في هذه المرحلة الدقيقة من مراحل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وفي ظل تحوّلات دراماتيكية تعيشها قوى المقاومة في لبنان وغزة والمنطقة، يبدو "حزب الله" مُحاطاً بجملة من التحديات المصيرية. فالحزب الذي نشأ في سياق مجابهة الاحتلال الإسرائيلي للبنان منذ العام  1982، وتطوّر ليصبح قوة سياسية وعسكرية يمتد تأثيرها إلى دول عديدة في المنطقة، يجد نفسه اليوم أمام امتحان صعب.

إمتحانٌ لا يقتصر على الاستمرار في دوره كمقاومة مسلحة، ولا على المشاركة الفعّالة في منظومة الحكم اللبنانية المعقّدة، بل يتعداها إلى الحفاظ على فكرة "الممانعة" التي تمحور حولها تحالفٌ جمعه مع إيران وسوريا، وفصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وقوى أخرى في العراق واليمن. التحالف سُمّي بالمحور، ووُصف "حزب الله" تارة بأنه "درّة تاجه" وتارة أخرى بأنه "قلبه"، لكنّه يواجه اليوم متغيّرات استراتيجية أبرزها التحول في أولويات إيران بعد تقاربها المرحلي مع قوى غربية وإقليمية، وتبدّل التموضعات السياسية في العالم العربي والاهم من ذلك نتائج الحرب الأخيرة التي أرست قواعد اشتباك جديدة ليست في صالح الحزب ولا المحور الذي يضمه.

"عربي 21" ينشر حلقة جديدة من سلسلة مقالات حول "حزب الله"، يستعرض فيها تأثير الحرب الأخيرة في صيف 2024 على الحزب ولا سيما بعد اغتيال أمينه العام وكبار قادته، كما سيتناول التحديات السياسية والاجتماعية والدينية المحيطة بالحزب مع تصاعد الدعوات لنزع سلاحه، ويعرض السيناريوهات المستقبلية لمساره السياسي والعسكري.

شهد "حزب الله" في نهاية صيف العام 2024 حربًا مدمّرة بلغت ذروتها باغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله وكبار قادته في سلسلة ضربات إسرائيلية خاطفة إستخدمت التكنولوجيا العسكرية بنحوٍ غير مسبوق من حيث الدقة في تحديد الهدف وسرعة التنفيذ. شكّل ذلك نقطة تحول مفصلية في مسار الحزب، وكذلك مسار المحور الذي ينتمي إليه إذ سقط نظام بشار الأسد في سوريا إثر هروبه إلى روسيا، ما أثار تساؤلات حول التبعات السياسية والعسكرية والاجتماعية وحتى الدينية على بنية حزب الله الداخلية وخطابه، فضلًا عن مستقبل دوره في لبنان والإقليم بعد فقدان شخصياته المحورية وبعد إغلاق ممرّ السلاح والدعم عبر سوريا بفعل سقوط النظام ما عرقل الإمدادات ووسائل الدعم.

تغييرات بُنية الحزب والخطاب بعد الحرب

أحدثت حرب العام 2024 واغتيال قيادات حزب الله زلزالًا داخل بنية تنظيم "حزب الله" وهرميته. فاغتيال السيد نصر الله في 27 أيلول سبتمبر 2024 مثّل نهاية حقبة للحزب الذي فقد قائدًا تمتع بكاريزما إستثنائية وكان رمزًا مقدسًا لدى قاعدة الحزب ومصدر تماسك لصفوفه، وجاء غيابه ليُحدِث فراغًا في قمّة الهرم القيادي يصعب ملؤه سريعًا. ولم يلبث مجلس شورى حزب الله أن اتفق على تسمية القيادي السيد هاشم صفي الدين (إبن خالة نصر الله ورئيس المجلس التنفيذي للحزب) لكنّ الضربات الإسرائيلية المتواصلة أدت إلى اغتياله أيضًا في غارة بتاريخ 4 تشرين الأول أكتوبر 2024. وهكذا وجد حزب الله نفسه يتيم القيادة التاريخية، فلجأ إلى "قيادة جماعية" لإدارة شؤونه في المرحلة الانتقالية.

شهد "حزب الله" في نهاية صيف العام 2024 حربًا مدمّرة بلغت ذروتها باغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله وكبار قادته في سلسلة ضربات إسرائيلية خاطفة إستخدمت التكنولوجيا العسكرية بنحوٍ غير مسبوق من حيث الدقة في تحديد الهدف وسرعة التنفيذ.لا بد من ذكر الأحداث المفصلية التي جعلت من خريف العام 2024، خريفاً في عمر "حزب الله" بعد ربيع الانتصارات والإنجازات العسكرية والسياسية والاجتماعية. وفي ما يلي تسلسل زمني لأبرز الأحداث:

17 أيلول سبتمبر 2024: وقعت سلسلةٌ من التفجيرات المتزامنة التي استهدفت أجهزة اتصال يستخدمها عناصر حزب الله تُعرف بالـ "بايجر" ما أسفر عن مقتل 42 شخصًا وإصابة نحو 3500 شخص بجروح خطرة أدت إلى فقدان البصر أو بتر الأصابع وتشوهات في الوجه والجسم. وتبين لاحقًا أن هذه الأجهزة كانت مفخخة بمواد متفجرة زُرعت فيها منذ تصنيعها، في عملية نُسِبت إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" الذي تفاخر بهذا الإنجاز وكرّم منفذي العملية خلال احتفالات إيقاد الشعلة على جبل هرتزل حيث ظهروا ملثمين على شاشات التلفزة وظهرت الأحرف الأولى من أسمائهم "ر"، "د" و "ن".

