خالد بن حمد الرواحي

لم يكن الحديث طويلًا، لكنه غيّر كثيرًا من نظرتي للإدارة؛ ففي مهمة عملٍ رسمية إلى سنغافورة قبل عدة سنوات، التقيت وكيل وزارة العمل السنغافوري، ولم يكن اللقاء بروتوكوليًّا عابرًا؛ بل حوارًا قصيرًا فتح أمامي نافذةً عميقة على طريقةٍ مختلفةٍ تمامًا في التفكير الإداري.

سألته بدافع التأمل والفضول: "ما الفرق بين إدارتكم الحكومية وإدارتنا في العالم العربي؟ كيف تنجحون في تمرير قراراتكم دون أن تواجهوا ما نواجهه من اعتراضات وارتدادات؟".

ابتسم بثقة، وقال: "أنتم، عادةً، تُصدرون القرار أولًا، ثم تُفاجَؤون بردّات الفعل السلبية، فتبذلون الجهد والموارد في معالجتها. أما نحن، فنبدأ بمعالجة تبعات القرار قبل صدوره؛ نُهيّئ المجتمع، نُبني التوافق، ثم نُصدر القرار بهدوء... فيُستقبل بإيجابية، كأنه جاء من الناس لا فُرض عليهم."

كانت إجابته صادمة ببساطتها، لكن خلف تلك البساطة، وجدتُ عمقًا هائلًا في المفهوم: القرار الناجح لا يكمن في توقيعه، بل في توقيته وظروفه. ومنذ تلك اللحظة، بدأت أطرح على نفسي سؤالًا أوسع: هل نحن نصنع القرار لنحلّ المشكلة، أم لنُدير ردّات الفعل بعدها؟

في بيئاتنا الإدارية، كثيرًا ما نُباغَت بالمشكلات، فنصدر قراراتٍ حماسيةً تحت ضغط الرأي العام أو الظروف المفاجئة. وقد تأتي النوايا صادقة، لكن الخطأ لا يكون في الهدف، بل في الاستعجال. وهكذا تبدأ دورةُ إنهاكٍ طويلة: تفسير، وتبرير، وتعديلات، ومحاولات لامتصاص الغضب.

أما في التجربة السنغافورية، فالقرار لا يُرمى على الطاولة كحجرٍ ثقيل، بل يُغرس أولًا في وعي المجتمع؛ يُناقَش ضمنيًّا، يُلمَّح له في السياسات والخطط، حتى إذا صدر لاحقًا، بدا وكأنه استمرارٌ طبيعيٌّ، لا مفاجأة مزعجة.

وهنا بيت القصيد: إن أفضل القرارات ليست تلك التي تُعلَن بقوة، بل تلك التي تسبقها قراءة دقيقة للمشهد، واستعداد ذكي لاحتمالاته. إنها قرارات تُبنى في العقول والقلوب، قبل أن تُسجَّل في الوثائق.

التفكير بهذه الطريقة لا يتطلب ميزانياتٍ ضخمة، بل يتطلب عقلًا إداريًّا يُقدّر أثر القرار قبل وقعه. يسأل: من سيتأثر؟ كيف نُهيّئه؟ هل نُشركه في الحل؟ هل الوقت مناسب؟

كلها أسئلة لا تتعلق بالتقنية، بل بالحكمة السياسية والإدارية.

وقد أدركت من ذلك اللقاء أن الفرق بين ردود الفعل الإيجابية والسلبية لا يكمن في القرار نفسه، بل في الطريق الذي سلكناه قبله. فالتهيئة لا تقلّ أهمية عن التنفيذ، بل ربما تتفوّق عليه.

وربما هذا ما نحتاجه في بعض مؤسساتنا اليوم؛ أن نُبطئ لحظة إصدار القرار، لنُسرّع نجاحه بعد التنفيذ. فالمجتمع حين يُشرك في القرار، يتحول من متلقٍّ إلى شريك، ومن معترضٍ إلى داعم.

اليوم، في ظل "رؤية عُمان 2040" التي تراهن على بناء جهازٍ إداريٍّ مرن، ونزيه، وفعّال، نحتاج إلى هذا النمط من التفكير العميق. فليست الغاية أن نملأ الأدراج بالقرارات، بل أن نُخرج منها ما يُحدث أثرًا، ويبني ثقة، ويُشعِر المواطن بأنه شريكٌ لا متلقٍّ.

لقد قال لي وكيل العمل السنغافوري عبارته ومضى، لكنني غادرتُ اللقاء وأنا أُدرك أن إدارة القرار فنٌّ لا يقلّ عن مضمون القرار نفسه. هناك من يُصدر القرار ليُظهر سلطته، وهناك من يُصدره بعد أن استنفد الحوار والبدائل والتقييم، فكان قراره أشبه بخطوةٍ طبيعيةٍ في طريقٍ مشترك.

