منذ الثامن عشر من آذار الماضي، فرضت دولة الاحتلال حصارا خانقا على المواطنين في غزة منعت خلاله دخول أي مساعدات إنسانية، بهدف إيصال الفلسطينيين إلى حالة من المجاعة لعل ذلك يؤدي إلى استسلام المقاومة الفلسطينية أو إلى انتفاضة ضدها أو إلى مطالبتهم بتأمين ممرات آمنه للرحيل.
اليوم تقول المؤسسات الدولية بوضوح إن الشعب الفلسطيني في غزة قد وصل إلى ذروة المجاعة، وإن «الجوع يطرق كل باب في قطاع غزة وسوء التغذية وصل إلى ذروته وإن منظومات المساعدة تلفظ أنفاسها الأخيرة»، وفق آخر بيان للأمين العام للأمم المتحدة الأربعاء الماضي.
وفق إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة فإن 115 فلسطينياً توفي إلى الآن نتيجة المجاعة.
الثلاثاء الماضي وحده مات 15 فلسطينياً من الجوع، والأربعاء 10 فلسطينيين وهو ما يعني أننا سنشاهد في الأيام القليلة القادمة موت المئات وربما الآلاف بشكل جماعي بسبب الجوع.
على شاشات التلفزيون وفي وسائل التواصل الاجتماعي، هناك أمهات وآباء وأطفال يبكون من الجوع ويتوسلون للعالم وللعرب وللمسلمين أن يدخلوا لهم بعضاً من الغذاء.
إن ما يجري يقتلنا جميعاً. هذه ليست حرباً على المقاومة، هذه حرب كراهية وحقد وإبادة تشنها دولة الاحتلال على كل الفلسطينيين.
إنها حرب على الإنسانية جمعاء وهي لم تحدث إلا في الحرب العالمية الثانية عندما حاصرت القوات الألمانية مدينة لينينغراد (1941 - 1944) ودمرت الحقول والمزارع والمصانع الغذائية بهدف قتل السكان جوعاً.
لكن غزة تبقى متفردة في خصوصيتها ولا يُمكن مقارنتها بمدينة لينينغراد (بطرسبورغ حالياً).
غزة مساحتها أقل بأربع مرات من مساحة لينينغراد التي كان يبلغ عدد سكانها قبل الحرب ما يقارب عدد سكان غزة (كان 3 ملايين).
ولينينغراد كانت تتلقى دعماً عسكرياً وإنسانياً من بلدها الأم الاتحاد السوفييتي، بينما غزة لا تتلقى أي دعم خارجي اللهم إلا من اليمن، وهو دعم محدود بسبب المسافة الكبيرة التي تفصلها عن غزة.
ولينينغراد كانت محاصرة من الخارج، بينما الاحتلال داخل غزة وخارجها.
وفي لينينغراد كان الناس يتمكنون من الهرب إلى داخل بلدهم بينما لا يمكن لأي فلسطيني من غزة أن يهرب إلى أي مكان فهو إما أن يُقتل من الجوع أو من القنابل التي تُمطرها عليه دولة الاحتلال.
والأهم من كل ذلك، أن لينينغراد كانت جزءاً من حرب بين دولتين قواتهما متماثلة تقريباً، بينما ما يجري في غزة ليس حرباً ولكن عملية إبادة تنفذها دولة لديها أحدث وسائل القتل بينما تقوم المقاومة خلالها بمهاجمة جنود الاحتلال بالوسائل القتالية القليلة التي تمكنت من صناعتها.
إن ما يجري في غزة من مجاعة ليس نتاج عجز الغرب أو العالم العربي عن إدخال المساعدات الإنسانية، ولكنه تواطؤ مع دولة الاحتلال هدفه إخضاع المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية بالطريقة التي يريدها الاحتلال.
لقد تدخل الغرب بإدخال المساعدات الإنسانية على الأقل في كل الصراعات التي جرت في العالم منذ بداية تسعينيات القرن الماضي.
لقد فعلوا ذلك في الصومال والسودان والبوسنة ورواندا وميانمار وسورية واليمن والكونغو وكوسوفو وأفغانستان والأمثلة كثيرة جداً.
ولقد فعلوه أحياناً عبر التدخل العسكري المباشر مثلما حدث في هاييتي وتيمور الشرقية والبوسنة وكوسوفو.
لكن في غزة، يكتفي الغرب بالتعبير الخجول عن الحاجة لدخول المساعدات الإنسانية لغزة مثلما حدث في بيانهم الأخير الذي وقعته 26 دولة أوروبية مُنتقدة فيه نموذج «توصيل المساعدات» لسكان غزة، واصفة إياه بأنه «خطر، ويغذي عدم الاستقرار، ويحرم السكان من كرامتهم الإنسانية» لتنهي بالمطالبة برفع «القيود المفروضة على تدفق المساعدات الإنسانية» واحترام «القانون الدولي الإنساني».
لكن هذا البيان لم يتضمن أي إجراءات عملية لإجبار دولة الاحتلال على الأخذ بمطالبها، وهو ما يؤكد التواطؤ الغربي في جريمة تجويع أهلنا في غزة.
