لجريدة عمان:
2025-07-27@00:29:56 GMT

التجويع جريمة لا تسقط بالتقادم

تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT

التجويع جريمة لا تسقط بالتقادم

مر العالم عبر تاريخه الحديث، على الأقل، بمنعطفات ساهمت في تغيير مساره بشكل عميق وأسست لرؤية إنسانية جديدة، لم تكن على الدوام تطورا للرؤية السائدة في بعدها الإنساني أو السياسي، رغم استمرار مسار المعرفة في التطور. ويمر العالم اليوم بأحد أهم منعطفاته على الإطلاق، وهو منعطف تتساقط فيه إنسانية العالم إلى حد غير مسبوق من قبل، وهذا من شأنه أن يلقي بظلاله على المرحلة القادمة من التاريخ.

فعلى الرغم من المستوى المعرفي والتكنولوجي الذي وصل له الإنسان إلا أنه يفشل فشلا ذريعا في الجانب الإنساني والأخلاقي، وأكثر مثالا بات واضحا للعالم أجمع مأساة غزة، ليس في بعدها السياسي، ولكن في بعدها الأخلاقي الذي يفترض أن ينطلق فيه الجميع من القيم والمبادئ نفسها.

ما يحدث في غزة ليس حربا على الإطلاق، إنه تفكيك منهجي لمجتمع كامل، سواء باستخدام القنابل أو بالحرمان من أبسط مقوّمات البقاء المتمثلة في الغذاء والماء والدواء والمأوى.

يتحول التجويع ـ الذي يحاول العالم تخفيفه بمصطلح آخر هو «حافة المجاعة» أو «أزمة الغذاء» هربا من التبعات القانونية والنفسية ـ إلى أداة للإبادة الجماعية، وجعل الحياة مستحيلة في غزة تمهيدا لتطبيق المرحلة التالية من خطة إسرائيل والمتمثلة في تهجير السكان.

يتطلب تسمية الأمور بمسمياتها وضوحا أخلاقيا وشجاعة فكرية وهذا ما يفتقده الكثيرون في العالم، اللهم إلا بعض أصحاب الضمائر الحية، التي لم تختطفها الدعاية الصهيونية أو الإغراق في الحياة المادية التي أسس لها الغرب طوال القرن الماضي.

إن أبسط المبادئ الإنسانية تفرض على الجميع أن ينتقل من مرحلة التحفظ إلى الإدانة الواضحة رغم أن الإدانة وحدها لا تكفي في هذه اللحظة من الموت الجماعي في غزة، فالدول مطالبة بالفعل الحقيقي الذي يخلص سكان غزة عبر الوقوف في وجه الجريمة الإسرائيلية الرامية إلى إبادة الفلسطينيين في قطاع غزة بطريقة وحشية.

إن إحدى علامات التردي القيمي والإنساني في العالم أن ينشغل بالجدل حول دقة توصيف ما يحدث في غزة، هل هو «إبادة جماعية» أم «جريمة حرب» أم «إفراط في استخدام القوة» أو «حق الدفاع عن النفس»، فالفلسطيني الذي يموت في غزة من الجوع ليس معنيا بهذا الخلاف، فعندما تموت جوعا لا يفرق حينها إن كان بسبب إبادة جماعية أم جريمة حرب!

لقد شُلّ المجتمع الدولي تحت وطأة توازنات زائفة ومصالح جيوسياسية أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية؛ فلم يعد قادرا على انتشال نفسه من كل المآزق التي تفاجئه كل يوم، حتى تلك التي تمس جوهره الأخلاقي، والقيم التي أسس بها لشرعيته طوال العقود الماضية.. وإلا فإن التجويع لم يكن يوما نتيجة حتمية للحرب، ولكنه قرار واع لتحقيق أهدافها.. وحين يُستخدم بشكل منظّم ضد أطفال منتفخي البطون، وأمهات لا يقدرن على الإرضاع، وعائلات تنبش الأنقاض بحثا عن فتات؛ فإنه يغدو فعلا واضحا للإبادة، ويغدو الجدل حوله استراتيجية لكسب الوقت ومحاولة تمييع الجريمة.

