في أبريل/نيسان الماضي، كشفت تقارير أن دبلوماسيين صينيين طلبوا من كبار المسؤولين في دولتي ملاوي وغامبيا الضغط على مشرعيهما للانسحاب من قمة "التحالف البرلماني الدولي بشأن الصين" "آي بي إيه سي" (IPAC)، وهو تحالف دولي متعدد الأحزاب يضم برلمانيين من عدة دول ويشتهر بانتقاداته للصين.

وتدخل هذه الحادثة ضمن سلسلة من الضغوطات الدبلوماسية الصينية على دول في أفريقيا، كما تسلط الضوء على تحركات بكين والحزب الشيوعي الصيني في القارة على مدار السنوات الماضية.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4الاستعمار الصامت.. كيف تغزو الصين قلب أفريقيا؟list 2 of 4الصين في أفريقيا.. معركة جديدة لإحلال نموذج بديل للغربlist 3 of 4صحيفة فرنسية: الصين تنهب أفريقيا بالكاملlist 4 of 4ما موقع أفريقيا في عقيدة الصين العسكرية؟end of list

وبشأن النفوذ الصيني في أفريقيا، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان "تطور العلاقات الصينية الأفريقية: هل تتحول من الاقتصاد إلى النفوذ السياسي؟"، رصد فيها الباحث حكيم ألادي نجم الدين التطورات التي تؤشر إلى تحول النفوذ الصيني بأفريقيا من الاقتصاد إلى السياسة ومحل ذلك في مبدأ الحكومة الصينية بعدم التدخل في سياسات الدول الأخرى.

الصعوبات الاقتصادية التي تواجه بعض الدول الأفريقية خلقت مساحة نفوذ سياسي للصين (رويترز) شراكة اقتصادية ومنافع سياسية

لقد كانت من المسائل المتكررة والمثارة عن الأنشطة الاقتصادية الصينية في أفريقيا، مسألة إمكاناتها المحتملة للتأثير السياسي، إذ بعد جهود حثيثة ومبادرات هائلة على مدار العقدين الماضيين، تصدرت الصين المشهد الاقتصادي الأفريقي لتصبح أكبر شريك تجاري للقارة، ومقرضا رئيسيا ومصدرا مهما للاستثمار الأجنبي المباشر في دولها.

ومما يؤشر إلى أن الروابط الاقتصادية والاستثمارية الصينية في أفريقيا تشكل منصة متينة للمشاركة أو التأثير السياسي، هو ما أظهرته المواقف الأفريقية الإيجابية تجاه الصين في القضايا العالمية، مثل قضايا "شنغيانغ" وتايوان وبحر جنوب الصين.

ويمكن القول إن الصعوبات التي تواجهها بعض الدول الأفريقية في سداد قروضها، تخلق فرصة غير مباشرة للصين لتأمين تنازلات سياسية أو امتثال دبلوماسي.

إعلان

ويعني ما سبق أن تصدر الصين بوصفها شريكا اقتصاديا مهما وعاملا رئيسيا في نجاحات التنمية الأفريقية في السنوات الأخيرة يمنحها نفوذا وتأثيرا في صنع القرار الأفريقي، وبالأخص مع حاجة هذه الصفقات إلى تعاون سياسي وثيق، مما قد يكسب بكين نفوذا ناعما يفتح لها الباب لتغليب مصلحتها على مصلحة سكان مناطق نفوذها الأفريقية وأولوياتهم في التخطيط الوطني.

بداية الغيث

وتتناقض تطورات السنوات الأخيرة حول تحول النفوذ الصيني في أفريقيا من الاقتصاد إلى السياسة مع مبدأ الحكومة الصينية بعدم التدخل في سياسات الدول الأخرى وسيادتها.

