بعد اعتراض ترامب على قانوني ضم الضفة المحتلة.. اليمين يحاول ابتزاز نتنياهو
تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT
خلال الأسبوع الفائت، وقعت دراما سياسية في إسرائيل عندما أقر الكنيست -في قراءة تمهيدية- مشروع قانون لتطبيق ما تسميه إسرائيل "فرض السيادة" على معاليه أدوميم المقامة على أراض بضواحي القدس الشرقية المحتلة، الأمر الذي أوقع حزب الليكود في حرج داخلي شديد، وأدى إلى توترات مع واشنطن، خصوصا أن القرار اتخذ يوم وصول جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي إلى إسرائيل.
ووفقا لمشروع القانون، ستضم إسرائيل معاليه أدوميم فورا وتعترف بها جزءا لا يتجزأ من أراضي السيادة الإسرائيلية. ووقف خلف هذا المشروع أفيغدور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" المعارض، الذي قال إن "معاليه أدوميم تمثل إجماعا إسرائيليا مطلقا"، وإن "الوقت حان لترسيخ ذلك في القانون أيضا". وحسب قوله، فإن اقتراحه "ليس سياسيا، بل صهيونيا، لأن كل من يعارض ضم معاليه أدوميم يعارض الفكرة الصهيونية برمتها".
ولكن رغم إيمان الليكود وزعيمه، المطلوب للعدالة الدولية، بنيامين نتنياهو، بفكرة "أرض إسرائيل الكبرى" وسعيه الدائم لضم الأراضي في الضفة والقطاع، فإنه عمل على إسقاط المشروع لاعتبارات سياسية لحظية. وقرر رئيس الائتلاف الحكومي من الليكود، أوفير كاتس، توجيه أعضاء حزبه لعدم المشاركة في التصويت أو التعبير عن موقف رسمي. وأوضح كاتس أن "السيادة لا تتحقق من خلال تشريعات المعارضة، وبالتأكيد ليس في وقت نعمل فيه مع أصدقائنا الأميركيين لتحقيق أهداف الحرب… في الوقت نفسه، تم توضيح أن لدي أعضاء في الائتلاف لا يرغبون في التصويت ضدها، وبالتالي فإن موقف الليكود هو الامتناع عن التصويت".
ويرى مراقبون أن التوقيت الذي اختاره ليبرمان لعرض مشروعه لم يأت مصادفة. فالمشروع ترافق مع تصاعد الخلاف داخل الائتلاف حول القوانين، مما قاد إلى سحب جميع مشاريع القوانين وإبعادها عن التصويت. ولكن مشروع ليبرمان كان خاصا وصادرا من المعارضة، فلم تكن للحكومة والائتلاف سيطرة عليه. وقال أحد أعضاء الكنيست إن "ليبرمان يستغل الحكمة البرلمانية البسيطة، فهو يطرح قضية تلزم الجميع باختيار جانب، تحديدا في وقت يفتقر فيه الائتلاف إلى الأغلبية". ويكمن وراء خطاب ليبرمان الصهيوني الأصيل أيضا تحرك سياسي مدروس، إذ يمنح هذا القانون ليبرمان أجندة قومية تجبر نتنياهو وسموتريتش والحريديم على التعامل مع مسألة هوية الحكومة.
إعلانوإلى جانب مشروع ليبرمان، تم إقرار مشروع قانون عضو الكنيست آفي ماعوز لتطبيق "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية المحتلة في اليوم ذاته في قراءة تمهيدية بأغلبية 25 مؤيدا مقابل 24 معارضا. وأيضا صوت أعضاء الكنيست من حزبي "عوتسما يهوديت"، و"الصهيونية الدينية" من الائتلاف، و"إسرائيل بيتنا"، وعدد من أعضاء الليكود، لصالح القرار. وعنى ذلك جوهريا تعاظم تفكك الائتلاف الحكومي وحتى الحزب الحاكم الرئيس ذاته، بخروج حزبي سموتريتش وبن غفير، وكذلك أعضاء كنيست من الليكود عن الانضباط الائتلافي.
