مقال رأيأمام الزخم الدولي المتزايد الذي يشهده مقترح الحكم الذاتي المغربي في الأقاليم الجنوبية، تبرز المملكة المغربية كطرف مسؤول وواقعي، يسعى إلى طي صفحة نزاع مفتعل طال أمده، وفتح آفاق جديدة للاستقرار والتنمية في منطقة حيوية واستراتيجية من القارة الإفريقية.

ويأتي هذا التحول الدولي في سياق الاعتراف المتنامي بشرعية المقترح المغربي، وعلى رأس هذه المواقف، يبرز اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية، وهو الاعتراف الذي تم الإعلان عنه رسمياً في دجنبر 2020، وأُعيد التأكيد عليه من قبل الإدارة الأمريكية الحالية، سواء عبر تصريحات لوزارة الخارجية أو مواقف دبلوماسية رسمية متكررة.

هذا الاعتراف التاريخي يمثل تحولا استراتيجيا في تعاطي القوى الكبرى مع النزاع الإقليمي، ويؤكد أن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية تشكل الحل الواقعي والوحيد لإنهاء النزاع المفتعل، وهو ما يعكس وعياً دوليا متناميا بضرورة تجاوز الأطروحات الانفصالية، وتغليب منطق الحلول التوافقية في احترام تام لسيادة الدول ووحدتها الترابية.

وقد أعطى هذا الدعم الأمريكي دفعة قوية للمبادرة المغربية، حيث تبنت فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن موقفا يعترف للمغرب بسيادته على صحراءه، وتبنت نفس الموقف الأمريكي أيضا باعتبار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلاً جدياً وذا مصداقية. أما إسبانيا، بصفتها القوة الاستعمارية السابقة، فقد شكل تغيير موقفها خطوة بالغة الأهمية، باعتبارها المقترح المغربي القاعدة الأكثر واقعية ومنطقية لتسوية النزاع، في تراجع واضح عن مواقف ضبابية سابقة.

وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من ثلاثين دولة من أوروبا ، أسيا ، إفريقيا وأمريكا اللاتينية قد افتتحت قنصلياتها في مدينتي العيون والداخلة، في خطوة عملية تؤكد اعترافها بسيادة المغرب، وتعكس دعما ملموسا لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الأمثل لتسوية النزاع المفتعل.

في المقابل، نجد الجزائر تعيش حالة من العزلة الدبلوماسية المتفاقمة، بعد أن أصبحت مواقفها خارج سياق التحولات الدولية الجارية. وقد اكتفت وزارة خارجيتها، بعد التأكيد الأمريكي الأخير على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، ببيان باهت يعكس حالة ارتباك وتراجع عن سياسة المواجهة التي اعتادت عليها كلما تعلق الأمر بمواقف داعمة للمغرب. وهو ما يكرس القناعة المتنامية بأن الجزائر تتهرب من الاعتراف بدورها الفعلي في تأجيج النزاع.

ويبقى من الضروري التأكيد على أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن هما الإطار الشرعي والوحيد لمعالجة هذا الملف، بعيداً عن محاولات الجزائر و”البوليساريو” توريط هيئات إقليمية في نزاع لا يعنيها، وهو ما يتطلب بلورة إرادة دولية حقيقية لإنهاء هذا الملف المزمن، على أساس حل يحترم السيادة المغربية ويحقق المصالحة الوطنية.

و ينبغي التأكيد مجددا على أننا، نحن أبناء الأقاليم الجنوبية، لا نؤيد هذا المقترح من موقع الانتماء الجغرافي فقط، بل من منطلق قناعة راسخة بعدالة المبادرة المغربية، وقدرتها على إنهاء معاناة آلاف العائلات الصحراوية التي تمزقت أوصالها بين الوطن الأم ومخيمات تندوف والشتات بعدة مناطق من دول العالم.

اليوم، نعيش واقعا مغايرا يثبت صواب خيار الحكم الذاتي، في ظل دولة ذات مؤسسات قوية، يقودها جلالة الملك محمد السادس، الذي يستمد شرعيته من البيعة وإجماع الشعب، ويقود مشاريع استراتيجية كبرى في إطار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، من ضمنها ميناء الداخلة الأطلسي، المشروع الضخم الذي يعرف نسبا متقدما في الإنجاز والذي سيربط دول الساحل بالمحيط، في إطار المبادرة الملكية لتسهيل ولوح دول الساحل والصحراء للأطلسي، والتأسيس لنموذج متفرد للتعاون جنوب – جنوب يقوم على أساس الشراكة والتضامن وفق منظور يحقق الربح للجميع ويعزز الأمن ويكافح التطرف ويؤسس لمستقبل زاهر و مستقر في المنطقة، ويجعل من الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية منصة اقتصادية وقارية فاعلة.

