اتهم مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام السابق للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزّة، في ظلّ الحصار المستمر وارتفاع أعداد الوفيات جراء الجوع، لا سيما بين الأطفال.

وفي مقابلة حصرية مع ميدل إيست آي، قال غريفيث إن غزّة تشهد أسوأ حالة تجويع ممنهج عايشها طوال مسيرته الممتدة خمسين عاما في العمل الإنساني.



وقال غريفيث لميدل إيست آي: “لا شكّ على الإطلاق أن الجوع يُستخدم كوسيلة حرب”. وأضاف: "طوال مسيرتي الإنسانية التي تمتد لأكثر من خمسين عامًا، لم أواجه أي حالة يمكن أن تضاهي حجم الرعب الذي نراه اليوم في غزة".

وتابع: "أعلنت الأمم المتحدة، استنادًا إلى بيانات موثوق بها من المستشفيات، أن الناس ينهارون في الشوارع بسبب الجوع وسوء التغذية، وهذا بحد ذاته كافٍ لفهم حجم الكارثة. ومن الحقائق الثابتة أن الأطفال هم أول الضحايا في مثل هذه الأوضاع. إنسانيتنا تعجز عن تصديق ما تراه".

ومنذ الثاني من مارس/ آذار، يفرض الاحتلال الإسرائيلي حصارًا مطبقًا على القطاع، ويمنع دخول المساعدات الإنسانية المقدّمة من الأمم المتحدة وشركائها، ما وضع سكان غزّة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة على حافة المجاعة.

ووفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، توفي ما لا يقل عن 101 فلسطيني منذ آذار/ مارس بسبب الجوع، بينهم 80 طفلًا، بينما توفي 15 شخصًا يوم الإثنين وحده نتيجة سوء التغذية.

وتواجه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) صعوبات جسيمة في إدخال المساعدات، إذ تنتظر 6,000 شاحنة محمّلة بالأغذية والأدوية السماح بالدخول من مصر والأردن منذ أكثر من أربعة أشهر ونصف، دون أي استجابة من الجانب الإسرائيلي.

وفي تصريح سابق لميدل إيست آي في أيار/ مايو، قال المفوّض العام للأونروا فيليب لازاريني، إن إدخال 600 شاحنة يوميًا هو الحدّ الأدنى المطلوب لتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحّة.

من جهتها، كشفت مديرة التواصل والاعلام في الأونروا، جولييت توما، أن الوكالة تتلقى يوميًا “نداءات استغاثة” من الفلسطينيين، بمن فيهم موظفو الأونروا أنفسهم، يطلبون فيها أي طعام لهم ولعائلاتهم، مؤكدة أن بعض الموظفين غابوا عن الوعي أثناء تأدية مهامهم بسبب الجوع.


 إبادة جماعية
بخبرة تزيد على خمسين عامًا في العمل الإنساني والوساطة في النزاعات، تولى مارتن غريفيث مناصب بارزة في الأمم المتحدة وعدة مؤسسات دولية رفيعة المستوى.

شغل غريفيث منصب وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، وهو أعلى منصب إنساني في الأمم المتحدة، لمدة ثلاث سنوات متتالية، بين 2021 ويوليو/ تموز 2024، تحت إشراف الأمين العام أنطونيو غوتيريش.

أعضاء مجلس الأمن يستمعون إلى مارتن غريفيث خلال جلسة حول الحرب على غزّة، في نيويورك بتاريخ 13 أيار/ مايو 2024

ترأس غريفيث جهود الأمم المتحدة الإنسانية خلال الأشهر التسعة الأولى من الهجوم الإسرائيلي المدمّر على غزة، والذي يصفه اليوم بالإبادة الجماعية.

وكانت محكمة العدل الدولية، وهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، قد أصدرت أوامر ملزمة لإسرائيل في شهور تموز/ يوليو، وآذار/ مارس، وأيار/ مايو، من العام الماضي، تطالب فيها بالسماح بالدخول غير المقيّد للمساعدات الإنسانية إلى غزة، في ظل تحذيرات من مجاعة وشيكة. لكن إسرائيل لم تلتزم بهذه الأوامر.

تشكل تلك الأوامر جزءًا من القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، متهمة إياها بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، عبر فرض ظروف معيشية تهدف إلى القضاء على الفلسطينيين كمجموعة.

وقال مارتن غريفيث، في مقابلة موسعة ستُنشر قريبًا ضمن بودكاست “الشاهد الخبير” لموقع “ميدل إيست آي”: “أنا مقتنع تمامًا بأن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية، فالوقائع تتحدث عن نفسها”.

وأضاف غريفيث أن ما يميز الأزمة في غزة هو الإفلات الكامل من العقاب رغم توثيق الانتهاكات خلال الـ21 شهرًا الماضية، واصفًا القطاع بـ”أكبر رمز للإفلات من العقاب”.