23 أيلول سبتمبر 2024: تصعيد إسرائيلي واسع شنت خلاله قوات الاحتلال غارات جوية مكثفة استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق في جنوب لبنان وسهل البقاع..

24 أيلول سبتمبر 2024: أعلن حزب الله أن إحدى الغارات أسفرت عن اغتيال الأمين العام السيد حسن نصر الله وعدد من كبار القادة الذين كانوا برفقته، بـ 82 طناً من المواد المتفجرة.

1 تشرين الأول أكتوبر 2024: أعلنت إسرائيل عن بدء عملية عسكرية برية في جنوب لبنان، أطلقت عليها اسم "السهام الشمالية"، بهدف القضاء على البنية التحتية لحزب الله فتقدمت القوات الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية، ما أدى إلى تدمير كبير في البنية التحتية.

27  تشرين الثاني نوفمبر 2024: دخل حيز التنفيذ إتفاقُ وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان الذي جرى التوصل إليه بوساطة أميركية وفرنسية. ونص الاتفاق على انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان خلال 60 يومًا، وانتشار الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام "اليونيفيل" في المناطق الحدودية، بالإضافة إلى التزام الطرفين بوقف الأعمال العدائية.

26 كانون الثاني يناير 2025: إنتهت مهلة الانسحاب مع وجود خروقات عديدة للاتفاق من قبل الجانب الإسرائيلي الذي أبقى على قواته في 5 نقاط استراتيجية في جنوب لبنان وحافظ على وتيرة القصف ف الجنوب والبقاع. وتستمر إسرائيل حتى يومنا هذا بتنفيذ اغتيالات واستهداف منشآت تزعم أنها تابعة لحزب الله.

وسط هذه الأحداث المتسارعة، جرى تعيين نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، أميناً عاماً للحزب بتاريخ 29 تشرين الأول أكتوبر 2024 فتولّى مخاطبة الجمهور بعد أيام، وأعلن أن قيادةً جماعية تشرف على القرار داخل الحزب، مشددًا على أن النضال سيستمر وأن الجاهزية دائمة لمواجهة أي غزو إسرائيلي أو تصعيد جديد، في محاولة منه لطمأنة جمهور الحزب وبعث رسالة بأن اغتيال القادة لا يعني نهاية المقاومة، بل سيكون دافعًا لمزيد من الصمود. لكن، ومع غياب شخصية بحجم نصر الله، شعر جمهور الحزب ومناصروه بأن هذا الفراغ القيادي قد يولّد شرخًا في الهيكل التنظيمي للحزب وربما يضعف انضباطه الداخلي وقدرته على اتخاذ قرارات مصيرية بالسلاسة السابقة وخصوصاً أن مفهوم "القيادة الجماعية" غير مألوف للجمهور.

على صعيد الخطاب السياسي، بدا حزب الله مضطراً لإعادة صياغة روايته عن الحرب وما تخللها وما سيأتي بعدها. وفي الأيام الأولى التي تلت الاغتيال، ركز خطاب الحزب على التمسك بالنهج والمضي قدمًا في خيار المقاومة رغم الضربة الموجعة. وأصدر الحزب بيانًا ينعي فيه أمينه العام الشهيد ويتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل ودعم المقاومة الفلسطينية. وبثّت قناة "المنار" التابعة له آيات قرآنية فيما خرج أنصار الحزب إلى الشوارع برغم استمرار القصف، منهم من لطم وبكى ومنهم من رفع شعارات الثأر وهتف "لبيك" في مشهد يستحضر رمزية التضحية والشهادة في الوجدان الديني الشيعي ويربط استشهاد نصر الله بملحمة كربلاء التاريخية لتعزيز البعد العقائدي والتضحوي لهذا الحدث.

على الصعيد الاجتماعي والديني، زادت تلك الأدبيات التعبوية حضورًا في خطاب الحزب وبين جمهوره الشيعي، فقد أعلن المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي الحداد خمسة أيام في إيران على روح نصر الله معتبرًا إغتياله حدثًا مفجعًا للأمة الإسلامية. وألقى خامنئي بنفسه خطبة تأبينية باللغة العربية خلال صلاة الجمعة في طهران، وصف فيها نصر الله بـ"الشخصيّة المحبوبة في العالم الإسلامي، واللسان البليغ لشعوبِ المنطقة، ودُرّةُ لبنان السّاطِعة" مؤكدًا أن الأمة الإسلامية "مكلومة بشهادة السيّد العزيز".

