في ظل مشهد إقليمي متوتر وتطورات ميدانية متسارعة، تتزايد المخاوف من انهيار مسار التهدئة وعودة العنف إلى الواجهة من جديد، وسط حالة ترقب دولية حذرة لمصير الجهود السياسية والدبلوماسية الرامية إلى تثبيت وقف إطلاق النار.

ففي الوقت الذي تتصاعد فيه الانتهاكات الإسرائيلية على الأرض، يظهر خطر حقيقي يهدد العملية السلمية ويقوض ما تحقق من خطوات خلال الفترة الماضية، في ظل غياب الضمانات الملزمة والتصعيد المتكرر الذي يعمّق حالة عدم الاستقرار.

يرى مراقبون أن الفرصة لا تزال قائمة للحفاظ على مسار التهدئة، شريطة توافر إرادة دولية حقيقية وضغوط فعالة على الأطراف كافة للالتزام بتعهداتها، مؤكدين أن نجاح هذه المرحلة يتطلب تحركات دبلوماسية مكثفة وتنسيقًا إقليميًا ودوليًا يضمن استدامة الهدوء ويمنع الدخول في مواجهة جديدة.

أستاذ قانون دولي: الانتهاكات الإسرائيلية تهدد الاتفاق.. وفرص إنقاذه قائمة بالضغط الدولي

حذر الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، من أن الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار تضع المرحلة القادمة من الاتفاق في خطر حقيقي وتهدد بانهيار كامل للعملية السلمية، مؤكدًا أن فرص استكمال مسار التهدئة لا تزال قائمة لكنها تتطلب تدخلًا دوليًا حاسمًا وضغوطًا فعلية على إسرائيل.

وفي تصريحات لـ"صدى البلد"، قال الدكتور مهران إن مصير المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تتضمن إطلاق سراح المزيد من الأسرى والانسحاب الكامل من غزة ورفع الحصار، بات في مهب الريح بسبب الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، موضحًا أن القانون الدولي يعتبر أي خرق جوهري لاتفاق دولي سببًا مشروعًا للطرف الآخر لإيقاف تنفيذ التزاماته، وفقًا لمبدأ المعاملة بالمثل المكرّس في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات.

وأكد أن تأجيل المرحلة الثانية بسبب الخروقات الإسرائيلية يضع مصير آلاف الأسرى الفلسطينيين في خطر، ويعيد الشعب الفلسطيني إلى دوامة القلق والخوف من انهيار كامل للاتفاق، لافتًا إلى أن القانون الدولي الإنساني يلزم أطراف النزاع بالإفراج عن الأسرى فور انتهاء الأعمال العدائية، وأن التأخير يشكل انتهاكًا إضافيًا لحقوق الأسرى وعائلاتهم.

وأشار إلى أن السلوك الإسرائيلي لم يكن مفاجئًا بالنظر للتاريخ الطويل من الخروقات الإسرائيلية للاتفاقيات الدولية، مؤكّدًا أن إسرائيل تعتبر الاتفاقيات مجرد أدوات تكتيكية لكسب الوقت وليست التزامات قانونية ملزمة، مبينًا أن القانون الدولي يفرض على الدول الالتزام بتنفيذ اتفاقياتها بحسن نية، لكن إسرائيل تنتهك هذا المبدأ الأساسي بشكل ممنهج.

ورغم التحديات الكبيرة، أكد الدكتور مهران أن فرص استكمال مسار التهدئة لا تزال قائمة، لكنها تتطلب إرادة سياسية دولية حقيقية للضغط على إسرائيل، موضحًا أن المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية كضامن رئيسي للاتفاق، يجب أن يتحمل مسؤولياته الكاملة في إجبار إسرائيل على الالتزام.

ودعا الإدارة الأمريكية لاستخدام نفوذها وعلاقتها الخاصة بإسرائيل لوقف الانتهاكات فورًا، مؤكدًا أن مصداقية واشنطن كوسيط ستكون محل تساؤل إذا عجزت عن كبح جماح حليفتها، لافتًا إلى أن القانون الدولي يحمل الدول الضامنة للاتفاقيات مسؤولية قانونية وأخلاقية عن ضمان تنفيذها.

ورحب بالدور المصري في محاولة إنقاذ الاتفاق من الانهيار من خلال الاتصالات المكثفة مع جميع الأطراف، مؤكّدًا أن القاهرة تبذل جهودًا دبلوماسية مضنية لمعالجة الخروقات والضغط على إسرائيل للعودة إلى الالتزام بالاتفاق مع الحفاظ على خطوط الاتصال مفتوحة مع جميع الأطراف.

