أحداث السويداء تكشف عن علاقة قسد بتشكيلات درزية مسلحة
تاريخ النشر: 15th, May 2025 GMT
كشفت المواجهات التي شهدتها أشرفية صحنايا بريف دمشق وامتدت إلى أطراف محافظة السويداء، أواخر أبريل/نيسان الماضي، عن علاقات قوية بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وأطراف درزية مسلحة.
ولا تفوت قوات "قسد" الفرصة لاستثمار أي خلاف بين المكونات السورية، من أجل التأكيد على أنها الخيار الأفضل لسوريا، حيث قدم المحسوبون عليها خطاباً مناصراً للمطالبين بعدم دخول القوات الحكومية إلى السويداء ومناطق سكن الدروز بريف دمشق مثل صحنايا وجرمانا.
كما أتاحت "قسد" المجال لمظاهرات نددت بما وصفته "مجاز بحق سكان الساحل السوري" بعد المواجهات التي اندلعت بين قوات حكومية سورية وموالين لها من جانب مع مجموعات مسلحة يقودها ضباط سابقون في نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد مطلع مارس/آذار الماضي.
وقد سلطت هذه الأحداث الضوء على دور "قسد" وعلاقاتها مع بعض الفاعلين الدينيين والعسكريين في المحافظة.
منذ منتصف عام 2023، وبعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في السويداء ضد نظام الأسد، كشفت تقارير سورية عن وجود علاقات بين "قسد" وحزب اللواء السوري الذي يطالب بإنشاء إقليم مستقل في الجنوب السوري، وقوة مكافحة الإرهاب التي كانت بمثابة الذراع العسكري للحزب المذكور.
إعلانووفقاً لتلك التقارير، فإن "قسد" ساهمت منذ عام 2022 في تقديم تدريبات ودعم لقوة مكافحة الإرهاب، التي حصلت أيضاً على منح مالية من قوات التحالف الدولي في سوريا التي تشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، والتي تقيم قواعد في مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لقوات "قسد".
وفي منتصف عام 2023 أسس حزب اللواء -الذي أسسه ويرأسه مالك أبو الخير المقيم في فرنسا- مكاتب خدمية في السويداء، وأكد رغبته بتأسيس إدارة ذاتية خاصة بالمجتمع في السويداء، وهو نفس الخيار الذي بقيت تتبناه "قسد" إلى حين سقوط نظام الأسد أواخر عام 2024. لكنها منذ بدء القوات الأميركية تقليص وجودها في سوريا، خفضت "قسد" من سقفها وباتت تتمسك بنظام الحكم اللامركزي.
ويتبنى حزب اللواء إقامة "إقليم الجنوب" الذي يضم محافظات جنوب سوريا ومن بينها السويداء، في شكل يشبه إقليم "الإدارة الذاتية" الذي أسسته "قسد" في محافظات شمال شرق البلاد.
التنسيق بعد سقوط الأسد
خلال الأحداث التي وقعت في أشرفية صحنايا بريف دمشق، ومحافظة السويداء أواخر أبر يل/نيسان الفائت، وأوائل مايو/أيار الجاري، ظهر أحد مشايخ العقل الدروز -في لقاء متلفز- ويدعى مروان كيوان، مطالبا "قسد" بإنقاذ البلاد وقيادة المرحلة الانتقالية من أجل الوصول إلى سوريا موحدة ديمقراطية وعلمانية ولا مركزية، لتحافظ على وحدة سوريا وحقوق كل الشعب السوري بحسب وصفه.
ومطلع مايو/أيار الجاري، أعلنت قوات الأمن السوري عن ضبط شحنة أسلحة في منطقة السخنة بالبادية السورية، كانت متجهة من مناطق سيطرة "قسد" إلى محافظة السويداء، مما أوحى بأن الأمر لا يقتصر على مجرد تصريحات إيجابية من قادة دينيين دروز تجاه "قسد".
