عودة الكفاءات: كذبة السياسيين العراقيين الكبرى
تاريخ النشر: 28th, October 2025 GMT
آخر تحديث: 28 أكتوبر 2025 - 10:21 ص بقلم: عماد الناصري منذ سقوط النظام السابق في 2003 وحتى يومنا هذا، لم تتوقف القيادات السياسية العراقية عن الحديث عن ضرورة “عودة الكفاءات” إلى العراق. هذا الشعار، الذي تم ترديده بشكل مستمر في الخطابات السياسية والإعلامية، بات يُعتبر واحدًا من أكثر الشعارات فشلاً في تاريخ السياسة العراقية الحديثة.
فالواقع يُظهر أن ما يُسمى بـ “عودة الكفاءات” لم يكن في يوم من الأيام سوى كذبة انتخابية تروّجها الأحزاب السياسية لتغطية حقيقة أن آلية توزيع المناصب في العراق تتم بناءً على الولاءات الحزبية والطائفية، وليس على أساس الكفاءة أو الخبرة، قائمة السفراء الاخيرة نموذجاً. الحديث عن الكفاءات: من يروج ومن يحقق؟ لا يمكن إغفال أن العراق يزخر بالعديد من الكفاءات التي تمثل طاقات بشرية هائلة، سواء في المجالات العلمية أو الثقافية أو الاقتصادية. ولكن بدلاً من أن يتم استثمار هذه الطاقات بشكل حقيقي، نجد أن العراق أصبح وجهة غير مرحب بها لهذه الكفاءات. فأينما ذهبوا إلى الخارج، كانت دول أخرى أكثر استعدادًا لاستقبالهم وتوظيفهم، بينما كان العراق يواصل سياسة تهميشهم. في البداية، كانت القوى السياسية تتحدث عن رغبتها في عودة هذه الكفاءات وإيجاد بيئة مناسبة لهم في العراق. لكن مع مرور الوقت، اتضح أن هذه التصريحات كانت مجرد وسيلة لتهدئة الرأي العام المحلي والدولي. حقيقة الأمر أن الكفاءات العراقية التي اختارت العمل في الخارج لا تجد في العراق بيئة ملائمة تُشجع على الابتكار أو تعطي قيمة حقيقية للعمل الجاد والمخلص. التعيينات على حساب الكفاءة في العراق، تتم عملية تعيين المسؤولين والقياديين في المؤسسات الحكومية بناءً على الانتماءات الحزبية والطائفية أكثر من كونها على أساس الكفاءة، قائمة السفراء الاخيرة دليل دامغ على هذا. إذا نظرنا إلى الطريقة التي يتم بها توزيع المناصب الحكومية، نجد أن السياسيين يعتمدون بشكل رئيسي على شبكة علاقاتهم الحزبية والقبلية، مما يضمن استمرار سيطرتهم على السلطة والمناصب في البلاد. ليس غريبًا أن نرى شخصًا يفتقر إلى الخبرة أو الكفاءة في مجال ما يتم تعيينه في منصب حساس وحيوي لمجرد كونه ينتمي إلى حزب معين أو طائفة معينة أو ابن او اخ فلان مسؤول. إذا كانت الكفاءة هي المعيار، لكان الوضع في العراق مختلفًا تمامًا. ولكن في ظل السياسات الحزبية الحالية، يتم تجاهل هذه الكفاءات بشكل ممنهج. تجد أن أصحاب الخبرات والقدرات الحقيقية إما مُهملون أو مضطهدون، بينما يتم ترفيع أولئك الذين يتبعون خط الأحزاب الحاكمة فقط. الواقع المؤلم: تضخم الرواتب والفساد من الأمور التي تؤكد فشل الحكومات العراقية في الاهتمام بالكفاءات هي السياسة الاقتصادية غير المدروسة والفساد المستشري. على الرغم من الإيرادات الكبيرة التي يحققها العراق من النفط، إلا أن هذه الأموال لا تُستثمر في مشاريع تنموية أو تحسين بيئة العمل لمختلف شرائح المجتمع، خاصة الكفاءات. الفساد