كتاب عربية القرآن: منهج جديد لتعليم اللغة العربية عبر النصوص القرآنية
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
في إصدار جديد يعد من الإضافات البارزة في ميدان تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، يقدم الدكتور خالد شحو والأستاذ ناصر إسليم كتابا مدرسيا بعنوان "عربية القرآن- الغواص في لغة القرآن"، عملا أكاديميا صدر في مجلدين، الأول مخصص للمستويين الابتدائي والمتوسط، والثاني للمستوى المتوسط والمتقدم، ويهدف إلى إعادة تعريف الطريقة التي يتعلم بها الطالب اللغة العربية من خلال القرآن الكريم، لا كمجرد نص ديني، بل كبنية لغوية ثرية يمكنها أن تفتح أمام المتعلم أبواب الفهم والتعبير والتأمل الحضاري.
وينطلق المؤلفان من قناعة عميقة بأن من أراد إتقان العربية بحق، لا يمكنه تجاوز القرآن الكريم بوصفه المصدر الأعلى لفصاحتها وثرائها. فاللغة في هذا السياق ليست فقط موضوعا للتعليم بل وسيلة لاكتساب ملكة لغوية متجذرة تمكن المتعلم من خوض تجربة لغوية متكاملة، تربط بين مهارات اللغة جميعها من قراءة واستماع وكتابة وتحدث، وبين التفاعل مع ثقافة النص القرآني وروحه.
ولا تقتصر الرؤية التعليمية للكتاب على تقديم اللغة بوصفها نظاما نحويا أو قاموسيا، بل تطرح كل وحدة دراسية كمفتاح لرحلة تفاعلية مع معاني القرآن وتراكيبه وصوره البلاغية.
يتميز هذا المؤلف بأنه يتجاوز الطرق التقليدية التي غلبت على مناهج تعليم "عربية القرآن"، والتي تتراوح بين 3 نماذج رئيسية: أولها المقاربة الآلية التي تفرغ النص من معانيه الحية وتحصره في تمارين نمطية لا تتيح للطالب ربط اللغة بسياقها الواقعي، وثانيها المقاربة التفسيرية التي تجعل المتعلم يتعامل مع معاني القرآن من خلال لغة وسيطة، مما يحرمه من التفاعل المباشر مع الأصل العربي للنص، وثالثها المقاربة التهويلية التي تقدم النص القرآني منذ البداية على أنه معقد وصعب، مما يؤدي إلى إرباك المتعلم وتثبيط همته. ومن خلال تجاوز هذه المقاربات، يقدم "عربية القرآن" طريقا مختلفا يجعل من اللغة القرآنية مسارا مفتوحا للفهم والتطبيق، حيث يندمج النص في حياة الطالب وتجاربه الخاصة.
إعلانفي جانب المنهجية، يطرح الكتاب مقاربة شمولية تسعى إلى تنمية المهارات اللغوية الأساسية من خلال تمارين تطبيقية تتداخل فيها البلاغة مع النحو، والقراءة مع التعبير، في مسار يحاكي اللغة كما تتجلى في سياقات حية متكاملة.
ولا يقتصر الكتاب على النصوص الدينية فحسب، بل يستحضر نصوصا من الحديث الشريف، ومن الشعر العربي الكلاسيكي، والحكم والأمثال، ويفعلها من خلال تمارين تنقل المتعلم من التلقي السلبي إلى الفعل والمشاركة. كما يشجع المتعلم على التأمل في الجماليات اللغوية، واستنباط المعاني من السياق، واكتساب الثقة الكافية للتعامل مع نصوص قرآنية جديدة لم يتعرض لها مسبقا.
ومن السمات اللافتة في هذا الكتاب استثماره الذكي في الوسائط التكنولوجية الحديثة، حيث تم تزويد صفحاته برموز "كيو آر" (QR) تتيح للمتعلمين الوصول إلى مواد سمعية وبصرية مرافقة، تتضمن نماذج صوتية لتلاوة الآيات، وشرح قواعد التجويد، وتقديم أنشطة تفاعلية تعتمد على الاستماع الدقيق والتكرار النطقي. وتعد هذه الخاصية دعما مهما لتهيئة الأذن اللغوية للمتعلم وتعويده على الإيقاع الداخلي للنص القرآني، بما يحمله من موسيقى لغوية وتراكيب إيقاعية فريدة. وهذا يجعل تجربة التعلم أكثر حيوية وشمولا، حيث لا ينحصر الطالب في القراءة الصامتة أو الفهم البصري فقط، بل يصبح جزءا من تجربة لغوية متعددة الحواس.