بعد التصويت، أصدر حزب الليكود بيانا جاء فيه: "حملةٌ أخرى من المعارضة تهدف إلى المساس بعلاقاتنا مع الولايات المتحدة وإنجازات إسرائيل العظيمة في الحملة الانتخابية. نحن نعزز الاستيطان يوميا بالأفعال والميزانيات والبناء والصناعة، وليس بالأقوال. لن تتحقق السيادة الحقيقية بقانون استعراضي للبروتوكول، بل بالعمل على أرض الواقع وتهيئة الظروف السياسية المناسبة للاعتراف بسيادتنا، كما حدث في مرتفعات الجولان والقدس".
مشكلة مزدوجةغير أن مشكلة نتنياهو الحقيقية في هذا الشأن كانت مزدوجة: فداخليا يعتبر موقفه المتهرب ودعوته لتجنب التصويت تناقضا مع إعلانه سعيه الدائم للضم وإقراره بإيمان بفكرة أرض إسرائيل الكبرى، وخارجيا كان الأمر يعني إبراز التصادم ليس فقط مع المحيط العربي والحلبة الدولية، وإنما أيضا التصادم مع إدارة ترامب التي تعتبر الأشد دعما لإسرائيل. ولكن كانت هناك أنباء تحدثت عن أن ما جرى في الكنيست لم يكن بعيدا عن رغبة نتنياهو الساعي لإظهار أنه بمجاراته لرئيس ترامب يواجه ضغوطات هائلة من داخل حزبه وائتلافه، وفضلا عن أن إقرار القراءات الأولى هذه كانت صفعة لنائب الرئيس الأميركي فور وصوله، فإنها أيضا مثلت على أقل تقدير نوعا من العرقلة لخطة الرئيس ترامب لحشد الجهود لإنجاز انتهاء الحرب في غزة والتقدم نحو عملية سلمية إقليمية في الشرق الأوسط.
وبسبب إدراك نتنياهو لهذا التعقيد، بادر على الفور بإصدار بيان باللغة الإنجليزية وبقصد تقليص الأضرار جاء فيه: "كان تصويت الكنيست على الضم استفزازا سياسيا متعمدا من المعارضة بهدف إثارة الفتنة خلال زيارة فانس لإسرائيل. وقد قدم أعضاء كنيست من المعارضة كلا المشروعين. لم يصوت حزب الليكود والأحزاب الدينية (الأعضاء الرئيسيون في الائتلاف) لصالح هذين المشروعين، باستثناء عضو ساخط من الليكود فصل مؤخرا من منصبه كرئيس لإحدى لجان الكنيست. وبدون دعم الليكود، من غير المرجح أن يقر هذان المشروعان".
ولا بد من الإشارة إلى أن إقرار مشروعي ما تسميه إسرائيل "فرض السيادة" على الضفة الغربية المحتلة صبا الزيت على النار فعليا في كل ما يتصل بالعلاقة الإسرائيلية الأميركية. وكان موقع بوليتيكو الأميركي قد نشر أن فانس نفسه وصل إلى إسرائيل حاملا "رسالة قوية" من الرئيس ترامب إلى نتنياهو، وأن إدارة ترامب يتزايد لديها الشعور بالإحباط من تصرفات إسرائيل، خاصة عربدتها العسكرية في قطاع غزة. وبديهي أن يكون لها موقف حاد من مشاريع الضم وفرض السيادة، خصوصا بعد أن أعلن ترامب نفسه أنه يعارضها. وصارت محافل أميركية مقربة من ترامب تتحدث عن إسرائيل بوصفها "خارجة عن السيطرة"، مما يتطلب اتخاذ مواقف صريحة وواضحة تجاهها، خصوصا أنها تعتقد أن نتنياهو يحاول التملص من تنفيذ خطة ترامب في غزة ويبحث عن ذرائع للمماطلة. ولاحظ كثيرون أن إدارة ترامب سيّرت جسرا جويا متواصلا يحمل كبار المسؤولين الأميركيين إلى تل أبيب بقصد واضح، وهو عدم ترك الحبل على الغارب لنتنياهو وحكومته، بدءا من الرئيس ترامب إلى مبعوثيه ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، ونائبه جيه دي فانس، إلى وزير خارجيته ماركو روبيو وقريبًا سيصل ماركو بولو على الأرجح. كما أن لجنة الاتصال العسكرية -التي أنشأتها أميركا في إسرائيل بقصد متابعة الأوضاع في غزة- صارت تعتمد على وسائلها الخاصة لتكوين صورة الوضع وليس الاعتماد على التقارير الإسرائيلية، بل وتم الإعلان عن تسيير هذه اللجنة لمسيرات في سماء غزة لمراقبة وقف النار والتحركات على الأرض.