و يبقى السؤال الحاسم مطروحاً أمام المجتمع الدولي:
ألم يحن الوقت بالفعل لكي يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والسياسية في إنهاء معاناة عشرات الآلاف من الأسر الصحراوية التي ما زالت تعيش في ظروف إنسانية قاسية؟

إن أبناء الصحراء لا يزالون يعانون من تفرقة أسرهم، ويعيشون في مخيمات تندوف بالجزائر بعيدا عن وطنهم، بينما تظل القوى الكبرى بعيدة عن إيجاد حل يحقق العدالة لهم، ويوقف هذا النزاع المفتعل الذي لا يخدم إلا مصالح ضيقة لا تواكب متغيرات العصر.

لقد حان وقت اتخاذ القرار الجريء، ودعم خيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي وجذري، ينهي معاناة الصحراويين ويحقق الاستقرار والتنمية للمنطقة.

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: الأقالیم الجنوبیة السیادة المغربیة الحکم الذاتی

إقرأ أيضاً:

أدعو المملكة المتحدة إلى الاعتراف بدولة فلسطين

سوف تنظر الأجيال القادمة إلى هذه اللحظة باعتبارها نقطة تحول حاسمة، حين شُنّت حملة شرسة لمحو الشعب الفلسطيني من الوجود، وسوف تتساءل: كيف سُمِح بحدوث ذلك؟

كيف اختار زعماء العالم حين وُضعوا أمام خيارين: التواطؤ أم الشجاعة، أن يمكّنوا الإبادة الجماعية؟

كيف أنكروا على الفلسطينيين حقهم الأصيل في تقرير المصير والعودة، وفضلوا الاحتلال على الحرية، والفصل العنصري على المساواة؟

اليوم وبعد عقود من سياسة التساهل وتجاهل المساءلة ترسّخ إسرائيل واحدة من أطول فترات الاحتلال العسكري في التاريخ الحديث، احتلال لا يهدف فقط إلى السيطرة على حياة الفلسطينيين، بل إلى إنهائها.

وبوصفي سفير فلسطين لدى المملكة المتحدة أدعو الحكومة البريطانية إلى التراجع عن هذا المسار القاسي، وتصحيح أخطائها التاريخية، والاعتراف رسميًا بدولة فلسطين، في ظل توافر ظروف استثنائية تدعو إلى ذلك.

يُعد مؤتمر الأمم المتحدة بشأن حل الدولتين فرصة فورية أمام المملكة المتحدة للانضمام إلى بقية دول العالم في الاعتراف بدولة فلسطين، أي الاعتراف باستقلال شعبنا وسيادة أرضنا وفقًا للقرارات الدولية، ومنحنا العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وإقامة علاقات دبلوماسية على قدم المساواة مع باقي الدول الأعضاء.

الاعتراف ليس مكافأة لطرف ولا عقوبة لآخر، بل هو تأكيد طال انتظاره على حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في الوجود والعيش بحرية في وطنه. إنه حجر الأساس الذي يمكن أن تُبنى عليه مستقبلات السلام.

ولمن يقولون: إن الوقت غير مناسب الآن؛ أطرح السؤال: إن لم يكن الآن فمتى؟

إن الإبادة الجماعية في غزة حيث أحياء بأكملها تحولت إلى أنقاض، وعشرات الآلاف بين قتيل ومفقود، ويُستخدم الجوع كسلاح حرب؛ قد كشفت عن نية إسرائيل المتمثلة في تطهير الأرض عرقيًا من الفلسطينيين، وأثارت موجة تضامن عالمية.

وفي الضفة الغربية المحتلة تُجبر آلاف العائلات على مغادرة منازلها، وتُسوّى قراها بالأرض، وتُستبدل بمستوطنات غير شرعية، بأوامر من وزراء عنصريين يرفضون علنًا فكرة قيام دولة فلسطينية.

في بريطانيا يمتلك حزب العمال تفويضًا واضحًا بعد أن خاض الانتخابات ببرنامج يشمل الاعتراف بدولة فلسطين، ويحظى بدعم ساحق من البرلمان والجمهور البريطاني. وبذلك تنضم المملكة المتحدة إلى 147 دولة عضوًا في الأمم المتحدة بينها إسبانيا، وأيرلندا، والنرويج، وسلوفينيا.

وعبر الأطلسي ومع انشغال إدارة ترامب بالفوضى الداخلية؛ تستطيع المملكة المتحدة أن تتولى زمام المبادرة دبلوماسيًا، تمامًا كما فعلت عندما جمعت قادة أوروبا لمحاولة إنهاء الحرب في أوكرانيا.