فهو أكثر من مجرد كتاب دراسي، إذ يقدم "عربية القرآن" مشروعا منهجيا يعيد تموضع المتعلم كمستكشف مستقل للنص. يعلمه كيف يقرأ القرآن لا بالحفظ أو التقليد، بل بالتأمل والتحليل والبحث عن البنية الداخلية للمعنى. فالغاية هنا ليست فقط إتقان مجموعة من الآيات، بل اكتساب أدوات التفاعل مع نصوص جديدة، والتعامل مع اللغة العربية بوصفها أداة فهم حضاري وروحي. ومن هنا، فإن الكتاب يتجاوز كونه وسيلة تعليمية تقليدية ليصبح بمثابة مفتاح لفهم النص القرآني بعيون لغوية جديدة.
الكتاب موجه لفئات متنوعة تشمل طلاب المدارس الثانوية والجامعات، والمهتمين بتعلم العربية لأغراض دينية وثقافية، ومعلمي العربية الذين يسعون إلى تجديد طرائقهم وتقديم محتوى جذاب قائم على معايير تربوية حديثة مثل تلك التي تعتمدها مؤسسة "أكتفل" (ACTFL). كما يخاطب الباحثين عن منهج لغوي حديث يتعامل مع القرآن الكريم كنص تربوي وثقافي في آن واحد، لا كنص مغلق متعال أو معقد.
وبينما يتجه كثير من جهد تعليم اللغات نحو الرقمية والتفكيك الوظيفي للنصوص، يعيد الكتاب الاعتبار إلى "النص الكامل" كمدخل لتعليم العربية، ويعيد الوصل بين اللغة بوصفها نظاما، والثقافة بوصفها حياة، والقرآن بوصفه المعين الأعمق للعربية المعاصرة. ومن هنا، لا يقدم "عربية القرآن" فقط مادة تعليمية بل أيضا دعوة تربوية وفكرية لإعادة استكشاف العربية من خلال أقدس نصوصها، وأغناها لغويا وتعبيريا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات اللغة العربیة عربیة القرآن من خلال
إقرأ أيضاً:
لطيفة بنت محمد تكرّم الفائزين بجائزة “محمد بن راشد للغة العربية” في دورتها التاسعة
تحت رعاية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، كرّمت سموّ الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، أمس الفائزين بـ “جائزة محمد بن راشد للغة العربية” التي تنظمها مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، وضمن الدورة التاسعة للجائزة.
ويأتي التكريم تأكيداً لالتزام دولة الإمارات العربية المتحدة بمكانة اللغة العربية مرتكزاً للهوية والثقافة، وتجسيداً لرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في تمكين اللغة العربية وتوسيع آفاق استخدامها محلياً وعالمياً.
وأكَّدت سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والإرث الإنساني المعرفي، لافتةً إلى أنّها لغة الأصالة والتراث، والإبداع والابتكار، وقالت سموّها: “العربيةُ هي لغة العلوم والآداب، وإحدى أبرز ركائز الحضارة الإنسانية، وتعكس جائزة محمد بن راشد للغة العربية فِكر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الاستشرافي المتفرِّد وجهوده في تعزيز مكانتها بين لغات العالم لغةً حيَّة قادرة على قيادة المستقبل، وتبرز الجائزة قدرة اللغة العربية على مواكبة التطورات التكنولوجية والمعرفية المتسارعة، وتجسّد التزامنا بالمحافظة على هذه اللغة العظيمة والنهوض بها. كما تسلِّط الضوء على مبادرات دبي الداعمة للغة العربية، وتسهم في زيادة التقدير العالمي لها ورفع الوعي بجمالياتها، وتدعو المجتمعات إلى إعادة اكتشافها أداةً للتواصل، ومحركاً للابتكار”.
وأضافت سموّها:”نفخر بمستوى المشارَكات في هذه الدورة، وبالزخم المتنامي للجائزة عاماً بعد عام. وما نشهده اليوم من إقبال على الجائزة هو تعبير صادق عن الإيمان العميق بأن العربية ليست مجرد لغة، بل هوية وإرث حضاري وإنساني مشترك تتناقله الأجيال”.
من جهته، قال معالي محمد أحمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس أمناء الجائزة: ” تمثل الجائزة تجسيداً عملياً لرؤية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في تعزيز الحضور العالمي للغة العربية، بوصفها أداة استراتيجية لتشجيع التميّز في جميع مجالات اللغة من تعليم وتقنية وإعلام وسياسات لغوية”.
