نبوءات إسحاق عظيموف… ماذا تحقق من توقعاته بعد 30 سنة؟
تاريخ النشر: 6th, April 2025 GMT
في عام 1983، جلس الكاتب الأميركي الروسي إسحاق عظيموف أمام آلة كاتبته ليكتب مقالًا لمجلة The Star، يتنبأ فيه بما سيكون عليه العالم بعد ثلاثين عامًا، أي في عام 2014.
لم يكن مجرد كاتب خيال علمي، بل كان أشبه بـ”نبي تكنولوجي”، يتأمل في الحاضر ويكتب عن المستقبل بلغة الحالم الواقعي.
تبدو بعض نبوءاته وكأنها ولدت أمس فماذا تحقق مما قاله؟ وماذا لا يزال بعيدًا؟
الإنترنت قبل الإنترنتمن أبرز ما توقعه عظيموف هو انتشار “محطات الكومبيوتر” في المنازل، تستخدم للعمل، والتعليم، والترفيه.
تنبأ بأن الناس سيحصلون على المعرفة عن بعد ، ويتواصلون رقميًا، دون الحاجة للخروج من منازلهم.
اليوم: هذه المحطات أصبحت هواتف ذكية، وأجهزة لوحية، وحواسيب محمولة. التعليم عن بعد أصبح واقعًا (خصوصًا بعد جائحة كورونا)، والعمل من المنزل جزءًا من النظام العالمي الجديد.
المدن الذكية والطاقة المتجددةتوقع عظيموف أن يتجه البشر أكثر نحو الاعتماد على الطاقة الشمسية، وأن تبني مدن أكثر ذكاء تدار بأنظمة إلكترونية.
اليوم: نشهد توسعًا عالميًا في مشاريع الطاقة المتجددة، وظهور مصطلحات مثل “المدن الذكية”، وأنظمة البيوت الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
الروبوتات… لم يحن وقتها بعدعظيموف، مؤلف “قوانين الروبوتات الثلاثة”، كان يتوقع أن يكون للروبوتات دور كبير في حياة البشر، خصوصًا في الأعمال المنزلية والخدمات اليومية.
لكن الواقع؟ ما زالت الروبوتات محدودة الاستخدام، رغم وجود نماذج متطورة مثل روبوتات “أوبن إيه آي” و”بوسطن ديناميكس”، إلا أنها لم تصبح جزءًا من كل بيت كما تنبأ. الذكاء الاصطناعي هو من سبق الروبوتات في الانتشار.
التعليم الفرديتحدث عظيموف عن فكرة “التعليم المفضل”، بحيث يصمم المحتوى حسب احتياجات كل طالب.
واليوم؟ ظهرت منصات تعليمية رقمية مثل “كورسيرا”، “يوديمي”، و”كخان أكاديمي”، تستخدم الخوارزميات لتحديد مستوى الطالب وتخصيص الدروس، مما يجعل تعليمه أقرب لما وصفه عظيموف.
العمل عن بعد والعلاقات الافتراضيةتوقع أن تصبح العلاقات بين البشر أكثر رقمية، وأقل اتصالًا مباشرًا، بسبب اعتمادهم على التكنولوجيا.
الواقع؟ منصات مثل “زوم” و”ميتا” و”واتساب” غيرت شكل العلاقات الإنسانية، مما جعل العالم أقرب… لكن أقل دفئًا.
ماذا أخطأ؟عظيموف لم يتوقع طفرة وسائل التواصل الاجتماعي، ولا أثرها العميق على السياسة والمجتمع، ولم يتخيل أن تكون الخصوصية مشكلة العصر. كما لم يتحدث كثيرًا عن التطورات في الهندسة الوراثية أو الواقع الافتراضي
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الروبوتات حياة البشر الطاقة المتجددة المدن الذكية المزيد
إقرأ أيضاً:
د.محمد عسكر يكتب: عصر الحكومة الذكية في مصر !
تشهد مصر خلال السنوات الأخيرة حراكاً واسعاً نحو التحول الرقمي وبناء ما يُعرف بـ «الحكومة الذكية». هذا التحول يأتي في إطار رؤية الدولة الطموحة لبناء «مصر الرقمية»، وتحقيق نقلة نوعية في أداء المؤسسات الحكومية وخدماتها للمواطنين.
لكن، ورغم الجهود الكبيرة المبذولة، لا يزال الطريق نحو التحول الذكي الحقيقي مليئاً بالتحديات التي تستحق الوقوف عندها والنقاش الجاد.
