لا يفاجئنا ترامب بمواقفه وإعلاناته التي تقع كالصاعقة على رؤوس حاميَّة، وأخرى مازالت متحجرة ولا تستطيع التفكير من خارج الصندوق.

قلنا منذ زمن؛ أنَّ ترامب ومشروعه والتزاماته لا تتوافق مع خطط ومشاريع نتنياهو، بل ربما باتت متصادمة. وأكدنا بالوقائع بأنَّ العلاقة بين الرجلين ليست على ما يرام، بل في طريقها إلى التصادم.

فنتنياهو وإسرائيل منصة ركنية في مشروعات لوبي العولمة وحكومة الشركات الخفية. وترامب يخوض حرباً لا هوادة فيها لسحق لوبي العولمة وأدواته، وتدمير حكومة الشركات في أمريكا وفي كل مكان.

ناور نتنياهو وأحنى ظهره للعاصفة، وقَبِل الإملاء بوقف حرب غزة قبل يوم من دخول ترامب البيت الأبيض. وعندما التقط أنفاسه، وتسلَّم الأمر من لوبي العولمة تمرد على ترامب، وعاد إلى حرب تدمير وإبادة غزة، ولم يتعظ أو يستجيب لتنبيهات ترامب، ولا أخذ بإعلاناته مراراً عن ضرورة وقف الحرب، وإطلاق الأسرى، ومرةً بحضور نتنياهو كالصوص الممعوط في المكتب البيضاوي.

اشتدَّ ساعد نتنياهو، وانتفخت أوهامه، عندما أعطى ترامب أمراً بالحرب على اليمن، وأنذر إيران بلهجة حازمة. وافترض أنَّ ترامب كُسِر، وأصبح طوع يد البنتاغون، القوة المحورية في لوبي صناعة الحروب والعولمة.

تعنتر كثيراً في لبنان وسورية وغزة، وتطاول على اليمن بضربات مؤلمة بعد قصف مطار بن غوريون. وكان لافتاً الإعلان الأمريكي بأنَّ ضربات اليمن لم تشارك بها أمريكا وبدون علمها.

بينما كانت الطائرات الإسرائيلية تدمر ما تبقى من حطام لمطار صنعاء، واستهدفت معمل الاسمنت، ومخازن الوقود، كان ترامب قد أَنجز اتفاقاً مع اليمنيين بوساطة عُمانية، لوقف العدوان من وراء ظهر نتنياهو ودون إبلاغه.

ثمَّ صَعقه ترامب بإعلان وقف حربه على اليمن من المكتب البيضاوي بحضور رئيس وزراء كندا، وزاد بإرباكه بإعلانه عن خبر هام جدا سيعلن قريباً، وقبل زيارته الخليج. المرجح أن يكون الحدث على صلة بإعلان عودة التفاوض يوم الأحد ١١ الشهر الجاري مع إيران. والأرجح بحسب تسريبات ممثله ويتكوف في التفاوض أن يكون الحدث إعلان وقف الحرب على غزة، والشروع بصفقة تبادل مع حماس، و/أو تموين غزة لمنع تجويعها وتهجيرها قسراً.

في المكتب البيضاوي عندما استدعى نتنياهو على عجل وبالإعلام، وأَجلسه كالصوص الممعوط يصغي لكلام ترامب، أصابه الذهول من إعلان موعد التفاوض على أعلى مستوى مع الإيرانيين، لتأتيه الصعقة. الصفعة الأخطر بإعلان ترامب وقف حربه على اليمن بعد سبعة أسابيع أُنهِكت بحريته، واستُنزِفت ذخيرتها، ولم تفلح طائراته بتحقيق أي هدف، والحرب على اليمن لم ترهب إيران ولا ألزمتها بتقديم تنازلات في المفاوضات .

إعلان ترامب فُهِم عند الجميع وفي أعلى المستويات في إسرائيل كصفعة مؤلمة على وجه نتنياهو، وفُسِر قرار وقف العملية دون إعلام إسرائيل ومن خلف ظهرها بمثابة مؤشر واضح على تخلي ترامب عن نتنياهو وعن إسرائيل، وفك علاقة التبني لها، وتالياً تركها تواجه مصيرها بنفسها، وبدون تبني وتمويل وتذخير وقيادة أمريكية لحروبها، وللدفاع عن مكانتها وهيمنتها وتسيِّدها في الإقليم. الأمر المستحيل بلا إدارة وقيادة أمريكية.

