العلاقات السعودية الأمريكية.. 92 عامًا رؤى متقاربة ومصالح مشتركة
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
منذ أن التقت رؤية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- بحكمة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، بدأت ملامح علاقة استثنائية تتشكل بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، علاقة تجاوزت بُعدها السياسي والاقتصادي الأولي؛ لتتحول إلى شراكة إستراتيجية راسخة، تقوم على الثقة المتبادلة وتلاقي المصالح، وتثبت قدرتها على التجدد والتكيّف مع تحولات العالم وتحدياته المستمرة.
تأتي هذه العلاقة الممتدة لتؤكد موقع المملكة العربية السعودية بصفتها قوة إقليمية محورية لها حضور مؤثر في معادلة الأمن والاستقرار العالمي، فيما وجدت الولايات المتحدة في المملكة شريكًا يُعتمد عليه في ملفات الطاقة، والاقتصاد، والسياسة، والأمن الإقليمي، ولم تكن هذه العلاقة نتاج ظرف سياسي عابر، بل ثمرة مسار طويل من التعاون الذي تأسس على الثقة والمصالح المشتركة.
تعود جذور العلاقة إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حين وقَّعت اتفاقية الامتياز النفطي بين حكومة المملكة وشركة سوكال الأمريكية عام 1933، وهي الخطوة التي وضعت الأساس لعلاقة اقتصادية ستنعكس آثارها لاحقًا على المشهد السياسي.
وقد جاء اكتشاف النفط ليعزز هذا التعاون، ويمنح المملكة مكانة مركزية في أسواق الطاقة العالمية، بينما رأت الولايات المتحدة في المملكة شريكًا إستراتيجيًا يُعتمد عليه؛ لضمان تدفق آمن ومستقر للطاقة.
وتواصلت محطات التقارب إلى أن جاء اللقاء التاريخي على متن الطراد الأمريكي "كوينسي" بين الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في 14 فبراير 1945، وهو اللقاء الذي تحوّل إلى لحظة تأسيسية في العلاقات الثنائية، ففي ذلك اللقاء وضع القائدان الأسس التي قامت عليها العلاقة الحديثة، حيث أكدا أهمية الاستقرار في المنطقة، وحماية مصالح الطاقة، وتعزيز التعاون في الشؤون السياسية والأمنية، وقد أثبتت العقود التالية أن ذلك اللقاء كان بمنزلة انطلاقة لشراكة لم تهتز رغم التغيرات الدولية وتبدل الإدارات الأمريكية.
ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية اكتسبت العلاقة بُعدًا جديدًا، إذ كان الاستقرار في الشرق الأوسط عاملًا مهمًا في التوازنات الدولية، وقد اضطلعت المملكة بدور محوري في تثبيت الاستقرار، بينما قدمت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا وتقنيًا أسهم في تعزيز قدرات المملكة الدفاعية، وتوسعت الاتفاقيات في مجالات التدريب والتسليح والتعاون الاستخباراتي، وأصبحت المملكة شريكًا مهمًا في الجهود الدولية الهادفة إلى مكافحة الإرهاب، والحد من التهديدات العابرة للحدود.
وفي السنوات الأخيرة، أظهرت المملكة قدرة عالية على التوازن السياسي في تعاملها مع القوى الدولية الكبرى، بينما حافظت على شراكتها الإستراتيجية الراسخة مع الولايات المتحدة بوصفها شريكًا رئيسًا، وقد توفر هذا التوازن في ظل توجه المملكة نحو تنويع علاقاتها الدولية دون الإخلال بالتحالفات التاريخية.
وتجسَّدت متانة العلاقات السعودية - الأمريكية في تنسيق المواقف تجاه القضايا الإقليمية، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والتجارة والأمن والدفاع، إلى جانب التبادل الثقافي والعلمي المتنامي بين المؤسسات والجامعات ومراكز الأبحاث في البلدين، وقد أسهمت هذه الروابط في تعزيز حضور المملكة والولايات المتحدة على الساحة العالمية، وفي صنع القرار الدولي ضمن مجموعة العشرين (G20).