وأوضح أن مصر كوسيط رئيسي وضامن للاتفاق لن تسمح بسهولة بانهياره بعد الجهود الاستثنائية التي بذلتها للوصول إليه، مشيرًا إلى أن الخبرة المصرية في إدارة الأزمات والموازنة بين الضغط والتفاوض ستكون حاسمة في الأسابيع القادمة.

ودعا لتفعيل آليات الضغط الدولي على إسرائيل، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية والسياسية، وتعليق التعاون العسكري، والتهديد بإحالة الانتهاكات للمحكمة الجنائية الدولية، مؤكّدًا أن القانون الدولي يتيح للمجتمع الدولي اتخاذ تدابير قسرية ضد الدول التي تنتهك التزاماتها الدولية.

واعتبر أن نجاح الاتفاق يتوقف على إرادة المجتمع الدولي في فرض احترام القانون الدولي، محذّرًا من أن الفشل سيعيد المنطقة إلى دوامة العنف ويقوض أي فرص للسلام مستقبلًا، مؤكّدًا أن الشعب الفلسطيني يستحق أن يعيش بأمان وكرامة بعد عقود من المعاناة.

طباعة شارك الانتهاكات الإسرائيلية القضية الفلسطينية قرار وقف إطلاق النار الجيش الإسرائيلي فلسطين

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الانتهاكات الإسرائيلية القضية الفلسطينية قرار وقف إطلاق النار الجيش الإسرائيلي فلسطين الانتهاکات الإسرائیلیة أن القانون الدولی مسار التهدئة على إسرائیل مؤک د ا أن إلى أن دولی ا

إقرأ أيضاً:

تشاؤم إسرائيلي من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ومدى استفادة حماس منه

رغم الترحيب الإسرائيلي بصفقة التبادل واتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لكن القناعة المتزايدة يوما بعد يوم هي أن دولة الاحتلال تمرّ بمنعطف حرج بسبب هذا الاتفاق، لأن تراكم نفوذ "الجهات المعادية" لها في القطاع، بجانب تدخلاتها من وراء الكواليس، قضيا على فرصة إضعاف حركة حماس بشكل كبير، ما قد يحول الاتفاق إلى "حقل ألغام سياسي".

وأكد محرر الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشاع، أنه "لا يمكن لمن خططوا للاتفاق مع حماس أن يستغربوا هذه النتيجة، ومفادها أنها تُؤخّر إعادة جثامين القتلى الاسرائيليين إليها، والسبب بسيط أنه لم يُحدّد إطار زمني لإعادة جميعها، مما يطرح السؤال: كيف وُقّع اتفاق كهذا، وفيه ثغرة كبيرة كهذه، مع أن الحركة استقبلت بالفعل 2000 أسير محرر، دون وضع تسلسل هرمي يُلزم إسرائيل بربط إطلاق سراحهم بإعادة الجثث، وليس فقط الرهائن الأحياء". 


وأضاف يهوشاع في مقال ترجمته "عربي21" أنه "ليس بالضرورة أن تكون خبيرًا كبيرًا في شؤون الشرق الأوسط لتفهم عدم توقّع أن تبذل حماس أقصى جهد لإعادة جثامين القتلى الإسرائيليين، لأنها خلال المفاوضات أعلنت معرفة مكان نصفهم، بينما أشارت تقديرات إسرائيلية إلى عدد أكبر، وفي اقتراحها قبل عام، حددت أماكن 18 جثة، وكان التقدير أنها ستعيد عددًا من خانة واحدة، وقد يصل إلى 15 جثة على الأقل، خلال 72 ساعة، لكن في الواقع، لم يُعاد سوى أربعة جثث، وبعد أن ضغط إسرائيل على الوسطاء، سُجِّل بعض التقدم مع ضربة أخرى". 

وأوضح أن "إسرائيل صحيح أنها حققت إنجازًا كبيرًا باستعادة جميع الرهائن أحياءً دفعةً واحدة، لكن النقاط الرئيسية الأخرى، وفي مقدمتها تفكيك حماس، ونزع سلاحها، وإبعادها عن السلطة، لم تتحقق بعد، ولا يزال الجيش متمركزًا في عمق القطاع، وليس فقط في محيطه، وتسمح إسرائيل الآن لتركيا ومصر وقطر، وجميعها لديها مصلحة في نجاح الجزء الأول من الاتفاق، بمواصلة العملية، أما بالنسبة للاستمرار، خاصة نزع سلاح الحركة في غزة، فمن المشكوك أن تساعد هذه الدول في إنجازه".