قرار ترامب وقف الحرب على اليمن لم يأت صاعقةً في سماء صافية، بل سبقه قرار إقالة مستشار الأمن القومي، بسبب موقفه من إيران، وتواصله مع نتنياهو، وتسريبات محادثة سيغنال. وجاء القرار بعد أن أعلن وزير الدفاع الأمريكي تقليص عدد الضباط في الجيش الأمريكي بين١٠% من الرتب الصغيرة إلى ٢٠% للرتب الكبيرة، وتقليص موازنات الجيش، وإعادة هيكلته، ليتساوق مع مشروع ترامب لأمريكا اولاً، ووقف الحروب، وتبديد الثروات في خدمة لوبيات صناعة الحروب والشركات ولوبي العولمة.

فوقف الحرب إضافةً لكونه صفعة مؤلمة لنتنياهو، وتبديداً لأوهامه، ومؤشراً لخسارته الإسناد الأمريكي في حروبه، فهو أيضاً ضربة كاسرة للبنتاجون ولوبي صناعة السلاح والحروب، سيستكملها بحملة تطهير في الجيش، والبطش برجال لوبي العولمة والحروب. ما يُرجح تَمكُنُه من فرض أجنداته، وإنفاذ رؤيته وأولوياته، ونجاحه في إضعاف وتهميش عناصر قوة لوبي العولمة في المؤسسة الأمريكية. فالبنتاجون، وبيروقراطية وزارة الخارجية، والدولة الاتحادية، كانت مساند وأعمدة سيطرة لوبي العولمة على أمريكا وإدارتها واستثمارها لصالحه في الحروب التي يسميها ترامب عبثية لا فائدة لأمريكا منها.

من غير المستبعد أن يُتِم ترامب مفاجآته وصفعاته للوبي العولمة وأدواته في الإقليم، بإعلان عن قرب اتفاق نووي مع إيران، تشير المعطيات إلى نضجه وتوفر ظروفه عند الفريقين، ومن بين الأدلة شروع الخبراء بالتفاوض، ما يعني أنَّ الأمور الأساسية حُسِمت. وبإعلان موعد العودة إلى التفاوض، وبإعلان ترامب عن خبر كبير وسار قريباً، يصبح احتمال الاتفاق كبيراً. ومع تقدم المفاوضات، وكسر عنق البنتاغون، يصبح إلزام نتنياهو بالخنوع، وقبول وقف النار في غزة، وتجرع كأس الهزيمة المُرَّة، أو إعلان ترامب الصريح التخلي عن نتنياهو وإسرائيل وتركها لشأنها أمراً مؤكداً. ومن المؤشرات عدم زيارة إسرائيل في جولته الخليجية، ما سيطلق مفاعيل وتطورات دراماتيكية في انعكاساتها على حرب نتنياهو وعلى مكانته في إسرائيل، وعلى إسرائيل ومستقبلها ووجودها في المنطقة.

فإسرائيل بلا إسناد دولي، وبلا تبني وتمويل أمريكا لا تقوى على البقاء.

قلنا وأكدنا وشرحنا مراراً؛ أنَّ ورطة ترامب في اليمن إما تكون مقتلته، ويبدأ نفاذ عهده باكراً. ورجحنا أنها مناورة مُتقنة منه، لاختبار وتبديد قوة البنتاغون وحلفائه، وعندما يفشلون يصبحون لقمه سائغة في فمه، يسهل عليه توجيه ضربات كاسرة للبنتاغون ونتنياهو وأدوات لوبي العولمة في الإقليم، لتصفيته والتفرغ لإنجاز مهامه ورؤيته. ومن المعطيات الدَّالة حملة الأردن على الإخوان المسلمين، وما يجري من تحضير لحملة مشابهة في الكويت. والمنطقي أنَّ دور إردوغان والجولاني وسيدهم ماكرون آت، آت..

وقف الحرب على اليمن بداية الغيث، والجاري من أحداث ومؤشرات تقطع بانتهاء عصر التبني الأمريكي لإسرائيل، وتمويلها وتفويضها بإدارة الإقليم والسيطرة عليه.

وأنها في الزمن لخسارة كل حلفائها، وأدواتها المحلية والعربية والإسلامية، فدورها الوظيفي قد انتفى.

وبخسارة نتنياهو والبنتاغون، وهزيمتهم في الحرب على اليمن، مقدمات لهزيمة إسرائيل في غزة. وبالحملة على الإخوان وفصائل الإرهاب المتوحش وسيدهم إردوغان، تفقد كُل وآخر أوراقها وأدواتها، لتبدأ رحلتها في الأزمات والتداعي، وانحسار القوة، وتراجع حضورها وسطوتها، بتسارع وانكشاف أوهام وعنتريات نتنياهو الخلبيَّة، وكذا تداعي وانهيار حملات التوهين والتوهيم، ونفخ عضلات نتنياهو، وتكبير حجم قدرات إسرائيل وتمكُنِها.