ألا يستطيع العرب إجبار دولة الاحتلال على إدخال المساعدات الإنسانية لغزة؟
ومن المهم الإشارة هنا أيضاً إلى أن هذا البيان على علاته قد رفضت التوقيع عليه ألمانيا ورومانيا وهنغاريا والولايات المتحدة في إشارة صريحة إلى مساندتهم الكاملة لجريمة الإبادة في غزة.
لكن لماذا انتظار المساعدة من الغرب وجميعنا يعرف أنه سبب المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من مائة عام؟
ألا يستطيع العرب إجبار دولة الاحتلال على إدخال المساعدات الإنسانية لغزة؟
بالطبع قادرون على ذلك إن أرادوا. بإمكانهم التهديد بإلغاء اتفاقيات السلام التي وقعوها مع دولة الاحتلال إن لم تقبل دخول المساعدات الإنسانية وعبر المنظمات الدولية لغزة.
بإمكانهم التهديد بوقف استثماراتهم في الولايات المتحدة إن لم تُجبِر الأخيرة دولة الاحتلال على إدخال المساعدات لغزة.
يُمكنهم القيام بالكثير دون أن يطلقوا رصاصة واحدة لكنهم لا يفعلون والمسألة هنا ليست نتاج عَجز، بل فعل مقصود بدليل أن التبادل التجاري بين الدول العربية المُطبعة مع دولة الاحتلال ارتفع بنسبة 40٪ خلال العام الماضي (خلال حرب الإبادة) عما كان عليه الحال العام 2023.
فيما قام البعض الآخر بمحاولة لعب دور الوسيط «النزيه» بين المقاومة ودولة الاحتلال ويتحدث عن «طرفين» وضرورة الوصول إلى حلول «وسط»، بل إن بعضهم تقدم بهذه الحلول فعلياً على طريقة بدلاً من بقاء الاحتلال في 40٪ من قطاع غزة كما يطالب خلال وقف إطلاق النار، يُمكنه البقاء في 20٪ منها!!
بعض العرب لا يزال يُمارس لُعبة أن إيران هي العدو، في الوقت الذي تقوم فيه دولة الاحتلال وبرعاية أميركية كاملة بتمزيق سورية لتحويل كامل بلاد الشام إلى منطقة تكون لدولة الاحتلال فيها اليد العليا.
وبعضهم لا يزال يُمني النفس بأن هنالك تعارضاً في السياسات بين دولة الاحتلال وأميركا، وأن الأخيرة سَتجبر الأولى على إنهاء الحرب في غزة ولبنان وسورية، بينما الحقيقة أن الولايات المتحدة تعمل بكامل ثقلها السياسي والعسكري أيضاً، إذا اقتضت الضرورة، لتنفيذ ما تريده دولة الاحتلال.
يتناسى هؤلاء العرب أن الولايات المتحدة هي من ضمنت وقف إطلاق النار في لبنان في 27 تشرين الثاني الماضي وهي من تسمح لدولة الاحتلال بخرقه منذئذ. وهي أيضاً من ضمن وقف إطلاق النار في غزة في 19 كانون الثاني الماضي ومن سمح لدولة الاحتلال بإنهائه.
وهي من كانت تفاوض إيران بينما كانت في نفس الوقت تُجهز مع دولة الاحتلال لخطة الحرب عليها.
أميركا ليست وسيطاً، بل شريك مباشر في كل جرائم الاحتلال. والعرب يعلمون ذلك أكثر منا.
الأيام الفلسطينية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الاحتلال غزة المجاعة الجوع غزة الاحتلال الجوع المجاعة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إدخال المساعدات الإنسانیة دولة الاحتلال على مع دولة الاحتلال فی غزة
إقرأ أيضاً:
كندا: الحكومة الإسرائيلية تتقاعس في منع الكارثة الإنسانية في قطاع غزة
ندد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، بتقاعس حكومة الاحتلال الإسرائيلي في منع الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة .
وقال كارني في تغريدة له بمنصة "إكس"، إن إسرائيل تنتهك القانون الدولي بمنعها وصول المساعدات الممولة من كندا إلى المدنيين في القطاع الفلسطيني الذي مزقته الحرب.
ودعا إلى استبدال سيطرة حكومة الاحتلال على توزيع المساعدات، بمساعدات عبر وكالات الأمم المتحدة.
وشدد، أن كندا ستبذل جهودها في جميع المحافل مثل مؤتمر الأمم المتحدة بشأن حل الدولتين في نيويورك، الأسبوع المقبل.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين احتجاجات أمام القنصلية الإسرائيلية في شيكاغو رفضاً لتجويع غزة استراليا: ينبغي بذل كل جهد ممكن لإنهاء معاناة غزة مستوطنون يقتحمون "مقام يوسف" شرق نابلس الأكثر قراءة الزمن الإسرائيلي الأصفر ...! المتعوس وخائب الرجاء ألمانيا تُقرّر إعادة البت في طلبات اللجوء المقدمة من غزة الأمم المتحدة: إسرائيل ترفض تجديد تأشيرات دخول لعدد من كبار مسؤولينا في غزة عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025