بين التطبيع والإساءة .. كيف كشفت تصريحات سموتريتش كواليس الاتصالات السعودية – الإسرائيلية؟
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
لم تكن تصريحات وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش التي أساء فيها إلى المملكة العربية السعودية مجرّد حادثة عابرة في المشهد السياسي الشرق أوسطي، بل شكّلت كاشفًا لموازين دقيقة تجري في الخفاء بين الرياض وكيان الاحتلال، فبينما أثارت كلمات الوزير المتطرف موجة استياء واسعة في الأوساط العربية، جاءت تصريحات الكاتب والمحلل الفلسطيني صالح أبو عزة لتكشف عن ما وراء الكواليس، مشيرًا إلى أن هذه الإساءة لم تأتِ في فراغ، بل أزاحت الستار عن مفاوضات هادئة امتدت لأكثر من ستة أشهر بين الجانبين، تهدف إلى إرساء مسار للتطبيع التدريجي بين السعودية وإسرائيل.
يمانيون / تقرير / خاص
هذه المعلومات التي كشفها أبو عزة فتحت الباب أمام سلسلة من التساؤلات الجوهرية، هل هناك فعلًا قنوات اتصال مستمرة بين الرياض وتل أبيب؟ وما الذي يدفع الطرفين إلى هذا النوع من المفاوضات السرية؟ وكيف يمكن لإساءة لفظية أن تُفجّر ما سعت الدبلوماسية إلى إخفائه طيلة أشهر؟
جذور الأزمة .. تصريح سموتريتش وما وراء الاعتذار
بدأت القصة بتصريح أطلقه الوزير في كيان الاحتلال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، أحد أبرز وجوه اليمين المتطرف في حكومة المجرم بنيامين نتنياهو، حين قال في مقابلة تلفزيونية: دعهم يركبون الجِمال في رمال الصحراء ، لن نقيم دولة فلسطينية لإرضاء السعوديين.
التصريح حمل إهانة مباشرة للمملكة العربية السعودية، ووُصف بأنه يعكس العقلية الاستعلائية لدى بعض أركان حكومة العدو الإسرائيلي.
لم تمضِ ساعات حتى أصدرت وزارة الخارجية في حكومة الكيان الإسرائيلي بيانًا يحاول احتواء الموقف، قبل أن يخرج سموتريتش بنفسه ليقدّم اعتذارًا وصف فيه تصريحاته بالمؤسفة.
لكن الضرر السياسي كان قد وقع بالفعل، وبدأت وسائل الإعلام تتحدث عن تأثير هذه الأزمة على مسار التقارب السعودي _ الإسرائيلي، الذي كان يُدار كما تبيّن لاحقًا، في أجواء من السرية والحذر.
كواليس المفاوضات .. هدوء يمتد لستة أشهر
وفق ما أكده الكاتب الفلسطيني صالح أبو عزة، فإن الإساءة الأخيرة لم تكن سوى القشة التي كشفت ما خفي طيلة شهورـ مشيرًا إلى أن القناة 12 العبرية تحدثت عن مفاوضات هادئة جرت خلف الكواليس بين الرياض وتل أبيب على مدى نصف عام تقريبًا، بإشراف أمريكي غير معلن.
هذه المفاوضات كانت تهدف إلى تطبيع تدريجي للعلاقات في إطار صفقة شاملة تتضمن ملفات اقتصادية وأمنية، وربما تفاهمات حول الملف النووي الإيراني.
ويُرجّح أن تلك المباحثات كانت تسعى إلى إعادة إحياء مشروع اتفاقات أبراهام بصيغة سعودية خاصة، تراعي مكانة المملكة في العالمين العربي والإسلامي، وتربط أيّ تطبيع رسمي بتحقيق تقدّم ملموس في القضية الفلسطينية، ولو على مستوى رمزي أو إعلامي.
وهو ما يكشف أن السعودية كانت تحتاج إلى غطاء سياسي عربي لتبرير الانفتاح على إسرائيل، وأن الحديث عن حلّ الدولتين، أو الحقوق الفلسطينية، كان وسيلة لتأمين هذا الغطاء أمام الرأي العام الداخلي والعربي.