وقد مارس نشطاء ينتمون إلى "قسد" دعاية قوية لصالح الشيخ الدرزي حكمت الهجري والمجلس العسكري في السويداء الرافضين لدخول الحكومة السورية إلى المحافظة الجنوبية، واعتبروا أن مطالبهم تنم عن رغبة بتطبيق اللامركزية في سوريا.
إعلانوقبيل إعلان فصائل المعارضة السورية السابقة لمؤتمر "النصر" الذي نصبت من خلاله أحمد الشرع رئيساً مؤقتاً لسوريا مطلع فبراير/شباط 2025، أعلن مجلس سوريا الديمقراطية (الذراع السياسية لقسد) عن قيام وفد من طرفه بزيارة محافظة السويداء، حيث التقى مع الهجري الذي يتصدر الشخصيات المناهضة للحكومة السورية الحالية.
واتفق الجانبان خلال اللقاء على عدم تسليم السلاح للدولة السورية إلا بعد "تشكيل حكومة انتقالية شاملة" في موقف يعكس عدم الرضا عن تنصيب الشرع رئيساً لسوريا.
وتتلاقى "قسد" مع جهات عديدة في السويداء بالاستياء من الحكومة السورية نتيجة عدم إشراكهم في مؤتمر الحوار الوطني، ولمنعهم من المساهمة في الإعلان الدستوري اللذين كانا بمثابة خطوات لإضفاء الطابع الشرعي الشعبي والقانوني على الحكومة الانتقالية الحالية.
أواخر فبراير/شباط من العام الجاري، أعلن مجموعة من الضباط السابقين في نظام الأسد عن تشكيل "مجلس السويداء العسكري" بقياد طارق الشوفي، حيث أتى الإعلان بعد يوم واحد من إعلان الحكومة الإسرائيلية ضرورة نزع السلاح من الجنوب السوري.
كما أعلن هذا "مجلس السويداء العسكري" في بيان التأسيس عن اعتماده للهجري كمرجعية دينية، بالإضافة إلى التأكيد على أن هدفه حماية "حدود الجنوب" من عصابات التهريب، والجماعات الإرهابية.
وفي إشارة محتملة إلى العلاقة بينه وبين "قسد" قال المجلس في بيان تأسيسه إن "مشروع المجلس وطني يهدف إلى تنظيم التعاون بين القوى المسلحة في المجتمع المحلي، وبمباركة من الشيخ حكمت الهجري، وبالتنسيق مع دول التحالف الدولي" الذي لم يصدر عنه بيان في هذا الشأن ويعتبر "قسد" شريكه المحلي في سوريا.
وقد حمل الشعار الذي تبناه المجلس تصميما يشبه الشعار الذي تعتمده "قسد" كما سارع حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذي يقود "قسد" إلى نشر إعلان "المجلس العسكري للسويداء" على موقعه الرسمي ووصف الإعلان بـ"التطور اللافت".
إعلانوقال "الاتحاد الديمقراطي" إن التشكيل الجديد "يأتي في وقت تشهد فيه سوريا تحولات سياسية وأمنية كبيرة مما يجعله خطوة مهمة في مسار تعزيز الأمن المحلي في السويداء".
ورغم نفي "مجلس السويداء العسكري" تبعيته لأي جهة داخلية أو خارجية، تحدثت تقارير عن تلقيه دعما وتمويلا من قوات "قسد" وأن مسألة تشكيل المجلس أثارها وفد "مسد" لدى زيارته إلى السويداء، دون تأكيد من جهة مستقلة.
ويتقاطع هذا المجلس مع مطالب "قسد" المتمثلة بتبني خيار الدولة العلمانية الديمقراطية اللامركزية، بحسب ما صرح قائد المجلس طارق الشوفي الضابط السابق في جيش النظام السوري.
جهود إنشاء إقليم مستقل
يشير تأكيد "مجلس السويداء العسكري" على هدف حماية "الجنوب" إلى رغبة بتكريس فكرة الإقليم المستقل، ويوحي بمحاولة فرض أمر واقع على الحكومة السورية متمثلا بوجود أقاليم متعددة تتمتع باستقلالية.