وأشار إلى أن "تركيا وقطر لهما مصلحة واضحة ببقاء حماس، بعد موافقة إسرائيل على مشاركتهما في المفاوضات لإعادة جميع الرهائن أحياءً بضربة واحدة، الآن، تسعى قطر، التي موّلت الحركة لسنوات، للحفاظ على مكانتها كوسيط إقليمي رئيسي؛ وترى تركيا، بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، غزة كمركز نفوذ استراتيجي وأيديولوجي، ورغم المعارضة الإسرائيلية للتدخل التركي بإعادة إعمار غزة، انطلقت فرق هيئة إدارة الكوارث والطوارئ (AFAD) من جميع أنحائها للمساعدة في التعامل مع الأزمة الإنسانية في غزة".

وأكد أن "النتيجة مفادها اليوم أن وراء هذه العناوين المتفائلة تختبئ ثغرات عميقة قد تُحوّل "تفكيك حماس" إلى مجرد إعلان فارغ، ويكمن القلق في أنها تلقت ضمانات غير رسمية من قطر وتركيا للحفاظ على قوتها الأساسية: السياسية والاقتصادية، بل وحتى العسكرية، تحت غطاء مدني جديد، وطالما بقيت زمام الأمور في أيدي الوسطاء، فإن إسرائيل تفقد قدرتها على تشكيل الواقع في قطاع غزة، وتُخاطر بإعادة حماس لمركز الصدارة، وإن كان تحت مسمى مختلف". 


وأضاف أنه "مع مرور الوقت، تُعيد حماس ترسيخ وجودها السري، ويُشكّل الجمع بين الوجود التركي في غزة، والتدخل القطري المستمر تهديدًا مزدوجًا بإسرائيل، مفاده عودة النفوذ الإسلامي للقطاع، والتسلل السياسي للمنافسين الإقليميين لمنطقة يتحمل مسؤولية أمنية مباشرة عنها، لذلك، يقف الآن عند منعطف حرج: وإذا لم يُعِد تعريف قواعد اللعبة، ويضع خطوطًا حمراء واضحة للتدخل الخارجي، فقد يتحول الاتفاق الحالي من رافعة لإعادة إعمار القطاع، إلى لغم سياسي سينفجر لاحقًا". 

وزعم أن "حماس تستغلّ الوضع للضغط على إسرائيل وتحقيق مكاسب إنسانية، لاسيما في مجالات إعادة الإعمار، ولا تُضيّع الوقت، فهي تسعى لإعادة تنظيم قواتها وبنيتها التحتية المدنية، وأمرت بتعبئة الآلاف من قواتها الأمنية للسيطرة على المناطق التي أخلاها الجيش مؤخرًا، وفي الوقت نفسه عيّنت محافظين جدد، وهكذا تُرسّخ سيطرتها، وتقضي على منافسيها، ممن تحدّوها، بل وساعدوا إسرائيل بعد أن أعطاها الرئيس ترامب ما يشبه "الضوء الأخضر" للتعامل معهم، رغم مطالبته بنزع سلاحها".

مقالات مشابهة

  • أفغانستان وباكستان تبرمان في الدوحة اتفاقا لوقف إطلاق النار بعد تصعيد حدودي دامٍ
  • اختلاق ذرائع كاذبة.. «حماس»: حصار إسرائيل لمعبر رفح انتهاك صارخ لاتفاق التهدئة
  • أستاذ قانون دولي: الانتهاكات الإسرائيلية تهدد الاتفاق.. وفرص إنقاذه قائمة بالضغط الدولي
  • ضياء رشوان: اتفاق شرم الشيخ أول اتفاق فلسطيني إسرائيلي بضمان دولي من 4 أطراف رئيسية
  • إعلام إسرائيلي: مؤتمر غزة همّش إسرائيل وأميركا لا ترى حركة حماس انتهكته
  • تصعيد جديد.. 11 قتيلاً بقصف إسرائيلي خلال الهدنة في غزة
  • الانتخابات الإسرائيلية المقبلة وفرص التسوية السلمية بعد الاتفاق
  • تشاؤم إسرائيلي من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ومدى استفادة حماس منه
  • الانتهاكات الإسرائيلية مستمرة بالمنطقة العازلة مع سوريا