على العالم أجمع أن يقول لإسرائيل، وبصوت واحد، كفى! وأن يشرع في مساءلتها قانونيا ليس لإنقاذها من هاوية ذاهبة نحوها لا محالة ولكن لإنقاذ نفسه من الهاوية نفسها في العقود القادمة. وتبدأ أولى خطوات العدالة بتسمية الأشياء بمسمياتها، وما تقوم به إسرائيل في غزة هو استخدام التجويع أداة للإبادة الجماعية ويحدث ذلك بشكل ممنهج وواضح للقوى الغربية التي تدعم إسرائيل.. أما الخطوة التالية فهي التحرك وفق القانون لمواجهة هذه الجريمة ومن يتواطأ معها في كل مكان.

وأي شيء دون إدانة كاملة وصريحة وبتسمية الأشياء بمسمياتها ليس دبلوماسية... بل خيانة، ليس لغزة وحدها ولكن للإنسانية وهي من الخيانات التي لا يمكن أن تسقط بالتقادم؛ لأن العدالة الدولية لا تسقط جريمة الإبادة بالتقادم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

رأسمالية الكوارث الأمريكية من التجويع إلى التهجير فالريفيرا

تدير الولايات المتحدة الأمريكية بهدوء وعقل بارد غرفة عمليات مشتركة لتجويع الفلسطينيين وتهجيرهم خارج قطاع غزة، سواء عبر مخيمات الانتقال أو عبر معابر وأبواب خلفية غير مرئية.

غرفة عمليات مشتركة تضم الاحتلال الإسرائيلي والشركاء الأوروبيين بدأت عملها بملاحقة النشطاء ومناصري القضية الفلسطينية، وإغلاق كل المؤسسات الإغاثية وملاحقة العاملين فيها وتجريمهم، وصولا إلى التحكم المطلق بأنشطة الإغاثة عبر مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) وشركاتها الأمنية، التي مارست جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي ممنهج ضد الفلسطينيين دون عوائق تذكر.

حملات الترهيب التي أدارتها الولايات المتحدة من خلال غرفة العمليات المشتركة، شملت التهديد بفرض عقوبات وملاحقة قضاة محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، وعلى رأسهم المدعي العام كريم خان، وصولا إلى المقررة الأممية الخاصة بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام1967، فرانشيسكا ألبانيزي.

شبكة متكاملة تعمل من خلال غرفة عمليات مشتركة لتهجير الفلسطينيين، يمتد نشاطها إلى الضفة الغربية، فالتجويع والتهجير ثنائية عملت متضافرة؛ تارة تحت مسمى معسكرات الانتقال، وتارة تحت مسمى الإغاثة والعلاج
الحملات تجاوزت حدودها بتهديد النشطاء بالتصفية الجسدية، والسحل في شوارع العواصم الأوروبية، والسجن والاعتقال في أرجاء عدة من العالم والإقليم، وهي حملات لم تترك زاوية من العالم دون أن تستهدفها وتضيّق على العاملين فيها؛ من عمال إغاثة إلى مدافعين عن حقوق الإنسان.

في المقابل، تجد مؤسسة غزة الأمريكية من مقرها في ولاية ديلاوير الأمريكية؛ الرعاية والاهتمام والتمويل رغم جرائمها الموثقة في قطاع غزة، إذ يديرها ضباط استخبارات أمريكيون ومرتزقة من مختلف أنحاء العالم، يمنحون الفلسطينيين المجوعين 11 دقيقة لجمع المساعدات ثم يبدأون بعمليات قتل جماعي لمن يتأخر عن المهلة المحددة، في ما يشبه التسلية والمتعة، وهو ما كشفته صحيفة الغارديان البريطانية في تقريرها الأربعاء.

لن يفجع العالم مستقبلا إن اتضح أن المرتزقة الأمريكان يستعينون بالشبكة العنكبوتية المظلمة (dark web) لتسويق مقاطع قتل الفلسطينيين أملا بتحقيق مزيد من الأرباح من المرضى الساديين زبائن الشبكة المظلمة، لن يذهل العالم بعد ذلك أن اكتشف تورط كبار موظفي الإدارة الأمريكية ومن ضمنهم وزير الخزانة الأمريكية سكوت بيسنت ومدير الموساد الإسرائيلي ديفيد برنياع؛ لتهجير الفلسطينيين ونزعهم من أرضهم في قطاع غزة، فالعقوبات والتضييق المالي تحوّل إلى سلاح فتاك وفعال امتد ليشمل سلطة التنسيق الأمني في رام الله ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية في كافة أرجاء العالم.

