قراءة في زيارة الرئيس الأمريكي للخليج
تاريخ النشر: 19th, May 2025 GMT
د. أحمد بن علي العمري
زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث بدأ زيارته بالمملكة العربية السعودية في أول رحلة خارجية له منذ توليه الرئاسة في فترته الثانية.
وخلال هذه الزيارة، اجتمع بقادة دول المجلس في القمة الخليجية الأمريكية، لكن لم يُذكر اسم غزة الملتهبة إلا في كلمة سلطنة عُمان، ولم تتم الإشارة، ولو بإيجاز، إلى المبادرة العربية المطروحة على الطاولة منذ عقود، والتي تبناها الملك عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله-.
ثم انتقل ترامب إلى دولة قطر، ليختتم زيارته للمنطقة في دولة الإمارات العربية المتحدة. لقد كنا نأمل ونتطلع إلى أن يعترف بالدولة الفلسطينية، كما اعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل خلال فترته الأولى، ولكن ذلك لم يحدث. وكنَّا نرجو أن يضع حدًا للحرب الجائرة والظالمة على غزة، ويفك حصارها المخجل، وينقذ ما يمكن إنقاذه، خاصة أنه كان يلوّح بالسلام منذ خطاب تنصيبه، ولكن هذا أيضًا لم يتحقق.
لقد قدم ترامب غصن الزيتون للجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكنه لم يقدمه لغزة أو فلسطين أو للعرب، حتى ولو غصن زعتر. صحيحٌ أنه لم يزر إسرائيل كما جرت العادة في فترته الأولى ومع جميع الرؤساء الأمريكيين السابقين، وصحيحٌ أنه أكد بأنه سيرفع العقوبات عن سوريا بجهد متميز من صاحب السمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وله كل الشكر والتقدير. هذا خبر يثلج الصدر، لكننا نأمل ألا يكون ذلك مقدمةً لاتفاقيات تجر سوريا إلى الاتفاقية الإبراهيمية، كما يحلو له تسميتها، والتي قد تنتهي بالتنازل عن الجولان وضمها لإسرائيل، فيحدث ما لا يُحمد عقباه بعد هذا العناء الطويل.
إن الرجل يفكر بعقلية التاجر، وهي مهنته التي تجري في شرايينه؛ فهو يحسب الأمور بدقةٍ متناهية وبأرقامٍ ثابتةٍ لا شك فيها. لربما فكّر أن إسرائيل تستنزف منَّا المليارات، بينما نحن من يدعمها دائمًا، حتى في حروبها المستمرة التي لا تهدأ. في المقابل، العرب يُقدمون التريليونات، ونحن المستفيدون. وصحيحٌ أن ترامب أبدى تعاطفًا ملحوظًا مع العرب، وأشاد كثيرًا بقادة الدول التي زارها، وصرّح بأنَّ زيارته للمنطقة تاريخيةٌ وممتازة؛ بل وتحدث عن الحضارة العربية ومكنونها، وأبدى انبهاره وإعجابه بها بشكلٍ ملفت.
وصحيحٌ أنه أعاد تركيز الولايات المتحدة على المنطقة بعد فترةٍ من التراجع، حيث قال: "أمريكا غابت عن الشرق، ولكننا سنعوض ذلك"، وهذا يُحسب من مكاسب الزيارة. لقد حصل الرجل على التريليونات المُذهّبة، وباشر هوايته المفضلة في عقد الصفقات، فأبرم العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات الدفاعية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، وعاد بسلةٍ مليئةٍ بالأموال وبما لذَّ وطاب، ناهيك عن الهدايا المجزية التي فاقت كل التوقعات وتجاوزت حدود الخيال.
والآن، بعد مُغادرته المنطقة وعودة الفكرة بعد زوال النشوة، لو حكمنا عقولنا، ألا يتضح لنا بعض الاندفاع المغلّف بالحماس والعاطفة؟ ألا يبدو أننا وضعنا بيضنا في سلة واحدة؟ أليس من الأفضل لو أبقينا بعض البيض للصين وروسيا، فقد نحتاج إليهما يومًا ما إن دعت الحاجة؟
إنَّ الرئيس الأمريكي يتغير كل أربعة أعوام، وقد يأتي من يقلب الطاولة رأسًا على عقب. لقد علمتنا الأيام والتجارب أن أمريكا، عند بوادر أي خلاف، تتجه مباشرةً إلى تجميد الأصول وحجز الأموال، كما حدث مع العديد من الدول من قبل، أبرزها ليبيا وإيران والصين وروسيا. فهل ستتردد في الحجز على أموالنا إن تطلب الأمر؟ بإمكانها اختلاق الأعذار، وما أسهل ذلك عليها.
فهل تسرّعنا بالاندفاع تحت وطأة النشوة والحماس والعاطفة؟ وهل استجبنا لعواطفنا على حساب عقولنا؟
ربنا يحفظ ويستر، ولله في خلقه شؤون.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بعد شهرين من مشادة البيت الأبيض.. زيلينسكي يلتقي نائب الرئيس الأمريكي في روما
بعد شهرين من المشادة الكلامية في المكتب البيضاوي، التقى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ونائب الرئيس الأمريكي، جي.دي فانس، اليوم الأحد في روما، وتباحثا بشأن المكالمة المقررة غدًا الاثنين بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بحسب كييف.
وقال مسئول أوكراني رفيع المستوى في كييف لوكالة فرانس برس، وفقًا لصحيفة “لوفيجارو” الفرنسية، إن زيلينسكي وجي دي فانس تصافحا بالفعل صباح اليوم في ساحة القديس بطرس خلال القداس الافتتاحي للبابا ليو الرابع عشر، واستمرت المباحثات بينهما نحو نصف ساعة.
وأضاف المسئول أن النقاشات تركزت على الوضع على الجبهة الأوكرانية الروسية، والاستعدادات للمحادثة المرتقبة غدًا بين ترامب وبوتين، وإمكانية فرض عقوبات على روسيا في حال عدم التوصل إلى نتائج، أي وقف إطلاق النار.