كل ذلك يعكس مدى التشابك بين الديني والسياسي في بيئة حزب الله الحاضنة. ففقدان القائد أُطّر في سياق الشهادة المقدّسة التي تستدعي الثّبات لا الانكسار. رغم ذلك، لا يمكن إغفال أن الصدمة العسكرية التي تلقّاها الحزب أثرت على معنوياته وخطابه الواقعي أيضًا. فمع تواصل القصف الإسرائيلي، الجوي والمدفعي، لأكثر من شهرٍ على معاقل الحزب في الجنوب والضاحية والبقاع، تكبّد الحزب خسائر بشرية ومادية هائلة ودُمّرت بنى تحتية ومساكن ومستودعات أسلحة ومؤسسات مالية (بعض فروع مؤسسة القرض الحسن) وفق البيانات الإسرائيلية.

مع اندلاع الحرب على غزة في 7 تشرين الأول أكتوبر 2023 بهجوم مفاجئ من حركة حماس، وجد حزب الله نفسه أمام معضلة فتح جبهة ثانية في الجنوب اللبناني دعمًا للفلسطينيين. فأعلن في اليوم التالي، يوم 8 تشرين الأول أكتوبر، دخوله معركة "طوفان الأقصى" عبر جبهة إسناد من الجنوب وبرر ذلك بأنه "قرار إلى جانب الحق والعدل (…) وفي نفس الوقت هو قرار بالدفاع عن لبنان وشعبه"..أمام هذا الواقع المتردّي، اضطر الحزب شيئًا فشيئًا إلى تعديل خطابه من لهجة التحدي المطلق إلى لهجة براغماتية تقبل وقف القتال بشروط. فبعد أن كان يربط علنًا وقف إطلاق النار في الجنوب بوقف موازٍ للعمليات الإسرائيلية في غزة، إنتهى به الأمر إلى تفويض حليفه رئيس البرلمان نبيه بري لإجراء مفاوضات غير مباشرة لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، وقد أقرّ بري أخيرًا بهدنة منفصلة في لبنان بغضّ النظر عما يجري في غزة، في تراجع ضمني عن شرط الترابط المسبق. وهذا التطور عكس مرونة خطابية إضطرارية من قبل "حزب الله" تحت ضغط الواقع الميداني، رغم محاولته الحفاظ على صورة الثبات.
 
جدير بالذكر أن الحزب سعى إلى تبرير انخراطه الواسع في الحرب تدريجيًا عبر سردية جديدة. فبعد تيقنه أن جبهة لبنان لم تمنع إسرائيل من التمادي في حرب غزة كما كان يأمل في البداية، خرج الحزب ليعلن أن فتح الجبهة كان يهدف أيضًا إلى "عمل إستباقي يمنع تل أبيب من التوجّه إلى لبنان بعد الانتهاء من الحرب في القطاع" وزعم أنه بذلك يثبت توازن ردع جديد فبدا كأنه يحوّل خطابه من نصرة غزة وحدها إلى حماية لبنان من خطر إسرائيلي محتمل. هذا التحول في السردية يهدف لإقناع الجمهور بأن التضحيات الهائلة كانت دفاعًا عن الوطن أيضًا، وليس فقط عن فلسطين.

"جبهة الإسناد".. قرار ذاتي أم بإيعاز إيراني؟

مع اندلاع الحرب على غزة في 7 تشرين الأول أكتوبر 2023 بهجوم مفاجئ من حركة حماس، وجد حزب الله نفسه أمام معضلة فتح جبهة ثانية في الجنوب اللبناني دعمًا للفلسطينيين. فأعلن في اليوم التالي، يوم 8 تشرين الأول أكتوبر، دخوله معركة "طوفان الأقصى" عبر جبهة إسناد من الجنوب وبرر ذلك بأنه "قرار إلى جانب الحق والعدل (…) وفي نفس الوقت هو قرار بالدفاع عن لبنان وشعبه" أي أنّ الحزب قدّم خطوته بوصفها واجباً أخلاقياً وإنسانياً لنصرة غزة، وقراراً سيادياً لحماية لبنان من احتمال توسّع العدوان الإسرائيلي لاحقًا.

من منظوره، كان فتح جبهة الإسناد مبادرةً ذاتية نابعة من عقيدته القائمة على وحدة الساحات واتساق المصير بين المقاومة في لبنان وفلسطين. بيد أن محللين كثراً في لبنان والخارج رأوا في هذا الأمر حسابات إقليمية إيرانية أكثر منها مبادرة لبنانية خالصة. إذ يتهم معارضو حزب الله بأنه ذراع إيران الإقليمية التي تحرّكها طهران بما يخدم استراتيجيتها ويقولون إن قرار فتح جبهة الجنوب "اتُخذ في طهران" أساسًا.

من جهة أخرى، يرى مراقبون أن تردد إيران في البداية كان مرتبطًا بحساباتٍ تفاوضية فهي ربما أرادت الإبقاء على التصعيد مضبوطًا كي لا يعرقل مفاوضاتها النووية الجارية مع القوى الكبرى وهو ما يفسّر عدم إقدام الحزب على استهداف العمق الإسرائيلي منذ الأيام الأولى لحرب الإسناد، إلى أن بادرت إسرائيل نفسها بتوسيع نطاق الحرب عبر قتل عناصر من الحزب يوم 10 تشرين الأول أكتوبر ما استدعى ردًا منه وأدى إلى تصعيد تدريجي متبادل. كأن دينامية التصعيد فرضت على الحزب زيادة وتيرة انخراطه شيئًا فشيئًا بغض النظر عن رغبته أو عن الرغبة الإيرانية الأولية في ضبط النفس.

