كيف يحمي النظام المالي الأمريكي نفسه من تضارب المصالح؟
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
كشفت إفصاحات حديثة صدرت السبت 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في واشنطن عن قيام أدريانا دي. كوغلار، العضوة السابقة بمجلس محافظي بنك الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي الأميركي)، بعدة عمليات شراء وبيع لأسهم فردية لشركات مثل "آبل" و"ساوث ويست إيرلاينز" و"كافا"، والأخيرة هي شركة مطاعم، خلال ما يُعرف بفترة الحظر التي تسبق اجتماعات السياسة النقدية، والتي يُمنع خلالها المسؤولون من التعامل في سوق الأسهم والسندات.
وكتبت كوغلار في استمارات الإفصاح أن العمليات المشار إليها أُجريت من قبل زوجها دون علمها، مشيرة إلى أن زوجها إغناسيو دونوسو- وهو محامٍ مختص بقضايا الهجرة- لم يتعمد مخالفة أي قواعد أو سياسات.
ولم تكن تلك المرة الأولى التي تخالف فيها كوغلار قواعد التداول، إذ كانت قد ذكرت في إفصاح مالي قدمته العام الماضي أن "أربع صفقات بأسهم شركات فردية نُفذت من قبل زوجها دون علمها"، مؤكدة أن زوجها لم يتعمد انتهاك القواعد.
وكانت كوغلار قد استقالت بشكل مفاجئ من منصبها في البنك الفدرالي في أغسطس/آب الماضي، وقبل أشهر قليلة من انتهاء ولايتها في يناير/كانون الثاني المقبل، وأشارت وقتها إلى أنها تنوي العودة إلى جامعة جورج تاون للتدريس، رغم أن الاستقالة جاءت في وقت العطلة الدراسية الصيفية!
وزاد من غموض ظروف استقالة كوغلار أنها جاءت في وقت مضطرب بالنسبة للبنك الفدرالي، إذ كان يواجه محاولات متكررة من الرئيس دونالد ترامب لزيادة عدد مؤيدي سياساته الاقتصادية داخل لجنة السوق الفدرالية المفتوحة، التي تحدد السياسة النقدية في الاقتصاد الأكبر في العالم.
استغلال غير مشروع
وتحظر القواعد في أميركا على كبار مسؤولي البنك الفدرالي، وعلى أزواجهم وأطفالهم، التداول في أسهم الشركات الفردية، بينما تسمح لهم بالاستثمار في صناديق الاستثمار المشتركة، وغيرها من الأدوات المتنوعة. ومنذ فترة طويلة، يُمنع إجراء أي معاملات خلال الأسبوعين السابقين لاجتماعات تحديد أسعار الفائدة.
إعلانويمتلك مسؤولو البنك الفدرالي معلومات داخلية لا تتوفر عادة للمتعاملين في الأسواق المالية، وتشمل بيانات اقتصادية غير منشورة، ونقاشات حول اتجاهات أسعار الفائدة، وتوقيت وحجم برامج شراء البنك الفدرالي للسندات.
وعندما يُسمح لهؤلاء الأفراد بالتداول في الأسواق التي تتأثر مباشرة بقراراتهم، فإنهم يحولون منصب الثقة العامة إلى فرصة للكسب الشخصي. وتعد فترة الأسبوعين التي تسبق اجتماعات اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة (FOMC)، والمعروفة بفترة الحظر، هي الأكثر خطورة، حيث تشوب عمليات التداول وقتها شبهة استغلال غير مشروع للمعلومات.
وكان البنك الفدرالي قد شدد قواعد التداول في عام 2022 بعد أن تبين أن عددا من محافظيه المشاركين في اتخاذ قرار أسعار الفائدة، قد أجروا عدة صفقات في الأسواق المالية، في الوقت الذي كان البنك فيه يتخذ خطوات حازمة لدعم الاقتصاد مع بداية جائحة كورونا.
واستقال رئيسا فرعي البنك الفدرالي في بوسطن ودالاس عام 2021؛ بسبب تلك الفضيحة، كما أُثيرت شبهات حول صفقات ريتشارد كلاريدا، نائب رئيس البنك آنذاك، الذي استقال في يناير/كانون الثاني 2022.