ودعمًا لتلك العلاقات المتميزة، شهد سبتمبر 2015 زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- إلى الولايات المتحدة، زيارة تحمل دلالة واضحة على متانة العلاقة بين البلدين.
والتقى الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- فخامة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وبحث معه ملفات الأمن الإقليمي، واستقرار أسواق الطاقة، ومواجهة التطرف، إضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات الدفاع والتقنية والتعليم، وأكدت الزيارة أن العلاقة بين البلدين مستمرة على أسس ثابتة، وأن التعاون المشترك يتصدر أولويات الجانبين.
وفي مارس 2017، جاءت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- إلى الولايات المتحدة، التقى خلالها فخامة رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب، وقد شكلت تلك الزيارة نقطة تحول مهمة في العلاقات الاقتصادية، حيث استعرض الجانبان الفرص الواعدة ضمن رؤية المملكة 2030، وناقشا تطوير التعاون في مجالات الدفاع والطاقة والتقنية، وأسهمت الزيارة في توقيع اتفاقيات كبيرة دعمت الاقتصاد السعودي، وشجعت الشركات الأمريكية على توسيع حضورها في المملكة.
ثم جاءت القمة السعودية - الأمريكية بالرياض في مايو 2017؛ لتكون واحدة من أبرز محطات العلاقات السعودية - الأمريكية، إذ أطلقت خلال القمة "الرؤية الإستراتيجية المشتركة" للبلدين، التي ترسم مسارًا مجددًا نحو شرق أوسط ينعم بالسلام، حيث التنمية الاقتصادية والتجارة والدبلوماسية سمات العمل الإقليمي والدولي، كما شهدت القمة توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم تتجاوز قيمتها 280 مليار دولار، إضافة إلى تدشين المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف اعتدال، كدليل واضح على التزام البلدين بمحاربة التطرف، وتعزيز الأمن الفكري.
وفي سياق التطور المتسارع للعلاقات، شهد مارس 2018 لقاءً جديدًا بين سمو ولي العهد والرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض، حيث ناقشا ملفات الدفاع، والصناعات العسكرية، والاستثمار، إضافة إلى مجالات التقنية والابتكار، وقد أكد اللقاء أهمية تعزيز الشراكة في مواجهة التحديات الإقليمية، خاصة ما يتعلق بالأمن البحري وملفات الاستقرار في الشرق الأوسط، وأسهمت الزيارة في رفع مستوى التعاون الصناعي والتقني، وتعزيز حضور الشركات الأمريكية في مشاريع الرؤية، ودفع العلاقات إلى مستويات أكثر عمقًا واتساعًا.
وفي يوليو 2022، شهدت جدة محطة بارزة في تاريخ العلاقات، حيث التقى خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد -حفظهما الله- فخامة الرئيس الأمريكي الأسبق جوزيف بايدن، وبُحثت خلال اللقاء ملفات الأمن الإقليمي، والتعاون في مجالات الطاقة التقليدية والمتجددة، إضافة إلى الفرص الاقتصادية والاستثمارية، كما عقد سمو ولي العهد جلسة مباحثات موسعة مع الرئيس بايدن، تناولت تعزيز الشراكة الدفاعية والتقنية، وتطوير آليات التنسيق السياسي.
ووقع الطرفان على هامش الزيارة 18 اتفاقية ومذكرة للتعاون المشترك في مجالات الطاقة، والاستثمار، والاتصالات، وتقنية المعلومات، والفضاء، والصحة، والصناعة، إلى جانب اتفاقية شراكة في مجالات الطاقة النظيفة، تتضمن تحديد مجالات ومشروعات التعاون في هذا المجال، وتعزيز جهود البلدين في نشر الطاقة النظيفة والعمل المناخي بما في ذلك التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
وواصلت العلاقات السعودية - الأمريكية نهجها الراسخ، حيث بعث خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد -حفظهما الله- برقيتي تهنئة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب؛ إثر فوزه في انتخابات نوفمبر 2024، مؤكدين حرص المملكة على تعزيز التعاون الثنائي، وفي يناير 2025 أجرى سمو ولي العهد اتصالًا هاتفيًا بالرئيس ترمب، ناقشا خلاله ملفات الأمن الإقليمي والطاقة والتعاون الاقتصادي، إلى جانب آليات دعم الشراكات القائمة بين البلدين، في تأكيد على أن التواصل السياسي بين الرياض وواشنطن يُمثّل ركيزة أساسية في علاقاتهما الثنائية.
