لجريدة عمان:
2025-12-09@10:06:58 GMT

التجويع جريمة لا تسقط بالتقادم

تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT

التجويع جريمة لا تسقط بالتقادم

مر العالم عبر تاريخه الحديث، على الأقل، بمنعطفات ساهمت في تغيير مساره بشكل عميق وأسست لرؤية إنسانية جديدة، لم تكن على الدوام تطورا للرؤية السائدة في بعدها الإنساني أو السياسي، رغم استمرار مسار المعرفة في التطور. ويمر العالم اليوم بأحد أهم منعطفاته على الإطلاق، وهو منعطف تتساقط فيه إنسانية العالم إلى حد غير مسبوق من قبل، وهذا من شأنه أن يلقي بظلاله على المرحلة القادمة من التاريخ.

فعلى الرغم من المستوى المعرفي والتكنولوجي الذي وصل له الإنسان إلا أنه يفشل فشلا ذريعا في الجانب الإنساني والأخلاقي، وأكثر مثالا بات واضحا للعالم أجمع مأساة غزة، ليس في بعدها السياسي، ولكن في بعدها الأخلاقي الذي يفترض أن ينطلق فيه الجميع من القيم والمبادئ نفسها.

ما يحدث في غزة ليس حربا على الإطلاق، إنه تفكيك منهجي لمجتمع كامل، سواء باستخدام القنابل أو بالحرمان من أبسط مقوّمات البقاء المتمثلة في الغذاء والماء والدواء والمأوى.

يتحول التجويع ـ الذي يحاول العالم تخفيفه بمصطلح آخر هو «حافة المجاعة» أو «أزمة الغذاء» هربا من التبعات القانونية والنفسية ـ إلى أداة للإبادة الجماعية، وجعل الحياة مستحيلة في غزة تمهيدا لتطبيق المرحلة التالية من خطة إسرائيل والمتمثلة في تهجير السكان.

يتطلب تسمية الأمور بمسمياتها وضوحا أخلاقيا وشجاعة فكرية وهذا ما يفتقده الكثيرون في العالم، اللهم إلا بعض أصحاب الضمائر الحية، التي لم تختطفها الدعاية الصهيونية أو الإغراق في الحياة المادية التي أسس لها الغرب طوال القرن الماضي.

إن أبسط المبادئ الإنسانية تفرض على الجميع أن ينتقل من مرحلة التحفظ إلى الإدانة الواضحة رغم أن الإدانة وحدها لا تكفي في هذه اللحظة من الموت الجماعي في غزة، فالدول مطالبة بالفعل الحقيقي الذي يخلص سكان غزة عبر الوقوف في وجه الجريمة الإسرائيلية الرامية إلى إبادة الفلسطينيين في قطاع غزة بطريقة وحشية.

إن إحدى علامات التردي القيمي والإنساني في العالم أن ينشغل بالجدل حول دقة توصيف ما يحدث في غزة، هل هو «إبادة جماعية» أم «جريمة حرب» أم «إفراط في استخدام القوة» أو «حق الدفاع عن النفس»، فالفلسطيني الذي يموت في غزة من الجوع ليس معنيا بهذا الخلاف، فعندما تموت جوعا لا يفرق حينها إن كان بسبب إبادة جماعية أم جريمة حرب!

لقد شُلّ المجتمع الدولي تحت وطأة توازنات زائفة ومصالح جيوسياسية أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية؛ فلم يعد قادرا على انتشال نفسه من كل المآزق التي تفاجئه كل يوم، حتى تلك التي تمس جوهره الأخلاقي، والقيم التي أسس بها لشرعيته طوال العقود الماضية.. وإلا فإن التجويع لم يكن يوما نتيجة حتمية للحرب، ولكنه قرار واع لتحقيق أهدافها.. وحين يُستخدم بشكل منظّم ضد أطفال منتفخي البطون، وأمهات لا يقدرن على الإرضاع، وعائلات تنبش الأنقاض بحثا عن فتات؛ فإنه يغدو فعلا واضحا للإبادة، ويغدو الجدل حوله استراتيجية لكسب الوقت ومحاولة تمييع الجريمة.

على العالم أجمع أن يقول لإسرائيل، وبصوت واحد، كفى! وأن يشرع في مساءلتها قانونيا ليس لإنقاذها من هاوية ذاهبة نحوها لا محالة ولكن لإنقاذ نفسه من الهاوية نفسها في العقود القادمة. وتبدأ أولى خطوات العدالة بتسمية الأشياء بمسمياتها، وما تقوم به إسرائيل في غزة هو استخدام التجويع أداة للإبادة الجماعية ويحدث ذلك بشكل ممنهج وواضح للقوى الغربية التي تدعم إسرائيل.. أما الخطوة التالية فهي التحرك وفق القانون لمواجهة هذه الجريمة ومن يتواطأ معها في كل مكان.

