قال المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن الضربات الأمريكية في اليمن ساهمت في تمكين جماعة الحوثي من تعزيز السيطرة وأخرجتهم أقوى مما كانوا عليه سابقا.

 

وأضاف المجلس الأوروبي -في تحليل للباحثة ميساء شجاع الدين، ترجمه للعربية "الموقع بوست" أن الولايات المتحدة الآن أنهت حملتها من الضربات الجوية ضد حركة الحوثي في ​​اليمن، بعد أن حققت نجاحًا عسكريًا ضئيلًا، وبدلاً من ذلك لعبت دورًا في محاولات الحوثيين لتعزيز السيطرة المحلية.

 

وتابع "في أعقاب انتهاء الحملة العسكرية الأميركية ضد الحوثيين في السادس من مايو/أيار، زعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الجماعة "استسلمت". لكن في واقع الأمر، من المرجح أن يكون الانسحاب الأميركي نتيجة لفشل المهمة بقدر ما هو نتيجة لتردد الولايات المتحدة في الانجرار إلى صراع أعمق".

 

وبدأت أمريكا استهداف الجماعة المسلحة في ديسمبر/كانون الأول 2023 لوقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، والتي بدأتها الجماعة قبل شهرين ردا على الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة. وأدت الهجمات إلى خفض حركة الملاحة البحرية التجارية عبر قناة السويس بنسبة تتراوح بين 60% و70%.

 

ظاهريًا، تقول شجاع الدين في تحليلها يبدو أن الضربات الأميركية المكثفة حققت بعض النجاح، مع توقف هجمات الحوثيين إلى حد كبير منذ شهر مارس/آذار. ولكن هذا الفوز التكتيكي لم يحقق مكاسب استراتيجية أوسع: فعلى الرغم من القصف، تمكن الحوثيون من مهاجمة أهداف أميركية وإسرائيل.

 

وأردفت: لم يتم استئناف الشحن التجاري بشكل ملموس. وعلاوة على ذلك، سمحت الحملة للحوثيين بتعزيز قبضتهم على المستوى المحلي، وهم الآن يحتفلون بانسحاب الولايات المتحدة باعتباره علامة على النصر. وقال المسؤول الحوثي البارز محمد عبد السلام إن أميركا "تراجعت".

 

ولاستعادة طرق الشحن في البحر الأحمر، قالت الباحثة "يتعين على الشركاء الأوروبيين والأميركيين العمل على إيجاد حل مستدام لهذه الأزمة. وسوف يحتاجون إلى الجمع بين الضغط على الحوثيين والتركيز الأوسع على إحياء المسار السياسي اليمني ومعالجة احتياجات بناء الدولة العاجلة في البلاد. وهذه هي الطريقة الوحيدة لإضعاف قبضة الحوثيين على السلطة في الداخل واحتواء أنشطتهم المسلحة".

 

كيف استغل الحوثيون صراع غزة والهجمات الأمريكية؟

 

تقول شجاع الدين "أتاحت حرب غزة والهجمات الغربية المضادة في البحر الأحمر لقادة الحوثيين فرصةً لترسيخ أقدامهم. ورغم أن الجماعة تربطها صلة أيديولوجية واضحة بالفلسطينيين، وترى في الصراع فرصةً لترسيخ مكانتها الإقليمية، إلا أنها استخدمت الوضع أيضًا كوسيلةٍ لترسيخ سيطرتها".

 

واستدركت "قد تضمن ذلك إبقاء اليمنيين في حالة تأهبٍ للحرب، وتجديد شرعيتها الأيديولوجية في الداخل، واستغلال ظروف الصراع لقمع المعارضة وصرف الانتباه عن إخفاقاتها في الحكم".

 

على سبيل المثال، سارع الحوثيون إلى تأييد عملية حماس في أكتوبر/تشرين الأول 2023 ضد إسرائيل، وأطلقوا حملتهم الخاصة "غزوة الفتح الموعود" لدعم غزة بعد ذلك بوقت قصير. وكانت هجمات البحر الأحمر جزءًا من هذه الحملة.

 

وحشدت الحركة قواها محليًا بدفعة جديدة من الدعاية الدينية والأيديولوجية، التي عززتها محطات الإذاعة المحلية، وحملات التوعية التي روجت لها وزارة التربية والتعليم في المدارس، والتحديثات الدورية عن الحرب التي يقدمها زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي.