وبرز دور المجلس العسكري في السويداء بشكل واضح بعد الصدامات بين قوات عشائرية وفصائل محلية في المحافظة مطلع مايو/أيار الجاري، فقد رفض المجلس بشكل قاطع فكرة دخول قوات أمن تتبع للحكومة السورية إلى السويداء.
وأصر المجلس على إعادة تفعيل دور القوى الأمنية التي كانت تنشط في المحافظة زمن نظام الأسد، كما قام منتسبو المجلس بإزالة العلم السوري من مدخل السويداء، ورفعوا الأعلام الخاصة بالطائفة الدرزية.
ومما ساعد على زيادة فاعليته حالة التوتر والاحتقان في محافظة السويداء، بسبب اعتقاد العديد من الفاعلين بالمحافظة بأن الحكومة قصرت في منع القوات العشائرية من الهجوم على المدينة، الأمر الذي أضعف موقف بعض الأطراف التي تتبنى التنسيق مع الحكومة السورية على غرار قائد فصيل "شيخ الكرامة" ليث البلعوس.
لم تكن محاولات "قسد" لمد نفوذها إلى السويداء جديدة، ففي خضم المظاهرات التي شهدتها المحافظة ضد الأسد على مدى عام ونصف العام قبل سقوطه، أعلنت فصائل محلية في مايو/أيار من العام الماضي تشكيل مجلس عسكري للطائفة الدرزية حمل اسم "مجلس القوى العسكرية في السويداء".
إعلانوقد ادعت الفصائل المنضوية تحت المجلس أن تشكيله مدعوم من الشيخ الهجري، وأنه هو شخصياً وبأمر مباشر من طلب تشكيله. وأكدت تقارير في حينها أن التشكيل تقف خلفه "قسد" وأنه تم تقديم الدعم المالي من قبلها للقائمين عليه وأبرزهم الشيخ رائد المتني وأيسر مرشد اللذين وعدا قادة الفصائل المنخرطة في التشكيل برواتب شهرية لجميع المقاتلين.
ولكن الشيخ الهجري اعتبر، بحسب ما نقلت تقارير عن مصادر مقربة منه، التشكيل "طعنة" هدفها تشويه الحراك السلمي ضد النظام السوري، وانسحبت معظم الفصائل بعد اعتراف المتني أمامها في اجتماع مغلق بتلقيه الدعم بوساطة وتنسيق المسؤول الإعلامي في "قسد" أمجد عثمان، وكذلك بعد أوامر مباشرة من الشيح الهجري الذي أكد لهم عدم علمه به.
ويبدو أن اختلاف الظروف بين مايو/أيار العام الماضي -خلال سيطرة نظام الأسد وبين مايو/أيار الجاري بعد سقوط الأسد- قاد إلى إعادة إنتاج المجلس العسكري ولكن هذه المرة بالاعتماد على ضباط وجنود النظام السابق في السويداء ولأهداف مختلفة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مایو أیار الجاری الحکومة السوریة محافظة السویداء المجلس العسکری إلى السویداء فی السویداء نظام الأسد فی سوریا
إقرأ أيضاً:
انطلاق أول انتخابات لمجلس الشعب في سوريا منذ سقوط الأسد
شهدت سوريا، الأحد، لحظة مفصلية في تاريخها الحديث مع انطلاق أول انتخابات لمجلس الشعب منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في خطوة تُعد اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة الجديدة على إدارة عملية سياسية شاملة بعد عقود من الحكم الأحادي الذي انتهى بانهيار مؤسسات النظام السابق.
وتأتي هذه الانتخابات، وفق مراقبين، كأول استحقاق سياسي رسمي في "الجمهورية السورية الجديدة"، وسط آمال بأن تُشكّل بداية لمسار بناء مؤسسات دستورية شرعية تعبّر عن التعددية السياسية والاجتماعية في البلاد، بعد أكثر من ستة عقود من حكم حزب البعث وهيمنته على الحياة السياسية.
