توقع تقرير بنك قطر الوطني أن تصبح المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين أحد العوامل المؤثرة الرئيسية للاقتصاد العالمي في السنوات المقبلة.

في الأسابيع الأخيرة، كادت النزاعات حول ضوابط التصدير لسلاسل التوريد المرتبطة بالمعادن النادرة أن تؤدي إلى تصعيد كبير في الصراعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

 

ولكن ما هي المعادن النادرة وما سبب أهميتها للاقتصاد العالمي والعلاقات بين الولايات المتحدة والصين؟

على الرغم من اسمها، فإن المعادن النادرة ليست نادرة بشكل خاص في القشرة الأرضية. 

ويكمن التحدي في استخراجها وتكريرها، وهي عمليات معقدة من الناحية التكنولوجية، ولها تأثير كبير على البيئة، وتتطلب رؤوس أموال ضخمة. 

تضم مجموعة المعادن النادرة 17 عنصراً مثل النيوديميوم، والديسبروسيوم، والتيربيوم، والسيريوم، واللانثانوم، والإيتريوم، ولكل منها خصائص مغناطيسية أو بصرية أو تحفيزية فريدة تجعلها أساسية للصناعة الحديثة. 

بالإضافة إلى ذلك، تلعب العديد من المعادن الهامة ذات الصلة، بما في ذلك الغاليوم والجرمانيوم والإنديوم والكوبالت والليثيوم، أدواراً مماثلة عبر سلاسل التوريد.

مجتمعة، تحظى هذه العناصر بأهمية واضحة في ثلاثة من أهم القطاعات سريعة التوسع حول العالم.

 في مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، تُعد المعادن النادرة جزءاً لا يتجزأ من الآلات والعمليات التي تتيح صناعة الرقائق المتقدمة. 

ويُستخدم أكسيد السيريوم لتلميع رقائق السيليكون بدقة نانومترية، والإيتريوم هو مكون أساسي في أنظمة تنميش البلازما، وتعمل المغناطيسات القائمة على النيوديميوم على تشغيل أنظمة التبريد والمحركات عالية الكفاءة المستخدمة في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. 

وفي الوقت نفسه، يتم استخدام العناصر ذات الصلة، مثل الغاليوم والجرمانيوم مباشرة في الرقائق عالية الأداء والاتصالات البصرية. 

وفي مجال الدفاع والطيران، تُعتبر المعادن النادرة الأخرى مدخلات رئيسية للمحركات النفاثة، وأنظمة الرادار، والأسلحة الموجهة بدقة. 

وأخيراً، في مجال تحول الطاقة، تُعد المعادن النادرة مثل النيوديميوم والباراسيوديوم ضرورية للمغناطيسات القوية التي تجعل السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح تعمل بكفاءة، بينما يلعب اللانثانوم والسيريوم أدواراً حاسمة في المحولات الحفازة وتقنيات تخزين الطاقة.

وقد أدى النمو الهائل في الطلب إلى تحويل المعادن النادرة والمعادن الهامة من سلع صناعية إلى أصول استراتيجية. كما أدت هذه الأهمية المتزايدة إلى خلق احتكاكات جيوسياسية جديدة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تركز القدرة الإنتاجية والقدرة على المعالجة بشكل كبير في عدد قليل من البلدان، وخاصة الصين. ففي حين توجد مخزونات من المعادن النادرة على مستوى العالم، فإن الشركات الصينية تهيمن بشكل كبير على عمليات التكرير والفصل، التي تحول المواد الخام إلى مواد قابلة للاستخدام.

كان صعود الصين في هذا المجال نتيجة لعقود من السياسة الصناعية المدروسة. فقد أدركت القيادة الصينية مبكراً النفوذ الذي توفره هذه الهيمنة. وفي تصريح أصبح شهيراً الآن، قال الزعيم الصيني السابق دنغ شياو بينغ في عام 1987 أن "الشرق الأوسط لديه النفط، والصين لديها المعادن النادرة". استثمرت الصين بكثافة في المسوحات الجيولوجية والتعدين وتكنولوجيا التكرير. وبحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبحت الصين اللاعب المهيمن في كل مرحلة تقريباً من مراحل سلسلة التوريد. اليوم، تمثل الصين حوالي 65% من إنتاج المناجم العالمي، وأكثر من 85% من طاقة التكرير والمعالجة العالمية. كما تُنتج غالبية المغناطيسات الدائمة وغيرها من المنتجات النهائية عالية القيمة التي تعتمد على هذه المواد. كما استثمرت البلاد في توسيع حضورها في هذه الصناعات في الخارج، مسيطرة على أصول وموارد واحتياطيات كبيرة حتى خارج الصين. 

