جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-26@19:59:06 GMT

القيادة التي لا تسمع.. لا تتعلّم!

تاريخ النشر: 26th, October 2025 GMT

القيادة التي لا تسمع.. لا تتعلّم!

 

 

 

 

خالد بن حمد الرواحي

 

حين تصمت المؤسسة عن نفسها. لا أحد يسمع أخطاءها وهي تتكرر.

في بعض المؤسسات، لا يُسمع الصوت إلا من الأعلى، وحين يتحدث الموظفون لا أحد يُصغي. يصبح الصمت هناك فضيلةً مفروضة، والكلمة مغامرةً غير مأمونة العواقب. ويُطلب من الموظف ألّا يُبدي رأيًا، بل أن يصمت بأناقة؛ فالرأي يُفسَّر تمرّدًا، والنقد يُعامَل كجريمةٍ إدارية، والكلمة تُقابَل بالحذر وكأنها تهديدٌ للنظام.

وهكذا يتحوّل الصمت تدريجيًا إلى سياسةٍ غير مُعلنة تُزيَّن بشعار «الانضباط»، لكنها تخفي وراءها خوفًا من المساءلة، وضياعًا للأفكار التي كان يمكن أن تُنقذ كثيرًا من القرارات.

وحين يُصبح الصمت أسلوبًا في الإدارة، لا يعود الهدوء دليلًا على الاستقرار، بل علامةً على أن المؤسسة فقدت صوتها الداخلي. ذاك الصوت الذي يُصحّح، ويقترح، ويجرؤ على القول قبل أن يتأخر الوقت.

الصمت في المؤسسات لا ينشأ صدفة، بل يُزرع بالتدريج. يبدأ حين يُهمَّش أول صوتٍ نقدي، ويستمر حين تُغلق الأبواب في وجه من يقترح أو يعترض، ثم يتحوّل مع الوقت إلى سلوكٍ جماعيٍّ يفضّل فيه الناس السلامة على المشاركة. عندها تختفي الحوارات، وتتحوّل الاجتماعات إلى مراسم شكلية تُتلى فيها القرارات بدل أن تُناقش.

إنها بيئة لا تُعاقب الخطأ بقدر ما تُعاقب الجرأة على كشفه، ولا تكافئ الصدق بقدر ما تُكافئ الصمت؛ وهكذا يتكوّن جدارٌ من الخوف، لا تراه في اللوائح، لكنه حاضرٌ في كل التفاصيل، يكمّم الأفواه قبل أن تنطق، ويُطفئ الفكرة قبل أن تولد. وحين يسود الصمت، يخسر الجميع.

فالقرارات تُبنى على نصف الحقيقة، لأن النصف الآخر حُبس في صدور من خافوا الحديث. تتكرّر الأخطاء نفسها، لأن من رآها أول مرة لم يتجرّأ على قولها، ويبهت الإبداع حين تموت الأفكار قبل أن تُولد.

وفي بيئةٍ يخاف فيها الناس من الكلام، لا يتعلّم أحدٌ من الآخر، بل يتقنون فنَّ الصمت أكثر من فنِّ العمل. فكم من فكرةٍ وُلدت في عقل موظفٍ بسيط، لكنها ماتت قبل أن تُقال، لأن الباب كان مغلقًا… والقلب كذلك.

وحين يصبح الخوف من الخطأ أكبر من الرغبة في الصواب، تتحوّل المؤسسات إلى مساحاتٍ هادئةٍ من الخارج لكنها قلقةٌ من الداخل؛ تسير على استقرارٍ ظاهريٍّ يخفي تحته فوضى من التردّد، ويتحوّل فيها الإنجاز إلى واجبٍ روتينيٍّ لا إلى قيمةٍ حقيقية. ويبهت الولاءُ شيئًا فشيئًا، لأن الخوف لا يبني انتماءً، والصمت لا يصنع ولاءً.

فالمؤسسة التي تُطفئ صوت موظفيها تُطفئ نبضها الحيّ معهم، وتتحوّل مع الوقت إلى كيانٍ إداريٍّ بلا روحٍ ولا ذاكرة، تُكرّر أخطاءها بثقةٍ مؤلمة.

كسر الصمت لا يحتاج إلى قراراتٍ عليا، بقدر ما يحتاج إلى قادةٍ يُنصتون. فالقائد الذي يفتح أذنيه قبل فمه يُعيد الحياة إلى مؤسسته من جديد. يبدأ التغيير حين يشعر الموظف أنّ رأيه لن يُحسب عليه، وأن خطأه فرصةٌ للتعلّم لا مناسبةٌ للعقاب. عندها تنكسر الحواجز، ويتحوّل الخوف إلى حوار، وتستعيد الاجتماعات معناها الحقيقي: مساحةً للتفكير لا استعراضًا للنتائج.

فالثقة لا تُبنى باللوائح، بل بالممارسات اليومية؛ بابتسامةٍ تُرحّب بالرأي المختلف، وبكلمةِ شكرٍ تُقال لمن تجرّأ على لفت النظر قبل أن تقع المشكلة.

القيادة التي تحتضن النقد تُنقذ نفسها من الأزمات قبل أن تبدأها؛ فالصراحة المبكرة علاج، بينما الصمت الطويل نزيفٌ مؤجَّل. والقائد الواعي لا يخشى الملاحظات، بل يراها مرآةً تُصحّح الرؤية قبل أن تتّسع الأخطاء. فالإصغاء ليس ضعفًا، بل ذروة القوة حين يُمارس بثقةٍ وعدالة.

وفي نهاية المطاف، لا يُخيف المؤسساتَ النقدُ بقدر ما يُضعفها الصمت. فالقائد الذي لا يسمع، يحرم نفسه من فرصة التعلّم قبل أن يُفاجئه الخطأ، ويقود مؤسسته إلى العزلة وهي تظنّ أنها تمضي بثقةٍ في طريقٍ خاطئ.

