكوّن من بلازما شديدة السخونة. وتتكون هذه الظاهرة عندما تبرد أجزاء من البلازما فجأة، فتتكثف إلى كتل أكثر برودة وكثافة تشبه قطرات المطر، ثم تسقط نحو سطح الشمس بفعل الجاذبية. وهذه «القطرات» ليست ماءً، بل بلازما من غازات مشحونة كهربائياً، وغالباً ما ترافق الانفجارات الشمسية القوية وتتشكل خلال دقائق معدودة.
ورغم رصد هذه الظاهرة منذ زمن بعيد، ظل العلماء عاجزين عن تفسير سبب تشكّلها بهذه السرعة، إذ إن النماذج العلمية القديمة كانت تفترض أن تبريد البلازما يستغرق ساعات أو أياماً.
لكن الدراسة الجديدة قدّمت القطعة المفقودة، إذ كشفت أن تغير نسب بعض العناصر مثل الحديد في الهالة الشمسية مع مرور الوقت هو العامل الأساسي الذي يفسر هذه الظاهرة.
ووفق الباحثين، فإن النماذج القديمة التي افترضت ثبات توزيع العناصر عبر الزمن كانت خاطئة. وعندما أُدخلت متغيرات تسمح بتغير نسب العناصر، تطابقت النماذج مع المشاهدات العملية للشمس.
وأظهرت النتائج أن هذا التغير يجعل البلازما تفقد طاقتها بالإشعاع بسرعة أكبر، ما يسرّع انخفاض حرارتها ويؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار الحراري، ينتج عنها تكاثف البلازما وسقوطها كـ«مطر شمسي» خلال دقائق، وهو ما يتوافق تماماً مع ما يرصده العلماء.
وأكد الفريق أن النماذج الجديدة نجحت في مطابقة توقيت وشكل الأمطار الشمسية المرصودة، ما يقدم تفسيراً عملياً وواقعياً لهذه الظاهرة دون الحاجة لافتراض تسخين مطوّل للهالة.
كما أشاروا إلى أن الوقت اللازم لتشكّل المطر الشمسي قد يكون أقصر بكثير مما اعتقد سابقاً، وهو ما يستدعي إعادة النظر في نماذج تسخين الهالة الشمسية.
وأضاف الباحثون أن هذا الاكتشاف يسهم في تطوير نماذج أكثر دقة للتنبؤ بالظواهر الشمسية، ما قد يساعد مستقبلاً على توقع الطقس الفضائي الذي يؤثر على الأقمار الصناعية، وأنظمة الاتصالات، وحتى شبكات الكهرباء على الأرض.
وخلص الفريق إلى أن النتائج تدفع المجتمع العلمي لإعادة التفكير في فهم ديناميكية الشمس؛ إذ أصبح من الواضح أن نسب العناصر في هالتها ليست ثابتة بل تتغير مع الزمن، وهو ما يفتح آفاقاً أوسع لفهم انتقال الطاقة في الغلاف الجوي للشمس وسلوكها المعقد.