الزمن الجاري قلناه منذ جولة سيف القدس ؛٢٠٢١هو زمن تحرير فلسطين من البحر إلى النهر. وجزمنا ونعيد التأكيد؛ أن إسرائيل هُزمت في الحرب، ولو أنَّ المحور لم ينتصر.

هزيمتها كما أعلن غالانت ونتنياهو تعني؛ لا مكان لها في المنطقة.

* كاتب لبناني

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

ودخلت أمريكا الحرب.. ماذا بعد؟

لم ينتظر دجال واشنطن نهاية مهلة الأسبوعين التي أعلنها، مؤكّدا تبعيته الكاملة للصهاينة، ومُديرا الظهر لغالبية الرأي العام الأمريكي، ومن ضمنه الحلفاء في حركة "ماغا" و"أمريكا أولا".

قال ترامب بعد هجمات الفجر:
"تمّ تدمير مفاعلات فوردو ونطنز وأصفهان. أستطيع القول إن هجوم الليلة كان نجاحا عسكريا باهرا. لقد دُمّرت المفاعلات بالكامل. حان الوقت لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وإذا لم يُصلحوا أوضاعهم، فسنشنّ هجوما جديدا وسيكون ذلك أسهل وأسرع".

ثم قال لمراسل موقع "وللا"، باراك رافيد، في مكالمة هاتفية: "حقّقنا نجاحا باهرا الليلة. إسرائيل أكثر أمانا الآن (لاحظوا قال إسرائيل وليست أمريكا)".

كتب بعد ذلك:
"حان وقت السلام!". ثم أضاف: "لقد سقط فوردو. إنها لحظة تاريخية للولايات المتحدة وإسرائيل والعالم. على إيران أن تُنهي هذه الحرب".
في المؤتمر الصحفي السريع اللاحق، لم يضف شيئا جديدا على ما قاله وكتبه.

بدوره قال نتنياهو:
"أنا والرئيس ترامب نقول دائما: السلام بالقوة. أولا تأتي القوة، ثم يأتي السلام. والليلة، تصرّف الرئيس ترامب والولايات المتحدة بقوّة هائلة".

هذه هي الخلاصة التي لا يريد بعض العرب أن يسمعوها.. ويعتقدون أن أمريكا تضرب إيران كي تريحهم من صداعها.

إنهما (ترامب ونتنياهو) يعرضان الاستسلام الكامل على إيران، ومن ثمّ دور الشاه، لأن مشكلتهم معها ليس سوى الموقف من "الكيان" وامتلاك السلاح الاستراتيجي، وليس النووي منه فقط، وإذا قبلت، فلتشتبك مع محيطها كما تشاء، بل إن ذلك سيحظى بالتشجيع.
سيعلم كل مواطن في أمريكا أن ترامب لم يفعل ذلك من أجله، لأن إيران لم تكن تهدّد أمريكا، بل إن قوّتها كانت تجلب صفقات السلاح "الفلكية" لمصانعها. وحين يبدأ دفع الثمن الآخر (اقتصاديا وبشريا)، ستغدو القناعة أكبر بأن تلك الأقلية تجرّ بلادهم نحو المصائب
إنهما يخطّطان لتصفية القضية الفلسطينية، ومن ثم إخضاع المنطقة برمّـتها للمصلحة الصهيوأمريكية بالكامل، وصولا على أمل أن يفضي ذلك إلى مزيدا من المكاسب لأمريكا أيضا، تماما كما أقنع صهاينة "المحافظون الجدد" بوش (الابن) بأنه غزو العراق وأفغانستان هو المحطّة نحو "قرن إمبراطوري أمريكي جديد"، فكان التدهور الذي تابعه الجميع.

اليوم يدخل ترامب الحرب وسط انقسام أمريكي واضح، بما في ذلك داخل حزبه، وهذا أسوأ مما كان كان عليه الحال مع بوش (الابن).

ثم هو يدخلها و"الكيان" يعيش بؤسا غير مسبوق على كل صعيد داخلي وخارجي، بما في ذلك استمرار مأزقه في قطاع غزة.

هل سيتحمّل ترامب مزيدا من الخسائر الاقتصادية، هو الذي جاء بشعار "أمريكا أولا"، وهل سيتحمّل أكيان النعوش السوداء، بعد أن تغدو مصالحه برسم الاستهداف من إيران ومن حلفائها وخلاياها النائمة، وهل إن إيران بمساحتها الشاسعة وقدراتها مجرّد مواقع نووية وحسب؟!