في عام 2021، دمجت بكين العديد من الشركات المملوكة للدولة في مجموعة الصين للمعادن النادرة، مما عزز سيطرتها وتنظيمها لهذا القطاع. وفي الآونة الأخيرة، فرضت الصين ضوابط على الصادرات لأسباب تتعلق بالأمن القومي. وقد أكد المسؤولون أن هذه الضوابط لا تمثل حظراً صريحاً، بل هي تدابير لضمان التداول "المسؤول والآمن" للسلع ذات الاستخدام المزدوج. ومع ذلك، فقد عززت هذه الخطوات التصورات بأن الصين تعتبر السيطرة على المعادن الحيوية عنصراً مهماً في مجموعة أدواتها الجيوسياسية الأوسع.

رداً على ذلك، تحركت دول أخرى لتنويع سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد والتبعية الاستراتيجية. وقد صنفت الولايات المتحدة المعادن النادرة على أنها بالغة الأهمية للأمن القومي، وهي تستثمر في التعدين والمعالجة المحلية من خلال قانون الإنتاج الدفاعي. ومع ذلك، ستستغرق هذه الجهود سنوات حتى تؤتي ثمارها. إن تكرير المعادن النادرة عملية معقدة تنطوي على نفايات خطرة وتكاليف باهظة، ولن يكون من السهل إعادة بناء القدرات على نطاق واسع خارج الصين. نتيجة لذلك، من المرجح أن تظل الصين اللاعب الرئيسي في أسواق المعادن النادرة العالمية في المستقبل المنظور.

قال QNB بشكل عام، كانت المعادن النادرة أساسية للثورة الإلكترونية والرقمية، وتزداد أهميتها مع ظهور صناعات وتقنيات جديدة. أصبح الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والدفاع والطيران، بالإضافة إلى الانتقال الطاقي، من أهم القطاعات الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين، وتتطلب نمواً هائلاً في إمدادات المعادن النادرة. وهذا الأمر يعزز هيمنة الصين على سلاسل التوريد هذه، وينشئ اختناقات ونقاط ضعف للولايات المتحدة والمنافسين الآخرين.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: بنك قطر الوطني الولايات المتحدة والصين المعادن النادرة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين الولایات المتحدة المعادن النادرة

إقرأ أيضاً:

مرحبا بعصر الصين

 وسط هذا الصراع العالمى المخيف من حروب واضطرابات داخلية كمنطقة الشرق الأوسط الملتهبة وحرب روسيا وأوكرانيا ودخول دول الاتحاد الأوروبى فى هذا الصراع وتدخل امريكا فى كافة الملفات الدولية بفرض الهيمنة والسيطرة وارادتها على مسار تلك الصراعات وتبقى الصين تعمل فى صمت، فبعد أن أصبحت مصنع العالم وفرضت سيطرتها الاقتصادية باعتبارها أكبر مصدر، حيث تشكل صادراتها أكثر من ٤ ترليون دولار لم تكتفى بهذا السبق وتلك الريادة ولكنها رسمت لنفسها سياسة استراتيجية ثابتة لتحقيق نجاح مستدام لتفوق لا تستطيع دولة من اللحوق بها ووضعت الخطط لتتربع على عرش العالم الاقتصادى دون منافس، وكان لمشروع شى جين بينج التحديث الصينى النمط الذى يحقق التوازن بين الحضارتين المادية والمعنوية ويحترم التنوع الحضارى ويكرس القيم المشتركة ويعزز التبادل والتعاون الإنسانى على المستوى الدولى ويعمل على انتعاش اقتصاد العالم، وكان من أولوياته التحديث المستمر مع الاستقلالية واستكشاف المستقبل، فتفوقت الصين فى كافة الصناعات من الإبرة إلى الفضاء الخارجى وكرست أبحاثها على المستقبل وتقنياته فأولت أهمية كبرى للطاقة النظيفة والمتجددة وأصبحت تنتج ٦٠% من السيارات الكهربائية المنتجة عالميا وعلوم الفضاء وسيطرة على ٩٠% من العناصر الأرضية النادرة التى هى عبارة عن ١٧ عنصرا كيميائيًا، وقد سميت نادرة ليس لقلة وجودها فى القشرة الأرضية فهى متوفرة نسبيًا بل لصعوبة العثور عليها بتراكيز عالية قابلة للاستخراج الاقتصادى ولتعقيد عملية فصلها ومعالجتها، وهى سلسلة اللانثانيدات الـ١٥ بالإضافة إلى عنصرى السكانديوم والإيتريوم، وتلك العناصر النادرة حيوية وضرورية فى العديد من التقنيات المتقدمة والصناعات الحديثة فى الإلكترونيات والتقنيات العالية كتصنيع الهواتف الذكية وشاشات العرض والأقراص الصلبة وتستخدم فى إنتاج المغناطيسات الدائمة عالية الأداء وتستخدم فى البطاريات والمغناطيسات لمحركات السيارات الكهربائية والهجينة وتستخدم لإنتاج المغناطيسات القوية فى توربينات الرياح والطاقة الكهرومائية، كما أنها من المكونات الأساسية لأنظمة الأسلحة الموجهة بدقة وأجهزة الرؤية الليلية ومعدات الاتصالات والـ «جى بى إس» ونظام تحديد المواقع العالمى وتستخدم فى المجال الطبى فى الأجهزة الدقيقة، فيستخدم الجادولينيوم كعامل تباين فى فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسى، كما يستخدم الايتريوم فى علاج بعض أنواع السرطان وفى صناعة الزجاج البصرى الخاص والمحولات الحفازة فى السيارات وسبائك المعادن المتقدمة، ولا شك أن الصين أدركت منذ سنوات ضرورة الاستحواذ على هذا القطاع المهم الذى يتحكم فى إنتاج صناعات استراتيجية وعسكرية وتكنولوجية متقدمة، وباتت تملك السيطرة على ٩٠% من إنتاج تلك العناصر ووضعت هذا العام قواعد وإجراءات حمائية لحظر تصدير تلك المواد النادرة وذلك يعزز الموقف الاقتصادى ويرسخ أقدامها فى عالم الغد القريب فى أن تكون هى القوة الاقتصادية الأولى المهيمنة على الاقتصاد العالمى لسنوات طويلة، ويكون هذا العصر هو انفراد تام للصين فى سيادة اقتصادية مفردة ولقد مهدت لذلك بطريق الحرير وسلاسل إمداد وبنية تحتية وشراكة اقتصادية مع دول الجنوب وأفريقيا ودول البريكس ودول منظمة شنجهاى بأكثر من ٩٠٠ ترليون دولار، وجدير بالذكر أن ما تم ذكره جزء يسير من منظومة شاملة تعمل بخطط مدروسة لمشروع التحديث الصينى النمط الذى سنعرض له فى مقال آخر.. وللحديث بقية.

 

مقالات مشابهة

  • اختتام محادثات تجارية مثمرة بين الصين والولايات المتحدة في كوالالمبور
  • ماليزيا تسعى لإقناع ترامب بإعفاء رقائقها من الرسوم الجمركية
  • أوروبا تطلق خطة جديدة لتقليل الاعتماد على الصين في المعادن النادرة
  • أوروبا تكثف جهودها لخفض الاعتماد على المعادن النادرة من الصين
  • عشية انعقاد قمة آبيك.. محادثات أمريكية صينية في كوالالمبور لإنقاذ الهدنة التجارية
  • بمناسبة العالمي لإعلان ميثاق الأمم المتحدة.. بوغالي يشدد على أهمية احترام حقوق الإنسان
  • محادثات أوروبية صينية في بروكسل لخفض التوتر التجاري حول صادرات المعادن النادرة
  • هل تنجح واشنطن في وقف هيمنة بكين على المعادن النادرة؟
  • مرحبا بعصر الصين