يرى مراقبون أن تردد إيران في البداية كان مرتبطًا بحساباتٍ تفاوضية فهي ربما أرادت الإبقاء على التصعيد مضبوطًا كي لا يعرقل مفاوضاتها النووية الجارية مع القوى الكبرى وهو ما يفسّر عدم إقدام الحزب على استهداف العمق الإسرائيلي منذ الأيام الأولى لحرب الإسناد، إلى أن بادرت إسرائيل نفسها بتوسيع نطاق الحرب عبر قتل عناصر من الحزب يوم 10 تشرين الأول أكتوبر ما استدعى ردًا منه وأدى إلى تصعيد تدريجي متبادل.على صعيد الدوافع المباشرة لحزب الله نفسه، يمكن تلمّس مزيج من الاعتبارات العقائدية والسياسية. فعقائديًا، يرفع الحزب شعار وحدة ساحات المقاومة ويرى نفسه مسؤولًا عن نصرة أي جبهة تواجه إسرائيل. وقد كرّس هذه النظرة أمينه العام الراحل حسن نصر الله في خطاباته، معتبرًا فلسطين وقضية القدس جزءًا جوهريًا من عقيدة الحزب القتالية لذا من الصعب تصوّر أن الحزب كان يستطيع الوقوف متفرجًا بينما تُسحق غزة.

من ناحية أخرى، سياسيًا قد يكون الحزب سعى عبر فتح الجبهة إلى تعزيز مكانته الداخلية واستباق النقمة في شارعه. إذ أن جزءًا كبيرًا من جمهوره كان سيستنكر تخليه عن غزة فيما سيشكك البعض بكونه مقاومة إقليمية (وفق ما قدم نفسه ليبرر تدخله في سوريا) وليس مقاومة محلية لبنانية. وبالتالي، تشير العودة إلى سياق الأحداث في تلك المرحلة، إلى أن الدخول على خط المواجهة - ولو بحده الأدنى - كان ضروريًا للحفاظ على الرصيد الشعبي للحزب ضمن بيئته الحاضنة على الأقل. مع ذلك، تشير تحليلات إلى أن حزب الله لم يكن يتوقع أن تستمر جبهة الجنوب مشتعلة لتسعة أشهر متواصلة، تمكنت خلالها إسرائيل عبر القصف المكثف والاشتباكات الحدودية من فرض منطقة عازلة بعمق 6 كيلومترات داخل جنوب لبنان، حيث تحولت تلك المنطقة إلى شريط مدمّر وخالٍ من السكان.

خلاصة القول، يبدو أن قرار حزب الله فتح جبهة الجنوب تأثر بعوامل مركّبة: إلحاح أيديولوجي وشعور بواجب ديني وسياسي تجاه قضية فلسطين، وضغط الحليف الإيراني الذي رأى مصلحة في إشغال إسرائيل على جبهتين، إضافة إلى حسابات ردع واستباق أراد الحزب تمريرها بصفته يدافع عن لبنان لمنع امتداد الحرب إليه لاحقًا. وبين هذا وذاك، يدور جدل حاد حول مدى استقلالية قرار الحزب. فبينما يؤكد قادته أن فتح جبهة إسناد هو "قرار سيادي شجاع" اتُخذ دفاعًا عن المظلومين وفي الوقت نفسه عن لبنان، ترى أطراف لبنانية عديدة أن الحزب أقحم لبنان في حربٍ لا قدرة له عليها بإشارة من طهران وأنه ينفذ أجندتها الإقليمية على حساب المصلحة الوطنية اللبنانية.

تحديات الداخل والخارج

أفرزت الحرب تداعيات خطيرة على الوضع الداخلي اللبناني وموقع حزب الله فيه، كما استجلبت ضغطًا دوليًا متعاظمًا حيال دور الحزب وتسليحه. فعلى الصعيد الداخلي، وجد الحزب نفسه في مواجهة سيل من الانتقادات المحلية حتى من خارج معسكر خصومه التقليديين. بات كثير من اللبنانيين يرون أنه "جرّ لبنان إلى حرب لا يريدها" من دون أي تفويض من الدولة أو الشعب. وعكست مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلي مزاجًا شعبيًا ناقمًا ولا سيما في الشارع المسيحي والسني وربما لدى بعض الشيعة غير المنتمين، حيث رأى كثيرون أن كلفة الحرب على لبنان فادحة مقارنة بالمكاسب شبه المعدومة.

ومن أبرز التحديات الداخلية التي تجابه الحزب اليوم هي تصاعد الدعوات لنزع سلاحه ووضعه تحت سلطة الدولة. هذه الدعوات ليست جديدة تمامًا، لكنها اكتسبت زخمًا غير مسبوق بعد فشله في إدارة الحرب، حتى باتت الأطراف المتباينة سياسيًا تلتقي على مطلب بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها وحصر قرار الحرب والسلم بيد الحكومة والجيش. وقد عاد الحديث بقوة عن ضرورة تطبيق قرارات دولية مؤجَّلة مثل قرار مجلس الأمن 1559 الصادر عام 2004 الذي نص صراحة على "نزع سلاح الميليشيات اللبنانية" ويُقصد بها "حزب الله" وحصر السلاح في يد الجيش، وكذلك القرار 1701 الصادر عام 2006 الذي دعا لانتشار الجيش في الجنوب ومنع أي قوات غير حكومية من العمل هناك وأصبح هذا المطلب محل توافق داخلي وخارجي في آن واحد.