وفي 13 مايو 2025، شهدت الرياض حدثًا مهمًا تمثَّل في زيارة الدولة التي قام بها الرئيس دونالد ترمب إلى المملكة، وهي زيارة مثلت امتدادًا لمسار التعاون المتصاعد، ووُقعت خلال الزيارة وثيقة الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية، وهي وثيقة تشمل مختلف جوانب التعاون بين البلدين، وتؤسس لمرحلة جديدة من العمل المشترك، كما وقَّع الجانبان سلسلة من الاتفاقيات والمذكرات التي تناولت مجالات الدفاع، والتعدين، والطاقة، والصحة، والبحث العلمي، والفضاء.
وشهدت الزيارة أيضًا توقيع اتفاقية تنفيذية بين وكالة الفضاء السعودية ووكالة ناسا، للتعاون ضمن مشروع كيوب سات لرصد الطقس الفضائي في إطار مهمة أرتميس 2، وهو ما يعكس دخول المملكة مرحلة متقدمة من التطور العلمي والتقني، ويعزز حضورها في قطاع الفضاء العالمي، كما وُقِّع عدد من الاتفاقيات بين مؤسسات سعودية وأمريكية في مجالات الصحة والبيئة، والبحث العلمي، والتعليم العالي، وهي جميعها مجالات تمثل أولوية في المرحلة القادمة، وقد جاءت هذه الخطوات لتؤكد عمق الشراكة، وتفتح آفاقًا جديدة بين البلدين الصديقين.
وفي اليوم ذاته، احتضنت الرياض منتدى الاستثمار السعودي - الأمريكي، بحضور سمو ولي العهد والرئيس ترمب، وهو أحد أكبر الفعاليات الاقتصادية في تاريخ البلدين، حيث شارك فيه أكثر من 2000 مسؤول ومستثمر من الجانبين، واستعرض المنتدى الفرص الاستثمارية النوعية التي توفرها رؤية المملكة 2030، بما في ذلك المشاريع المرتبطة بالمدن الاقتصادية، والمناطق اللوجستية، والتقنية المتقدمة، والطاقة المتجددة.
يعمل البلدان على فرص شراكة بقيمة 600 مليار دولار، من بينها اتفاقيات بقيمة تزيد على 300 مليار دولار تم الإعلان عنها خلال منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي الذي عُقد في شهر مايو (2025م) في الرياض، مما يعكس الشراكة المتنامية والتعاون المستمر بين البلدين في مختلف المجالات؛ بما يعزز المنافع المتبادلة ويدعم فرص العمل في المملكة، ويسهم في توطين الصناعات ونمو الناتج المحلي.
وخلال المنتدى، أعلن الرئيس ترمب بدء إجراءات رفع العقوبات عن سوريا، مشيرًا إلى أن القرار جاء بعد نقاش مباشر مع سمو ولي العهد، وهو ما يؤكد الدور المؤثر للمملكة في تعزيز الاستقرار الإقليمي ودعم جهود الحل السياسي، وقد شكّل الإعلان حدثًا مهمًا في مسار التعامل مع الملف السوري.
وفي 14 مايو 2025، جاءت محطة سياسية مهمة تمثَّلت في اللقاء المشترك الذي ضم سمو ولي العهد، والرئيس ترمب، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان -عبر الاتصال الهاتفي-، والرئيس السوري أحمد الشرع؛ لبحث مستقبل الأوضاع في سوريا، وقد تناول اللقاء سبل دعم الاستقرار، وآليات تعزيز الأمن، وتهيئة البيئة الملائمة لإعادة الإعمار، في خطوة تؤكد الدور السعودي في تقريب وجهات النظر الإقليمية والدولية المتعلقة بالقضية السورية.