قراءة في موقف السعودية
تاريخيًا، التزمت المملكة العربية السعودية بموقفها من القضية الفلسطينية، المعلن في مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي ربطت أيّ تطبيع عربي مع إسرائيل بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967.
غير أن المتغيرات الإقليمية خلال العقد الأخير من الاتفاقات الإبراهيمية إلى التحولات الاقتصادية الكبرى في رؤية 2030، دفعت الرياض إلى إعادة قراءة المشهد الإقليمي بعيون الحفاظ على المصالح وضمان أمنها .
يقول محللون إن السعودية تدرك أن الانفتاح على إسرائيل قد يتيح فرصًا اقتصادية وتقنية وأمنية مهمة، خصوصًا في ظل التنافس الإقليمي مع إيران وتركيا.
لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع تجاوز الرمزية الدينية والسياسية لفلسطين والقدس، ما يجعل أي خطوة نحو التطبيع مرهونة دائمًا بوجود مبرر سياسي ، يقدَّم للرأي العام المحلي والعربي.
من هنا جاءت فكرة استخدام الملف الفلسطيني كمدخل للتطبيع، أي الحديث عن دولة فلسطينية أو مؤتمر سلام أو ضمانات دولية، دون التزام فعلي بتغيير جذري على الأرض.
وهذا النهج يُجترّ من قلب المأساة الفلسطينية، إذ تتحول معاناة الفلسطينيين إلى أداة تبرير سياسي بدلًا من أن تكون دافعًا حقيقيًا للحلّ.
موقف العدو الإسرائيلي بين التشدّد والمصلحة
على الجانب الآخر، تعاني حكومة العدو الإسرائيلي من انقسام داخلي واضح بشأن التطبيع مع السعودية، ففي حين يسعى رئيس الوزراء المجرم بنيامين نتنياهو إلى تحقيق اختراق تاريخي في العلاقات مع المملكة لما يحمله من مكاسب سياسية واقتصادية هائلة، يقف اليمين المتطرف داخل ائتلافه، ممثلًا بسموتريتش وإيتمار بن غفير، في وجه أيّ تنازل قد يُفهم بأنه اعتراف بحقوق الفلسطينيين أو تنازل عن أجزاء من الضفة الغربية.
وما أكده محللون إسرائيليون من تحذير من أن النجاح في التوصل إلى اتفاق تطبيع مع السعودية يتطلب تقديم شيء للفلسطينيين، وهذا ما يرفضه اليمين بشدة، وهو ما يفسر التوتر بين أجنحة الحكومة حول هذا الملف.
من جهة أخرى، تُدرك حكومة العدو الإسرائيلي أن التقارب مع السعودية سيكون بمثابة جائزة استراتيجية، لأنه سيقود إلى تحالف غير معلن بين أقوى دولتين في الشرق الأوسط ضد إيران.
ماذا بعد الإساءة؟
أثارت إساءة سموتريتش موجة غضب رسمية في السعودية، ولكنها بطبيعة الحال لم تكن معلنة ، واعتبرها البعض اختبارًا مبكرًا يكشف كيف سيكون شكل العلاقات مع الكيان الإسرائيلي مستقبلاً ، فإذا كانت حكومة الكيان، غير قادرة على ضبط تصريحات وزرائها تجاه دولة بحجم السعودية، فكيف يمكن الوثوق بنيّاتها في أي اتفاق سياسي مستقبلي؟
ويرى مراقبون أن الرياض استخدمت الأزمة كفرصة لتجميد الاتصالات دون إعلان القطيعة، إذ لم يصدر أي تأكيد رسمي بوجود مفاوضات، لكن في المقابل لم يصدر أيضًا نفي قاطع.
وهذا الغموض المدروس، الذي وصف بأنه الهدوء السعودي المقصود، الذي يسمح للمملكة بترك الأبواب مفتوحة من دون أن تُظهر تنازلاً سياسيًا أو تراجعًا مبدئيًا.
أما من جانب الكيان الإسرائيلي، فقد أدركت حكومة المجرم نتنياهو أن تصريحات سموتريتش أضرت بعمق الجهود الدبلوماسية السرية التي كانت تُدار مع وسطاء أمريكيين وأوروبيين، ما دفع بعض الدوائر المقربة من نتنياهو إلى محاولة تهدئة الأجواء واستعادة قنوات التواصل غير الرسمية.