وتتجلى إحدى الإستراتيجيات الصينية لتحقيق هذا النفوذ في مشاركاتها الأيديولوجية مع الأحزاب السياسية الأفريقية، والتي نمت بشكل بارز منذ عام 2022، بما في ذلك مراكز التدريب الأيديولوجي ودعم "تحالف حركات التحرير السابقة لأفريقيا الجنوبية" في كل من أنغولا وموزمبيق وناميبيا وجنوب أفريقيا وتنزانيا وزيمبابوي.

ويمكن ذكر مدرسة "مواليمو جوليوس نيريري للقيادة" على سبيل المثال لا الحصر بوصفها أول مدرسة في تنزانيا تصمم على غرار "مدرسة الحزب الشيوعي الصيني المركزية" لتدريب كبار الكوادر والقادة في الصين.

ومما يدعم ما سبق أن "إدارة الاتصال الدولي التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني" تحافظ على علاقات مع أكثر من 100 حزب سياسي في 51 دولة أفريقية، بما في ذلك الأحزاب الحاكمة والمعارضة، ويُدعى المئات من مسؤولي الأحزاب السياسية الأفريقية إلى الصين للتدريب والتعرف على نموذج الحوكمة والتنمية الصيني، مما يعزز العلاقات الشخصية والمهنية بين النخب السياسية الصينية والأفريقية.

ويجدر بالذكر أن تراجع النفوذ الأميركي أثناء إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، خلق فراغا ملأته الصين بسهولة، كما أن نأي الرئيس الحالي دونالد ترامب بسياساته عن أفريقيا قد يسمح لبكين بتعزيز مكانتها شريكا موثوقا، ولا سيما مع سياسة فرض الرسوم الجمركية الأميركية.

إعلان

ويمكن ملاحظة تطور المشاركات السياسية للصين ونفوذها في أفريقيا في ممارسة الضغط و"الإكراه الدبلوماسي" على الحكومات والسياسيين هناك، والتي أدت إلى تراجع علاقات الدول الأفريقية مع تايوان.

أفريقيا تقفز على الحبلين

لم تكن الدول الأفريقية مجرد متلقٍ سلبي للنفوذ الصيني، إذ على مدى العقدين الماضيين أثبتت الشراكات الصينية الأفريقية أن العديد من دول القارة تتعاون مع بكين لتحقيق أهدافها التنموية وتنويع علاقاتها العالمية وتقليل اعتمادها على حلفائها الغربيين التقليديين.

ويمنحها هذا الخيار الإستراتيجي نفوذا أكبر وقدرة على التفاوض عند مناقشة شروط المشاريع والتمويل المحددة التي تتوافق مع احتياجاتها.

وفي حين اعترف الباحثون داخل أفريقيا بالمساهمات الإيجابية للصين في التطورات الأخيرة في القارة، فقد أثار النفوذ المتزايد للصين مخاوف بشأن استدامة الديون والشفافية والتداعيات المحتملة على الحوكمة وحقوق الإنسان.

بل تبدو الآراء حول هذه المسألة مستقطبة، فغالبا ما يتهم مؤيدو شراكات أفريقيا مع الصين، وخاصة الذين يتجاهلون الضغوط السياسية والدبلوماسية المتصاعدة، بالانحياز إلى المحور الروسي الصيني، ويوصمون بـ"تقويض الديمقراطية".

وفي المقابل، يوصف الذين يحذرون من مخاطر فخاخ القروض والديون، إلى جانب آثارها الضارة على الاقتصاد والتنمية والمؤسسات السياسية، بأنهم منحازون نحو الغرب ومصالحه بذريعة تعزيز الديمقراطية.