وأضاف معاليه: “منذ إطلاق الجائزة، حرصنا على أن تكون منصة عالمية للاعتراف بالإبداع والابتكار في خدمة اللغة العربية. والنسخة التاسعة تؤكِّد هذا المسار، بمشاركات تعكس عمق التأثير واتساع نطاق الاهتمام باللغة العربية حول العالم”.
من جانبه، قال سعادة بلال البدور، الأمين العام للجائزة: “يعكس الزخم العالمي في المشاركة وعياً متنامياً بقيمة اللغة العربية جسراً حضارياً وثقافياً. استقبلنا مشاركات من مؤسَّسات وأفراد من 65 دولة، وهذا دليل على أنَّ الجائزة باتت نقطة جذب للمهتمين بالعربية في مختلف القارات”.
وأضاف سعادته:” كل مشروع مشارِك يعكس التزاماً حقيقياً بحماية اللغة العربية من التهميش، وتعزيز مكانتها مكوناً فاعلاً في صناعة المستقبل”.
وكرّمت الجائزة في دورتها التاسعة في محور التعليم، ضمن فئة أفضل مبادرة لتعليم اللّغة العربيّة وتعلّمها في التّعليم المبكّر، مبادرة “آنسة ألف”، من دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي الفئة الثانية من محور التعليم، فئة أفضل مبادرة لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، فازت مبادرة “معهد فصيح” لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها”، من المملكة الأردنية الهاشمية.
أما في الفئة الثالثة من المحور نفسه، وهي فئة أفضل مبادرة للتعليم باللغة العربية في التعليم المدرسي (من الصف الأول إلى الصف الثاني عشر)، فقد فازت مبادرة “أبجديات” من دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي محور التّقانة (التكنولوجيا) الفئة الأولى، فئة أفضل تطبيق ذكي للغة العربية ونشرها، فازت مبادرة “أتعلَّم” من لبنان.
وفي الفئة الثانية من ذات المحور، وهي فئة أفضل مبادرة لمعالجة اللّغة العربيّة تقنياً، فازت مبادرة “أدوات عربي” (أدوات برمجية لخدمة اللغة العربية بلغتي البايثون والجافا)، من فلسطين.
وفي محور الإعلام والتواصل، فئة أفضل عمل باللغة العربية في وسائل الإعلام الإلكتروني وقنوات التواصل الاجتماعي، فاز تطبيق “مجرّة”، من دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي محور السياسة اللغوية والتخطيط والتعريب، فئة أفضل مشروع تعريب أو ترجمة، فقد فازت مبادرة ترجمة كتاب الإدارة الرشيدة للمضادات الميكروبية، من جمهورية مصر العربية.
وفي محور الثقافة والفكر ومجتمع المعرفة، الفئة الأولى، وهي فئة أفضل عمل ثقافي أو فني لخدمة اللغة العربية، فقد فازت بها “مسرحيات إدارة السلوك الطلابي” (قيم ومبادئ)، من سلطنة عُمان.
أما الفئة الثانية في هذا المحور، وهي فئة أفضل مبادرة لتعزيز ثقافة القراءة ومجتمع المعرفة، فقد فاز بها مهرجان “أيام العربية”، من دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأخيراً الفائز بجائزة الشخصية العالمية المتميِّزة: الباحِثة أَديبة روميرو سانشيز من إسبانيا.
وتُخصّص الجائزة جوائز مالية بقيمة إجمالية تصل إلى 2.8 مليون درهم إماراتي ، توزَّع على الفائزين في مختلف المحاور، بهدف تحفيز الابتكار وتعزيز التنافسية في مشاريع تخدم اللغة العربية. ومنذ تأسيسها، كرّمت الجائزة أكثر من 80 فائزاً من مختلف أنحاء العالم، وأسهمت في تطوير بيئة خصبة لدعم المبادرات اللغوية المؤثّرة والمستدامة.
وتواصل دبي من خلال هذه الجائزة تأكيد دورها المحوري بوصفها مركزاً للابتكار الثقافي والمعرفي، وحاضنةً للمبادرات الرّائدة التي تخدم اللغة العربية وتربطها بمستقبل البشرية، ومستمِدةً من رؤية قيادتها الحكيمة الإيمان الرّاسخ بأن اللغة هي بوابة التنمية الشاملة.وام