وفي الوقت ذاته؛ فإن أقرب شركاء المملكة المتحدة في المنطقة يطالبون بوضوح بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ويدعون بريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول إلى اتخاذ نفس الموقف. الاعتراف ليس مجرد لفتة رمزية، ولا هو نهاية الطريق. بل هو خطوة أولى لا رجعة عنها. ولا ينبغي أن يكون مشروطًا بإملاءات إضافية على الجانب الفلسطيني.

تأجيل الاعتراف لا يؤدي إلا إلى ترسيخ الوضع القائم القاتل، وحرمان الفلسطينيين من حقهم السياسي وحقوقهم الأخرى إلى أن توافق إسرائيل، وبذلك تُمنح قوة الاحتلال حق الفيتو الدائم على مستقبلنا.

من جانبها كانت الحكومة الإسرائيلية واضحة تمامًا في موقفها؛ فسياساتها تشكل خطة جاهزة للاحتلال الدائم. فإعلان 22 مستوطنة جديدة، وتصويت الكنيست الإسرائيلي العام الماضي بأغلبية ساحقة على «رفض قيام دولة فلسطينية غرب نهر الأردن» يوضحان دون أدنى لبس أن الخطة الإسرائيلية ترمي إلى اقتلاعنا من أرضنا.

في هذه المرحلة عدم الاعتراف لم يعد حيادًا، بل هو موقف سياسي. هو انحياز للفصل العنصري والاحتلال واستمرار محو الشعب الفلسطيني. الاعتراف لم يعد مجرد واجب أخلاقي، بل هو التزام قانوني؛ كما بيّنت محكمة العدل الدولية.

لقد كانت خطوة الحكومة البريطانية بفرض عقوبات على وزيرين إسرائيليين موضع ترحيب، لكنها لا تلامس جوهر القضية. فالمشكلة الأساسية لا تكمن في تصرفات حفنة من المتطرفين، بل في عقيدة إسرائيلية مترسخة منذ زمن بعيد تهدف إلى طرد الفلسطينيين من أرضهم واستبدالهم. ولهذا السبب طالبنا المملكة المتحدة بمحاسبة المنظومة بأكملها، بفرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية، وفرض حظر كامل على تصدير الأسلحة، ومساءلة جميع المتورطين في جرائم حرب.

ويجب أن تترافق هذه الإجراءات مع الاعتراف الفوري بدولة فلسطين؛ فلا يمكن لإحداهما أن تكون بديلًا عن الأخرى.

كتب بوريس جونسون ذات مرة: إن «وعد بلفور ترك على كاهل بريطانيا واجبًا لم يُنجز»، وعد بمنح الفلسطينيين حقوقهم ودولتهم لم يُوفَ به قط. وبعد أكثر من قرن قادنا ذلك الفشل إلى حافة الهاوية مهددًا ليس فقط الشعب الفلسطيني، بل أيضًا فرص السلام والاستقرار في المنطقة بأسرها. ولقد حان الوقت لتنجز بريطانيا ما وعدت به.

نحن -الفلسطينيين ومعنا حركة عالمية متنامية من أجل السلام والعدالة- سنواصل النضال من أجل مستقبل يستطيع فيه أطفالنا أن ينعموا بالحرية، والكرامة، والفرص نفسها التي يتمتع بها أطفال العالم. هذا المستقبل سيظل مستحيلًا في ظل الاحتلال. فالسلام لا يُبنى بين محتل ومحتل، بل بين أطراف متكافئة.

هذه لحظة مفصلية في التاريخ تتطلب وضوحًا أخلاقيًا وشجاعة سياسية. أدعو المملكة المتحدة إلى الارتقاء إلى مستوى هذه اللحظة، والعمل الآن.

حسام زملط سفير فلسطين لدى المملكة المتحدة

مقالات مشابهة

  • سعد لمجرد يطرح “ريسكينا”.. إيقاعات مغربية بروح عصرية
  • أدعو المملكة المتحدة إلى الاعتراف بدولة فلسطين
  • بوريطة: ملف الصحراء يقترب من الحل النهائي و70% من الدول في الأمم المتحدة تدعم الحكم الذاتي
  • تقدم أشغال ميناء الداخلة الأطلسي.. مشروع استراتيجي يعزز مكانة الأقاليم الجنوبية
  • أبناء الأقاليم الجنوبية يطاردون خطاب الإنفصال بإسبانيا
  • شاهد.. موجة غضب متصاعدة في باريس ضد الإبادة بغزة
  • رموا ضناهم ..ضبط شاب وفتاة أقاموا علاقة غير شرعية وتخلصا من الرضيع في طنطا
  • البرلمان البريطاني يعقد جلسة لمناقشة العلاقات مع المغرب بعد القرار التاريخي بدعم مبادرة الحكم الذاتي
  • صحيفة مغربية: الركراكي يواصل التقدم نحو الوراء
  • مسؤول إيراني: الهجمات ضد إسرائيل ستتواصل بوتيرة متصاعدة