جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-27@18:27:14 GMT

إما أن نصحو.. أو سنبقى مجرد جثث!

تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT

إما أن نصحو.. أو سنبقى مجرد جثث!

 

 

 

د. مجدي العفيفي

(1)

تحديق في لحظة عالمية راهنة دامية

لحظة تُشبه كرةً أرضيةً- انقلبت إلى جرح مفتوح، ينزف في كل الاتجاهات:

من أوكرانيا إلى فلسطين، من بحار المتوسط إلى أحياء أميركا الموبوءة بالعنصرية، من صراع العملات إلى صراع الحضارات. الدم لم يعد على الأرض فقط، بل على الشاشات، في الخطابات، في المواقف المخزية للقوى الكبرى التي تتقن لغة الوعود الكاذبة والابتسامات المسمومة.

إنها لحظة ليست عابرة، بل هي حلبة مصارعة كونية، فيها تتجرد الإمبراطوريات من أقنعتها، وتُظهر أنيابها بوقاحة، بينما الشعوب تُساق كالقطعان إلى مذابح جديدة، تحت شعارات الديمقراطية، الحرية، الأمن، الاستقرار… وكلها كلمات أُفرغت من معناها حتى تحولت إلى طُعمٍ لتخدير الضحايا قبل ذبحهم.

أحدّق، وأرى عالمًا يتحوّل إلى مسرح دموي بلا كواليس.

أحدّق، وأرى السياسة وقد نزلت إلى أقذر بئرٍ عرفته الإنسانية.

أحدّق، وأرى الثقافة العالمية وقد باعت نفسها في مزاد علني، لتصبح خادمة في بلاط المال والسلاح والإعلام.

إنها اللحظة التي إما أن نكتبها بمداد الحقيقة، أو تُكتب علينا بلعنة الصمت.

(2)

الدم.. بوصفه لغة كونية:

لم يعد الدم استثناءً في نشرات الأخبار، بل صار هو القاعدة، لغة مشتركة يتحدث بها الكوكب. من غزة إلى خاركيف، من الخرطوم إلى هاييتي، من شوارع شيكاغو التي تحصدها الرصاصات يوميًا إلى مخيمات اللاجئين التي تصرخ بلا صوت.

كل هذه البقاع تلتقي عند حقيقة واحدة: أن النظام العالمي المعاصر لا يُدار بالعقل ولا بالعدالة، بل بالسوط، بالبندقية، وبالمال الأسود المتحكم في السياسات والإعلام.

(2)

 أمريكا - الحوت الجريح الذي يصدَّر الدماء:

هذه الإمبراطورية التي تبيع نفسها للعالم بوصفها «منارة الحرية» - صارت في حقيقتها أكبر مسلخ مفتوح:

داخليًا، تعيش تحت سطوة الانقسام العنصري، صعود اليمين المتطرف، عنف السلاح الذي يحصد أطفال المدارس.

خارجيًا، تصنع أعداء وهميين ثم تبرر حروبها وغزواتها تحت شعار «حماية الديمقراطية»، بينما الهدف الحقيقي هو تغذية شركات السلاح والطاقة.

إنها لحظة تكشف أن أمريكا لم تعد فقط قوة مهيمنة، بل قوة مأزومة تجر العالم كله معها إلى الهاوية، بدل أن تجر نفسها وحدها.

(4)

أوروبا - القارة التي باعت روحها:

أوروبا، التي تغنّت طويلاً بأنها «ضمير العالم»، صارت مجرد ملحق صغير في دفتر شيكات البيت الأبيض.

تسير خلف واشنطن في العقوبات والحروب، حتى وهي تنزف من أزمة طاقة، وتواجه شتاءً قاسيًا، وتنهشها موجات اليمين المتطرف. القارة التي أنجبت فولتير وماركس ونيتشه، اليوم تعيش على التنفس الاصطناعي الأمريكي.

(5)

الثقافة.. من ضمير إلى خادمة:

الثقافة العالمية صارت بوقًا. دور النشر، هوليوود، الإعلام العالمي - كلها تسير في خط واحد مرسوم: شيطنة الضحية وتبرئة الجلاد.

الفلسطيني يُختزل في «إرهابي»، بينما المحتل الإسرائيلي يُقدَّم كضحية!

المثقف الغربي الذي كان يومًا ضميرًا ناقدًا، صار موظفًا في ماكينة البروباجندا.

حتى الجامعات الكبرى صارت مؤسسات غسل دماغ، لا معاقل فكر حر.

(6)

لحظة الخديعة الكبرى:

كل هذا يحدث تحت غطاء كلمات مسمومة: الديمقراطية، حقوق الإنسان، السلام.

لكننا في العمق نعيش لحظة الخديعة الكبرى:

الديمقراطية تحولت إلى أداة هيمنة.