وخالف رافائيل بوستيك، رئيس فرع البنك الفدرالي في أتلانتا، القواعد أيضا، واضطر في وقت لاحق لتصحيح بيانات إفصاحه المالي. وأعلن بوستيك الأربعاء الماضي، أنه سيتقاعد في نهاية فبراير/شباط القادم.
تحظر القواعد في أميركا على كبار مسؤولي البنك الفدرالي، وعلى أزواجهم وأطفالهم، التداول في أسهم الشركات الفردية، بينما تسمح لهم بالاستثمار في صناديق الاستثمار المشتركة، وغيرها من الأدوات المتنوعة. ومنذ فترة طويلة، يُمنع إجراء أي معاملات خلال الأسبوعين السابقين لاجتماعات تحديد أسعار الفائدة
قواعد مستقرة
ومع الاعتراف بوجود حالات تعارض مصالح بين بعض مسؤولي البنك الفدرالي في الولايات المتحدة، يتميز النظام الأميركي بقدرة مؤسساته على الكشف عن هذه الممارسات والتحقيق فيها بشكل علني ومتدرج.
فعندما تظهر مؤشرات على تعاملات مالية غير مناسبة أو إفصاحات غير مكتملة قد تمس حياد صانعي السياسة النقدية، تبدأ الجهات الرقابية، وعلى رأسها مكتب المفتش العام، بمراجعة الملفات وتدقيق البيانات المالية، سواء الواردة في تقارير دورية، أو التي تكشف عنها وسائل الإعلام الموثوق بها.
وفي معظم الحالات، لا يستغرق الأمر وقتا طويلا قبل أن يعلن المسؤول المتهم مغادرة منصبه، إدراكا منه بأن استمرار الجدل قد يضر بسمعة البنك وبثقة الأسواق في حياده واستقلاليته.
وأصبحت الاستقالة خطوة شبه تلقائية في العديد من القضايا، حتى قبل صدور النتائج النهائية للتحقيقات، الأمر الذي يعكس حساسية البنك تجاه أي شبهات يمكن أن تقدم صورة خاطئة عن نزاهة عملية اتخاذ قرار السياسة النقدية، الذي يؤثر في حياة ملايين الأميركيين، وفي أرباح آلاف الشركات العاملة في أميركا.
وتسهم القواعد المستقرة من الرقابة والإفصاح والاستقالة الطوعية عند اللزوم في حماية مصداقية البنك الفدرالي والحفاظ على استقلاليته أمام الرأي العام والأسواق المالية، كما تعزز رسوخ ثقة المستثمرين في حيادية السياسات، رغم أي تجاوزات قد تحدث من حين إلى آخر.
تواطؤ صامت وغياب الردع
وعلى النقيض، وفي الجانب الآخر من الكرة الأرضية، تمر حالات تضارب المصالح في أغلب الأحوال بلا محاسبة أو حتى تحقيق شكلي، وكأنها جزء طبيعي من المشهد العام.
وفي العديد من البلدان النامية والناشئة، يمتلك المسؤولون نفوذا يسمح لهم باستخدام مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية، دون خوف من الرقابة أو القانون، فيتحول تضارب المصالح من استثناء إلى قاعدة غير معلنة.
إعلانولا يعكس الغياب الواضح للردع مجرد ضعف في مؤسسات الرقابة، بل يشير في كثير من الأحيان إلى حالة من التواطؤ الصامت أو الرضا الضمني عن الفساد، سواء من قبل النخب السياسية أو حتى بعض فئات المجتمع التي اعتادت رؤية هذه الممارسات كأمر طبيعي لا جدوى من مقاومته.
ومع الوقت، تصبح منظومة الحكم نفسها مبنية على تبادل المنافع، فيتراجع دور القانون ويتضخم دور الولاءات والعلاقات الشخصية.
وتؤدي هذه الديناميكية إلى تشويه المنافسة الاقتصادية، وإضعاف الخدمات العامة، وضرب ثقة الناس في أي حديث عن الإصلاح.
