لماذا تريد إسرائيل مستقبل غزة بدون تركيا؟
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
إن المعارضة الإسرائيلية الشرسة والقاطعة لأي دور تركي في غزة ما بعد الحرب، والتي تتلخص في عبارة "لا أحذية تركية على الأرض"، تكشف عن حسابات استراتيجية متجذرة في الرغبة بالحفاظ على السيطرة المطلقة على مستقبل القطاع. هذا الموقف، الذي يتعارض مع مناقشات الولايات المتحدة بشأن المشاركة المحتملة لأنقرة في قوة متعددة الجنسيات، يعمل في نهاية المطاف ضد آفاق تحقيق سلام حقيقي ومستدام للشعب الفلسطيني واستقرار المنطقة الأوسع.
المقترح التركي: عامل محفز للتوازن
لقد صاغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستمرار اهتمام أنقرة بغزة كامتداد طبيعي لدعمها طويل الأمد للقضية الفلسطينية، وتفيد التقارير بأن تركيا تضع اللمسات الأخيرة على الاستعدادات لنشر لواء يضم حوالي 2000 جندي ضمن "قوة تثبيت" مقترحة بتفويض من الأمم المتحدة. ويجادل المسؤولون الأتراك بأن مشاركتهم، المستندة إلى عضويتهم في الناتو وخبرتهم الواسعة في مهام حفظ السلام الدولية، ستُدخل عنصرا حاسما من التوازن والمصداقية إلى الترتيبات الأمنية على الأرض.
إن قدرة تركيا الفريدة على التواصل المباشر مع قيادة حماس أثبتت فعاليتها في مفاوضات وقف إطلاق النار السابقة، بما في ذلك الهدنة الأخيرة. هذه العلاقة العملية، التي تنظر إليها إسرائيل بعين الريبة، هي تحديدا ما يجعل تركيا لاعبا ضروريا. تتضمن الخطة الحالية نزع سلاح الفصائل. ويمكن للوجود التركي أن يستغل نفوذه لتسهيل هذه العملية الصعبة بفعالية أكبر من القوات التي يُنظر إليها على أنها متحالفة بشكل لا لبس فيه مع المصالح الإسرائيلية. إن رفض تركيا هو رفض لأحد الأطراف القليلة القادرة على تأمين القبول الضروري من جميع الأطراف، مما يطيل أمد عدم الاستقرار.
الرفض الإسرائيلي: رغبة في السيطرة بلا رادع
إن الرفض الإسرائيلي العنيد، الذي أبرزته تصريحات مسؤولين مثل وزير الدفاع إسرائيل كاتس والمتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء، تحركه حالة من انعدام الثقة العميقة، ودافع سياسي لتشكيل بيئة ما بعد الحرب دون رقابة ذات مصداقية. وتتفاقم حدة هذا العداء بسبب إدانة أردوغان الشديدة للأعمال الإسرائيلية في غزة، التي وصفها مرارا بأنها "إبادة جماعية". إن هذا النقد اللاذع وإصدار تركيا مؤخرا مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين كبار يزيد من ترسيخ معارضة إسرائيل.
ومع ذلك، فإن الرفض يتجاوز مجرد الاحتكاك الدبلوماسي، فمن خلال الإصرار على حق النقض (الفيتو) على تكوين أي قوة دولية، تسعى إسرائيل إلى ترتيب أمني لا يتحدى جديا هيمنتها العسكرية أو نتائجها المفضلة لحكم غزة. إن خوف إسرائيل هو أن يشكل الوجود التركي، بموجب تفويض من الأمم المتحدة، رقيبا حقيقيا على تصرفاتها. هذا واضح في وقف إطلاق النار الهش الحالي، حيث تشير التقارير إلى استمرار الأعمال العسكرية الإسرائيلية، مما يوضح ضرورة وجود آلية إنفاذ قوية ومحايدة ولا يمكن للمسؤولين الإسرائيليين تجاهلها ببساطة.
المناورات الاستراتيجية لأردوغان
يحمل التقييم القائل بأن "أردوغان يلعب أوراقه بذكاء شديد" ثقلا كبيرا في هذا السياق؛ تستغل أنقرة الأزمة لإعادة تأكيد نفوذها كقوة إقليمية كبرى ومدافع قوي عن الشعب الفلسطيني على الساحة الدولية.
