23 يوليو، 2025

بغداد/المسلة: وسط تصاعد التوتر الإقليمي وتجاذبات النفوذ في العراق، برز مجدداً ملف الحشد الشعبي بوصفه عقدة أمنية وسياسية تُحرّك علاقات بغداد بواشنطن، وتختبر في الوقت نفسه قدرة الحكومة العراقية على المناورة بين الضغوط الدولية والالتزامات المحلية.

ففي حين تراه واشنطن بوابة لترسيخ التمدد الإيراني وتعزيز حضور الفصائل المسلحة، تصرّ بغداد على إدراجه ضمن أطر الإصلاح المؤسسي، في خطوة تراها داخلية بامتياز، لكنها تحمل، من وجهة نظر أميركية، تداعيات خارجية واضحة.

وتكشف مكالمة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني طبيعة الانزعاج الأميركي من مشروع قانون هيئة الحشد الشعبي، إذ لم تُخفِ واشنطن خشيتها من أن يتحول هذا التشريع إلى غطاء قانوني دائم للفصائل المسلحة ويقوض توازنات السيادة العراقية.

وتُقرأ تغريدة روبيو على منصة إكس بوصفها بيان موقف مباشر: دعم العراق بلا نفوذ إيراني، ومطالبة ضمنية بوقف مأسسة قوى خارجة عن السياق العسكري التقليدي للدولة.

وتستبطن هذه الرسائل سياسة أميركية جديدة في العراق، بدأت تتحول من رسائل غير رسمية إلى ضغوط مباشرة عبر القنوات الدبلوماسية، وربما تتسع إلى إجراءات اقتصادية كما حصل سابقاً مع ملف التعرفة الجمركية.

ويبدو أن واشنطن، التي غضّت الطرف طويلاً عن كثير من الملفات العراقية الحساسة، بدأت ترى في تزايد الهجمات على منشآت الطاقة، خصوصاً في إقليم كردستان، سبباً كافياً لإعادة تموضعها في الملف العراقي، لا سيما مع تكرار استهداف شركات أميركية واستهداف البنية التحتية الحيوية.

وتستند بغداد في موقفها إلى ما تعتبره ضرورة لترتيب المشهد الأمني الداخلي، وتوحيد الأطر القانونية للأجهزة المسلحة. لكنها في الوقت نفسه، تصطدم بنظرة أميركية تعتبر الحشد أداة بيد طهران أكثر منه جهازاً عراقياً خالصاً.

وتدفع قوى الإطار التنسيقي في هذا الاتجاه، مستعينة بأغلبية برلمانية، ومستفيدة من التوقيت الإقليمي الذي يشهد انكفاءً أميركياً نسبياً لصالح حروب الوكالة.

ويبدو أن الاشتباك الأميركي – العراقي حول قانون الحشد لن يكون الأخير، بل مرشح للتفاقم كلما حاولت واشنطن تطويق النفوذ الإيراني عبر الأدوات القانونية، وكلما سعت بغداد إلى تثبيت معادلتها القائمة على توازنات الداخل وتفاهمات الخارج، في لعبة معقدة لا تقبل الهامش الواسع للمناورة.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

انتقادات للاتفاق النفطي: كوردستان تدفع ثمن النفط من عمر آبارها

26 يوليو، 2025

بغداد/المسلة: فتح الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد جرحاً قديماً لم يندمل بعد، حين كشف عمق التنازلات الفنية التي قُدمت باسم السياسة، لا سيما التزام الإقليم بتسليم 230 ألف برميل يوميًا، رغم أن طاقة الإنتاج لا تتجاوز 300 ألف برميل في أفضل الأحوال، وفق معطيات رئيس المهندسين في شركة نفط الشمال.

ووضع هذا الاتفاق الإقليم أمام معضلة تشغيلية ضاغطة، إذ أُجبر على الضغط فوق طاقة الحقول لتلبية الأرقام الورقية، ما أدى إلى استنزاف غير محسوب مثلما حدث مع حقل طقطق الذي خسر قدرته الإنتاجية بعد استنزاف مفرط.

وحذّر مختصون في علوم النفط من خطورة التوسع في الإنتاج دون إجراء دراسات جيوفيزيائية محدثة، مؤكدين أن الإصرار على تلبية التزامات سياسية بمؤشرات غير علمية سيؤدي إلى تقليل العمر الزمني للآبار بنسبة قد تصل إلى 40٪، وهي كارثة لا تظهر إلا بعد فوات الأوان.

ووصف مهندسون ميدانيون التزام الإقليم بأنه “وعد مغامر”، إذ لا يراعي الظروف التقنية والبنية التحتية المتدهورة، فضلاً عن عدم وضوح آلية الرقابة من قبل شركة سومو، ما يُبقي الشكوك قائمة حول شفافية التسليم اليومية.

وأثار بند تكاليف النقل والتصدير جدلاً أكثر عمقاً، حين ظهر أن كلفة تصدير البرميل الواحد قُدرت بـ16 دولارًا دون أن تتضح تفاصيل من يتحمل كلفة أنبوب خورملة–زاخو، الذي تملكه شركة روسنفت الروسية.

وتواصلت مصادر فنية محلية مع جهات مسؤولة داخل الإقليم للاستفهام حول ترتيب الأعباء المالية، فجاءت الإجابات متناقضة، ما يعكس ارتباكًا أو ربما تعتيماً مقصودًا حول ترتيبات العائدات وحقوق الملكية.

ويبدو أن صمت بغداد أيضاً لا يخلو من دلالات، إذ لم توضح الحكومة الاتحادية موقفها من ملكية الأنبوب ولا ما إذا كانت تضع كلفته ضمن الاتفاق العام، بينما تُرك الإقليم وحده يواجه الضغط المالي والفني.

وغاب عن النقاش العام أن شركة روسنفت وقّعت في 2017 عقدًا مدته 20 سنة لإدارة وتشغيل هذا الأنبوب، ما يعني أن كل برميل يمر عبره يخضع لاتفاقات روسية – كوردية قد لا تكون موضوعة في الاعتبار لدى بغداد.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • مؤشرات بلا ضجيج: الصين تغيّر طبيعة السوق العراقية من دون جيوش
  • واشنطن تراجع سياستها: روبيو يلمح لاتفاق شامل لإنهاء حرب غزة
  • رئيس الجمهورية يحيل محافظ بغداد الى التقاعد (وثيقة)
  • ماذا سيبحث وزيرا خارجية سوريا وتركيا في العراق؟
  • النقل العراقية: خلل فني يعيق رحلة جوية من مطار القاهرة إلى بغداد
  • انتقادات للاتفاق النفطي: كوردستان تدفع ثمن النفط من عمر آبارها
  • الاعتراف الأوروبي بفلسطين.. شيك بلا رصيد في مواجهة الفيتو الأميركي
  • أرقام تهوي وثقة تتبخر.. الاقتصاد العراقي يواجه اختبار الركود الأكبر منذ 2003
  • الحرائق تكشف عورة البنية التحتية وتُوقد غضب الشارع
  • بغداد وواشنطن في مفترق السيادة: ملف الحشد يكشف أعصاب العلاقة المتوترة