حتى داخل البيئة الشيعية نفسها، يواجه الحزب تحديات اجتماعية واقتصادية ضخمة. فقد تكبدت القرى والضواحي ذات الأغلبية الشيعية دمارًا هائلًا جراء القصف الإسرائيلي المكثف، إذ تشير التقديرات إلى تضرر نحو 100 ألف وحدة سكنية في مناطق نفوذ الحزب. وخسرت تلك البيئة آلافًا من شبابها بين شهيد وجريح ( تشير التقديرات إلى أن عدد مقاتلي الحزب الذين استشهدوا بلغ نحو 2450 عنصرًا خلال الحرب) وهذه الخسارة البشرية الفادحة لن تمر بلا أثر على المدى الطويل، سواء لجهة معنويات المجتمع الشيعي أو نظرة البعض إلى جدوى استمرار القتال في ظل متغيرات إقليمية قد لا تصب في مصلحة الحزب ولا تدعم نشاطه.

من أبرز التحديات الداخلية التي تجابه الحزب اليوم هي تصاعد الدعوات لنزع سلاحه ووضعه تحت سلطة الدولة. هذه الدعوات ليست جديدة تمامًا، لكنها اكتسبت زخمًا غير مسبوق بعد فشله في إدارة الحرب، حتى باتت الأطراف المتباينة سياسيًا تلتقي على مطلب بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها وحصر قرار الحرب والسلم بيد الحكومة والجيش.صحيح أن ثقافة الصمود والتضحية راسخة في تلك البيئة إلى حد بعيد، لكن مستوى الدمار هذه المرة غير مسبوق منذ عقود، والأعباء المذكورة بالإضافة إلى العبء الاقتصادي قد تزيد من النقمة الشعبية. فلا وجود حتى الآن لأي خطة لجمع التمويل اللازم لإعادة الإعمار علماً أن الكلفة التقديرية تفوق 3 مليارات دولار، فيما لبنان يرزح أصلًا تحت أزمة اقتصادية ومالية خانقة منذ العام 2019. لذا فإن الضائقة المعيشية في مناطق الحزب مرشحة للتفاقم، ومع تفاوت القدرات على تحمل تكاليف ترميم البيوت أو إعمارها قد تتفاقم ظاهرة انعدام العدالة الاجتماعية ما قد يولّد تململًا ضمنيًّا حتى بين أنصار الحزب إذا عجز عن تخفيف معاناتهم.

ولا بد من التوقف عند العوائق التي تحول دون إنطلاق إعادة الإعمار في جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية والبقاع.

فالدولة اللبنانية شبه عاجزة ماليًا وإداريًا، في ظل الانهيار النقدي والمالي والاقتصادي المتواصل منذ عام 2019، وانعدام الثقة الدولية بها. والوزارات المختصة، مثل الأشغال والإسكان، تفتقر للموارد والخطط التنفيذية ولا تملك قدرة فعلية على قيادة مشروع إعادة إعمار واسع.

كما أن غياب القيادة المركزية في حزب الله بعد اغتيال نصر الله يجعل من سيناريوهات إعادة الإعمار بعد حرب تموز يوليو عام 2006 غير قابلة للتكرار ولا حتى الاستلهام. ففي العام 2006، قاد الأمين العام الراحل حسن نصر الله حملة تعبئة وإغاثة مركزية سريعة وفعالة عبر "مؤسسة جهاد البناء" أما بعد حرب العام 2024، فالحزب يعاني من تعثر قدرته على التنظيم والإشراف المباشر على إعادة الإعمار. ويعاني أيضاً من عزلة إقليمية ودولية بعدما بات يُنظر إليه كتنظيم مسلح "مرتبط بإيران" وليس جزءًا من الدولة اللبنانية، ما أدى إلى امتناع العديد من الدول المانحة عن التعامل معه خشية من خرق قوانين مكافحة الإرهاب أو تهم دعم العنف، في ظل ضغط دولي مشدد على ضبط أي تمويل خارجي للبنان بعد الحرب، خصوصًا في المناطق التي يُعتقد أنها "تُستخدم من قبل حزب الله لأغراض عسكرية أو أمنية".

وقد أعلنت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أنها لن تمول إعادة إعمار الضاحية أو الجنوب بدون ضمانات أمنية وسياسية، مثل نزع سلاح الحزب أو ضبط نشاطه فيما لم تبادر دول خليجية كانت مساهمة في الإعمار بعد حرب 2006 إلى الإعلان عن أي دعم وأبرزها قطر والكويت والإمارات.

أما إيران، الداعم الأساسي للحزب، فتعاني أزمة مزدوجة، أزمة اقتصادية داخلية بسبب العقوبات وتكاليف الحرب الإقليمية وأزمة تعثر مفاوضاتها مع الغرب لفرع العقوبات الاقتصادية عنها.