ويتشارك البلدان الرؤى ذاتها حيال قضايا المنطقة، والسعي نحو منطقة يسودها الأمن والاستقرار والازدهار، مع أهمية حل النزاعات الدولية بالطرق الدبلوماسية والسلمية، وتخفيف الأزمات الإنسانية عن طريق تقديم الدعم الاقتصادي والمالي لدول المنطقة الأكثر احتياجًا، وفي هذا السياق، ثمَّنت المملكة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في غزة، وإنهاء المعاناة الإنسانية، وإعادة إعمار القطاع، وتسهيل وصول المساعدات دون قيود، ورفض ضمّ الضفة الغربية، مؤكدة دعمها كافة الجهود الرامية للوصول إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
ويُعد التعاون السعودي - الأمريكي في مجال الدفاع من أقدم مسارات العلاقة، إذ ساعدت الولايات المتحدة المملكة في تطوير قدراتها العسكرية منذ عقود، من خلال التدريب، وإمداد القوات المسلحة بالأنظمة المتقدمة، وأسهم التعاون بين الجانبين في دعم جهود تطوير قطاع الصناعات العسكرية في المملكة، من خلال نقل المعرفة وتوطين التقنيات العسكرية محليًا، وتنمية الكفاءات البشرية المتخصصة في مجالات التصنيع والتطوير، تحقيقًا لمستهدفات رؤية 2030 في توطين نحو 50% من الإنفاق العسكري للمملكة، وتحويلها إلى مركز لوجستي إقليمي وعالمي في هذا المجال.
وشهد التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين تطورًا كبيرًا، وأسهم في إحباط العديد من العمليات الإرهابية، وفي تعزيز الأمن الإقليمي خلال العقدين الماضيين، وقد عمل الجانبان جنبًا إلى جنب في برامج مكافحة التطرف، وتبادل المعلومات، وحماية البنية التحتية الحيوية، ودعم الجهود الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة.
وتواصل العلاقات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة نموها المستمر، إذ بلغ حجم التجارة بين البلدين نحو 500 مليار دولار خلال الفترة من 2013 إلى 2024، وفي عام 2024 وحده بلغ حجم التبادل التجاري 32 مليار دولار، منها صادرات سعودية بلغت 13 مليار دولار، وواردات بقيمة 19 مليار دولار، توزعت على قطاعات المعادن، والمنتجات الكيميائية، والآلات، والمعدات، والألمنيوم، والمنتجات الزراعية، والمواد الطبية.
وتُصنّف الولايات المتحدة واحدة من أهم الوجهات الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة، إذ يعمل الصندوق من منظور إستراتيجي بعيد المدى على بناء شراكات نوعية وتمكين متبادل للقدرات، بما يعزز التكامل في سلاسل القيمة والتمويل والابتكار، واستحوذت الولايات المتحدة على 40% من محفظته العالمية؛ مما يعكس الثقة الكبيرة في الاقتصاد الأمريكي واستقراره، كما أن المملكة مستمرة في استقطاب الشركات الأمريكية الكبرى للمشاركة في مشاريعها الإستراتيجية ضمن رؤية 2030.
وتعمل في المملكة نحو 1300 شركة أمريكية، منها 200 شركة تتخذ الرياض مقرًا إقليميًا لأعمالها، ويشمل نشاط هذه الشركات مجالات الطاقة والصناعة والخدمات المالية والتقنية والصحة والتعليم، وأسهمت هذه الشركات في نقل التقنيات الحديثة، وفي تطوير الكفاءات السعودية، وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال مشاركتها في مشاريع ضخمة.