داخل الحكومة يضمن أن الأموال تذهب إلى جيوب المقربين من الأحزاب والحكومة، بينما تُهدر فرص تطوير البلاد والارتقاء بمستوى العمل الحكومي والخدمات. إذا كانت الحكومة جادة في جذب الكفاءات العراقية من الخارج، لكان من المفترض أن تبدأ بتوفير بيئة حاضنة للابتكار والإبداع، وتعمل على محاربة الفساد المستشري، وتحقيق العدالة في توزيع الفرص. المعادلة الصعبة: نفي الكفاءة واحتكار السلطة ما يجعل مسألة عودة الكفاءات أكثر تعقيدًا هو أن السياسة العراقية الحالية تُبني على احتكار السلطة داخل مجموعة صغيرة من الأحزاب التي تسيطر على مفاصل الدولة. الكفاءات الحقيقية التي ترفض الانصياع للضغوط السياسية ولا تنتمي إلى أي حزب سياسي تصبح في نظر هذه الأحزاب تهديدًا لمصالحهم الخاصة. لذلك، لا نجد أي تحرك جاد نحو الاستفادة من هذه الكفاءات، بل يتم تجاهلهم وتهميشهم بشكل متعمد. خلاصة: أزمة قيادة، لا أزمة كفاءات إن أزمة العراق ليست في قلة الكفاءات، بل في عدم القدرة على استغلال تلك الكفاءات بسبب السياسات الحزبية الضيقة والتوجهات الطائفية. فكلما تكلم السياسيون عن “عودة الكفاءات”، فإنما يتحدثون عن شعار فارغ لا يعكس الحقيقة، بل هو أداة للتغطية على عجزهم في بناء دولة حقيقية. في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد العراقيين الذين يهاجرون طلبًا للفرص الأفضل، تظل حكومة العراق غارقة في لعبة المحاصصة والتوزيع الفئوي للمناصب.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: هذه الکفاءات فی العراق
إقرأ أيضاً:
التوظيف بين مطرقة الولاءات وسندان الكفاءة
في إحدى الاجتماعات، دار النقاش حول التوظيف وآلية اختيار الموظفين. قال أحد المديرين بثقة:”تسعون بالمئة من موظفي الشركة تم توظيفهم من خلالي”، متجاوزًا بذلك إدارة الموارد البشرية، التي وصفها بأنها “مُعطِّلة وتعوق سير العمل”. كان المشهد كاشفًا لحقيقةٍ تتكرر في كثير من المؤسسات؛ إذ يرى بعض المديرين أن الكفاءة والقرار الفعلي بيدهم وحدهم، بينما تُعامل إدارة الموارد البشرية كعقبة بيروقراطية لا كشريك إستراتيجي في بناء الفرق.
ولا شكّ أن القرار النهائي في التوظيف هو من صلاحيات المدير العام، لكن هل يعني ذلك إلغاء دور الموارد البشرية المتخصّصة في تقييم الكفاءات وضمان العدالة والالتزام بالأنظمة؟ أين يقف الحد بين الصلاحية الإدارية والاختصاص المهني؟ وهل يمكن للمؤسسة أن تنجح حين تُختزل معايير الاختيار في أهواء الأشخاص لا في معايير الكفاءة؟
في عالم المؤسسات الحديثة، يبدو أنّ معركة التوظيف لم تعد مجرّد بحثٍ عن كفاءات بقدر ما أصبحت ساحةً خفيّة لصراع النفوذ. فحين يقرّر المدير العام أن يفرض مرشّحًا بعينه، متجاوزًا المعايير والإجراءات، تتكشّف مواجهةٌ حادّة بين منطق السلطة ومنطق الحوكمة. هنا يطلّ دور مدير الموارد البشرية بوصفه “حارس البوابة” الذي يتولّى حماية معايير الجدارة والشفافية، فيواجه ضغوطًا متزايدة من قيادات ترى أن الصلاحية التنفيذية تمنحها الحق في التعيين المباشر بعيدًا عن المسار المؤسسي المنظّم.
