إسماعيل بن شهاب البلوشي

استوقفني مُؤخرًا خبر يتحدَّث عن وصول معدلات الطلاق إلى نحو 11 حالة يوميًا، وهو رقم لا يُمكن المرور عليه مرور الكرام؛ فمن الطبيعي أن يكتب كثيرون عن هذه الظاهرة، وأن تتناولها الجهات المختصة من زوايا قانونية أو أسرية أو اقتصادية، لكنّي هنا أود أن أضع النقاش في زاوية مختلفة، زاويةٌ تتعلق بجذر المسألة وليس بثمارها المُتساقطة.

لقد تحدّثتُ سابقًا عن ضرورة إعادة النظر في سن الزواج، لأننا نعيش اليوم واقعًا اجتماعيًا مختلفًا تمامًا عن الماضي؛ حيث تغيّرت الحياة، وتغيرت معها أنماط التواصل والسلوك، وأصبح الفضاء الاجتماعي مفتوحًا بلا حدود ولا رقابة، حتى غدت المفاهيم القديمة عن العلاقات والتعاملات بين الجنسين في حاجة إلى إعادة ضبط عميق.

إن منظوري في هذا الأمر يقوم على أن المرأة، إن لم ترتبط بالزواج في سن مناسبة، وأقولها بوضوح: حتى قبل الثامنة عشرة أحيانًا، فإنِّها مع مرور الزمن تدخل في طور مختلف من التكوين النفسي والسلوكي. فكُلما طال العمر دون ارتباط، تشكَّلت لديها رؤية مُستقلة عن الحياة، تتأثر بما تشاهده وتسمعه وتعيشه من تجارب مجتمعية متعددة. ومع الانفتاح الكبير الذي نعيشه اليوم، تصبح المرأة أكثر اطلاعًا على تفاصيل الحياة، وتكوّن خبراتها وشخصيتها وفق بيئة مفتوحة ومتنوعة، يصعب أن تتكيف لاحقًا مع نموذج حياة مختلف يأتيها في صورة زوج اعتاد هو الآخر نمطًا وسلوكًا مغايرًا.

هنا تتولد فجوة حقيقية، ليست فقط بين الرجل والمرأة؛ بل بين جيلين من التفكير والسلوك.

ففي الماضي، كانت الفتاة تتزوج صغيرة، وتبدأ حياتها وهي صفحة جديدة تُرسم خطوطها الأولى داخل بيت الزوجية.

أما اليوم، فالفتاة التي تقترب من الثلاثين تكون قد خاضت تجارب فكرية واجتماعية كثيرة، وشكَّلت قناعاتها وأسلوبها في التفكير، فيصبح التكيف مع شريك الحياة أمرًا بالغ الصعوبة.

في الماضي، لم يكن الزواج المبكر مجرد تقليد اجتماعي؛ بل كان وسيلة لتكوين الأسرة في سن يستطيع فيها الطرفان أن ينموا معًا ويُصقلا شخصيتيهما ضمن إطار الحياة المشتركة. كانت المرأة تعرف دورها بوضوح، والرجل يدرك مسؤولياته في ظل بيئة متقاربة القيم والمعايير.

أما اليوم، فقد أصبح العالم غرفة واحدة، تتعدد فيها الثقافات والصور والمقارنات، وتضيع عندها الحدود بين الواقعي والمثالي، وبين الممكن والمستحيل. وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تكوين خيال جمعي جديد، غدا فيه الزواج بالنسبة لبعض الفتيات- وأحيانًا الشباب أيضًا- مشروعًا مؤجلًا حتى "النضج الكامل" أو "الاستقرار المادي"، لكن هذا التأجيل كثيرًا ما ينتهي إلى عزوف أو صعوبة في التكيّف لاحقًا.

ثمة جانب آخر لا يقل أهمية، وهو التأثير الكبير لمن يُسمّون أنفسهم برجال المعرفة والمشاهير، الذين يقدمون أنفسهم قدوات ورموز على وسائل التواصل؛ حيث إن تأثيرهم المباشر وغير المباشر في تشكيل مفاهيم الشباب والفتيات حول الزواج والعلاقات الاجتماعية أصبح واضحًا وخطيرًا في الوقت ذاته. وحين تُختزل الحياة في مظاهر فخمة وصور مصطنعة للعلاقات، يفقد الزواج الحقيقي قيمته الجوهرية كعلاقة مسؤولية وتكامل، لا كمشروع ترفيهي أو تحدٍ مؤقت.