وفي مجال الطاقة عززت شركة أرامكو السعودية علاقاتها وروابطها التاريخية مع الشركات الأمريكية الممتدة لتسعة عقود، من خلال توقيعها 34 مذكرة تفاهم واتفاقية بين مجموعة الشركات التابعة لها وعدد من الشركات الأمريكية الكبرى في شهر مايو (2025م)، في مجالات مختلفة، وذلك بقيمة تقارب 90 مليار دولار أمريكي؛ بهدف تطوير أعمال أرامكو السعودية، وتعزيز التنوع الإستراتيجي لمحفظتها الاستثمارية، وتسريع وتيرة الابتكار الصناعي، وتنمية القدرات الصناعية والتقنية والتجارية في المملكة.
ويُشكِّل مشروع صدارة بين "أرامكو السعودية" وشركة "داو الأمريكية" أحد أكبر المشاريع الكيميائية في العالم، وهو مشروع يعكس طبيعة التعاون الصناعي بين البلدين، ويؤكد أهمية الشراكات الإستراتيجية في تطوير الصناعات المتقدمة، وقد ساعد المشروع في توفير منتجات كيميائية متطورة، وتعزيز القيمة المضافة لقطاع النفط، وإيجاد فرص وظيفية للمواطنين.
وتعمل "أرامكو" على زيادة استثماراتها في مصفاة "موتيفا" في تكساس، ودمج إنتاج البتروكيماويات مع إنتاج الوقود في هذه المصفاة العملاقة، كما تخطط لتوسيع أعمالها في مجال الغاز الطبيعي المُسال في الولايات المتحدة، حيث وقعت الشركة اتفاقيتين لمدة 20 عامًا لتوريد الغاز الطبيعي المُسال من منشآت مُنفصلة في تكساس.
وتعزيزًا للتحول العالمي نحو مستقبل مستدام واقتصاد طاقي أكثر تنوعًا وكفاءةً، أسّس البلدان خلال العقود الماضية في قطاعات البترول والغاز والبتروكيماويات تعاونًا وثيقًا، تُوّج بتوقيع 54 اتفاقية ومذكرة تفاهم في قطاع الطاقة، ويتطَّلع البلدان إلى توسيع هذا التعاون ليشمل الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف وكفاءة الطاقة، بما ينسجم مع رؤية المملكة 2030.
وفي مجالات الطاقة التقليدية والمتجددة، استمر التنسيق بين المملكة والولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق باستقرار أسواق النفط العالمية، وتعزيز القدرات المشتركة في قطاع الطاقة النظيفة، وشاركت الشركات الأمريكية في مشاريع سعودية كبرى في الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والهيدروجين النظيف؛ مما يؤكد الالتزام المشترك بدعم انتقال الطاقة، كما تعاون البلدان في مبادرات دولية متعددة تشمل التعهد العالمي للميثان، ومنتدى الحياد الصفري للمنتجين، والاجتماعات الوزارية للطاقة والمناخ.
ويُشكِّل قطاع الفضاء واحدًا من أبرز مجالات التعاون الحديثة، حيث تعمل المملكة على تطوير قدراتها في هذا القطاع الحيوي، وقد أسهم التعاون مع وكالة ناسا الأمريكية في فتح آفاق بحثية وعلمية جديدة، كما دعمت الاتفاقيات الموقعة خلال زيارة الرئيس ترمب تطوير برامج الأقمار الصناعية، وأنظمة الاستشعار، والبحوث الفضائية، ويدل هذا التعاون على توجه المملكة نحو الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة وتعزيز مكانتها العلمية.
وبرزت المملكة بصفتها وجهة رئيسة للاستثمارات الأمريكية في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية ومراكز البيانات، إذ تجاوزت قيمة الاستثمارات الأمريكية في هذه المجالات 13 مليار دولار، وتعاونت المملكة مع شركات مثل: AWS، Microsoft، Google Cloud، Oracle، وغيرها في مشاريع تتعلق ببناء بُنى تحتية متقدمة للبيانات، وتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز قدرات الأمن السيبراني، وأسهمت هذه الشراكات في رفع مستوى الابتكار التقني داخل المملكة، وفي دعم جهود التحول الرقمي ضمن رؤية 2030.