سؤال الرد الإيراني سيبقى برسم الانتظار، ومعه رد الحلفاء الذين لا يمكن لهم البقاء صامتين، بما في ذلك حزب الله، بما تبقى له من قوة عسكرية لا يمكن القول إنها صارت من الماضي.

سؤال الموقف الصيني والروسي يحضر هنا أيضا، لأن تدخلهما السرّي والعلني صار أكثر من ضرورة، وطبعا كي يستبعدوا خيار الاستسلام الإيراني الذي يعني الكثير بالنسبة لهما، لا سيما أنهما يعوّلان على ورطة أمريكية جديدة في المنطقة، تتيح لهما التقدم نحو تكريس التعددية القطبية وإفشال حُلم ترامب، بإعادة أمريكا عظيمة من جديد.

لسنا خائفين رغم قناعتنا ببؤس الوضع العربي الرسمي، وبصرف النظر عما ستفعله إيران، فهذه المنطقة فيها الكثير من عناصر المقاومة وروحية التضحية والصمود، وحين تُستهدف فلسطين بتصفية قضيتها، ويصعد حُلم "الهيكل" إلى مقدمة الأحداث، وقبله ومعه ضمّ الضفة الغربية والتوسّع في سوريا ولبنان، فلينتظر الغُزاة تيار مقاومة لم يتوقّعوه.

لقد ارتكب ترامب خطيئته الكبرى التي ستورّط بلاده، وستثير سخط الأمريكان على اللوبي الصهيوني الذي ساهم في التوريط، ومعه أقلّيته التي تقدّم مصالح كيانها على مصالح أمريكا، وهو سيفضي ذلك إلى مأزق لها ولـ"كيانها".

ما يجري ليس مخيفا، مهما حمل من تداعيات قريبة، وقطار التراجع الأمريكي ومعه الصهيوني لن يتوقّف.
هذه قناعتنا من زاوية التحليل السياسي والتاريخي، وليس من باب بثّ الآمال.
والأيام ستُبت ذلك، بإذن الله.

هامش مهم:
عبارة لافتة في بيان نتنياهو بعد هجمات الفجر الأمريكية على مواقع إيران النووية.. قال بالنص:
"باسمي وباسم جميع مواطني إسرائيل، باسم الشعب اليهودي بأسره (نصفه تقريبا في أمريكا، والكلام لي وليس لنتنياهو)، أشكره من أعماق قلبي. وأنا أعلم، مواطني إسرائيل، أنني أتكلم من أعماق قلب كل واحد وواحدة منكم. نحن نقف معا، نحن نقاتل معا، وبمشيئة الله سننتصر معا. وكما ورد في مقطع هذا الأسبوع من التوراة: (سنصعد بالتأكيد، لأننا قادرون على التغلّب عليهم)". (هـ).

سيعلم كل مواطن في أمريكا أن ترامب لم يفعل ذلك من أجله، لأن إيران لم تكن تهدّد أمريكا، بل إن قوّتها كانت تجلب صفقات السلاح "الفلكية" لمصانعها. وحين يبدأ دفع الثمن الآخر (اقتصاديا وبشريا)، ستغدو القناعة أكبر بأن تلك الأقلية تجرّ بلادهم نحو المصائب، ما سيعزّز المشاعر ضدها وضد "كيانها"، وهي المشاعر التي بدأت تتعزّز منذ 7 أكتوبر، ثم توالى صعودها مع الحرب الوحشية على غزة بعد ذلك.
كابوس "الطوفان" سيواصل مطاردتهم حتى النهاية، بإذن الله.. ليس لدينا شكٌ في ذلك.

مقالات مشابهة

  • نتنياهو يعلن تحقيق إسرائيل لأهدافها ضد إيران ووقف إطلاق النار رسميا
  • نتنياهو يحدد "سبب" موافقة إسرائيل على اقتراح ترامب
  • ترامب يعلن وقف الحرب بين إسرائيل وإيران.. نتنياهو يأمر وزراءه بالصمت
  • نتنياهو يوجه وزراءه للصمت بعد إعلان ترامب إنهاء الحرب
  • مسؤول أميركي: ترامب يفضل الصفقة على الحرب ويعتزم إبلاغ نتنياهو
  • بدعم ترامب… نتنياهو يقود المنطقة نحو الهاوية!
  • نتنياهو : إسرائيل قريبة من تحقيق أهداف الحرب على إيران
  • د. هشام فريد يكتب: هل اتفقت أمريكا مع إيران على نتنياهو بعد أن أصبح عبئًا عليها !؟
  • ودخلت أمريكا الحرب.. ماذا بعد؟
  • تقرير صادم: ضحايا ترامب المدنيون في اليمن خلال 52 يومًا يعادلون قتلى 23 عامًا من العمليات الأمريكية