هل تؤسس المحاكمات بأحداث الساحل والسويداء للعدالة الانتقالية بسوريا؟
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
دمشق- بدأت في قصر العدل بمدينة حلب اليوم الثلاثاء أولى جلسات المحاكمات العلنية للمتهمين بارتكاب انتهاكات في أحداث الساحل السوري، وذلك بعد انتهاء أعمال اللجنة المكلفة بالتحقيق فيها.
وكان رئيس "اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري" جمعة العنزي قد أعلن أنه ستبدأ صباح الثلاثاء أولى جلسات المحاكمات العلنية للمتهمين بارتكاب انتهاكات في أحداث الساحل التي جرت في السادس من مارس/آذار الماضي وما بعده.
وأكدت لجنة التحقيق في أحداث السويداء توقيف أفراد من وزارتي الدفاع والداخلية وإحالتهم إلى القضاء المختص.
وشكلت الحكومة السورية اللجنة بعد أسبوع من التوتر الأمني الذي شهدته منطقة الساحل السوري على وقع هجمات منسقة لفلول نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد ضد دوريات وحواجز أمنية، مما أوقع قتلى وجرحى.
ولاحقا، أعلنت لجنة التحقيق أنها أجرت 10 زيارات إلى بانياس، واستمعت فيها إلى أكثر من 300 شخص، كما دونت 95 إفادة بشأن الأحداث وفق المعايير القانونية في مدينة اللاذقية، إحدى أهم مدن الساحل.
وقالت اللجنة إنها تلقت أكثر من 30 بلاغا بشأن الأحداث وعاينت 9 مواقع، واستمعت إلى شهادات جهات أمنية وعسكرية ومدنية في اللاذقية، ودخلت كل المناطق التي شهدت أحداثا.
من جهتها، عرضت اللجنة الوطنية السورية للتحقيق في أحداث السويداء، أول أمس الأحد، آخر ما توصلت إليه في تحقيقاتها، وتعهدت بمحاسبة كل المتورطين في الانتهاكات التي شهدتها المحافظة في يوليو/تموز الماضي.
وقال رئيس اللجنة جمعة العنزي -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- إن اللجنة أنهت تحقيقاتها بالكامل وسلمت تقريرها النهائي إلى الجهات المرجعية منتصف تموز/يوليو الماضي.
إعلانوأوضح العنزي أن الضمانة الأساسية لعدم تكرار الانتهاكات المماثلة تكمن في تنفيذ مخرجات اللجنة ومحاسبة المتورطين بشكل فعلي، مؤكدا أن هذه الخطوة بدأت بشكل فعلي اليوم الثلاثاء بإطلاق محاكمات علنية للمتورطين.
لحظة وصول الثوار المتهمين بارتكاب انتهاكات في أحداث الساحل السوري إلى القصر العدلي بحلب لبدء أولى جلسات المحاكمات العلنية pic.twitter.com/8IC4D0MwFF
— Saeed Ayoubi (@ayoubi_94) November 18, 2025
وحول التحديات التي واجهت عمل اللجنة، سرد رئيس اللجنة جملة من العوائق، من بينها:
خروج البلاد للتو من حالة حرب طويلة. والتجاذبات والتدخلات الدولية. والمعاناة الإنسانية الهائلة التي مر بها الشعب السوري. إضافة إلى سقوط مليون ضحية للنظام السابق، ودمار واسع أنهك البلاد. وغياب الأدوات والمعايير النموذجية للتحقيق في مثل هذه الظروف الاستثنائية.وفي رده على سؤال عن أهمية العلنية في المحاكمات القادمة، أكد العنزي أن "العلنية تتيح رقابة مجتمعية وإعلامية حقيقية على عمل المؤسسة القضائية، وتعزز مبدأ الشفافية والمساءلة، وتوفر ضمانات فعلية لجميع الأطراف، بمن فيهم المتهمون أنفسهم".
وتحدث رئيس اللجنة عن ملامح المرحلة المقبلة بعد التحقيقات والمحاكمة، مشيرا إلى "ترسيخ مفهوم السلم الأهلي، وإطلاق مسار العدالة الانتقالية، وتعزيز سلطة القانون، وإنعاش الاقتصاد الوطني، وإنصاف الضحايا من خلال التطبيق السليم والحقيقي لمبدأ العدالة".
واندلعت في 13 يوليو/تموز الماضي أعمال عنف بين مسلحين دروز وعشائر بدوية في السويداء، مما أدى إلى اشتباكات واسعة ومقتل مئات المواطنين مع تدخل القوات الحكومية على خط المواجهات.