والفرق بين الاثنين... هو الفارق بين من يصنع الضجيج، ومن يصنع التاريخ.

ونحن في عُمان، نملك كل مقومات القرار الحكيم... فقط إن سبقناه بالحوار، وأحطناه بالثقة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الخارجية: ردود الفعل الإسرائيلية تجاه الاعتراف بدولة فلسطين معادية للسلام

اعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية، ردود الفعل الإسرائيلية التي صدرت عن أكثر من مسؤول بُعيد القرار الفرنسي بالاعتراف بدولة فلسطين "معادية للسلام"، ورافضة للحلول السياسية والتفاوضية للصراع.

وأوضحت الوزارة في بيان، صدر اليوم الأحد 27 يوليو 2025، أن ردود الفعل هذه تُبقي الباب مفتوحاً على استمرار دوامة العنف، والحروب، والتوترات في المنطقة، وتعكس في الوقت ذاته إصراراً إسرائيلياً على التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية العادلة والمشروعة، كما جاءت في قرارات الأمم المتحدة، وتحظى بإجماع دولي.

وأردفت: ما يجري يعد ترجمة لمخططات استعمارية توسعية تتزامن مع سياسة إسرائيلية رسمية تهدف إلى تعميق جرائم الإبادة، والتجويع، والتهجير، والضم التي ترتكبها حكومة الاحتلال بشكل يومي، كما تظهر بوضوح في قطاع غزة ، وفي الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وجميع إجراءات الاحتلال أحادية الجانب غير القانونية الرامية إلى تقويض فرصة تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض، وفي مقدمتها مسلسل القرارات الإسرائيلية بشأن تعميق جريمة التطهير العرقي والضم.

وشددت الوزارة مجدداً على أن اعترافات الدول بدولة فلسطين هي استحقاق وواجب سياسي وقانوني ينسجم مع القانون الدولي والشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين، وانتصار لصمود الشعب الفلسطيني في أرض آبائه وأجداده، وتمسكه بحقه في تقرير المصير وتطلعه الدائم إلى الحرية والاستقلال.

وشددت على أن تلك الاعترافات والجهد الإقليمي والدولي المبذول لإنجاح المؤتمر الأممي في نيويورك وتجسيد دولة فلسطين على الأرض يجلبان السلم والاستقرار والازدهار لشعوب ودول المنطقة والعالم.

وأشارت إلى أنها تواصل بذل المزيد من الجهود مع الدول التي ما زالت مترددة أو تدرس الإقدام على خطوة الاعتراف، وتطالب جميع الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين بالانحياز إلى القانون الدولي بعيداً عن أية حسابات سياسية ضيقة.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين بالصور: الهلال الأحمر المصري يستمر في الدفع بالمساعدات الإنسانية إلى غزة صورة: تحرك شاحنات المساعدات المصرية باتجاه قطاع غزة الاحتلال يُجبر عائلتين مقدسيتين على هدم منزليهما في مدينة القدس الأكثر قراءة تقديرات إسرائيلية بإمكانية إبرام صفقة مع حماس هذا الأسبوع محدث بالفيديو والصور: غزة: 73شهيدا وعشرات الإصابات إثر مجزرة إسرائيلية بحق طالبي المساعدات الأونروا: 6 آلاف شاحنة مساعدات محتجزة وسوء التغذية يفتك بأطفال غزة الإعلام الحكومي بغزة: نحن أمام أكبر مجزرة جماعية في التاريخ الحديث عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • مختص: القرارات المتدرجة بالتوطين تستهدف وظائف عالية الجودة
  • احذر .. الحبس 3 أشهر عقوبة تحريض المارة على الفسق بإشارات أو أقوال
  • خواطر اجتماعية.. الدكتورة سعاد العزازي: لا بد من الصحوة الأسرية وإعادة التفكير في مفاهيم التعليم والنجاح
  • وسط غضب شعبي.. قرارات الزبيدي تثير جدلاً واسعاً في الجنوب
  • "الأحرار": الاعتداء على سفينة "حنظلة" قرصنة وخرق واضح للقانون البحري الدولي
  • رابطة الأندية توضح بند القوة القاهرة.. صلاحيات مطلقة وقرارات غير قابلة للاستئناف
  • الخارجية: ردود الفعل الإسرائيلية تجاه الاعتراف بدولة فلسطين معادية للسلام
  • الشبل: لا يجوز إحداث جلبة للحاق بالإمام أثناء الركوع.. فيديو
  • تمكيناً للكفاءات الوطنية في مستشفيات القطاع الخاص.. بدء تطبيق قرار توطين مهن طب الأسنان بنسبة 45 %
  • الأمانة العامة لمجلس الوزراء تتابع تنفيذ قرارات الحكومة دورياً