وحذّر من أن استمرار عدم محاسبة إسرائيل دوليا يشكل سابقة خطيرة قد تدفع أطرافًا أخرى في نزاعات مختلفة إلى ارتكاب جرائم مماثلة دون خوف من العواقب، مؤكدًا أن “إسرائيل ترتكب جرائم فظيعة وتفلت من العقاب”. وختم قائلاً: “ما يحدث في غزة لن يبقى في غزة”.


مؤسسة غزة الإنسانية "فخّ للتهجير"
ندّد مارتن غريفيث بآلية توزيع المساعدات التي تدعمها الولايات المتحدة في غزة، والتي تديرها "مؤسسة غزة الإنسانية"، واصفًا إياها بأنها "فخّ للتهجير".

أُطلقت مؤسسة غزة الإنسانية في أيار/ مايو بهدف تعويض العمل الإنساني الذي تشرف عليه الأمم المتحدة في غزة ووقف وصول المساعدات إلى حركة حماس.

لكن الأمم المتحدة أفادت بأن أكثر من ألف فلسطيني جائع قُتلوا برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات من مراكز التوزيع العسكرية التابعة للمؤسسة في جنوب غزة.

وقال غريفيث: "إنها محاولة لاستغلال تقديم المساعدات الإنسانية لكسب بعض التقدير، تحت ذريعة أننا نحافظ على حياة الناس. والحجة، كما تعلمون، أنَّنا على الأقل نفعل شيئًا لا تقوم به الأمم المتحدة"، مؤكداً أن الأمم المتحدة قادرة على إيصال المساعدات بشكل واسع في غزة.

ورفض غريفيث الادعاءات الإسرائيلية بأن حماس تنهب المساعدات، مؤكّدًا أن "هذه الادعاءات لم تخضع لأي تحقيق، ولا تدعمها أي أدلة موثوق بها".

كما أشار إلى أن مؤسسة غزة الإنسانية تنتهك مبدأ أساسيا في العمل الإنساني، وهو عدم توزيع المساعدات أو السيطرة عليها من أحد أطراف النزاع، وقال في هذا السياق: "في تجاربي الإنسانية عبر التاريخ في كمبوديا والصومال وأوكرانيا، لا يُسمح بتقديم المساعدات تحت رعاية أحد أطراف الحرب، ولا داخل بيئة عسكرية. هذا ليس عملًا إنسانيًا”.

واعتبر أن مؤسسة غزة الإنسانية تُستخدم كوسيلة لتهجير الفلسطينيين نحو الجنوب ومن ثم خارج البلاد، قائلا: "إنه فخّ للتهجير".

كما وجّه غريفيث انتقادات لاذعة لمؤسسة غزة الإنسانية بسبب غياب أي آلية فعّالة لمراقبة وجهة المساعدات.

وقال لـ"ميدل إيست آي": "لا توجد أي منظمة إنسانية في المجال العام، وأنا على دراية مباشرة بذلك، يمكنها أن توزع المساعدات بهذه الطريقة العشوائية، كأن تُرمى من أعلى شاحنة".

وأضاف: "من الضروري الاستمرار في المراقبة، وخصوصًا المراقبة من طرف ثالث، لضمان وصول المساعدات إلى الفئات ذات الأولوية".

وأوضح أن مؤسسة غزة الإنسانية غير مزودة بالقدرات اللازمة لمتابعة وجهة المساعدات، نظرًا لعدم تمكّنها من الوصول إلى كافة مناطق قطاع غزة. ووصف ذلك بأنه "تقصير في الواجب والمسؤولية الإنسانية، ناهيك عن انتهاك المبادئ".

وحذّر غريفيث من اعتماد مؤسسة غزة الإنسانية كآلية لتوزيع المساعدات بعد أي وقف محتمل لإطلاق النار، مؤكدا أن ذلك سيشكل سابقة خطيرة قد تستغلها أطراف أخرى في نزاعات مختلفة، منها روسيا في المناطق المحتلة من أوكرانيا.

وقال: "هذه سابقة قد نشهدها في مناطق أخرى".

وأضاف: "عملت كثيرًا في أوكرانيا، والروس يرفضون باستمرار وصول المساعدات من النظام الدولي إلى السكان الذين يخضعون لسلطتهم".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية الأمم المتحدة غزة الفلسطينية الأمم المتحدة فلسطين غزة المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مؤسسة غزة الإنسانیة العمل الإنسانی الأمم المتحدة مارتن غریفیث إیست آی فی غزة

إقرأ أيضاً:

738 خرقا إسرائيليا وتأكيد أممي على تردّي الوضع الإنساني بغزة

أعلن مكتب الإعلام الحكومي في غزة أن الاحتلال ارتكب 738 خرقا خلال 60 يومًا من اتفاق وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن مستوى الالتزام الإنساني بالاتفاق لا يتجاوز 38%.

وأفاد مراسل الجزيرة بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي واصلت قصفها الجوي والمدفعي وإطلاق النيران في المناطق الشمالية من مدينة رفح مرورا بمناطق جنوبي خان يونس ووصولا إلى مناطق محاذية لمحور موراغ.