 

وكثيرًا ما يذكر الحوثي فكرة "النصر الإلهي" في خطاباته. وفي مذهبهم الزيدي، يُنظر إلى الإمام الذي ينتصر في معركة للاستيلاء على السلطة على أنه يتمتع بالدعم الإلهي الذي يثبت شرعيته. وبالإضافة إلى الانتصارات المحلية، مثل الاستيلاء على صنعاء عام 2014، يُصوّر الحوثيون صمودهم ونجاحاتهم ضد خصوم أقوى، مثل التحالف الذي تقوده السعودية، وحتى الولايات المتحدة وإسرائيل، كدليل على هذا الاعتقاد.

 

وطبقا للتحليل "فإن الحوثيين لا يكتفون بالتمسك بأيديولوجيتهم. بل استخدموا صراع غزة مبررًا لبدء تعبئة عسكرية أوسع. فبعد وقت قصير من بدء أزمة غزة، أطلقوا مناورات عسكرية استمرت أسبوعين. ورُوّج لها في الجامعات، وشهدت الدفعة الأولى من هذه التدريبات تخريج 16 ألف مجند في أوائل ديسمبر 2023. كانت موجة التجنيد والتعبئة غير مسبوقة، حتى بالمقارنة مع مواجهات الحوثيين السابقة مع التحالف الذي تقوده السعودية، مما يُظهر نيتهم ​​في استغلال صراع غزة لإعادة تشكيل المجتمع وعسكرته".

 

وقال "بدلاً من تحدي هذا الموقف، لم تُسهم الضربات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة إلا في تغذية هذه الديناميكيات نفسها وساعدت في تعزيز موقف الحوثيين. وبينما أعاقت الضربات الأمريكية الجماعة عسكريًا، إلا أنها تتمتع بخبرة طويلة في الصمود أمام الهجمات الخارجية، وتطوير قدرات مسلحة محلية الصنع ومدعومة من إيران، وإعادة تنظيم صفوفها لشن عمل عسكري جديد بمجرد انحسار الأزمة".

 

وحتى مع مهاجمة الولايات المتحدة مواقع الحوثيين بلا هوادة خلال الأشهر الأخيرة، مما زاد من تأجيج سردية الجماعة الأيديولوجية وحشد قوتها، إلا أنهم نجحوا في شن هجمات على السفن الأمريكية، وإسقاط طائرات أمريكية مسيرة، بل وحتى شن ضربات عسكرية ناجحة ضد مطار إسرائيل الرئيسي. ويُصوَّر الانسحاب الأمريكي الآن على أنه علامة أخرى على النصر الإلهي، رغم أن الصعاب تبدو مستحيلة.

 

ما وراء العمل العسكري؟

 

وأكدت أنه على الرغم من سنوات التدخل العسكري، بدءًا من تدخل المملكة العربية السعودية عام 2015 ووصولًا إلى الهجمات الحالية التي تقودها الولايات المتحدة، لا يزال الحوثيون القوة المهيمنة في اليمن. في نهاية المطاف، لم تُسهم الضربات الأمريكية، وإن كانت تردع الهجمات البحرية مؤقتًا، في معالجة المشكلات الهيكلية الأعمق في البلاد التي مكّنتهم من الوصول إلى السلطة والاستمرار في التمسك بها.

 

وزادت "بدلاً من ذلك، فإنهم يخاطرون بإطالة أمد الصراع في اليمن من خلال تعزيز الحوثيين وتأجيج التعبئة المسلحة على نطاق أوسع. وهذا يُضيّق بدلاً من أن يُوسّع نطاق الحل السياسي، وهو أمر ضروري لإضعاف الجماعة واستقرار الوضع المحلي والإقليمي".

 

وأفادت أن الضغط على الجماعة من خلال العمل العسكري والعقوبات يعد أحد عناصر استراتيجية لدفعها نحو المفاوضات. لكن هذا الضغط وحده لن ينجح في إجبار الحوثيين على الانخراط في مفاوضات جادة - وسيتعين عليهم أن يكونوا جزءًا من الحل النهائي.

 

واستطردت "بدلاً من التركيز فقط على استراتيجية عسكرية ضيقة، ينبغي على الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية، بذل المزيد من الجهود لدعم احتياجات بناء الدولة في اليمن واستكشاف سبل تسهيل الحوار الضروري، مثل ترتيبات أكثر عدالة لتقاسم الإيرادات. وينبغي أن يشمل ذلك تعاونًا وثيقًا مع دول الخليج العربي، وخاصة السعودية، ذات النفوذ الإقليمي السياسي والاقتصادي الحاسم".

 

تضيف "ينبغي أن تهدف الجهود الدولية أيضًا إلى تعزيز الحكومة المعترف بها دوليًا، لأن ذلك من شأنه أن يعزز شرعيتها المحلية ويحسّن موقفها التفاوضي في مواجهة الحوثيين".