دلالات المفاوضات وأبعادها الإقليمية
من الناحية الجيوسياسية، أيّ تقارب بين السعودية والكيان الإسرائيلي ستكون له انعكاسات على التوازنات الإقليمية.
فهو سيكون أداة العدو الإسرائيلي المثالية التي يعتقد أنها ستمكنه من إضعاف محور المقاومة ونقطة لتقوية موقفه في استهداف إيران ،كما سيمنح العدو الإسرائيلي شرعية عربية جديدة بعد اتفاقاتها السابقة مع الإمارات والبحرين والمغرب.
لكن هذه التحولات لا يمكن أن تتم دون ثمن، والثمن هنا هو الملف الفلسطيني.
فحتى وإن جرى الحديث عن دولة فلسطينية رمزية، فإن مجرد إدراج هذا البند سيشكّل إحراجًا كبيرًا لحكومة العدو الإسرائيلي الحالية، التي ترفض تمامًا الاعتراف بأي كيان فلسطيني مستقل.
ومن هنا تنبع المفارقة التي تكشف أن السعودية تحتاج إلى الدولة الفلسطينية لتبرير التطبيع، وإسرائيل ترفضها لأنها تعتبرها تهديدًا أمنيًا، وهكذا يبقى الملف الفلسطيني هو العقدة المركزية التي تربط وتفرّق بين الطرفين في آن واحد.
ما بين السرية والمكاشفة
يُظهر مسار الأحداث أن العلاقة بين السعودية والكيان الإسرائيلي جزء من مشهد استراتيجي تحكمه توازنات داخلية وإقليمية ودولية، وتصريحات سموتريتش كشفت أن خطوط التواصل بين الرياض وتل أبيب لم تُقطع نهائيًا، بل تمر بمرحلة إعادة تقييم مؤقتة.
وما كشفه صالح أبو عزة، تأكيد على أن هذه التصريحات تربط بين الوقائع السياسية والمواقف المعلنة، وتضع الإصبع على الجرح الحساس في العلاقات العربية مع العدو الإسرائيلي بأن تصفية القضية الفلسطينية هدف للعدو الإسرائيلي وأن لا وجود حقيقي للقضية الفلسطينية في واقع الأهداف السعودية الغير معلنة في مباحثاتها مع العدو .
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: حکومة العدو الإسرائیلی الکیان الإسرائیلی دولة فلسطینیة بین الریاض أبو عزة کانت ت
إقرأ أيضاً:
أصوات عربية تنتفض لنصرة السعودية ردا على تصريحات وزير المالية الإسرائيلي “المهينة”
أثار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش جدلا كبيرا عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن أطلق تصريحا مهينا بحق المملكة العربية السعودية.
وقد انتشر تصريح سموتريتش الذي قال فيه: “إذا قالت لنا السعودية: تطبيع مقابل دولة فلسطينية، أيها الأصدقاء، لا شكرا. استمروا في ركوب الجمال في الصحراء السعودية”، بشكل كبير على منصة “أكس”، وأعاد النشطاء نشره معلقين عليه.
ووصفت الصحفية اللبنانية ليلى نقولا عبر منصة “أكس” الوزير الإسرائيلي بـ”الوقح”.
وكتب آخر: “لغة الاستعلاء لا تبني سلاماً ولا تحقق استقراراً، فالتنمية الحقيقية تبدأ من احترام الشعوب وخياراتها، لا من ازدرائها. السعودية ماضية في طريقها بثقة، ومن يجهل قيمتها سيكتشف عاجلاً أن منطق الغطرسة لا يصمد أمام منطق الدولة والرؤية”.
وهاجم عدد كبير سموتريتش معربين عن فخرهم بركوب الجمال، وكتب أحد الحسابات: “لا يعلم سموتريتش أن السعوديين يفتخرون بالجمل والصحراء”.
وكتب آخر: “بما ان الصهيوني يهاجمنا وغاضب من السعوديه فهذا يعني ان السعودية على حق والاغبياء فالردود مبسوطين بكلام الصهيوني وهذل يدل على انهم يكرهون بلاد الحرمين وليس اسرائيل”.
روسيا اليوم
إنضم لقناة النيلين على واتساب