وبدأت صباح اليوم عملية الاقتراع في عموم المحافظات السورية لاختيار أعضاء أول مجلس شعب بعد سقوط النظام، حيث فتحت المراكز الانتخابية أبوابها أمام أعضاء الهيئات الناخبة للإدلاء بأصواتهم، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وقال الرئيس السوري أحمد الشرع خلال تفقده أحد مراكز الاقتراع في المكتبة الوطنية بدمشق إن بلاده "دخلت في غضون أشهر قليلة مرحلة انتخابية تعكس نضوج الوعي الوطني واستعداد السوريين لمرحلة البناء والازدهار"، مشيرًا إلى أن "هناك العديد من القوانين المعلقة التي تنتظر البرلمان الجديد لإقرارها والمضي في عملية إعادة الإعمار".
وأضاف الشرع أن "بناء سوريا مهمة جماعية، وعلى جميع السوريين المساهمة فيها"، مؤكداً أن "عجلة التشريع والمساءلة ستدور بوتيرة سريعة لضمان الشفافية وتعزيز الثقة بالمؤسسات الجديدة".
وفي السياق، أوضح المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات نوار نجمة أن عملية الاقتراع انطلقت عند التاسعة صباحًا بالتوقيت المحلي، مشيرًا إلى أن التصويت يجري عبر صناديق اقتراع علنية، وأن عملية الفرز ستبدأ فور إغلاق الصناديق أمام وسائل الإعلام، فيما يُتوقع إعلان النتائج النهائية خلال يومي الاثنين أو الثلاثاء المقبلين.
وتجري الانتخابات وفق المرسوم الرئاسي رقم (66) لعام 2025 الذي حدّد آلية مؤقتة لتشكيل اللجنة العليا للانتخابات من عشرة أعضاء برئاسة محمد طه الأحمد، تتولى الإشراف الكامل على العملية الانتخابية. ويقضي المرسوم بتوزيع مقاعد مجلس الشعب — الذي يبلغ عدد أعضائه 210 — بين الفئات السكانية والاجتماعية، بحيث يُنتخب ثلثا الأعضاء عبر هيئات محلية فيما يعيَّن الثلث المتبقي بقرار من الرئيس.
وبحسب اللجنة العليا للانتخابات، يتنافس 1578 مرشحًا، بينهم 14% من النساء، على مقاعد المجلس، في سابقة تشهد مشاركة رمزية لأقليات دينية وعرقية كانت مغيّبة عن الحياة السياسية لعقود، أبرزهم المرشح السوري الأمريكي هنري حمرا، نجل آخر حاخام يهودي غادر سوريا في تسعينيات القرن الماضي، ليكون أول مرشح يهودي للبرلمان منذ سبعين عامًا تقريبًا.
ويرى محللون أن الانتخابات تمثل اختبارًا جوهريًا لمدى قدرة السلطة الانتقالية على إدارة استحقاق ديمقراطي فعلي، في ظل بيئة سياسية وأمنية ما تزال هشة، وتحديات اقتصادية متفاقمة تعيق جهود إعادة الإعمار وعودة النازحين.
كما تُعد هذه الانتخابات أول خطوة تنفيذية للنظام السياسي الجديد الذي بدأ يتشكل عقب سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، عندما أنهت فصائل سورية مسلحة أكثر من ستة عقود من حكم البعث، وأعلنت نهاية حقبة استبدادية امتدت لأكثر من نصف قرن.
وبينما يترقب السوريون نتائج هذا الاقتراع التاريخي، يرى مراقبون أن المجلس المقبل سيكون أمام اختبار حقيقي لترجمة تطلعات الشارع نحو العدالة والمساءلة وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس جديدة من الشفافية والتشاركية، في وقت تحاول فيه سوريا استعادة مكانتها الإقليمية والدولية بعد سنوات طويلة من العزلة والصراع.