ويستنتج مما سبق أن تنامي النفوذ السياسي للصين في أفريقيا يتزامن مع توسع مشاركاتها الاقتصادية، متطورا من علاقات دبلوماسية تقليدية واستثمارات مالية إلى تحرك أكثر استباقية، ويتجلى هذا التحول في مبادرات مثل بناء مؤسسات التدريب السياسي المستوحاة من حكم "الحزب الشيوعي الصيني"، ودور بكين المتزايد في الوساطة في النزاعات الإقليمية الأفريقية، ومبادرة "الحزام والطريق" وتعزيز العلاقات مع الأحزاب السياسية الحاكمة في دول أفريقية مختلفة.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الدول الأفریقیة الشیوعی الصینی فی أفریقیا

إقرأ أيضاً:

إعادة تشكيل الشرق الأوسط من وراء دخان الحرب الإسرائيلية- الإيرانية

لم تعد المواجهة القائمة بين إيران و"إسرائيل" مجرّد حلقة جديدة في مسلسل التصعيد العسكري الذي ألفته المنطقة؛ ما يجري اليوم أعمق من ذلك بكثير، نحن أمام تحوّل تاريخي في شكل النظام الإقليمي، ومعركة يراد لها أن تكون بوابة لشرق أوسط جديد يُعاد فيه ترتيب القوى، وتُرسم فيه خرائط النفوذ على نحو غير مسبوق منذ الحرب العالمية الأولى.

إنها ليست حربا تقليدية، بل مشروع استراتيجي شامل، تدور رحاه من طهران إلى غزة، مرورا ببيروت وبغداد وصنعاء. وفي قلب هذا المشروع، تسعى واشنطن وتل أبيب، بتنسيق مع عواصم أوروبية وعربية، إلى إعادة ضبط الإيقاع السياسي والعسكري في المنطقة، تحت عنوان جذّاب لكنه مُضلّل: "الاستقرار".

بين العزل الإيراني والتمكين الإسرائيلي
ليست حربا تقليدية، بل مشروع استراتيجي شامل، تدور رحاه من طهران إلى غزة، مرورا ببيروت وبغداد وصنعاء. وفي قلب هذا المشروع، تسعى واشنطن وتل أبيب، بتنسيق مع عواصم أوروبية وعربية، إلى إعادة ضبط الإيقاع السياسي والعسكري في المنطقة
ليست مصادفة أن يظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة عام 2023، حاملا خريطة جديدة للشرق الأوسط؛ خريطة تُهمّش إيران بالكامل، وتضع "إسرائيل" في موقع القيادة الإقليمية، محاطة بدول عربية مُطبّعة.

هذه الخريطة لم تكن مجرّد أداة دعائية، بل جاءت لتؤكد أنَّ هناك من يحاول إعادة تعريف حدود النفوذ والسيادة في المنطقة، وأن اتفاقية سايكس بيكو لم تعد المرجعية الوحيدة في رسم الجغرافيا السياسية.

أكثر من ذلك، فإن تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب، التي قال فيها إنه يرى "إسرائيل صغيرة الحجم" ويطمح إلى "توسيعها"، لم تكن زلّة لسان، بل كانت إشارة مبكّرة إلى أن ثمة مشروعا يُصاغ في الكواليس، تقوده واشنطن وتنفذه تل أبيب، لإعادة تشكيل المنطقة على أسس مختلفة جذريا.

نهاية "الطائفية الوظيفية"

على مدى عقود من الزمن، استُخدمت الطائفية كأداة تفتيت ناعمة داخل المجتمعات العربية، واستفادت إيران بوضوح من هذا المناخ، مُدخلة خطابها المذهبي إلى عمق العراق وسوريا ولبنان واليمن. لكن يبدو أن هذه الورشة الطائفية قد وصلت إلى نهايتها، وأن الإذن الدولي باستمرار هذا النموذج قد سُحب.

المرحلة القادمة، كما يظهر، تسير نحو مقاربات جديدة تقوم على تحالفات المصالح المباشرة لا على الانتماءات المذهبية. وقد تكون إعادة تأهيل إسرائيل إقليميا جزءا من هذا التصور، لا باعتبارها "عدوا"، بل "شريكا أمنيا" في مواجهة إيران التي تُقدّم الآن كتهديد وجودي مشترك.