مدير الموارد البشرية ليس موظفًا بيروقراطيًا يعوق سير العمل، بل هو صمام أمان، يضمن استقطاب الكفاءات وحماية المؤسسة من مخاطر التوظيف العشوائي. فهو يضع المعايير الدقيقة، ويشرف على استكمال الإجراءات القانونية، ويتأكد من أنّ كل مرشّح اجتاز اختبارات القدرات والخبرة. هذا الدور ليس ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة تحمي سمعة المؤسسة وتكفل لها الاستمرار في بيئة تنافسية قاسية. لكن، في المقابل، يقف المدير العام أو مدير القسم التنفيذي؛ باعتباره صاحب الرؤية التشغيلية الذي يعرف احتياجات فريقه اليومية، ويرى نفسه الأقدر على اختيار الشخص المناسب، بل ويعتبر أنّ نجاح العمل يمنحه سلطة القرار النهائي. في الأصل، هذا التوازن بين المعرفة التشغيلية والخبرة الإدارية مطلوب، غير أنّ الخلل يبدأ عندما تتغلب نزعة الهيمنة على صوت العقل.
تتفاقم المشكلة حين يتحول التعيين إلى وسيلة لترسيخ الولاءات الشخصية. بعض المديرين يتعاملون مع سلطة التوظيف؛ باعتبارها حصنًا يحمي موقعهم، فيسعون إلى تطعيم فرقهم بأصدقاء أو مقرّبين يضمنون ولاءهم المطلق. هذه الممارسات تبدو للوهلة الأولى خطوة لتعزيز الاستقرار الداخلي، لكنها في حقيقتها قنبلة موقوتة؛ إذ تؤدي إلى إحباط الموظفين الأكفاء الذين يرون الجهد والمعايير يتهاويان أمام المجاملة، وتزرع شعورًا بعدم العدالة يفتك بروح الفريق ويقوّض الثقة في المنظومة كلها. والأسوأ أنّ مثل هذه التعيينات قد تجرّ المؤسسة إلى مشكلات قانونية ودعاوى تتعلق بالتمييز، أو خرق أنظمة العمل، فضلًا عن الضرر الذي يلحق بسمعتها في سوقٍ يراقب أدق التفاصيل.
إنّ العلاقة بين المدير العام ومدير الموارد البشرية يجب أن تقوم على شراكة لا على صراع. فنجاح المؤسسة لا يتحقق بفرض طرفٍ إرادته على الآخر، بل بالتكامل بين رؤية تشغيلية تحدد الاحتياجات، وخبرة إدارية تضمن النزاهة والالتزام باللوائح. يمكن لهذه الشراكة أن تتجسد في لجان مقابلات مشتركة، أو آليات تحقق مزدوجة تمنح القرار النهائي شفافية ووزنًا مؤسسيًا يقي من المحاباة. وعندما يدرك كل طرف أن سلطته ليست مطلقة، بل محكومة بنظام يعلو على الأفراد، تصبح عملية التوظيف نقطة قوة لا ساحة صراع.
لكن الواقع يكشف أنّ بعض القيادات ما زالت تعتبر الالتزام بهذه الآليات مجرّد إبطاء لخططها أو تشكيكًا في حكمها، فيندفعون إلى التعيين المباشر بحجة الحاجة العاجلة أو الثقة المطلقة في قدرات المرشّح. غير أنّ هذه السرعة المتهوّرة لا تحمي المؤسسة من أخطاء التقدير، بل تعرّضها لفوضى لاحقة قد تكلّفها أضعاف الوقت الذي اعتقدت أنّها وفّرته. إنّ بناء فرق العمل ليس مسألة ولاء شخصي، بل مشروع إستراتيجي، يضمن بقاء المؤسسة وتطورها على المدى الطويل.