إعلانوكان من الأهمية بمكان قول فانس -الذي اختتم زيارة استمرت يومين لإسرائيل- عن التصويت في الكنيست إنه "كان غريبا؛ لو كان مناورة سياسية، فإنها مناورة سياسية غبية، وقد أزعجني ذلك. لن نسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية، ولم نكن راضين عن هذا التصويت". وأضاف: "قيل لي إنه تصويت رمزي".
كذلك أخبر الرئيس ترامب نفسه الصحفيين في البيت الأبيض بأن عليهم "ألا يقلقوا بشأن الضفة الغربية"، وأن "إسرائيل لن تفعل شيئا في الضفة الغربية". وفي مقابلة مع مجلة تايم، قال ترامب عن الضم: "لن يحدث ذلك. لن يحدث. لن يحدث، لأنني وعدت الدول العربية. لا يمكن القيام بذلك الآن. لقد تلقينا دعما هائلا من العالم العربي. لن يحدث ذلك، لأنني وعدت الدول العربية. لن يحدث. ستفقد إسرائيل كل دعم الولايات المتحدة إذا حدث ذلك". وفي المقابلة نفسها، قال ترامب إنه تحدث مع نتنياهو وقال له: "بيبي، لا يمكنك محاربة العالم. يمكنك خوض بعض المعارك، لكن العالم ضدك. وإسرائيل بلد صغير جدا مقارنة بالعالم".
كما تطرق وزير الخارجية ماركو روبيو إلى هذه القضية قبل وصوله إلى إسرائيل، قائلا: "هذا الاقتراح يعرض خطة الرئيس ترامب للسلام للخطر". وأضاف أن إسرائيل دولة ديمقراطية، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تملي على أعضاء الكنيست كيفية التصويت، لكنه شدد على أن الرئيس أوضح بالفعل أنه لا يدعم ذلك.
ومن كتابات المعلقين الإسرائيليين يتضح أن ترامب والشعب الأميركي بدؤوا يكتشفون حقيقة حكومة نتنياهو. وكتب الجنرال احتياط إسرائيل زيف إن "إدارة ترامب تصر على اتفاق يفضي إلى وقف إطلاق النار واستقرار الوضع الأمني، ومن المتوقع أن تدرك قريبا أن الحكومة الإسرائيلية ليست شريكا، بل هي عقبة في الطريق". وأضاف أن "الأمريكيين لا يثقون بنتنياهو ولو قليلا؛ فمن المفترض أن تسيطر قيادتهم بشكل كامل على سلوك الجيش الإسرائيلي وإسرائيل، وهم يعقدون جولة من المبعوثين لرعاية الحكومة حتى لا يفاجؤوا مرة أخرى كما حدث في الدوحة. القرار الأميركي، بأن الاتفاق هنا لن يفشل، قرار حتمي".
من المتوقع أن يدرك ترامب وجماعته سريعا أن نتنياهو وحكومته ليسوا شركاء سلام على الإطلاق؛ إنها حكومة متطرفة وغير عقلانية، لا تسعى إلا إلى الحرب وضم الأراضي وتدمير السلطة الفلسطينية. لن يقدموا يد العون لأي حل معقول في غزة، بل سينتظرون أول فرصة للعودة إلى الحرب. يكفي إقرار ما تسميه إسرائيل "قانون السيادة" خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي لإدراك أن هذه الحكومة لن تقدم على دفع الاتفاق، وإذا راهنت عليه بكل ما أوتيت من قوة، فمن المتوقع أن تفشل.
كما أن تسفي بارئيل كتب في هآرتس أنه عندما سيغادر جيه دي فانس المجال الجوي الإسرائيلي، ويأتي مكانه مباشرة وزير الخارجية ماركو روبيو، وعندما يحرص الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تلقي تقارير جارية من الميدان، فإن معنى ذلك هو أن الولايات المتحدة انتقلت إلى الإدارة الجزئية لقطاع غزة، وإسرائيل تحولت إلى طابعة تطبع الأوامر وتنفذ طبقا لها.