حقوق الإنسان صارت انتقائية: تُرفع في وجه خصوم الغرب فقط، بينما تُدفن مع كل جثة طفل في غزة أو السودان.

السلام لم يعد سوى اتفاقيات إذعان تُكتب تحت تهديد القصف.

(7).

إلى أين؟

إما أن نصحو من غيبوبة هذه اللحظة الدامية ونفضح اللعبة كلها، أو سنبقى مجرد جثث إضافية في جدول إحصاءات الأمم المتحدة.

هذه ليست مبالغة؛ بل توصيف دقيق لعالم تحوّل فيه كل شيء إلى صفقة: الدم، الكرامة، وحتى الحقيقة نفسها.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

موت بائع متجول

إنه ويلي لومان، البائع الذي قفز من صفحات رواية آرثر ميلر الخالدة "موت بائع متجول" ليطل برأسه الشاحب على أطلال سوق العمل المعاصر، ويذكرنا بأن مأساة فقدان الفرد لوظيفته في عالم متغير لم تنتهِ فصولها بعد.
لم تكن نهاية ويلي المأساوية مجرد سقوط حر لفرد، بل كانت زلزالًا هز أركان "الحلم الإنساني" الهش، كاشفًا عن قسوة نظام اقتصادي يلتهم من يتخلف عن قافلة التطور الجامحة. وفي سوق العمل اليوم، الذي تتسيده لغة الأرقام المبهمة وكفاءة الآلات الذكية، يجد الكثيرون أنفسهم معلقين على حافة الهاوية ذاتها التي ابتلعت ويلي، يشعرون بأن قيمتهم تتلاشى كأصابع متجمدة تحاول الاتصال بصاحب العمل، أو كأذن مترددة لم تقتنع بأنه لن يرد.
تتجلى أزمات العصر في صور شتى: مقصلة "إعادة الهيكلة" التي تقطع أوصال الاستقرار الوظيفي، وتآكل الأمان تحت مظلة العمل الحر ومشتقاته، و الذي يحوّل، بالضرورة، الكفاءات إلى سلع مؤقتة، والضغط النفسي الخانق لتحقيق "إنتاجية" تتجاوز حدود الاحتمال البشري. إنها ليست مجرد إحصائيات شاحبة في تقارير البطالة، بل هي قصص صمت مدوٍ، تعابير خافتة ليأس بطل الرواية ويلي وهو يدرك أن عمله قد انتهى، وربما حياته ايضا.
في نهاية المطاف، أنهى ويلي لومان حياته، تاركًا خلفه عمله، مديره، والحياة. زوجته ليندا لن تتوسل إليه بعد اليوم ليطلب من رئيسه السماح له بالعمل في نيويورك وتجنب مشقة السفر. لن تعود لتشكو من إخفاقات ابنهما بيف وإحباط هابي الأصغر. قرار هوارد برفض إعادته إلى العمل أصبح نهائيًا. اكتملت فصول هذه المأساة اليونانية وترك البطل المسرح بدون أن يحقق نبوءة العودة الى وظيفته.
ان مأساة ويلى لم تكن مجرد إدانة لفرد عاجز، بل كانت صرخة احتجاج صامتة ضد نظام اقتصادي يعبد الربح وحده، ويهمش القيمة الإنسانية الحقيقية. إن أزمات سوق العمل اليوم تحذرنا لإعادة تقييم هذا المقياس الظالم، والبحث عن نماذج أكثر إنسانية، وربما أكثر أخلاقيًة، حيث لا يُختزل الإنسان إلى مجرد رقم يظهر على شاشة كومبيوتر. 
هل لنا أن نتعلم من حكاية ويلي ؟ هل نستطيع أن نبني سوق عمل يعرف قيمة الانسان، واحتياجاته، وكيفية تأمينها، سوق لا يختزل الجهد البشرى فى الربح فقط، وأخيرا، سوق لا يكرر مأساة البطل ويلى فى رحلة البحث عن الانتحار.

مقالات مشابهة

  • موت بائع متجول
  • وفد “الديمقراطية”إلى القاهرة يلتقي الأسرى المحررين الفلسطينيين المبعدين
  • ملك الأردن: سنبقى إلى جانب أهالي غزة بكل إمكانياتنا ولن نقبل باستمرار الانتهاكات في الضفة
  • القيادة التي لا تسمع.. لا تتعلّم!
  • تحذير إسرائيلي: حماس تعيد إنتاج نفسها من جديد
  • العاهل الأردني لفلسطيني غزة: سنبقى إلى جانبكم بكل إمكانياتنا
  • “الديمقراطية”: المواقف “الأميركية الإسرائيلية” ضد الأونروا تمديد لإبادة غزة بأشكال أخرى
  • هذا ما جنته أمريكا على نفسها
  • حكم تكرار السورة نفسها بعد الفاتحة في الصلاة.. دار الإفتاء توضح