•القيادة الإنسانية: من خلال إعطاء الأولوية لإيصال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، تضع تركيا نفسها كقائد إقليمي متعاطف، في تناقض حاد مع الحصار والدمار الإسرائيلي.
•نفوذ الوساطة: بفضل الحفاظ على قنوات الاتصال مع حماس، أصبحت تركيا وسيطا لا غنى عنه في محادثات وقف إطلاق النار، مما يدل على ضرورتها العملية رغم الاعتراضات الإسرائيلية.
•التفوق الأخلاقي: يتردد صدى خطاب أردوغان القوي ضد إسرائيل بعمق في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي، مما يعزز مكانته المحلية والإقليمية ويجعله صوتا لمن يشعرون بالتخلي من قبل القوى العالمية الأخرى.
إن تركيا لا تطلب مجرد مقعد على الطاولة؛ بل هي تستغل الضرورة الجيوسياسية والوضوح الأخلاقي لضمان مكانتها. هذه الاستراتيجية تجبر الولايات المتحدة على النظر في مقترحاتها بجدية، حتى لو تعارضت مع المطالب الإسرائيلية، مما يشير إلى حملة دبلوماسية واضحة، وماهرة، وصبورة.
معالجة الذرائع الأمنية وضمان نزاهة التفويض
غالبا ما تستغل المعارضة الإسرائيلية الصريحة التهديدَ الأمني الذي تشكله حماس كذريعة لرفض تركيا، متسترة على أجندة سياسية أعمق: الرغبة في السيطرة على جميع جوانب الجهاز الأمني في غزة ومنع أي قوة قد تتحدى سلطتها العسكرية. هذا التأطير يسيس الذرائع الأمنية لتقويض النزاهة المطلوبة لتحقيق الاستقرار. وإن الانتشار التركي، الذي يعمل بموجب تفويض قوي من الأمم المتحدة، سيعالج الأمن بشكل أساسي من خلال فرض المساءلة الخارجية، وهو بالضبط ما تخشاه إسرائيل. ومن ثم، يجب إنشاء أي قوة لتحقيق الاستقرار مع ضمانات دولية صريحة بأن ولاءها الأساسي هو تفويض الأمم المتحدة وحماية المدنيين الفلسطينيين، وليس للشروط الأمنية الإسرائيلية التي يمكن أن تترجم إلى وجود عسكري أو مراقبة إلى أجل غير مسمى.
علاوة على ذلك، يتوقف النجاح العملياتي للوحدة التركية على إنشاء إطار إداري محايد وذي سيادة حقا لغزة، ومستقل عن أي تأثير إسرائيلي لا مبرر له. إن التعاون الضروري لتحقيق النجاح يجب أن يركز على التنسيق اللوجستي والفني مع الهيئات الدولية، وليس على الرضوخ لمطالب إسرائيل بالحصول على حق النقض بشأن مناطق الانتشار أو تبادل المعلومات الاستخباراتية. يجب أن يُعرَّف الدور التركي بموجب قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي يمنع أي دولة -بما في ذلك إسرائيل- من إملاء تشكيل القوة أو قواعد الاشتباك الخاصة بها بشكل أحادي. إن الاستقرار الحقيقي يتطلب السيادة، مما يعني أن قوة التثبيت يجب أن تكون عاملا فاعلا في التعافي والحوكمة الفلسطينية، ومتحررة من القيود التي تفرضها قوة الاحتلال.
خطوة ضرورية للأمن الفلسطيني
المستفيدون الأوائل من قوة التثبيت التركية سيكون الفلسطينيين. إن القوة المتعددة الجنسيات التي تضم دولة ذات أغلبية مسلمة ملتزمة مثل تركيا، وتعمل بموجب تفويض شرعي من الأمم المتحدة، أمر بالغ الأهمية لسببين؛ أولا، إنها توفر طبقة من الحماية للسكان المدنيين وللمهمة الإنسانية لا يمكن أن توفرها قوة غربية بحتة أو قوة وافقت عليها إسرائيل. ثانيا، إنها توفر مسارا للحكم الذاتي الفلسطيني من خلال توفير مظلة أمنية انتقالية أقل خضوعا للمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية.