وتجدد العنف في الثالث من أغسطس/آب عندما قصفت جماعات مسلحة قوات الأمن الداخلي السوري في السويداء، في ما اعتُبر خرقا لهدنة اتفق عليها في 19 يوليو/تموز.
وفي 16 سبتمبر/أيلول، وضمن جهود حل الأزمة بدعم أردني أميركي، أعلنت الخارجية السورية خريطة طريق من 7 خطوات تتضمن:
المحاسبة. والمصالحة. وتدفق المساعدات. وتعويض المتضررين. وإعادة الخدمات الأساسية. ونشر قوات محلية. والكشف عن مصير المفقودين. "عمل استثنائي"وكشف المحامي السوري محمد حاج عبدو -في حديث للجزيرة نت- عن تفاصيل دقيقة حول آليات عمل لجنتي التحقيق في أحداث الساحل وأحداث السويداء، مشددا على أن إنجاز التحقيقات بسرعة "لم يكن مصادفة، بل نتيجة ظروف عمل استثنائية تعكس التزاما بالعدالة السريعة والفعالة".
وأوضح حاج عبدو أن "السرعة في إنجاز عمل اللجنتين الوطنيتين تعود إلى عوامل جوهرية، إذ عمل أعضاؤهما في ظروف شبيهة بالمعسكر المغلق، مع توفير كامل الإمكانيات اللوجستية، وعلى رأسها تعاون الجهات الرسمية في إحضار المطلوبين والشهود وتأمينهم. كما امتد العمل لساعات طويلة تفوق ضعف ساعات الدوام العادي، مما يعني أن الحجم الفعلي للجهود يفوق المدة الزمنية الظاهرة".
وأضاف المحامي السوري أن "سرعة تشكيل اللجنتين لعبت دورا حاسما في تسريع الإنجاز، إذ كانت الأحداث قريبة زمنيا إلى درجة تكاد تكون جرما مشهودا، مما سهل الوصول السريع إلى المشاهدات الميدانية والشهود والخبراء".
وعن المسار القضائي المقبل، أكد حاج عبدو أن المحاكمات ستجرى علنية أمام القضاء المدني العادي، دون اللجوء إلى محاكم استثنائية أو قضاء خاص. وسيكون لنقابات المحامين دور كامل في ممارسة حقوق الدفاع والادعاء، مع فتح قاعات المحاكم أمام الجمهور والصحافة دون قيود، "مما يعزز الشفافية ويبني الثقة في الإدارة الجديدة".
إعلانوأشار المحامي إلى استمرار عمل منظمات المجتمع المدني في توثيق الانتهاكات، مشيرا إلى "صدور قرارات من لجان دولية سبق أن واكبت تقارير اللجنة الوطنية، كدليل على تنوع مصادر التوثيق وتدفق المعلومات بحرية".
وقال إن أي محاسبة حقيقية ستؤدي إلى تعزيز الردع والانضباط داخل الأجهزة الأمنية، حيث "لم يعد مقبولا تحويل أي فرد إلى كبش فداء، بل سيحرص كل متهم على الدفاع عن نفسه قانونيا، بما في ذلك نفي التهم أو إسنادها إلى جهات أخرى إذا أمكن، مما يضمن عدالة شاملة".
وأرجع جزءا من التجاوزات إلى "السياق الاستثنائي الذي مرت به البلاد، إذ لم تتلقَ معظم الأجهزة الأمنية الجديدة تدريبات كافية في حفظ الأمن الداخلي، مع تركيز خبراتها على الجبهات العسكرية"، إضافة إلى "موجة الشعبوية والفزعة التي دفعت إلى ردود فعل غير مدروسة أدت إلى تجاوزات فردية".
في حلب.. بدء أولى جلسات المحاكمة العلنية للمتهمين في ارتكاب انتهاكات في أحداث الساحل مارس الماضي.. التفاصيل مراسل الجزيرة ميلاد فضل#الأخبار pic.twitter.com/RiJSydcPHk
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 18, 2025
"سابقة تاريخية"بدوره، يقول الخبير الحقوقي أحمد الحمدي إن إطلاق المحاكمات العلنية وإحالة متهمين من وزارتي الدفاع والداخلية سابقة تاريخية في سوريا ما بعد الأسد، ويعكس انتقالا حقيقيا نحو سيادة القانون.