 

وأشارت إلى أن الحكومة المعترف بها دوليًا تحتاج إلى إجراء إصلاحات عاجلة لاستعادة شرعيتها. وهذا يستلزم وضع أطر دستورية، وإصلاح قوات الأمن، وضمان أن تستند التعيينات التكنوقراطية إلى المؤهلات بدلًا من الولاءات الفئوية، ومراقبة الفساد ومكافحته، وتنفيذ إصلاحات في الحكم المحلي. كما يمكن لدول الخليج تقديم حوافز اقتصادية أكبر، مثل مساعدات إعادة الإعمار وفرص العمل للعمال اليمنيين، لجعل المفاوضات أكثر جاذبية.

 

وخلصت الباحثة ميساء شجاع الدين إلى القول "لإنهاء هجمات البحر الأحمر بشكل مستدام، يجب على الشركاء الأمريكيين والأوروبيين الاستثمار في المساعدة على استقرار اليمن. وهذا يتطلب استراتيجية سياسية أوسع نطاقًا وأكثر تعقيدًا بكثير من البساطة المضللة للنهج العسكري المعيب في نهاية المطاف، ولكنه السبيل الوحيد".

 

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن أمريكا الحوثي ترامب البحر الأحمر الولایات المتحدة البحر الأحمر شجاع الدین فی الیمن

إقرأ أيضاً:

جبايات بالإكراه تحت قصف الطيران... الحوثيون يحوّلون أنقاض مطار صنعاء إلى بوابة ابتزاز جديدة

 

في خطوة جديدة تثير الجدل، شنّت ميليشيا الحوثي حملة جبايات واسعة استهدفت التجار وأصحاب رؤوس الأموال في شمال العاصمة صنعاء، تحت ذريعة تمويل إعادة تشغيل مطار صنعاء الدولي الذي خرج عن الخدمة كلياً بعد غارات جوية إسرائيلية عنيفة.

وبحسب مصادر محلية، اقتحمت مجموعات حوثية مدعومة بمسلحين عدداً من المحال التجارية في مديريتي الثورة وبني الحارث، وطالبتهم بدفع مبالغ مالية كبيرة، مهددة من يرفض بالإغلاق أو الاعتقال.

كما أقدمت الجماعة على سحب أموال ضخمة من حسابات هيئتي الأوقاف والزكاة لذات الغرض.

وأكدت المصادر أن الحوثيين منحوا التجار مهلة تنتهي يوم الاثنين القادم، للتجاوب مع مطالبهم، في حين اشتكى تجار من "التبرع القسري" ووصفوه بمحاولة لامتصاص غضب الشارع بعد استدراجهم للقصف الإسرائيلي من خلال استخدام المطار لأغراض عسكرية. "عثمان"، أحد التجار المتضررين، تحدث عن اقتحام متجره ومطالبته بدفع 300 ألف ريال يمني، تحت التهديد بإغلاق محله.

وأكد أن الجباية تُحدد وفقاً لحجم البضاعة، متّهماً الجماعة بالتنصل من مسؤولياتها تجاه المواطنين واستغلال المأساة لجباية الأموال.

ويُعد مطار صنعاء أحد أبرز المنافذ الإنسانية في البلاد، إذ يستقبل سنوياً ما يقارب 1.2 مليون راكب.

وقد قُدّرت خسائره الأخيرة بـ500 مليون دولار، في وقت أعلنت فيه الجماعة قرب إعادة تشغيله، رغم التدمير شبه الكامل الذي تعرض له.

 

مقالات مشابهة

  • مفارقة التدخل.. كيف ساهمت الضربات الأميركية على اليمن في تمكين الحوثيين؟
  • مجلة أمريكية: ترامب فشل في تحقيق هدفه الرئيسي من حربه في اليمن ومُني بخسائر مالية (ترجمة خاصة)
  • نيويورك تايمز: لماذا أعلن ترامب فجأة النصر على الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • ترامب: نصدق الحوثيين وأوقفنا الضربات
  • أبو الغيط: الولايات المتحدة تواصلت مع حماس وعقدت اتفاقا مع الحوثيين دون إبلاغ إسرائيل
  • صحيفة إيطالية: زيارة ترامب لدول الخليج تجارية بحتة والهدنة مع الحوثيين ستكون قصيرة الأجل (ترجمة خاصة9
  • الحوثيون ينجون من حرب أمريكية مميتة.. واليمن أمام مستقبل أكثر غموضا
  • معاريف: هل باع ترامب إسرائيل مقابل مصالح وصفقات تكتيكية مع الحوثيين في اليمن؟ (ترجمة خاصة)
  • جبايات بالإكراه تحت قصف الطيران... الحوثيون يحوّلون أنقاض مطار صنعاء إلى بوابة ابتزاز جديدة