وفي هذه الأثناء، يقف كل من نتنياهو وسموتريتش وبن غفير وأمثالهم أمام أنفسهم وأمام أنصار اليمين ممن يعتقدون أن ترامب أغلق الباب أمام ضم الضفة الغربية المحتلة وأمام تهجير غزة، وهي أهداف كانت قابلة للتحقيق في نظرهم. وبديهي أن هناك من سيضطر لمواجهة اليمين وأفكاره ومدى قابلية هذه الأفكار للتحقيق في واقع تغير بسرعة جراء الحرب على غزة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الرئیس الأمیرکی معالیه أدومیم الضفة الغربیة الرئیس ترامب حزب اللیکود من المعارضة إدارة ترامب لن یحدث فی غزة
إقرأ أيضاً:
السفير عاطف سالم: قرار الكنيست بضم الضفة يؤكد أن الأحزاب المتطرفة تتصرف بناءً على أسس عقائدية
أكد السفير عاطف سالم، مساعد وزير الخارجية الأسبق وسفير مصر في تل أبيب الأسبق، أن قرار الكنيست بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية كان متداولا على مدى فترة طويلة، ويُمثل جزءًا من تطلعات الأحزاب اليمينية المتطرفة داخل إسرائيل.
وأشار «سالم»، خلال لقائه مع الإعلامي عمرو حافظ، ببرنامج «كل الكلام»، المذاع على قناة «الشمس»، إلى أن مشروع القرار الذي تم إقراره في الكنيست يتضمن ضم المستوطنات والتي تُشكل حوالي 40% من مساحة الضفة، وغور الأردن وهي المنطقة الحدودية مع الأردن.
وأوضح أن هذه التوجهات كانت حاضرة في أجندة العديد من المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم الوزير بتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل منصبي وزير المالية ووزيرًا في وزارة الدفاع ومديرًا للإدارة المدنية في الضفة الغربية، كاشفًا عن أن القرار تم طرحه في اجتماع الكنيست من قبل آفي معوز، رئيس حزب صغير لا يمتلك سوى مقعد واحد، ولكنه يحظى بتأييد الأحزاب المتطرفة في الائتلاف الحكومي.
وأشار إلى أن مشروع القرار حصل على 25 صوتًا مقابل 24 صوتاً، وهي أغلبية غير مطلقة وغير كبيرة، مما يدل على وجود خلاف داخلي حتى داخل الكنيست حول توقيت هذه الخطوة، معقبًا: «التوجه العام والتعليمات التي كانت طالعة لنتنياهو وحكومته هي ألا يتم ضم الضفة الغربية مؤقتًا حتى ولا في المرحلة دي».
ولفت إلى أن القرار جاء حتى ضد رغبة نتنياهو، الذي عاقب أحد أعضاء حزب الليكود لتأييده القرار، مما يعكس أن الأحزاب المتطرفة تتصرف بدون تفكير بناءً على أسس عقائدية ترى في الضفة الغربية أرضًا توراتية يجب الاستيلاء عليها.
وحول توقيت إقرار القانون، الذي يتزامن مع جهود وقف إطلاق النار، أوضح أنه لا شيء يتم في إسرائيل دون تخطيط، حيث تمر إسرائيل حالياً بمخاض سياسي وأمني غير مسبوق وخلافات لم تشهدها في تاريخهان فضًا عن سعي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للاستمرار في منصبه، ويرتب الآن لأجندته الانتخابية القادمة، حيث ستقام انتخابات داخلية لحزب الليكود في نوفمبر القادم، تليها الانتخابات العامة، علاوة على أن تمرير مثل هذه القرارات في هذا التوقيت هو محاولة لإرضاء ودعم الأحزاب المتطرفة والحريديم داخل الائتلاف الحكومي، والتي يعتمد عليها نتنياهو للبقاء في السلطة وتفادي سقوط حكومته في حال عدم تمرير الميزانية بعد شهر مارس القادم.
وأكد أن القرار يعكس توجه متطرف عالٍ جدًا وخدمة للأجندة الداخلية لنتنياهو والحكومة، رغم ما قد يسببه من تعقيد للوضع الإقليمي والدولي.
اقرأ أيضاًالصحة العالمية: ندعو إلى فتح جميع معابر قطاع غزة
«الأونروا»: لا يمكن إيصال المساعدات إلى شمال غزة دون فتح معبري زيكيم وإيريز
أردوغان: إعادة إعمار غزة مسؤولية جماعية.. ومصر وتركيا لا يمكنهما القيام بها وحدهما