أمّا القيادة الواعية، فهي التي تُدرك أن أعظم القرارات تبدأ بكلمةٍ صادقةٍ قالها موظفٌ لم يُقاطعوه. فالحوار ليس رفاهيةً إدارية، بل خطَّ الدفاع الأول عن جودة القرار واستدامة الثقة. فالقائد الذي يُنصت لا يسمع الكلمات فحسب، بل يسمع نبض مؤسسته في أصوات أهلها.

وحين تُصغي القيادة بصدق، تُنقذ نفسها من التكرار، وتكتب بآذانها مستقبلًا أذكى وأصدق. فالقيادة التي تسمع… تتعلّم، والتي تتعلّم… تبقى.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حكم تكرار السورة نفسها بعد الفاتحة في الصلاة.. دار الإفتاء توضح

أوضحت دار الإفتاء المصرية أن الركن الأساسي في القراءة داخل الصلاة هو سورة الفاتحة، فهي لا تصح بدونها، بينما ما يُقرأ بعدها من القرآن الكريم يُعد من السنن التي يُثاب عليها المصلي ولا تبطل الصلاة بتركها. 

وأكد الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن من قرأ الفاتحة فقط فصلاته صحيحة تمامًا، لكنه يفوّت على نفسه ثواب قراءة ما تيسّر من القرآن بعد الفاتحة.

وبيّن ممدوح أن تكرار السورة نفسها بعد الفاتحة في الركعتين أمرٌ جائز باتفاق جمهور العلماء من المذاهب الحنفية والشافعية والحنابلة، مستشهدًا بما رواه أبو داود عن معاذ بن عبد الله الجهني: أن رجلًا من جهينة سمع النبي ﷺ يقرأ في صلاة الصبح سورة «إذا زلزلت الأرض» في الركعتين كلتيهما، وقال الراوي: «فلا أدري أنسي رسول الله ﷺ أم قرأها عمداً».

وأشار إلى أن المالكية خالفوا الجمهور في هذه المسألة، فعدّوا تكرار السورة في الركعتين من المكروهات، معتبرين أن الأولى تنويع القراءة اقتداءً بهدي النبي ﷺ الذي كان يقرأ سورًا مختلفة في كل ركعة، إحياءً للخشوع وتجديدًا للتدبر في معاني القرآن.

وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق، أن الشافعية أجازوا الاكتفاء بآية واحدة أو حتى جزء من آية بعد الفاتحة، لأن القراءة بعدها سنة وليست فرضًا، مستدلًا بأن المقصود هو تحقق القراءة ولو بقدر يسير من القرآن الكريم.

وأشار جمعة إلى قصة أحد الصالحين المعروفين باسم حبّ الرمان، الذي كان يصلي صلاة الضحى مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة قوله تعالى: «مُدْهَامَّتَانِ»، مؤكدًا أن صلاته صحيحة شرعًا لأن المقصود بالقراءة تحقق ولو بآية قصيرة ما دامت الفاتحة قُرِئت أولًا.

كما نصحت دار الإفتاء المسلمين بأن يجعلوا قراءتهم بعد الفاتحة وسيلة للتدبر والخشوع، وأن يختاروا سورًا تبعث على الاطمئنان والسكينة مثل: الإخلاص، الفلق، الناس، الشمس، الليل، الأعلى، الكافرون وغيرها من السور التي كان النبي ﷺ يكثر من قراءتها في الصلوات.

أدعية تقال أثناء الصلاة

وأشارت دار الإفتاء إلى أن الدعاء في الصلاة من أعظم القربات، ويمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وخاصة في مواضع السجود وقبل التسليم، ومن الأدعية المأثورة عن النبي ﷺ ما يلي:

 بعد التكبير وافتتاح الصلاة:«اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد».

 في الركوع:«سبحان ربي العظيم» (ثلاث مرات أو أكثر).

 في السجود:«سبحان ربي الأعلى» (ثلاث مرات)، ويُستحب أن يدعو بما شاء، فقد قال النبي ﷺ: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء».

 بين السجدتين:«رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب ارحمني، واهدني، واجبرني، وعافني، وارزقني».

 قبل التسليم:«اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال».

 بعد التشهد الأخير:«اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد».

وختمت دار الإفتاء فتواها بالتأكيد على أن تنويع السور في الصلاة سنّة محببة تُعين على الخشوع وتُجدّد حضور القلب، أما تكرار السورة نفسها فلا حرج فيه شرعًا، بل تصح به الصلاة كاملةً ما دامت الفاتحة قد قُرِئت، داعية المسلمين إلى الحرص على الصلاة بخشوع، والدعاء بإخلاص، لأن الصلاة صلة بين العبد وربه، ومفتاح للطمأنينة والسكينة في الدنيا والآخرة.

مقالات مشابهة

  • مع وزارة الأشغال.. حين يتحدث الصمت
  • تحذير إسرائيلي: حماس تعيد إنتاج نفسها من جديد
  • أمانة عمان “بعبع”… الكل خايف يحكي
  • منال الشرقاوي تكتب: فيلم «الحجر/ STONE» بيت بلا نوافذ وزمن لا يتقدم
  • المرعاش: الحكومة الليبية فقدت صبرها تجاه البعثة الأممية التي تتجاهل المؤسسات الشرعية
  • شاهد.. Sleep Awake لعبة رعب جديدة تأتي قريبًا
  • هذا ما جنته أمريكا على نفسها
  • حكم تكرار السورة نفسها بعد الفاتحة في الصلاة.. دار الإفتاء توضح
  • حين يدير المهندسون أمة.. وحين يسيطر المحامون على دولة