وبرغم ذلك، أعلنت إيران رسميًا تكفلها بإعادة إعمار المناطق المتضررة في لبنان، بما في ذلك الجنوب، الضاحية الجنوبية، وبعلبك – الهرمل. وجاء هذا الإعلان خلال زيارة رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف إلى بيروت، وعن تقديم مساعدات مالية مباشرة للأسر المتضررة. وكان الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، قد أعلن عن تقديم مساعدات مالية لأسر المتضررين بتمويل مباشر من إيران يصل مجموعها خلال سنة واحدة إلى 14 ألف دولار لشراء الأثاث واستئجار المساكن، بالإضافة إلى دفع نحو 77 مليون دولار "هدية من إيران ومن الحزب" إلى 233,500 عائلة متضررة من الحرب.

هذا علماً أنه بعد حرب العام 2006، قدمت إيران دعمًا فوريًا نقديًا لحزب الله عبر "مؤسسة جهاد البناء" قُدر بأكثر من 150 مليون دولار خلال الأشهر الأولى فقط وكان دعماً غير مشروط وسريع. كما قدّمت كل من السعودية والكويت وقطر قدمت مساعدات ضخمة للدولة اللبنانية مباشرة أو عبر مؤسسات إغاثة فعلى سبيل المثال، مولت الكويت إعادة بناء مستشفيات ومدارس في الجنوب، وقدمت السعودية مليار دولار كوديعة في مصرف لبنان. فيما حصل لبنان على دعم دولي عبر "مؤتمر ستوكهولم" الذي عُقد بمشاركة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. وتم رصد ما يفوق 900 مليون دولار لإعادة الإعمار، مع إشراف مباشر من الجهات المانحة.

لكن ذلك لن يتكرر هذه المرة إذ يبدو أن الدول المانحة قد تستخدم مسألة دعم لبنان ماليًا كورقة ضغط، بحيث تُربط أي مساعدات لإعادة الإعمار بخطوات سياسية وأمنية تضمن تحجيم حزب الله ونزع سلاحه. وعلى المنحى ذاته، قد يمارس المجتمع الدولي ضغطًا على إيران للجم دعمها العسكري للحزب، في مقابل تسهيل مفاوضاتها مع واشنطن وبروكسيل لتخفيف العقوبات.

سيناريوهات مستقبل حزب الله

يتفق المراقبون على أن تفكيك معضلة حزب الله لن يكون أمرًا يسيرًا، وأن مستقبل الحزب مفتوح على احتمالات مختلفة بعضها مر وصعب. في ما يلي نعرض أبرز السيناريوهات المطروحة لمستقبل حزب الله على الصعيدين السياسي والعسكري.

ـ سيناريو المفاوضة والتسوية السياسية:

وفق هذا التصور، قد يُضطر حزب الله تحت ضغط الخسائر الاقتصادية والحاجة إلى إطلاق إعادة الإعمار إلى القبول بصيغة حل تفاوضي بشأن سلاحه. وقد تجد قيادة الحزب أن إنقاذ ما يمكن إنقاذه من نفوذها يمر عبر صفقة داخلية وخارجية تضمن حفظ ماء الوجه. مثلًا، يمكن أن يقبل الحزب بوضع ترسانته الثقيلة تحت إشراف الدولة أو حتى التخلي عنها تدريجيًا، مقابل مكاسب سياسية أو جغرافية كتفاهم حول مزارع شبعا المحتلة  أو ضمانات بعدم الاعتداء الإسرائيلي. وفي إطار التسوية أيضًا، قد يُطرح دمج مقاتلي الحزب ضمن الجيش اللبناني كما سبق واقترح الرئيس ميشال عون قبل سنوات بحيث يتحول الحزب إلى حركة سياسية صرف بلا جناح عسكري فعال.

ـ سيناريو المواجهة والصدام الداخلي:

هذا السيناريو يتحقق إذا ما فشلت كل المساعي السياسية، وأصرّ المجتمع الدولي ومعه خصوم الحزب في لبنان على نزع السلاح بالقوة. عندها قد ينزلق الوضع إلى مواجهة خطرة، إذ إن قدرة الجيش اللبناني محدودة أمام قوة الحزب المنظمة كما أن تركيبته المختلطة طائفيًا (حوالي 30% من أفراد الجيش من الشيعة) قد تجعل من الصعب زجه في قتال ضد أبناء طائفته. وبالتالي فإن أي محاولة نزع قسري للسلاح قد تؤدي لانقسام في صفوف الجيش نفسه وفق ما يحذر المراقبون ما يهدد بإشعال شرارة نزاع أهلي جديد. كذلك فإن الحزب، رغم ضعفه النسبي بعد الحرب، لا يزال يمتلك آلاف المقاتلين المتحفزين الذين قد يرون في أي هجوم على سلاحهم مشروع حرب وجودية. وعليه فإن سيناريو الصدام الداخلي هو الأخطر، لأنه يعني تكرارًا لسيناريو 7 أيار 2008 أو أسوأ بكثير.