وأكد الحمدي -في حديث للجزيرة نت- أن السرعة والشفافية في عمل اللجنتين، مع الالتزام المعلن بمعايير الأمم المتحدة، "يمنح الإدارة الجديدة رصيدا سياسيا وقانونيا مهما".
لكنه أضاف أن النجاح الفعلي مرهون بتنفيذ الأحكام دون تدخل سياسي أو انتقائية، وبتوفير ضمانات دفاع عادلة للمتهمين، وتعويض الضحايا فعليا.
وإذا نجحت هذه المحاكمات في ترسيخ مبدأ المساءلة بلا محاباة، فبرأي الحمدي ستكون خطوة تأسيسية للعدالة الانتقالية. وإلا ستُقرأ على أنها مجرد خطوة شكلية لامتصاص الغضب المحلي والضغط الدولي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات انتهاکات فی أحداث الساحل الساحل السوری أولى جلسات یولیو تموز
إقرأ أيضاً:
وسط تعهدات بالمحاسبة الشاملة.. انطلاق محاكمات «أحداث الساحل» بسوريا
البلاد (دمشق)
تتجه الأنظار في سوريا اليوم (الثلاثاء)، إلى ساحات القضاء مع انطلاق أولى جلسات المحاكمات العلنية للمتورطين في أحداث الساحل، التي شهدتها محافظات اللاذقية وطرطوس وبانياس في السادس من مارس الماضي. وتأتي هذه الخطوة بعد أشهر من التحقيقات والعمل الميداني، في ظل تأكيدات رسمية بأن العدالة ستطال جميع الأطراف دون استثناء.
وأكد رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق سابقاً، القاضي جمعة الدبيس العنزي، أن جلسات المحاكمة ستبدأ غداً الثلاثاء وستكون مفتوحة أمام وسائل الإعلام المحلية والدولية، بما يعكس – على حد تعبيره – صورة سوريا الجديدة القائمة على الشفافية وترسيخ دولة القانون. وكشف أن 10 متهمين من عناصر الأمن والمدنيين والمسلحين سيمثلون أمام القضاء، مشدداً على أن العملية تمثل لحظة فارقة في تاريخ البلاد وتشكّل رادعاً لكل من تسوّل له استهداف المدنيين أو انتهاك حقوقهم.
وأوضح العنزي وفقاً للعربية أن الوزارات المعنية، ومن بينها العدل والدفاع والداخلية، بذلت جهوداً كبيرة للوصول إلى هذه المرحلة، لاسيما أن الملف معقد ويتطلب تدقيقاً واسعاً في الإسناد القانوني وفي عمليات الملاحقة والقبض. وكانت اللجنة قد حدّدت أكثر من 563 شخصاً مشتبهًا بهم، بينهم 265 شخصاً متهمون بشن هجمات على الأمن العام، مؤكدة أن القوائم غير نهائية وأن العدالة ستأخذ مجراها مع كل من يثبت تورطه.
وفي سياق متصل، أكد المتحدث باسم لجنة التحقيق في أحداث السويداء، عمار عز الدين، أن القانون السوري سيحاسب جميع مرتكبي الانتهاكات في المحافظة، سواء كانوا من الدروز أو العشائر أو القوى الأمنية أو وزارة الدفاع، مشيراً إلى أن التحقيقات لم تثبت حتى الآن ارتكاب المقاتلين الأجانب التابعين لوزارة الدفاع لأي انتهاكات، رغم اتخاذ إجراءات بحق بعضهم بسبب مخالفتهم تعليمات الدخول إلى السويداء. ودعا كل من يمتلك أدلة على تجاوزات من أي طرف إلى تقديمها للجنة.
وشهدت السويداء قبل يومين توتراً جديداً بعد هجوم مسلحين على نقاط أمنية في قرية المجدل، ما أدى إلى اشتباكات قبل أن يعود الهدوء تدريجياً. تأتي هذه التطورات بعد اشتباكات واسعة شهدتها المحافظة في يوليو الماضي بين مسلحين دروز وعشائر البدو، وأسفرت عن موجات نزوح خوفاً من عمليات تصفية.
أما مناطق الساحل فكانت قد عاشت في مارس الماضي أربعة أيام من العنف والمواجهات بين مسلحين وعناصر الأمن العام، رافقها إحراق وسرقة منازل وتعرض مدنيين لاعتداءات مباشرة. وحمّلت الحكومة حينها مسلحين موالين للرئيس السابق بشار الأسد مسؤولية الهجمات على قواتها وإعدام العشرات منهم، فيما اتُّهمت مجموعات أخرى بارتكاب انتهاكات بحق السكان المحليين.