ولا يوفر غياب المحاسبة في مثل هذه السياقات حصانة للمسؤولين فحسب، بل يرسخ ثقافة فساد يصعب اقتلاعها، لأن جذورها تمتد إلى داخل المؤسسات، وإلى الوعي العام برمته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات البنک الفدرالی فی السیاسة النقدیة التداول فی
إقرأ أيضاً:
البنك الدولي: استعادة الثقة باليمن تبدأ من مؤسسات فاعلة وتمويل مستقر
شددت مسؤولة بارزة في البنك الدولي على أن استعادة الثقة بالاقتصاد الوطني باليمن لا يمكن أن تتحقق دون وجود مؤسسات قادرة على أداء وظائفها بفعالية وتمويل مستقر يُمكن التنبؤ به، إلى جانب تحقيق تقدّم حقيقي نحو السلام بما يسمح بإحياء النشاط الاقتصادي وتهيئة بيئة التعافي.
وقالت دينا أبو غيدا، مديرة مكتب البنك الدولي في اليمن : "يعتمد تحقيق الاستقرار الاقتصادي في اليمن على تعزيز الأنظمة التي تضمن استمرار الخدمات وحماية سبل العيش، وأن استعادة الثقة تستلزم وجود مؤسسات فعالة، وتمويلاً مستقراً، إلى جانب التقدّم نحو السلام".
وأكدت دينا أبو غيدا أن "تعزيز الثقة" يتطلب تماسكًا مؤسسيًا، وإدارة رشيدة للموارد، وتمويلًا ثابتًا، مشددة على أن أي تحسن اقتصادي سيظل هشًا ما لم يرافقه استقرار سياسي وأمني يتيح إطلاق عملية تعافٍ حقيقية.
أوضح تقرير المرصد الاقتصادي لليمن الصادر عن البنك أن الاقتصاد شهد خلال النصف الأول من 2025 ضغوطًا خانقة نتيجة استمرار الحصار المفروض على صادرات النفط، وتراجع المعونات، وارتفاع التضخم، ما أدى إلى توقعات بانكماش الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 1.5% خلال العام ذاته.
وأشار التقرير إلى أن الأسر في مناطق الحكومة الشرعية تواجه تراجعًا حادًا في القدرة الشرائية بفعل انهيار العملة، إذ ارتفع سعر سلة الغذاء بنسبة 26% مقارنة بالعام السابق، نتيجة وصول سعر الدولار إلى 2905 ريالات يمنية في يوليو قبل أن تعيد إجراءات الاستقرار السعر إلى 1676 ريالًا مطلع أغسطس.
وكشف التقرير أن إيرادات الحكومة تراجعت بنسبة 30% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ما أجبر السلطات على خفض الإنفاق العام وتعطيل العديد من الخدمات الحيوية وتأخير صرف رواتب موظفي الدولة.
وفي المقابل، تعاني مناطق سيطرة الحوثيين من أزمة سيولة خانقة نتيجة الضربات الجوية على الموانئ الرئيسية وفرض قيود إضافية على الواردات.
وأظهرت بيانات البنك الدولي أن أكثر من 60% من الأسر في مناطق الحكومة والحوثيين على حد سواء تواجه صعوبة بالغة في تأمين احتياجاتها الغذائية، في ظل انخفاض المساعدات الدولية إلى أدنى مستوى منذ أكثر من عشر سنوات، إذ لم يتم تمويل سوى 19% من خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية حتى سبتمبر 2025. وأدى ارتفاع أسعار الغذاء وتراجع فرص العمل إلى لجوء كثير من الأسر إلى آليات تكيف خطيرة، بينها الاستدانة، وتقليل الوجبات الغذائية، وأحيانًا التسول.
نبّه التقرير إلى أن القطاع المصرفي يواجه تحديات متزايدة مع انتقال عدد من البنوك من صنعاء إلى عدن لتجنب القيود الحوثية، في وقت تتقلص فيه احتياطيات النقد الأجنبي ويستمر الضغط على الواردات.
ويرى البنك الدولي أن الآفاق الاقتصادية لعام 2025 "شديدة القتامة"، خصوصًا مع استمرار الحصار على صادرات النفط وتراجع الدعم الدولي. لكنه شدد على أن نجاح أجندة الإصلاح المالي والنقدي يمكن أن يفتح نافذة محدودة لإنعاش الاقتصاد وإضعاف آثار الانكماش، شرط إحراز تقدّم على مسار السلام.