مؤسسة غزة الأمريكية لا تهدف فقط لرفع كفاءة سلاح التجويع، بل وتفعيل جهود اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم ونقلهم عبر معسكرات وممرات خلفية من القطاع نحو أوروبا وكندا وأستراليا ونيوزلندا، فهي شبكة متكاملة تعمل من خلال غرفة عمليات مشتركة لتهجير الفلسطينيين، يمتد نشاطها إلى الضفة الغربية، فالتجويع والتهجير ثنائية عملت متضافرة؛ تارة تحت مسمى معسكرات الانتقال، وتارة تحت مسمى الإغاثة والعلاج، على نحو سمح بتهجير ما يقارب 20 ألف فلسطيني خلال الأشهر القليلة الماضية بحسب بعض التقديرات.

الخطى الإسرائيلية تتسارع وتعتمد بشكل أساسي على سلاح التجويع الذي يعول عليه نتنياهو للحفاظ على فاعليته بُعيد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لتعطيل جهود رفع الحصار وإعادة الإعمار في قطاع غزة، ودعم ذلك بقنوات وممرات سرية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية
استراتيجية التجويع التهجير تعمل اليوم بفاعلية كونها ثمرة تجارب وخبرات أمريكية متراكمة أشار إليها الكاتب والباحث الأسترالي أنتوني لوينشتاين في كتابة "رأسمالية الكوارث"، عبر شبكة متكاملة تدار مركزيا من قبل الولايات المتحدة وتمول بسخاء منقطع النظير، تتجاوز أهدافها حدود التوصل إلى اتفاق في قطاع غزة نحو مشروع متكامل لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، وهو ما عكسه وزير المالية سموتريتش وبن غفير الثلاثاء الفائت بعقد جلسة هي الأولى من نوعها داخل الكنيست لمناقشة بناء مجمع غوش قطيف شمال القطاع وتفعيل مشروع الريفيرا والتهجير الأمريكي.

الضفة الغربية ليست بمعزل عن هذه المخططات، إذ اقر الكنيست الإسرائيلي في اليوم التالي لمناقشة إعادة الاستيطان إلى قطاع غزة؛ ضم الضفة الغربية للكيان المحتل واعتماد مسمى يهودا والسامرة بديلا عن مسمى الضفة الغربية.

ختاما.. الخطى الإسرائيلية تتسارع وتعتمد بشكل أساسي على سلاح التجويع الذي يعول عليه نتنياهو للحفاظ على فاعليته بُعيد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لتعطيل جهود رفع الحصار وإعادة الإعمار في قطاع غزة، ودعم ذلك بقنوات وممرات سرية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية إلى كندا وأستراليا ونيوزلندا وأوروبا ودول أخرى يطمح مدير الموساد برنياع بانضمامها للمشروع مستقبلا، مشاريع تديرها غرف عمليات نشطة ولن يوقفها سوى صمود المقاومة وحراك دولي وإقليمي شعبي قبل أن يكون رسميا، فالمخطط أبعد ما يكون عن الإنسانية وأقرب ما يكون إلى نشاط مافيات الاتجار بالبشر والمنظمات الإجرامية التي يديرها مرتزقة وقطاع طرق عالميين.

x.com/hma36

مقالات مشابهة

  • الهباش: إسرائيل ترتكب جريمة تجويع جماعي وتحول سكان غزة إلى هياكل عظمية
  • نائب بولندي ينتقد موقف بلاده من جريمة الابادة التي ترتكبها “إسرائيل” في غزة
  • منظمة العالم الإسلامي للتربية والثقافة تطالب بوقف جريمة الإبادة والتجويع في غزة
  • “الأوروبي للصحفيين”: يجب التحقيق في استخدام “إسرائيل” التجويع كسلاح حرب بغزة
  • حدث استثنائي في أجواء غزة… ما الذي سمحت به إسرائيل فجأة؟
  • المجلس العربي يدين جريمة التجويع في غزة ويطالب بوقف الحرب والعدوان
  • "الشعبية": حرب التجويع في غزة تفوق في فظاعتها ووحشيتها
  • رأسمالية الكوارث الأمريكية من التجويع إلى التهجير فالريفيرا
  • حماس: الاحتلال يرتكب جريمة تجويع جماعي في غزة.. وصمة عار على جبين العالم
  • "حماس": استمرار جريمة التجويع في غزة وصمة عار على جبين المجتمع الدولي