تستلزم خطة ما بعد الحرب الحالية، وهي مبادرة أمريكية في المقام الأول، مشاركة شركاء إقليميين لضمان شرعيتها وفعاليتها. وبإغلاق الباب في وجه تركيا، لا تقوّض إسرائيل مصداقية جهود الاستقرار برمتها فحسب، بل تُخاطر أيضا بالعودة إلى دوامة العنف. إن الفشل في إرساء ترتيب أمني قوي وعادل ومدعوم دوليا -يشمل تركيا- هو فشل في ضمان مستقبل لغزة بعيدا عن السيطرة العسكرية الإسرائيلية الدائمة.
السؤال ليس عما إذا كانت تركيا صديقة لإسرائيل، بل عما إذا كانت تركيا مساهما ضروريا وقادرا على تحقيق سلام عادل ودائم في غزة. يجب تجاهل الفيتو الإسرائيلي، المدفوع بالمصالح السياسية والتصميم على الحد من المساءلة، لصالح الضرورة القصوى للأمن الفلسطيني والاستقرار الإقليمي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الإسرائيلية غزة الفلسطيني تركيا إسرائيل تركيا فلسطين غزة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من الأمم المتحدة من خلال فی غزة
إقرأ أيضاً:
صراع في تل أبيب - نتنياهو يوازن بين حلفائه وترمب حول مستقبل غزة
قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، في ختام اجتماع طارئ للوزراء المقربين، اليوم الأحد، صدّ الهجوم عليه من حلفائه في اليمين المتطرف، الذين اتهموه بالتراخي والتهادن مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مشروعه بمجلس الأمن الدولي، بشأن قوة الاستقرار الدولية في غزة ، وطالبوه بإعلان الرفض التام لـ”الدولة الفلسطينية”.
جاء ذلك عشية تصويت مرتقب في مجلس الأمن، الاثنين، على مشروع قرار أميركي بشأن غزة يتطرّق إلى إمكان قيام هذه الدولة مستقبلاً.
وأعلن نتنياهو، بعد دراسة المشروع، أنه “لم يُغيّر رأيه في رفض حل الدولتين”، وأرسل مقربين منه للتصريح بأنه سيعمل حتى اللحظة الأخيرة على إحداث تغيير في نص المشروع، وشطب عبارة “الدولة الفلسطينية”.
وقالت هذه المصادر، وفق ما نقلت وسائل إعلام عبرية، إن “إسرائيل تُمارس الضغوط على واشنطن حتى تُحدث تغييرات في المشروع، وقد تمكنت فعلاً من إجراء تعديلات عديدة عليه ليلائم المصالح الإسرائيلية”.
وأضاف نتنياهو بنفسه: “معارضتنا لدولة فلسطينية في أي مكان غرب نهر الأردن لم تتغير، ومعارضتنا هذه قائمة ودائمة”، متابعاً: “أنا أصد هذه المحاولات منذ عشرات السنين، وأفعل ذلك أيضاً مقابل ضغوط خارجية وداخلية، ولست بحاجة إلى دعم وتغريدات ومحاضرات من أحد”.
ووجه نتنياهو انتقاداً فُهم منه أنه يستهدف وزير دفاعه يسرائيل كاتس: “نحن في سنة انتخابات ستُجرى حتى نهاية العام ونحن نعلم ذلك، لكن خلال سنة الانتخابات هذه نشهد هجوماً انتخابياً داخلياً من داخل (الليكود) وخارجه. والموضوعات التي تُتناول طوال الوقت في هجمة التغريدات هي موضوعات أمنية بالأساس: (أنا قلت، أنا فعلت، أنا اطلعت). وهذا أيضاً في موضوعات متعلقة بأمننا القومي. وأذكر بأن هذه الموضوعات تُتخذ بالتنسيق مع رئيس الحكومة المسؤول عنها”.
وكان كاتس قد نشر، صباح الأحد، عبر منصة “إكس”، أن “السياسة الإسرائيلية واضحة: لن تقوم دولة فلسطينية. وسيواصل الجيش الإسرائيلي تموضعه في قمة جبل الشيخ والمنطقة الأمنية في سوريا. كما سيُصار إلى نزع سلاح غزة حتى آخر نفق، وتجريد ( حماس ) من السلاح في الجانب الأصفر بواسطة الجيش الإسرائيلي، وفي غزة القديمة، إمّا عبر قوة متعددة الجنسيات وإما عبر الجيش الإسرائيلي نفسه.”