ـ سيناريو الإنهاك والانهيار الذاتي:

يطرح بعض الخبراء احتمال أن يشهد حزب الله تآكلًا داخليًا تدريجيًا يؤدي إلى انهياره من تلقاء نفسه من دون حاجة إلى صدام مباشر فثمة عوامل تعرية داخلية قد تقوض سلطة الحزب مع الوقت، أولها غياب الشخصية الكاريزمية الجامعة بعد رحيل نصر الله وما خلّفه ذلك من انقسامات أو تجاذبات قيادية ظهرت بنحو طفيف في التصريحات السياسية. ثانيها، الضغط الشعبي والمعيشي في بيئته، فارتفاع كلفة الحرب على المجتمع الشيعي (شهداء وجرحى وتهجير ودمار) قد يولد مزاجًا ناقمًا ولو مكتومًا تجاه الحزب. خاصة إذا عجز عن تأمين إعادة الإعمار وتعويض الخسائر بسبب الضائقة الاقتصادية أو تراجع الدعم الإيراني. وثالثها، احتمال انكفاء الدعم الإيراني نفسه؛ فإذا أبرمت طهران صفقة مع الغرب تتعهد فيها بخفض أنشطة "وكلائها" أو إذا استنزفت مواردها في ظل العقوبات والأزمات، فقد تقل إمداداتها المالية والعسكرية للحزب.

ـ سيناريو إعادة التموضع واستمرار المقاومة:

على النقيض من التصورات أعلاه، قد يسعى حزب الله إلى امتصاص الضربة وإعادة تنظيم صفوفه ليبقى لاعبًا عسكريًا إقليميًا وإن بقدرات أقل. فرغم الضربات التي تلقاها، أظهر الحزب خلال الحرب قدرة على المقاومة الشرسة وإعاقة تقدم القوات الإسرائيلية في الجنوب ضمن الحدود اللبنانية لا تزال لديه خبرات قتالية تراكمت عبر عقود، وقدرة على المناورة في التضاريس اللبنانية التي يحفظها مقاتلوه عن ظهر قلب. وقد يعمل الحزب على إعادة بناء ترسانته سرًا مستفيدًا من أي ثغرات على الحدود اللبنانية – السورية إذا هدأت الجبهات، وربما عبر البحر بعيدًا عن أعين المراقبة. وسيحرص في الوقت نفسه على تعزيز دوره السياسي داخليًا لضمان البقاء قوة لا يمكن تجاوزها في أي ترتيبات مستقبلية. وفي هذا السيناريو، لن يتخلى الحزب عن سلاحه بشكل كامل.

بطبيعة الحال، قد يتداخل أكثر من سيناريو في الواقع. فربما نشهد بداية تسوية جزئية يتبعها نكوص ثم مواجهة محدودة، أو انكماشًا داخليًا للحزب يقابله استمرار حضوره السياسي. لكن الأكيد أن مرحلة ما بعد 2024 تختلف جذريًا عما قبلها. لقد كان عام 2024 بالنسبة لحزب الله "عامًا مفصليًا" يؤسس لمرحلة جديدة لم تتضح ملامحها بعد لكنها حتماً رهن توازنات داخلية وإقليمية دقيقة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير لبنان حزب الله المصيرية لبنان حزب الله سياسة مصير سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تشرین الأول أکتوبر أیلول سبتمبر 2024 إعادة الإعمار فی جنوب لبنان حزب الله نفسه الأمین العام حسن نصر الله أمینه العام لحزب الله الحزب على ـ سیناریو فی الجنوب الحرب على غیر مسبوق عن لبنان فتح جبهة فی لبنان العام 2024 ة لبنان بعد حرب داخلی ا عام 2006 إلى أن عام 2024

إقرأ أيضاً:

أرباح أرامكو تتراجع وسط ضبابية الأسواق وتحديات رؤية 2030

انخفضت أرباح شركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط في الربع الأول بنسبة 4.6 بالمئة بسبب تراجع المبيعات وارتفاع تكاليف التشغيل مع تأثر أسواق النفط الخام بحالة عدم اليقين الاقتصادي، وذلك بعد تحقيق صافي دخل بلغ 97.54 مليار ريال (26.01 مليار دولار) في الأشهر الثلاثة المنتهية حتى في 31 آذار/ مارس.

ويتجاوز ذلك متوسطا قدمته الشركة لتقديرات 16 محللا عند 25.36 مليار دولار. وارتفع سهم أرامكو 0.64 بالمئة إلى 25 ريالا بحلول الساعة 07:54 بتوقيت غرينتش، غير أنه هوى 10.9 بالمئة منذ بداية العام، بحسب ما ذكرت وكالة "رويترز".

وأكدت أرامكو توزيعات الأرباح الإجمالية التي حددتها في وقت سابق وقدرها 21.36 مليار دولار للربع الأول، منها 219 مليون دولار أرباح مرتبطة بالأداء، وهي آلية استُحدثت بعد مكاسب غير متوقعة من أسعار النفط في عام 2022 عقب غزو روسيا لأوكرانيا.


وتعتمد السعودية منذ عقود على مدفوعات أرامكو الضخمة، والتي تشمل أيضا العوائد والضرائب، لتعزيز نموها. 

وشكل النفط 62 بالمئة من إيرادات الحكومة العام الماضي، وأشارت تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن السعودية تحتاج لوصول سعر النفط إلى 92.3 دولار للبرميل هذا العام لتحقيق التوازن في ميزانيتها.

وصدرت نتائج أرامكو قبل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة الثلاثاء المقبل، وأثارت الحرب التجارية الأمريكية الصينية قلق الأسواق العالمية ودفعت أسعار النفط الخام إلى الانخفاض وسط مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي.