وللشراكات السعودية الأمريكية دور مهم في تطوير قطاع الذكاء الاصطناعي في المملكة، من خلال دخولها في مشاريع مشتركة واعدة، حيث أُطلقت شركتا "هيوماين" و"سكاي" المتخصصتان في مجال الذكاء الاصنطاعي، وبرنامج الابتعاث الخارجي لدراسة الذكاء الاصطناعي.
كما شهد التعاون الصحي بين المملكة والولايات المتحدة نموًا كبيرًا، إذ عمل الجانبان على تطوير برامج مشتركة في مجالات الصحة العامة، والأبحاث الطبية، والتقنيات الحيوية، ومكافحة الأوبئة، وقد وُقِّع عددٌ من الاتفاقيات بين مؤسسات صحية سعودية وأمريكية؛ تهدف إلى تبادل الخبرات، وتطوير القدرات الطبية، ودعم التدريب والبحث العلمي، ويُمثِّل التعاون في المجال الصحي ركيزة مهمة في العلاقات، خاصة في ظل التحديات الصحية العالمية.
وفي قطاع النقل والخدمات اللوجستية، وجدت الشركات الأمريكية فرصًا واسعة في مشاريع البنية التحتية، والموانئ، والمطارات، وأنظمة النقل الذكية، وأسهم هذا التعاون في دعم جهود المملكة لتطوير بنيتها اللوجستية وتعزيز مكانتها بصفتها مركزًا عالميًا للتجارة والخدمات.
ومكَّنت هذه التجربة التعليمية من بناء جيل سعودي يمتلك المعرفة والخبرة العالمية، ويُسهم في تطوير القطاعات الحيوية داخل المملكة، كما شهدت العلاقات التعليمية توقيع أكثر من 289 اتفاقية تعاون بين الجامعات السعودية والأمريكية؛ مما يعزز التنسيق الأكاديمي ويسهم في تطوير المناهج والبرامج البحثية، وفي المقابل، تمنح المملكة سنويًا 318 منحة دراسية للطلاب الأمريكيين؛ مما يعزز التبادل الثقافي والعلمي بين البلدين.
وثقافيًا، توسعت دائرة التعاون خلال السنوات الأخيرة لتشمل السينما، والفنون، والموسيقى، والمتاحف، والتراث، والمشاريع الثقافية المشتركة، وقد شاركت مؤسسات ثقافية أمريكية في فعاليات ومعارض داخل المملكة، كما شهدت الولايات المتحدة تنظيم فعاليات ثقافية سعودية تبرز تاريخ المملكة وتراثها وإرثها الحضاري، وأسهم هذا التبادل الثقافي في تعزيز التفاهم بين المجتمعين، وبناء جسور إنسانية تعكس عمق العلاقات بين البلدين.
وتؤكد هذه المسيرة الطويلة من التعاون أن العلاقات السعودية - الأمريكية ليست علاقة ظرفية، بل شراكة مبنية على أسس راسخة من المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وتُمثل هذه الشراكة حجر زاوية في استقرار المنطقة، كما تسهم في دعم الاقتصاد العالمي، وتعزيز الأمن الدولي، وتوفير بيئة ملائمة للتنمية.
وتعكس الزيارة الحالية لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ تلبيةً لدعوة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، تقدير فخامته لمكانة المملكة السياسية وثقلها على المستويين الإقليمي والدولي، ودورها المحوري والمؤثر في تعزيز أمن واستقرار المنطقة والعالم.
ويبدو جليًا أن العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية ستبقى واحدة من أهم العلاقات في العالم؛ لأنها تستند إلى تاريخ طويل من الثقة والعمل المشترك، ومع استمرار التقارب السياسي، وتوسع الشراكات الاقتصادية، وتزايد التعاون في القطاعات الحيوية، فإن هذه العلاقة ستظل ركيزة أساسية في دعم الاستقرار الإقليمي والازدهار العالمي لسنوات طويلة قادمة.