ليس المقصود هنا الدعوة إلى الزواج القسري أو العودة العمياء إلى الماضي؛ بل الدعوة إلى وعي متجدد يوازن بين الطبيعة الفطرية للإنسان وبين متطلبات العصر وسرعته؛ فالمجتمع الذي يريد أن يحدّ من ظاهرة الطلاق عليه أن يبدأ من الجذور، من مفهوم الزواج نفسه، ومن توقيته، ومن إعداد الطرفين له فكريًا وسلوكيًا.

نحتاج إلى برامج توعوية تعيد تعريف الزواج بوصفه شراكة ومسؤولية لا مجرد علاقة عاطفية، وإلى خطاب اجتماعي يفتح النقاش حول السن الأنسب للزواج من منظور علمي واقعي، بعيدًا عن الموروثات الجامدة أو التقليعات الحديثة.

وأخيرًا.. إن الأرقام التي نسمعها اليوم عن الطلاق ليست إلا مرآة لخلل أعمق في منظومتنا الاجتماعية، ولا سبيل لعلاجه إلا بإعادة النظر في مراحل التكوين الأولى للعلاقات الأسرية، وفي القيم التي نغرسها في أبنائنا وبناتنا حول معنى الزواج والالتزام والمشاركة، وكلما تأخرنا في فهم هذا التحول، زادت المسافة بين الأجيال، وتحول الزواج من مؤسسة بناء إلى محطة تجريب.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

اليوم ثانى جلسات محاكمة المتهمة بسب وقذف رجل أعمال بالإسكندرية

تنظر المحكمة الاقتصادية فى الإسكندرية برئاسة المستشار أحمد فوزى رئيس المحكمة وبعضوية كل من المستشار ياسمين أحمد على والمستشار خالد عبد السلام اصلان ،والمستشار محمد عصام فؤاد وسكرتير المحكمة مصطفى يسرى، ثانى جلسات محاكمة المتهمة "م.ي" الشهيرة بـ"ابنة مبارك" فى سب وقذف والتشهير برجل أعمال عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

تببن من التحقيقات، قيام المتهمة " م.ي." صاحبة حساب ابنة مبارك على مواقع التواصل الاجتماعي" تيك توك " قذفت المجنى عليه " ا.و" رجل أعمال، بأمور وعبارات لو كانت صادقة لأوجبت عقابه عند أهل وطنه وعشيرته وبين مخالطيه، وقامت بنشر عبارات وألفاظ خادشة للشرف وسب وقذف عبر حسابها على مواقع التواصل.

المتهمة فى القضية التى تحمل رقم 1385 لسنة 2025 جنح اقتصادية، انتهكت حرمة الحياة الخاصة للمجنى عليه بأن نشرت عن طريق حسابها الإلكترونى ما من شأنه المساس به وتعمد إزعاج ومضايقة المجنى عليه بإساءة استعمال وسائل الاتصالات، وبالعرض على نيابة الشئون الاقتصادية وغسيل الأموال قررت إحالتها إلى المحكمة الاقتصادية لمحاكمتها.

كانت محكمة جنح مستأنف الاقتصادية فى الإسكندرية ، أيدت حبس المتهمة "م.ي" الشهيرة بـ"ابنة مبارك" بالحبس سنتين مع الشغل وغرامة مائة ألف جنيه والمصادرة، وإحالة الدعوى المدنية للدائرة المختصة، بتهم سب وقذف وتعمد إزعاج وإنشاء حساب إلكترونى بهدف ارتكاب جريمة.



مقالات مشابهة

  • أفراد الجيش الوطني يشاركون في اليوم الوطني للتشجير
  • الإفتاء: الحياة الزوجية علاقة عُمْران هدفها التعاون والتكامل وليس معاملة الأنداد
  • «الحب يصنع المعجزات».. أحمد الجنايني لـ منة شلبي بعد إعلان زواجهم
  • بعد انتشار وثيقة الزواج.. منة شلبي تحسم الجدل حول ارتباطها بـ أحمد الجنايني
  • اليوم ثانى جلسات محاكمة المتهمة بسب وقذف رجل أعمال بالإسكندرية
  • دار الإفتاء: برامج التأهيل الزواجي ضرورة للحفاظ على الأسرة ومواجهة الطلاق
  • 17,896عقد زواج .. واستقرار نسبي في معدلات الطلاق خلال 2024
  • حقيقة زواج منة شلبي والمنتج أحمد الجنايني.. بماذا ردت الفنانة الشابة؟
  • أمل عمار: «روزاليوسف» منبر التنوير وصوت المرأة الحرة منذ قرن من الزمان