وقال رئيس أرامكو وكبير إدارييها التنفيذيين أمين الناصر في بيان "تأثرت أسواق الطاقة العالمية في الربع الأول من عام 2025 بعوامل مرتبطة بتغيرات في مجال التجارة العالمية، مما تسبب في حالة من عدم اليقين الاقتصادي وأثر على أسعار النفط".

وأضاف الناصر "مثل هذه الفترات تسلط الضوء أيضا على أهمية المرونة والانضباط في التخطيط والتنفيذ الرأسمالي، واستمرار استراتيجيتنا التي تتسم بنظرة بعيدة المدى. وخلال الأوقات التي تشهد تقلبات، يظهر تميز أرامكو السعودية من خلال قوة أدائها المالي، وكذلك توزيعات أرباحها الأساسية المستدامة والمتزايدة".

ويذكر أن وتيرة فرض الرسوم الجمركية الأمريكية تصاعدت بشدة في أوائل نيسان/ أبريل، مما يعني أن تأثير سياسات ترامب التجارية لم ينعكس في نتائج الربع الأول.

وكان خام برنت القياسي العالمي تراجع بشكل حاد منذ أن بلغ أعلى مستوى له هذا العام عند 82.03 دولار في كانون الثاني/ يناير الماضي إلى 63.91 دولار للبرميل عند التسوية يوم الجمعة.


وأعلنت أرامكو في آذار/ مارس آذار أنها تتوقع إعلان توزيعات أرباح إجمالية 85.4 مليار دولار في 2025، بانخفاض حاد عن توزيعات العام الماضي التي تجاوزت 124 مليار دولار، والتي استندت إلى أرباح عامي 2023 و2024.

وخفضت الشركة توزيعات الأرباح المرتبطة بالأداء، والتي بلغت 43.1 مليار دولار العام الماضي، بنحو 98 بالمئة مع هبوط التدفقات النقدية الحرة.

وضخت السعودية في السنوات الماضية مبالغ ضخمة في مشروعات لتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط في إطار رؤية 2030. وفي الآونة الأخيرة، شيدت أو جددت 15 ملعبا لكأس العالم لكرة القدم 2034، وهي أبرز الفعاليات في عدد من الأحداث الرئيسية التي ستستضيفها المملكة في السنوات القادمة.

وتملك الحكومة السعودية بشكل مباشر ما يقرب من 81.5 بالمئة من أرامكو، بينما يسيطر صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادي للمملكة، على حصة 16 بالمئة.

وقالت كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري مونيكا مالك "الانخفاض الحاد في أسعار النفط يجعل توقعات التمويل لكل من العجز المالي ورؤية 2030 أكثر صعوبة"، مضيفة أن تراجع أرباح أرامكو ينعكس بالفعل في عجز الموازنة الأوسع في الربع الأول.

وبلغت التدفقات النقدية الحرة 19.2 مليار دولار في الربع الأول، بانخفاض 15.8 بالمئة عن العام الماضي.

وسجلت النفقات الرأسمالية ما يزيد قليلا عن 12.5 مليار دولار في الربع الأول، بزيادة 15.9 بالمئة عن العام الماضي.

وحددت أرامكو استثماراتها الرأسمالية، التي تشمل النفقات الرأسمالية والاستثمارات الخارجية، بما يتراوح بين 52 و58 مليار دولار. وبلغت النفقات الرأسمالية 50.4 مليار دولار العام الماضي.


خفضت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها، فيما يعرف باسم مجموعة أوبك+، الإنتاج منذ 2022 لدعم الأسعار في ظل ارتفاع إنتاج دول أخرى. وتحملت المملكة، التي تقارب طاقتها الإنتاجية 12 مليون برميل يوميا، النصيب الأكبر من التخفيضات.

واتفقت أوبك+ على زيادة الإنتاج 411 ألف برميل يوميا في مايو أيار، وبالكمية نفسها في يونيو حزيران. وسيزيد ذلك إنتاج السعودية إلى نحو 9.37 مليون برميل يوميا، من زهاء تسعة ملايين برميل يوميا قبل أيار/ مايو.

مقالات مشابهة

  • وزير الطيران يشارك في افتتاح مركز القيادة الإقليمي لشركة «سيتا» بالقاهرة
  • ???? الجهة التي سيقع عليها الدور بعد السودان سوف تبدأ الحرب فيها بالمسيرات
  • حاورته الجزيرة نت.. طبيب فلسطيني ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة بالعالم
  • الدور آت على البوليساريو.. حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه واشنطن منظمة إرهابية يحلّ نفسه ويلقي السلاح
  • تحذيرات أميركية: نزع السلاح قبل الانفجار...
  • الحرب الناعمة على سوريا وتحديات المستقبل
  • أرباح أرامكو تتراجع وسط ضبابية الأسواق وتحديات رؤية 2030
  • طرد موالين لحزب الله وتشديد الرقابة الأمنية.. لبنان يعيد السيطرة على مطار بيروت
  • من مران-صعدة إلى حيفا ويافا في مواجهة الهيمنة: صرخة ولدت من رحم القدر.. من أجل معركة المصير