وأي شيء دون إدانة كاملة وصريحة وبتسمية الأشياء بمسمياتها ليس دبلوماسية... بل خيانة، ليس لغزة وحدها ولكن للإنسانية وهي من الخيانات التي لا يمكن أن تسقط بالتقادم؛ لأن العدالة الدولية لا تسقط جريمة الإبادة بالتقادم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

خلال حرب غزة..إسرائيل تقتل أكبر عدد من الصحفيين في العالم

قالت منظمة مراسلون بلا حدود اليوم الثلاثاء: إن إسرائيل مسؤولة عن مقتل ما يقرب من نصف الصحفيين هذا العام في جميع أنحاء العالم، حيث قتلت قواتها 29 صحفيا فلسطينيا في غزة.

تعليم غزة: تأجيل عقد امتحان الثانوية العامةهندوراس تطلب من الإنتربول توقيف رئيسها السابقوزير الخارجية الأمريكي: ازدهار سوريا رهن تعايشها السلمي مع جيرانهابعد ضربها لليونان وقبرص.. العاصفة "بايرون" تقترب من الشرق الأوسط

وفي تقريرها السنوي، قالت المنظمة المعنية بحرية الإعلام ومقرها باريس، إن إجمالي عدد الصحفيين الذين قتلوا  بلغ 67 صحفيا على مستوى العالم هذا العام، وهو ما يزيد قليلا عن 66 صحفيا قتلوا في عام 2024.

أسوأ عدو للصحفيين

وقالت منظمة مراسلون بلا حدود في تقريرها الذي وثق الوفيات على مدى 12 شهرا من ديسمبر إن القوات الإسرائيلية مسؤولة عن 43 في المائة من إجمالي القتلى، مما يجعلها "أسوأ عدو للصحفيين".

وكان الهجوم الأكثر دموية هو ما يسمى بالهجوم المزدوج على مستشفى في جنوب غزة في 25 أغسطس، والذي أسفر عن مقتل خمسة صحفيين، من بينهم اثنان من المرالين  في وكالات الأنباء الدولية رويترز وأسوشيتد برس.

وبالمجمل، منذ بدء الأعمال العدائية في غزة في أكتوبر استهد  ما يقرب من 220 صحفياً، مما يجعل إسرائيل أكبر قاتل للصحفيين في جميع أنحاء العالم لمدة ثلاث سنوات متتالية، وفقاً لبيانات منظمة مراسلون بلا حدود.

ولا يزال الصحفيون الأجانب غير قادرين على السفر إلى غزة ـ ما لم يكونوا ضمن جولات خاضعة لرقابة مشددة تنظمها القوات العسكرية الإسرائيلية ـ على الرغم من دعوات جماعات الإعلام ومنظمات حرية الصحافة للسماح لهم بالوصول.

وفي تقريرها السنوي، قالت منظمة مراسلون بلا حدود إن عام 2025 كان العام الأكثر دموية في المكسيك منذ ثلاث سنوات على الأقل، حيث قُتل تسعة صحفيين هناك، على الرغم من تعهدات الرئيسة اليسارية كلوديا شينباوم بمساعدتهم و حمايتهم.

وتُعد أوكرانيا التي مزقتها الحرب (حيث قُتل ثلاثة صحفيين) والسودان (حيث قُتل أربعة صحفيين) من بين الدول الأكثر خطورة على الصحفيين في العالم، وفقًا لمنظمة مراسلون بلا حدود.

إن العدد الإجمالي للقتلى من الصحفيين في العام الماضي أقل بكثير من ذروة 142 صحفياً قتلوا في عام 2012، والتي ارتبطت إلى حد كبير بالحرب الأهلية السورية، كما أنها أقل من المتوسط ​​منذ عام 2003 والذي بلغ نحو 80 صحفياً قتلوا سنوياً.

طباعة شارك منظمة مراسلون بلا حدود حرية الإعلام باريس الصحفيين

مقالات مشابهة

  • خلال حرب غزة..إسرائيل تقتل أكبر عدد من الصحفيين في العالم
  • ما موقف ألمانيا من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة؟
  • «حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»
  • أبو الغيط: 55 مليون عربي يعانون نقص التغذية.. و"التجويع" يُستخدم سلاحًا ضد سكان غزة
  • أونروا: إسرائيل طرف في اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة التي تنص على حرمة المقار الأممية
  • أبو الغيط: 55 مليون عربي يعانون نقص الغذاء… وإسرائيل استخدمت التجويع كسلاح في غزة
  • وزير الخارجية السوري: قلقون من سياسات إسرائيل التي تتعارض مع استقرارنا
  • رئيس الدولة يلتقي رئيس سيشل الذي يزور الإمارات لحضور الجولة الختامية لبطولة العالم للفورمولا 1
  • مظاهرة في برلين تضامناً مع فلسطين ورفضاً للإبادة الصهيونية
  • أحترم ترامب ولكن.. هرتسوج ردا على العفو عن نتنياهو: إسرائيل دولة ذات سيادة