من الإنصاف القول إن الدولة المصرية قطعت شوطاً كبيراً في تطوير بنيتها الرقمية، بدءاً من إطلاق منصّة مصر الرقمية التي تجمع عشرات الخدمات الحكومية، وصولاً إلى مشروع إنتقال الحكومة للعاصمة الإدارية الجديدة كرمز للتحول إلى الإدارة الإلكترونية الحديثة.
كما أن وزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات نجحت في بناء شبكة قوية من مراكز البيانات وربط قواعد المعلومات بين الوزارات، وهي خطوة كانت غائبة لعقود طويلة.
كل ذلك يمثل تقدّماً حقيقياً على مستوى البنية التقنية، لكنه لا يعني بالضرورة أننا وصلنا إلى مرحلة “الذكاء الحكومي” بمعناه الكامل.
فالتحول الذكي لا يقتصر على رقمنة الخدمات أو إنشاء مواقع إلكترونية، بل يتطلب تغييراً جذرياً في الفكر الإداري، وفي طريقة التعامل مع المواطن داخل المؤسسة الحكومية.
وفي هذا الجانب، يبدو أن التحول في مصر ما زال يميل إلى الطابع الشكلي أكثر من التحول الجوهري. فالكثير من الخدمات الرقمية ما زالت مرتبطة بإجراءات ورقية أو تتطلب الحضور الشخصي، ما يحدّ من الفاعلية التي يُفترض أن تحققها الحكومة الذكية.
وهنا تبرز المعضلة الأساسية: فبينما تتطور الأدوات التقنية بسرعة، يظل التحول في الثقافة الإدارية أبطأ بكثير.لا تزال بعض المؤسسات الحكومية تنظر إلى الرقمنة كعبء إضافي لا كفرصة للتطوير، ويُمارس العمل فيها بالطرق التقليدية رغم وجود أنظمة رقمية حديثة. والنتيجة أن المواطن لا يشعر دائماً بأن تجربته أصبحت أكثر سهولة أو شفافية.
كما أن العنصر البشري ما زال يمثل نقطة ضعف واضحة.
فالموظف الذي لم يتلقّ تدريباً كافياً على أدوات التحول الذكي قد يتحول إلى “عنصر مقاوم للتغيير” بدلاً من أن يكون جزءاً منه. كما أن بعض المواطنين أنفسهم يواجهون صعوبات في إستخدام الخدمات الإلكترونية إما بسبب ضعف الثقافة الرقمية الكافية لإستخدام المنصات الحكومية بفاعلية، أو نتيجة مشكلات فنية في بعض المنصات التي تفتقر إلى المرونة وسهولة الإستخدام. وبالتالي، تظل الهوة قائمة بين ما هو ممكن تقنياً وما هو متحقق واقعياً.
وبالطبع لا يمكن تجاهل الفجوة الجغرافية بين المحافظات.
فبينما تشهد العاصمة والمدن الكبرى تسارعاً في رقمنة الخدمات، ما تزال مناطق كثيرة في الريف والصعيد تعاني من ضعف الإنترنت أو غياب الخدمات الرقمية تماماً، مما يجعل التحول الذكي تحولاً غير عادل في توزيعه بين المواطنين.
أما على مستوى التشريعات والحوكمة الرقمية، فما زالت الحاجة قائمة إلى قوانين أكثر وضوحاً لحماية البيانات الشخصية، وتنظيم إستخدام الذكاء الإصطناعي في العمل الحكومي.
فمن دون ضمانات قانونية كافية، سيظل المواطن متردداً في التعامل مع الحكومة الإلكترونية، خصوصاً في ما يتعلق بالبيانات الحساسة والمعاملات المالية.
فالتحول الذكي لا يُقاس بعدد المنصات أو حجم الإستثمارات، بل بمدى رضا المواطن وثقته في الخدمات الحكومية الجديدة.
ورغم هذه الملاحظات النقدية، لا يمكن إنكار أن التجربة المصرية تمثل خطوة ضرورية في الإتجاه الصحيح.
فما يجري اليوم هو تأسيس لبنية رقمية ستشكل قاعدة للحكومة الذكية المستقبلية، شرط أن ترافقها إصلاحات إدارية وثقافية جادة تجعل التكنولوجيا وسيلة للتغيير لا غاية بحد ذاتها.
إن التحول الذكي في المؤسسات الحكومية المصرية يظل مشروعاً واعداً، لكنه في حاجة إلى مزيد من الواقعية، والتقييم المستمر، وإستثمار أكبر في الإنسان قبل التقنية.
فمن دون موظف واعٍ ومواطن رقمي مثقّف وتشريعات ضامنة، ستظل “مصر الرقمية” فكرة طموحة تنتظر أن تتحقق على أرض الواقع.