ونقلت وسائل الإعلام العبرية أجواء القلق في تل أبيب من التصميم الحاد لدى الإدارة الأميركية على “المضي قدماً وبشراسة في تنفيذ خطة ترمب، وأنها ستدوس على كل مَن يعترض طريقها” كما نقل موقع “واي نت” لصحيفة “يديعوت أحرونوت”.
وأضاف أن “نتنياهو ووزراءه المتطرفين لا يجرؤون حتى الآن على صد ترمب أو إغضابه؛ لذلك يفتش نتنياهو عن وسائل أخرى تعرقل المسار من جهة ولكن بخبث ودهاء، وليس من خلال الصدام المباشر، بل عبر إدخال تعديلات يُمكنها أن تستفز الفلسطينيين وتجعلهم يرفضونها، فلا تُتهم إسرائيل بذلك”.
والجهد الإسرائيلي الأبرز يتمثل في محاولة التأثير على مضمون قرار مجلس الأمن العتيد، ويقول المعلقون الإسرائيليون إن ترمب يسعى إلى فرض إيقاع سريع داخل مجلس الأمن لإقرار النسخة الثالثة من خطته بشأن قطاع غزة، في حين أثارت التعديلات التي أُدخلت على مسودة القرار الأميركي تحفظات إسرائيلية تتعلّق بدور الأمم المتحدة، وصلاحيات هيئة الحكم الانتقالية، ومهام قوة الاستقرار الدولية.
وهذا يزعج إسرائيل لكنها “تبلعها”، لأنها ترى أن أي بديل سيكون أسوأ؛ إذ إن روسيا والصين تستعدان للتصويت ضد القرار بصيغته الحالية، ما يُهدد بإسقاطه قبل الوصول إلى التصويت، وسط تحذيرات أميركية من أن “عرقلة المسار قد تترك فراغاً خطيراً” في إدارة المرحلة المقبلة في قطاع غزة، في حين ترى بكين وموسكو أن مشروع القرار “منحاز لإسرائيل”، ويفتقر إلى آليات المساءلة، وتطرحان مقترحات تتحدّث صراحة عن دولة فلسطينية وليس فقط مساراً نحو دولة.
ووفق ما أورده موقع “واي نت” لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، فإن تل أبيب تعترض على كثير من البنود، لكنها تمتنع عن خوض معركة لأجلها، على أمل أن يفجرها الفلسطينيون بسبب اختلافاتهم الداخلية، وعندئذ يكون نتنياهو قد ضرب عصفورين بحجر واحد.
ومن أبرز البنود التي تُثير مخاوف إسرائيل في المسودة الجديدة ما يتمحور حول تضمين تمهيد لمسار يقود إلى “تقرير المصير الفلسطيني والدولة الفلسطينية”، والدور الموسع للأمم المتحدة في الإشراف على توزيع المساعدات، وتوسيع صلاحيات “هيئة الحكم الانتقالية” المزمع تشكيلها لإدارة القطاع.
كما أن هناك خلافاً عميقاً بين واشنطن وتل أبيب حول طبيعة المرحلة الانتقالية؛ فالولايات المتحدة تسعى إلى تثبيت دور دولي واسع يشمل الأمم المتحدة ودولاً عربية، فيما تريد إسرائيل إبقاء التحكم العسكري والسياسي في يدها، ومنع أي صياغة قد تُستخدم مستقبلاً لدعم مطالب سياسية فلسطينية أو لتقييد عملياتها العسكرية.
وعدّت “القناة 13” هذا الخلاف “جوهرياً”، وقالت إن المحادثات التي جرت بين إسرائيل والولايات المتحدة على مدار الأسابيع الماضية، وفق ما يقول مسؤولون شاركوا فيها، “باتت على شفا طريق مسدود”.
المصدر : وكالة سوا - صحيفة الشرق الأوسط اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية إسرائيل تحاول إدخال تعديلات على مسودة القرار الأميركي بشأن غزة إسرائيل تخشى ضغط واشنطن للمرحلة الثانية في غزة نتنياهو : سننزع السلاح في المناطق التي تسيطر عليها حماس بغزة الأكثر قراءة الحكومة تجري تعديلا وزاريا في المالية والنقل والمواصلات حسين الشيخ يجتمع مع وفد رفيع من الاتحاد الأوروبي لبنان - شهيدان باستهداف مسيّرة إسرائيلية مركبتين اجتماع تحضيري لاحياء الذكرى الـ21 لاستشهاد ياسر عرفات عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025