وأضاف المراسل أن عمليات القصف تجري أحيانا في مناطق تقع ضمن سيطرتها أو ما يعرف بمنطقة الخط الأصفر حيث تعمد إلى خرقه ووضع مكعبات وعوائق إسمنتية وتوسيع سيطرتها في تلك المناطق.

كما أكد مراسل الجزيرة وقوع قصف مدفعي وإطلاق نار من مسيرات إسرائيلية في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة.

وكان مصدر في مستشفى شهداء الأقصى قد أفاد باستشهاد فلسطيني متأثرا بجراحه في غارة على منزل في دير البلح وسط قطاع غزة، وأشار المصدر إلى إصابة آخرين في الغارة.

مبان مهدمة وعلى أنقاضها عدد من الخيام في جباليا شمال القطاع (أسوشيتد برس)

وأعلن مصدر في الإسعاف والطوارئ عن استشهاد سيدة برصاص الاحتلال في مخيم حلاوة خارج مناطق انتشاره شمالي مدينة غزة، في حين أصيب 6 نازحين بنيران مسيرة استهدفت خيمتهم في حي الشجاعية خارج مناطق انتشار جيش الاحتلال، بحسب مصدر في مستشفيات غزة.

في هذه الأثناء، نقل الدفاع المدني في مدينة غزة جثامين شهداء من مقابر مستشفى الشفاء لدفنها في المقابر الرسمية بعد استكمال التعرف عليها.

وأوضح المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني محمود بصل أن العملية تأتي في إطار استكمال انتشال جثامين الشهداء من المقابر العشوائية، مشيرا إلى أن جثامين الشهداء التي لم يتعرف عليها ستدفن في مقبرة مخصصة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة.

ظروف مزرية

وعلى الصعيد الإنساني، أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن الظروف الإنسانية في غزة لا تزال مزرية وأن الاحتياجات تفوق بكثير قدرة المجتمع الإنساني على الاستجابة، بالنظر إلى العوائق المستمرة التي لا تزال تواجهها الأمم المتحدة.

إعلان

وتشمل هذه العوائق وفق الأمم المتحدة: انعدام الأمن، وصعوبات التخليص الجمركي، والتأخير ورفض البضائع عند المعابر، ومحدودية الطرق المتاحة لنقل الإمدادات الإنسانية داخل غزة.

وحذر مكتب "أوتشا" من أن القيود المفروضة على الوصول والحركة داخل غزة لا تزال تشكل مشكلة خطيرة، مشيرا إلى أنه في الفترة ما بين 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي و4 ديسمبر/كانون الأول الجاري منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي 295 متعاقدا و28 موظفا من الأمم المتحدة و21 من العاملين في مجال الرعاية الصحية من المشاركة في بعثات الأمم المتحدة داخل غزة.

حرب إبادة

في السياق، قال مراسل الجزيرة في قطاع غزة هشام زقوت إن بيانات رسمية كشفت أن الاحتلال الإسرائيلي مسح أكثر من 2700 عائلة غزية من السجل المدني الفلسطيني خلال حربه على القطاع، مشيرا إلى أن تلك العائلات أبيدت عن بكرة أبيها.

وقال زقوت إن إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي تشير إلى أن أكثر من 6020 عائلة أخرى أُبيدت، ولم ينج منها سوى فرد واحد، ليبقى شاهدا وحيدا على مأساة ذويه، في حين لا يزال مصير نحو 2300 جثمان مجهولا بعد نبش الاحتلال للقبور.

ويشير المكتب الإعلامي الحكومي إلى أن 9500 مفقود في غزة لا يزال مصيرهم مجهولا، بين عالقين تحت الأنقاض أو معتقلين مجهولي المصير، مما يترك آلاف العائلات الفلسطينية معلقة في دوامة الانتظار.

مقالات مشابهة

  • مقرر أممي: العالم يقف صامتًا تجاه رفض "إسرائيل" إدخال المساعدات لغزة
  • الأمم المتحدة تحذر من توسيع دائرة الحرب في السودان
  • 738 خرقا إسرائيليا وتأكيد أممي على تردّي الوضع الإنساني بغزة
  • جوتيريش يندد بمداهمة إسرائيل مقر الأونروا في القدس
  • تحذير أممي: نازحات ولاجئات في ‎السودان يتعرضن للعنف
  • عاجل- الأمم المتحدة تقلص نداء المساعدات لعام 2026 إلى النصف رغم تفاقم الأزمات الإنسانية عالميًا
  • مسؤول أميركي يبدأ زيارة أمنية مكثفة إلى إسرائيل ويلتقي نتنياهو
  • تراجع غير مسبوق في تمويل المساعدات..الأمم المتحدة تخفض ميزانيتها إلى النصف وتحذر
  • الأمم المتحدة تندد بـلا مبالاة العالم وتخفّض نداءها للمساعدات الإنسانية
  • مسؤول سابق في الناتو: العلاقة بين أوروبا وأمريكا أصبحت شبه انفصالية