صراع على النظام لا على النفوذ فقط

يُخطئ من يعتقد أن المسألة تتعلق بمجرد تقليص نفوذ إيران، الحقيقة أعمق: نحن أمام صراع على هوية النظام الإقليمي نفسه. هل تكون دول المنطقة فاعلة في تقرير مصيرها، أم مجرّد ساحات يتقاطع فيها النفوذ الأمريكي والإسرائيلي؟

وهل تستطيع القوى العربية استعادة بعض من وزنها السياسي، أم أنها ستُدمَج ضمن معادلات تُكتب خارج حدودها، وتُفرض عليها كأمر واقع؟

الغرب لا يريد تفكيك الدول العربية هذه المرة، بل إعادة تعريف وظائفها: من مراكز قرار إلى محطات عبور للنفوذ والاقتصاد والسيطرة. ضمن هذا الإطار، يتم التعامل مع إيران كعقبة تجب إزاحتها، لا فقط بسبب طموحها النووي، بل لأنها آخر قوة إقليمية تعلن رفضها الصريح للمنظومة الجديدة.

من سيكتب مستقبل المنطقة؟
ما يُحاك خلف دخان الحرب اليوم، قد يُحدّد شكل النظام السياسي والأمني لعقود مقبلة، وإن لم نشارك في صياغته، فسيفرض علينا كما فُرضت حدود سايكس بيكو قبل قرن
السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم، ليس فقط: ماذا تريد واشنطن أو طهران؟ بل: ماذا نريد نحن كعرب؟ هل نملك الإرادة السياسية لصياغة موقع لنا في خريطة الشرق الأوسط الجديد؟ أم سنبقى مجرّد أدوات أو ساحات تصفية حسابات بين قوى أكبر؟

للأسف، يبدو أن كثيرا من الدول العربية قد تخلّت عن طموح الفعل، واكتفت بدور التكيّف مع إيقاع الخارج، سواء كان أمريكيا، إسرائيليا، أو حتى إيرانيا.

لكن المنطقة لا تحتمل هذا الترف بعد الآن، فما يُحاك خلف دخان الحرب اليوم، قد يُحدّد شكل النظام السياسي والأمني لعقود مقبلة، وإن لم نشارك في صياغته، فسيفرض علينا كما فُرضت حدود سايكس بيكو قبل قرن.

لسنا أمام مجرد حرب، بل أمام لحظة تأسيسية لنظام إقليمي جديد، لحظة ستُحدَّد فيها هوية الفاعلين، وحدود الأدوار، وأشكال النفوذ. وإيران ليست وحدها المعنيّة بالإقصاء أو التهميش، بل العالم العربي بأسره.

فإمّا أن نملك الشجاعة السياسية لنكون طرفا في صناعة هذا المستقبل، أو نبقى في الهامش، بينما يكتب الآخرون خرائطنا باسم "السلام والاستقرار".

مقالات مشابهة

  • الصين وروسيا تؤكدان التمسك بالتسوية السياسية لقضية الملف النووي الإيراني
  • الصين وروسيا تجددان إدانة الاحتلال الإسرائيلي وتؤكدان التمسك بالحل السياسي لأزمة الشرق الأوسط
  • “رئيس مركز الأرصاد” يلتقي الممثل الدائم للصين لدى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية
  • إعادة تشكيل الشرق الأوسط من وراء دخان الحرب الإسرائيلية- الإيرانية
  • «لا تظهر على الرادار».. التلغراف البريطانية: الصين ترسل طائرات نقل سرا إلى إيران
  • شقّ الصين والدول الأفريقية يدا بيد الطريق نحو بناء نموذج التضامن والتعاون للجنوب العالمي
  • الصين والدول الأفريقية تشق الطريق يدًا بيد نحو بناء نموذج التضامن والتعاون للجنوب العالمي
  • الكوني واللافي يبحثان مع سفراء أوروبيين دعم المسار السياسي وتوسيع الشراكة
  • الكوني واللافي: الشراكة مع أوروبا ركيزة أساسية في دعم المسار السياسي الليبي
  • الخارجية الصينية: على الدول ذات النفوذ على إسرائيل اتخاذ إجراءات فورية لتهدئة التوترات