المصدر: صحيفة عاجل
كلمات دلالية: أهم الآخبار المملکة العربیة السعودیة سلمان بن عبدالعزیز والولایات المتحدة العلاقات السعودیة الشرکات الأمریکیة التعاون فی مجالات الولایات المتحدة الذکاء الاصطناعی فی مجالات الطاقة الرئیس الأمریکی التعاون فی مجال الأمن الإقلیمی تعزیز التعاون سمو ولی العهد الأمریکیة فی الرئیس ترمب تعزیز الأمن بین البلدین دونالد ترمب بین المملکة هذا التعاون ملیار دولار فی المملکة إضافة إلى فی مشاریع المتحدة ا فی تطویر وتعزیز ا دعم جهود فی تعزیز من خلال آل سعود فی قطاع ا مهم ا رئیس ا فی هذا شریک ا فی دعم
إقرأ أيضاً:
وزير الكهرباء يبحث مع نظيره التشادي تعزيز برامج التدريب ونقل الخبرات
التقى الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة ، والمهندس باساليه كيغنابي مارسيلين وزير المياه والطاقة بجمهورية تشاد، فى جلسة مباحثات على هامش المشاركة فى أعمال اللجنة المشتركة المصرية التشادية فى دورتها الثالثة التى انعقدت امس الاحد، بالنادي الدبلوماسي بالقاهرة
تناول اللقاء بحث سبل دعم الشراكة والتعاون فى مختلف مجالات الكهرباء وتعزيز برامج التدريب ونقل الخبرات وبناء القدرات وتنمية المهارات من خلال زيادة الدورات التدريبية المتخصصة الذى يقدمها القطاع، وتطرق اللقاء الى تعزيز التعاون بين مصر وتشاد في مشروعات البنية التحتية اللازمة لقطاع الكهرباء ، ومشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة وتنمية الموارد البشرية ، وشمل اللقاء نقاشا موسعا حول الاجراءات اللازمة لتشجيع الاستثمارات الخاصة ودفع شركات القطاع الخاص فى البلدين إلى الدخول فى شراكات استثمارية في مجالات الكهرباء والطاقة المتجددة وتذليل العقبات أمام الاستثمار في هذه المجالات فى اطار الشراكة بين الدولتين ،و مذكرة التفاهم التى تم توقيعها بين الجانبين على هامش انعقاد اللجنة، لتعزيز التعاون المشترك في مجالات الكهرباء والطاقة المتجددة المختلفة
قال الدكتور محمود عصمت ، أن قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة شريكاً فعالاً ونشطاً في دفع عجلة التنمية المستدامة في قارة افريقيا، من خلال العديد من المشروعات فى مختلف المجالات المتعلقة بالكهرباء والطاقة المتجددة ، موضحاً استمرار العمل على نقل التجربة المصرية ، وتبادل الخبرات مع الاشقاء في الدول الأفريقية ، مشيرا إلى الاهتمام الذى توليه الدولة للتحول في الطاقة والذى تم ادراك أهميته مبكراً حيث تم اعداد الاستراتيجية الوطنية للطاقة حتى عام 2040 والتي تستهدف تعظيم مشاركة قدرات الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لتصل نسبتها إلى حوالي 42% عام 2030 وأكثر من 65% عام 2040، بالإضافة إلي تعظيم إجراءات كفاءة الطاقة بهدف ترشيد الاستهلاك في كافة القطاعات بنسبة 18% بحلول عام 2040 ، موضحا الخطوات الهامة التي تم اتخاذها لتهيئة بيئة استثمارية جاذبة للقطاع الخاص في مجالات الطاقات المتجددة وإصلاح البنية التشريعية لقطاع الكهرباء والتي من بينها إصدار قانون الكهرباء الذى يستهدف تحرير سوق الكهرباء، وإصدار قانون لتحفيز الاستثمار فى مجال الطاقة المتجددة والمتضمن الآليات التي تساعد المستثمر على الدخول في هذا المجال ، مرحبا بالتعاون مع دولة تشاد